الهندسة الحيوية السنية و الخلايا الجذعية

1082.gif
الهندسة الحيوية Bio engineering


الهندسة الحيوية وتعرف أيضا بإسم الهندسة البيولوجية والتي ظهرت على السطح كمصطلح جديد عام 1954 م بواسطة العالم البريطاني هاينز وولف, وهو مصطلح يمثل العلم الذي يربط بين بيولوجيا الانسان وعلوم الهندسة وقوانينها , وتعتبر الهندسة الحيوية من أحدث العلوم الهندسية التي نشأت مع تطور الطب الحديث ، وتعنى بتطبيق مبادئ الهندسة على الأنسجة الحيّة لمواجهة التحديات في مجالات البيولوجيا والطب .ولذلك ظهر هذا المجال كنطاق مهم جدا في دعم العلوم الطبيّة وفتح أفاق جديدة لها في عالم الهندسة والميكانيكا والكمبيوتر تزامنا مع التطور العملاق في هذه المجالات.


ويمكن تقسيمه إلى قسمين رئيسين :
- الهندسة الطبية الحيوية ؛ التقنية الطبية الحيوية
وتشمل: التكنولوجيا الطبية الحيوية والتشخيص ، وطرق العلاج الطبية الحيوية ، وعلم الميكانيكا الأحيائية ، و المواد الحيوية.
- الهندسة الوراثية
وتشمل الهندسة الخلوية ، و هندسة زراعة الأنسجة








هندسة الأنسجة السنيّة

ولأجل الإنطلاق من خلال هذا الباب وتطبيق تقنية الهندسة الحيوية في مجال تعويض الأسنان إمّا كـسن كامل أو أنسجة سنيّة, فإنّ هذا الأمر يتطلّب ثلاث خطوات رئيسية عليها أن تتوفر وهي مثل المفاتيح الرئيسية من أجل تطبيق تقنية تكوين النسيج , والحقيقة فإن كل خطوة من هذه الخطوات قد وصل العلماء فيها من خلال العشرين السنّة الأخيرة تقدّم كبير ساهمت في التقدّم في هذه الطريق وهو طريق التعويض المثالي .
المفاتيح الرئيسية هي :

أ - خلايا جذعية غير متخصصة Dental stem/progenitor cells
ب - محفزّات استحثاثية لتشكيل الأسنان Inductive morphogenetic signals
جـ - حاويات للخلايا Scaffolds

1083.gif




أ- الخلايا الجذعية السنيّة Dental Stem Cells

من أجل عملية تجدّد الأسنان واستحداثها من جديد , فإن خطوات وشروط العملية عليها أن تماثل النسق الطبيعي لها وتشابهه وذلك سواءً جرت عملية الإستحداث هذه في بيئة خارجية صناعية أو بيئة داخل الجسم حيوية بإستخدام الخلايا الجذعية .



لكن السؤال هنا : ماهي الخلايا الجذعية ؟

هي خلايا حرّة غير متخصصّة متجدده لها قدرة عجيبة سبحان الله في التحوّل إلى أي نسيج تحت تأثير المحفزات.
ومن أجل عملية تكوين نسيج سنّي فإنّ دور الخلايا الجذعية كمصدر حيوي غني يأتي بكل تأكيد , من خلال قابليتها للتحوّل لأي نسيج .

ولأنَ تخلّق الأسنان بالأصل يأتي من خلال طبقتين وهما الظاهرة Ectoderm والمتوسّطة Mesencym , فكذلك نحتاج خلايا جذعية من النوع الظاهر والمتوسّط , حيثُ أن الخلايا الجذعية الظاهرة ستعطينا المينا , أمّا الخلايا المتوسّطة فستعطينا العاج واللبّ.



1084.gifشكل 3 : المحفزات والمستقبلات الحيوية
المصدر : [15]
Nicolle Rager Fuller
ب - المحفزّات الإستحثاثية



وهي محفزات هدفها جعل الخلايا تتحرك نحو التحوّل , وجودها وأهمّيتها لا يمكن تجاهله لأنها تعتبر شارة البداية والقائد للعمليّة خلال رحلة تحولّ الخلايا الجذعية إلى نسيج متخصصّ. وكثير من الأبحاث قد سارت في هذا الطريق لإستكشاف كثير من المجهول في هذه المنطقة .

تنقسم هذه المحفزّات والتي تقع تحت مسمّى عوامل النمو Growth factor إلى أربعة مجموعات مختلفة وهي : BMP, FGF,Hh, and Wnt , والتي تتحكم جميعها بتشكّل الأسنان من خلال رحلة طويلة تتطلّب إشارات ومسارات توجّه الخلايا أين تتجه وأين تتوقف .
وتدور التجارب حاليا للتعرّف أكثر على هذه العوامل المحفزّة والمؤشرات المختلفة وعلى المسارات أكثر وتداخلها مع عملية هندسة الأنسجة السنيّة.
ولقد قامت دراسات كثيرة من أمثال تجارب ريبامونتي وزميله ريدي عام 1997 , و أيوهارا عام 2004 بإستحداث جزئي لأنسجة سنّية من خلال أستخدام عوامل نمو مختلفة تمثّل المؤشرات التي تحدّثنا عنها وقد استخدموا هنا أمثال BMP و PDGF . وجميع هذه الدراسات هي على الطريق الذي يجعلنا نتعرّف أكثر على هذه العوامل التي تمثّل لنا سرّ كبير والتي تحتاج بحث أكثر من أجل التعرّف عليها وعلى السؤال المهم كيف تبدأ عملية تخلّق الأسنان وأين تسير ومتى تتوقف ؟







جـ - الحاويات الخلوية Scaffolds



الحاويات الخلوية هي مهمّة أيضا بطبيعة الحال لأنّها المكان الذي يمثّل العشّ الذي بالإمكان أن يحتوي الخلايا الجذعية والمحفزّات . وهذه الحاويات بمواصفاتها الخاصة عليها أن تسمح بتفاعل الخلايا مع بعض , و تساهم في تحوّلها و تطوّرها ونموّها كنتيجة مطلوبة .
من هذه المواصفات هو ان تكون تسمح بمرور الخلايا من خلال فتحات مايكروسكوبية صغيرة جدا , وكذلك عليها أن تتآكل ذاتيا بنسق يناسب نموّ الأسنان تدريجيا , ومع هذا التآكل عليها أن تحافظ على قوّتها ومتانتها من أجل ان تتحمّل حركة الخلايا من خلال عملية التطوّر المطلوبة .

وبالنسبة للمواد التي تصنع منها الحاويات فإما أن تكون مواد طبيعية أو صناعية

وبصورة عامة هي تقع تحت قسمين رئيسين :
- مواد الراتنج Polymers
- مواد السيراميك Ceramics



النوع الأول : مواد الراتنج Polymers



بالحديث عن مواد الراتنج فنحن هنا نتحدّث عن نوعين أيضا : الطبيعي والصناعي , ولكل نوع منها مزايا وعيوب .
بالنسبة لراتنج الصناعي synthetic polymers مثال , PGA و PLGA , هي مواد تستخدم كحاويات للخلايا ولقد استخدم العالمان جين في عام 2003 و زهاو عام 2004 مادّة الراتنج الصناعي من النوع PLGA بشكل أسفنجة , سمحت بتوصيل خلايا الملاط والخلايا الليفية مع الكيس الأسناني مماساعد في تجدد الانسجة الحول سنيّة مثل الأربطة والعظم السنخي.
وهذه الراتنجات بالإمكان تصنيعها بأشكال متعددة مما يسمح بتصميم أشكال مختلفة للأسنان أوالأجزاء السنيّة المرغوبة.
لكن ممايعاب عليها حقيقة , مشكلة المواد الحمضية الناتجة بعد التحلل الذاتي للمادة مما يساهم في عدم تجانسها ومناسبتها للجسم والبيئة الحيوية. كذلك مع تحللها التدريجي تبدأ تفقد بعض من قوّتها ومتانتها.أمّا الراتنج الطبيعي مثل الكولاجين والذي اُستخدم كحاوية لسن كامل , وفي تجربة أخرى لتجديد الأنسجة الحول سنيّة , فإن أهمّ عيبين يطلوّن علينا هما : تحللّ هذه المادة السريع جدا من خلال امتصاص الجسم لها قبل حتى أن تنمو الخلايا وتتطوّر , وكذلك عيب ضعفها وقلّة متانتها في تحمّل الخلايا و ومقاومتها للأنزيمات المحللّة.

النوع الثاني : السيراميك


وتتضمّن Hydroxyapatite و Tricalcium Phosphate وهي مواد غير عضوية تتميّز بتشابهها مع المادة العظمية ومناسبتها للجسم والبيئة الحيوية بشكل ممتاز . لكن مشكلتها الأهم هي عدم ثباتية تحلّلها , حيث لا نستطيع أن نعلم متى وكيف سينتهي التحلّل . لأن الأمر هنا يعتمد على عوامل كثيرة مثل تبلور المادة , الفراغات , كثافة المادة , ولا ننسى ردّة فعل الجسم التي تختلف من مريض إلى أخر.
إذا الخلايا الجذعية السنّية + المحفزّات+ الحاويات جميعها مهمّة جدا من أجل استحثاث نمو الخلايا وتكوين إمّا أسنان كاملة طبيعية او أنسجة سنيّة مختلفة مثال اللب والمينا أو العاج .

1085.gifشكل 5






تطبيقات الهندسة السنيّة الحيوية



  • العالم ميورا (2003) قام بعزل خلايا جذعية من أسنان لبنية مخلوعة , ووجد أن هذه الخلايا قادرة على التحوّل إلى خلايا عصبية , خلايا دهنية , و أيضا وهو الذي يهمّنا أكثر في عالم طب الأسنان أنّه وجد بالإمكان تحويلها إلى خلايا العاج Odontoblasts.
  • العالم مكلوش عام 1995 وكذلك العالم بارتلود بالعام 2006 أستطاعوا عزل خلايا جذعية من الأربطة الحول سنيّة والتي لها امكانية التحوّل إلى خلايا ليفية , عظمية , وخلايا الملاط.
  • ايورهارا لعام 2004 والذي أقام تجربته على الكلاب أكتشف أنّه تحت تأثير بروتين BMP2 , خلايا اللب الغير متخصصة تستطيع التحوّل إلى خلايا العاج . وعند نقل هذه الخلايا المعالجة إلى تجويف لبّ فإنها تكوّن عاج .
  • وكذلك العالم زانج من خلال تجربته عام 2005 قام بزراعة خلايا لبّ لأسنان قواطع علوية لفأر في حاويات من التيتانيم أو Tricalcium Phosphate , والتي تحوّلت إلى خلايا عاج وكوّنت عقد متكلّسة شبيهة بالعاج.



الهندسة الحيوية السنيّة هي المستقبل للتعويض المثالي , وإن كانت الآن في طور التجارب , لكن مع البحث المستمّر ومحاولة تطوير الطرق التي نزرع فيها الخلايا وتشكيلها بالشكل المناسب , سيتغّير وجه طب الأسنان الحديث إلى طريق مختلف تماما , يقلّ فيه استخدام المواد الصناعية ويظهر حلم بأن يكون هناك سن طبيعي لإستبدال السن المفقود . وسيكون التحدّي الكبير الذي يقابل هذا العالم القادم هو بكل تأكيد كيفية تطوير التقنيات الحالية لنقل التجارب من الحيوان إلى الأنسان, و من البيئة الخارجية الصناعية (in vitro ) إلى البيئة الحيوية (in vivo ) ومن ثم التفكير في تصوّر مهمـ وهو كيف يتعايش هذا النسيج الحيّ الجديد مع الانسجة الحيوية الموجودة سابقا بالجسم , كيف ينطبق السن الطبيعي الجديد مع الأسنان التي بجانبه والتي بالفك المقابل ؟! كيف ينتقل الإحساس من خلاله ؟ أسئلة كثيرة تحتاج أفكار وأبحاث أصيلة لنصل لليوم الذي يذهب فيه المريض إلى طبيب أسنانه ليحصل على سن طبيعي حيّ مزروع من خلاياه الجذعية .