بدء التجارب لإنتاج لقاح شامل ضد الإنفلونزا

483635041.jpg

كشف باحثون من جامعة أكسفورد البريطانية أنهم عاكفون على إجراء تجارب على متطوعين سعيا لإنتاج لقاح جديد شامل يأملون أن ينجحوا من خلاله بوضع حد لمرض الإنفلونزا الذي يضرب مناطق
شتى من العالم في كل عام.
وقال الباحثون إن اللقاح الذي يجري اختباره يستهدف جزءا مختلفا من الفيروس لا تستهدفها اللقاحات التي يجري تداولها في الوقت الراهن، الأمر الذي يعني أنه لن يتعين تغيير اللقاح كل عام ليتمكن من القضاء على السلالات المتغيرة من أشكال فيروس الإنفلونزا.

وأضافوا قائلين إنه في حال نجاح اللقاح الجديد، فسيشكل سلاحا رئيسيا لمكافحة أي وباء إنفلونزا قد يتفشى في المستقبل.

وذكر الباحثون أن اللقاح الجديد يُعد بالنسبة للباحثين في مجال فيروس الإنفلونزا بمثابة "الكأس المقدسة" التي لطالما جهدوا للعثور عليها لمعالجة الزكام، إلاَّ أنهم أكدوا أن الطريق ما زال طويلا قبل أن يتمكنوا من الإعلان عن التوصل إلى إنجاز ملموس في هذا الشأن.

رد فعل

وقالت الدكتورة سارة جيلبرت، رئيسة فريق الباحثين الذين يجرون الاختبارات على اللقاح الجديد، إن لقاحات الإنفلونزا التقليدية مصممة لتوليد رد فعل مناعية للبروتينين إيتش (H) وإن (N) الموجودين عادة على الغلاف الخارجي لخلايا الفيروس.

لكن هذين النوعين من البروتينات تكون عادة عرضة للتغير والتبدل، الأمر الذي يعني أنه يتعين إعادة إنتاج صيغة أو نمط جديد من لقاح الإنفلونزا كل عام، وذلك بناء على سلالات الفيروس المحتمل أن تكون سائدة أو منتشرة بشكل أكبر في تلك السنة.


فقد قام الباحثون، عوضا عن ذلك، بتطوير اللقاح الجديد اعتمادا على البروتينات الموجودة داخل الخلية، والتي تكون إلى حد كبير متشابهة فيما بينها في سلالات الفيروس المختلفة، وذلك على عكس خلايا غلاف الخلايا الفيروسية.

فيروس الجدري

ويستخدم العلماء في تجاربهم على اللقاح الجديد فيروس الجدري الذي قاموا بإضعافه قبل جعله ينقل البروتينات إلى الجسم، وهي تقنية جرى استخدامها من قبل في لقاح السل.

وحالما يغزو الفيروس الخلية ويبدأ بالانقسام والتكاثر، يتم انكشاف البروتينات الداخلية تلك أمام النظام المناعي للجسم، ويُعرف هذان النوعان من البروتينات بالبروتين (1) البيني نظرا لوجوده بين الخلايا والبروتين النووي الموجود في نواة الخلية.

ومن ثم يقوم نوع محدد من الخلايا المناعية، ويُعرف بخلية تي (T) بتعلم عملية التمييز والتفريق بين الخلايا والتعرف عليها، وبالتالي تدمير ما يحتوي منها على البروتينين المذكورين في ثاني مرة تواجهها.

12 متبرعا

وقال الباحثون إنهم سيجرون اختبارات اللقاح الجديد على 12 شخصا تطوعوا لاختبار الجرعات قبل إجراء المزيد من الدراسات عليها لمعرفة فاعليتها على البشر المعرضين للإصابة بالإنفلونزا.

ورأت الدكتورة جيلبرت إنه في حال قيض للقاح الجديد أن ينجح، فقد يؤدي إلى إحداث تغيير شامل للطريقة التي يجري وفقها استخدام لقاح الإنفلونزا في الوقت الراهن.

وأضافت قائلة: "نظرا لأنه يتعين الآن إنتاج لقاحات جديدة للإنفلونزا في كل عام، فلا مجال لإنتاج ما يكفي من تلك اللقاحات."

وأردفت بالقول: "أما مع اللقاح الجديد، فقد ينتهي بنا الأمر إلى إنتاج كميات تكفي لتلقيح كل البشر، حتى نصل مع الإنفلونزا إلى وضع شبيه بوضع الحصبة التي لم نعد في الواقع نراها في أي مكان في العالم."

تصنيع مسبق

أما في حال تفشي مرض الإنفلونزا، فإنه يمكن سلفا تصنيع كميات هائلة من اللقاح الجديد وتخزينها، وذلك بدل الاضطرار للانتظار حتى تفشي الداء، ومن بعدها تحديد السلالة المنتشرة منه ومن ثم إيجاء اللقاح المناسب لها.

وقالت الدكتورة جيلبرت إنه في حال تلقي الأشخاص اللقاح الجديد للمرة الأولى، فلن يحتاجوا سوى لقاح داعم كل خمس أو عشر سنوات.

وتابعت بقولها إنه ما زال أمام فريقها من الباحثين حوالي خمسة إلى عشرة أعوام لإجراء المزيد من الاختبارات على اللقاح المذكور قبل أن يعلنوا عن النتائج النهائية التي يتوخون التوصل إليها.

نهج وأمل

وعبرت الباحثة عن أملها في إمكانية اتباع نهج مشابه في نهاية المطاف في إنتاج لقاحات لمكافحة الفيروس (HIV) المسبب لمرض فقدان المناعة المكتسب (الآيدز)، بالإضافة إلى الفيروسات المسببة لأمراض للسل والملاريا وحتى السرطان.

من جانبه، قال البروفيسور جون أوكسفورد، وهو خبير في شؤون لقاحات الإنفلونزا في مركز كوين ميري بجامعة لندن، فقال إن اللقاح الجديد سيكون بمثابة "الجائزة الكبرى" في مجال بحوث لقاحات الزكام.

وأضاف قائلا: "إلا أنه من الصعوبة بمكان الحصول على مثل هذه الجائزة، فقد يكون الأمر مجرد قضية حظ."

وأردف بقوله: "هناك أناس يحاولون تجريب شتى أنواع الاستراتيجيات."

"عبء ثقيل"

وتابع البروفيسور أوكسفورد قائلا إن الحاجة إلى تصنيع لقاحات مختلفة للإنفلونزا كل عام شكلت "عبئا ثقيلا" على الشركات الدوائية والصيدلانية في العالم.

وقال: "هذا الفريق لديه الخبرة بهذا النوع من اللقاح، ولذا فقد يتمكنون من الوصول إلى ما يصبون إليه."

يُذكر أن تجارب كانت قد أجريت على البشر سابقا سعيا لإنتاج لقاحات شاملة للإنفلونزا وأظهرت إحداها مؤخرا إمكانية إنتاج لقاح يحمي من كل أشكال الإنفلونزا مدى الحياة.

فقد أفضت تجارب أُجريت في الولايات المتحدة إلى إنتاج لقاح جديد قال الباحثون إنه "آمن وسريع المفعول ويساعد الجسم على بناء مناعة ضد الإنفلونزا".

مليون ضحية سنويا
وتتسبب الإنفلونزا، التي تنتشر في العالم على نطاق واسع خلال فصل الشتاء، بوفاة ما لا يقل عن أربعة آلاف شخص في بريطانيا سنويا، بينما يُقدر عدد من يلقون حتفهم بسبب المرض في العالم كا عام بما يتراوح ما بين 500 ألف ومليون شخص.

ويخشى العلماء من أنه في حال اندلاع النمط البشري من وباء إنفلونزا الطيور، فقد يودي بحياة خمسين مليون شخص على الأقل، كما كشفت تقارير نُشرت مؤخرا.

وكانت حكومة هونغ كونغ في الصين قد أمرت قبل أشهر بتعطيل المدارس لمدة أسبوعين بعد وفاة ثلاثة تلاميذ جراء تفشي داء الإنفلونزا في منطقتهم.