الحقن السنية غير المؤلمة

يبدي المرضى عموما ً خوفا ً من الحقن السنية . ويتمثل أحد الجوانب التي تبعث على بناء الممارسة السريرية الناجحة , وكسب ثقة المريض وتعاونه , في انتقاء طرق الحقن التي تسبب اقل ألم ممكن للمريض . إذ مما لاشك فيه أن المريض سيخبر أسرته وأصدقاءه أن طبيبه ( لم يؤلمني عندما أعطاني إبرة المخدر ) وعلى الرغم أن معظم الحقن لا يمكن أن تتم دون ألم تماما ً , إلا أنه يمكن السعي لجعل إنزعاج المريض في حده الأدنى , فهذا بحد ذاته كفيل بتهدئته ورفع عتبة الألم لديه بشكل فعال مما يزيد من مستوى تحمله , وهناك العديد من النصائح والطرق التي تم تجريبها لجعل الحقنة السنية غير مؤلمة . إلا أن القليل منها فعال , فيما يبدو أن الأخرى أقرب إلى البدع أو أساليب التحايل ( gimmick ) . وعليه سنتطرق للعوامل الفعالة في جعل الإبرة السنية غير مؤلمة , ومن ثم نستعرض العوامل والإعتقادات الخاطئة وغير الفعالة في هذا المجال .


العوامل الفعالة في الحقنة السنية غير المؤلمة:

- كسب ثقة المريض : وهو العامل الأكثر حسما ً والأكثر تأثيرا ً . فتحقيق التواصل مع المرضى وإبداء الإهتمام بهم وإعلامهم أنك متفهم تماما ً لمخاوفهم إلى جانب اهتمامك بمشاكلهم السنية , كفيل برفع مستوى ثقتهم بك وبشكل ملحوظ . والمسالة الأكثر أهمية ً هنا أن كسب ثقة المريض سيوفر للطبيب السيطرة على الموقف وهو أمر مهم جدا ً فتحقيق السيطرة على الحالة إضافة إلى كسب ثقة المريض يمكننا من استخدام قوة ( الإيحاء ) على المريض . وعلى سبيل المثال يمكن اخبار المريض " كذبات بيضاء صغيرة " لازالة التوتر لديه وكسب ثقته مثل : ( إنني أستخدم تقنية جديدة في التخدير وهي غالبا ً غير مؤلمة ) . أو ( سأستخدم محلولا ً مخدرا ً حديثا ً أقوى من المحاليل المعتادة , فضلا ً عن أنه غير مزعج أثناء الحقن ) . أو ( هل تريدني أن استخدم طريقة الحقن العادية أم أنك تفضل الطريقة الخاصة وغير المؤلمة تقريبا ً ) وطبعا ً فجواب المريض واضح هنا . وعلينا أن نتذكر أن معظم المرضى الذين يعانون آلاما ً لبية ً عندهم سوية زائدة من الخوف وبالتالي عتبة ألم منخفضة , لذلك من الضروري هنا استخدام طرق أخرى خاصة معهم , مقارنة ً مع مرضى الإجراءات السنية الأخرى .

- الحقن البطيء : يعتبر الحقن البطيء من العوامل الفعالة جدا ً في التقليل من ألم وازعاج الحقنة السنية فالحقن البطيء جدا ً جدا ً يسمح للمحلول المخدر بالانتشار تدريجيا ً , فالضغط الناجم عن الحقن يسبب معظم الألم وعليه يعتبر الحقن شديد البطء العامل الأكثر أهمية ً في التقليل من ألم الحقن , وذلك في المناطق التي تكون فيها النسج ملتصقة بشدة أو في مناطق الكثافة الليفية العالية . ومثال ذلك منطقة القواطع العلوية ومنطقة الحنك الخلفي والمنطقة الحنكية الأنفية وبتطبيق هذا الشرط غالبا ً ما تكون حقن هذه المناطق غير مؤلمة , وذلك خلافا ً لما عهده المريض من تجاربه السابقة .

- التخدير السابق : ( preanesthesia ) . وتتمثل هذه الطريقة بحقن المحلول المخدر من خلال منطقة تم تخديرها مسبقا ً إلى منطقة أخرى يراد تخديرها . ومثال ذلك تخدير النسج الرخوة على السطح الحنكي بعد التخدير الموضعي ( بالإرتشاح ) للنسج الرخوة على السطح الدهليزي .

- الحقن على مرحلتين : ( tow - stage injection ) . حيث نقوم هنا بحقن كمية صغيرة من المخدر , تماماً تحت الغشاء المخاطي وهي عملية غير مؤلمة تقريبا ً وبعد حدوث بعض التخدير في المنطقة , يعاد الحقن مرة أخرى ونحقن الكمية الباقية في الأمبولة . حيث يتم ذلك عادة ً دون احساس المريض بأي ازعاج . ويمكن استخدام هذه الطريقة في أي منطقة بما فيها الحقنة السنخية السفلية ( شوك سبيكس ) حيث تحقن الحقنة الأولية تحت المخاطية فقط .

- ادخال الإبرة : ( needle insertion ) . إن زلق ( slipping ) ابرة حادة ( ذات شطب حاد ) بلطف وبشكل بطيء ومتمكن عبر المخاطية دون مس السمحاق أو العظم , غالبا ً ما يكون غير مؤلم بالنسبة للمريض .

- إلهاء المريض : ( distraction ) . فقد تبين أن الهاء المريض عبر الحديث أو صرف تفكيره الى موضوع آخر أثناء الحقن . هو من الأمور ذات الفائدة الكبيرة لجعل الحقنة السنية غير مؤلمة . كأن نطلب من المريض أثناء الحقن رفع شفته بيده أو ان يقوم بحركة ما يركز انتباهه عليها أو أن نجعل الممرضة السنية تشتت انتباهه بأمر ما ( طبعا ضمن الأصول ) مما يصرف تفكيره عن الحقنة الى حد ما . وعلى أية حال , فقد تكون عملية الإلهاء غير محبذة ٍ من قبل بعض المرضى كما أنها قد تعيق أو تضعف سيطرتنا على الإبرة أثناء الإدخال

العوامل غير الفعالة في الحقنة السنية غير المؤلمة :

ونتناول فيها بعض الأفكار والمعتقدات التي يظن بعض الأطباء أنها تساهم في جعل الحقنة السنية غير مؤلمة رغم أنها قد لا تكون كذلك , فرغم وجود طرق أخرى متنوعة غير التي ذكرت آنفا ً , حققت نجاحا ً ( وفق ما يذكره البعض ) إلا أنه يبدو أنها لا تخرج عن سياق القدرة على الإيحاء . كذلك اذا كان طبيب الأسنان يعتقد ويؤمن بفعالية طريقة ما , فإن قوة الإيحاء تؤثر هنا أيضا ً على الطبيب . فإذا كان كل من الطبيب والمريض يعتقدان بنجاعة طريقة ما , فلبس هناك من مبرر لعدم استعمالها . وعلى كل حال فقد كشفت الدراسات الدقيقة أن كلا ً من الطرق التالية غير فعالة ٍ بشكل جيد :

- التخدير الموضعي لمكان الحقن : فعلى الرغم من رواج استخدام المخدرات الموضعية ( سواء ارذاذ أو جل ) , فقد بينت الدراسات المبنية على المقارنة بين تطبيق مخدر موضعي حقيقي وآخر خلبي , أن المرضى لا يدركون الفرق بين الإثنين اعتمادا ً على الألم أثناء ادخال الإبرة والحقن . حيث أن مركبات المخدرات الموضعية تحدث أثرا ً مخدرا ً موضعيا ً سطحيا ً في حال تطبيقها بتماس تام مع المخاطية مدة ً لا تقل عن خمس دقائق أو أكثر وذلك للسماح للمخدرات الموضعية بالارتشاح باتجاه الأعصاب تحت المخاطية , وهي دقائق ثمينة بالنسبة لطبيب الأسنان

الإبرة ذات القطر الصغير ( الرفيعة ) :
هناك ما يغري للإعتقاد بأن الإبر الأصغر قطرا ً ستكون أقل إيلاما ً للمريض . وهذا ليس صحيحا ً أبدا ً , فالمرضى لايستطيعون تمييز الفرق من حيث الألم بين الأقطار المختلفة لرؤوس الإبر ( 25 أو 27 أو 30 ) غوج مقارنة ً مع الشطب الحاد والتعامل و الإدخال الدقيق واللطيف للإبرة . كما أن من مساوئ الإبر ذات الأقطار الصغيرة زيادة امكانية التوائها وهذا يعني تحكما ً وسيطرة أقل على الإبرة .

تدفئة المحلول المخدر : و مفاد هذا الإعتقاد أن النسج تحتمل المحلول المخدر بشكل أفضل فيما لو تمت تدفئته ليصل الى درجة حرارة الجسم أو أكثر قليلا ً . وهناك أجهزة خاصة مطروحة في الأسواق لهذا الغرض , أو وضع الأمبولات ضمن حمام ماء دافئ أو بفركها بين راحتي اليدين . ولكن الواضح أن المرضى لا يميزون بين المحاليل المخدرة المدفأة مسبقا ً أو تلك التي لها نفس درجة حرارة الغرفة