فرط التقرُّن والطـَلـَوَان

HYPERKERATOSIS AND LEUKOPLAKIA

يتم الحفاظ على الظهارة المفرطة التقرُّن في الفم رطبة باللعاب وتبدو بيضاء.  ويستعمل مصطلح التقران keratosis عادة عندما يتم التعرف على العامل السببي بسهولة وعندما يؤدي إيقاف المادة المهيجة إلى تراجع اللطخة البيضاء بمرور الوقت، مثل التقران الاحتكاكي أو تقران المدخنين. والطـَلـَوَان leukoplakia يستعمل أيضًا كمصطلح يصف اللطخة الطـَلـَوَانية البيضاء في الفم أو في أغشية مخاطية معينة أخرى. وهو يستعمل بعدة معانٍ من قبل الأطباء المختلفين، ولكنه يستعمل بشكل عام عندما لا يتم التعرف على العامل السببي أو عندما تصبح الآفة راسخة إلى درجة لا تتقهقر بعدها، عند ايقاف المادة المهيجة. ويصر بعض أطباء علم الأمراض على أن تبدي الظهارة خللا في التقرُّن dyskeratosis في الفحص النسيجي للخزعة.

          وتذكر التقاليد أن التدخين Smoking والإفرنجي Syphilis والإنتان Sepsis وحافة سن حادة Sharp (تهيج احتكاكي مزمن) والكحولات Spirits والتوابل Spices، تسبب الطـَلـَوَان (the six Ss). ولهذا التقليد نصيب من الحقيقة، ويجب إضافة داء المبيـِّضات candidaiasis إلى هذه القائمة.

          ومعظم القرحات التي تسببها الأسنان المكسورة أو المتسوسة أو البدلة السنـِّية حميدة، ولكن فرط التقرُّن hyperkeratosis والسرطان يعثر عليهما في المكان الذي تحتك فيه حافة مدببة مقابل اللسان. ويسبب الإفرنجي كما وصف سابقــًا التهاب اللسان السطحي الذي يحدث فيه الطـَلـَوَان مع احتمال تحول خبيث فيه أيضًا.

          ويسبب التدخينُ فرطَ التقرُّن hyperkeratosis في الحنك والحفـَّاف hard and soft palate (الشكل 31-13). وتظهر قنواتُ الغدد المسطومة بالكيراتين كنقاطٍ بارزة. وينشأ فرط التقرُّن أيضًا في الخد خلف صوار الشفتين  وفي أرضية الفم حيث ينساب اللعاب المشبع بالكيماويات في الشفتين في موقع وضع السيجارة أو السيجار. وقد تنشأ لطخة بيضاء في اللسان مقابل نهاية السيجار أو الغليون. ويحدث الطـَلـَوَان وسرطان الخلية الحرشفية على الأرجح إذا أضيف شرب الكحول إلى التدخين وبشكل أساسي في اللسان أو أرضية الفم. ويندر حدوث السرطان في تقرُّن المدخنين الحنكي. والتبغ الممضوغ الذي يدعى التبغ اللادخاني smokeless واستعمال التبغ المطحون أو المسحوق المستنشق يسبب الطـَلـَوَان والتحولات الخبيثة أيضًا. والطحن يحرر نيتروزامينات مسرطنة بشكل خاص.

          والتابل (توابل) التقليدي هو بزرة الفوفل betel nut. وبزرة الأريكا areca (الفوفل betel) المخلوط بالتبغِ والتوابلِ والكلسِ المطفيِّ تـُلـَـفُّ في ورقة فوفل (من نبات Piper betle) وينشأ الطـَلـَوَان بالقرب من مكان وضع ‘المخزن pan’ في الفم، عادةً بين الخد وجنب اللسان. وتمضغ  أوراق أخرى، القات في اليمن والصومال أيضًا ومجتمعاتهما في المملكة المتحدة.

          ان علاقة المبيـِّضة البيضاء C. albicans مع الطـَلـَوَان  ليست مفهومه تمامًا. ويبدو أن الطـَلـَوَان ينشأ عقب خمج المبيـِّضة الطويل الأمد (داء المبيـِّضات الضخامي المزمن). ويبدو أن المبيـِّضة في أحوال أخرى تغزو الظهارة الضخامية بشكل ثانوي. وقد يكون المظهر السريري أبيض مبقعًا على خلفية بلون زهري وليس أبيض منتظمًا. والطـَلـَوَان المبقع عرضة بشكل خاص لنشأة السرطان.

مراحل نشوء الطـَلـَوَان  Stages in development of leukoplakia

يوجد مبدئيًا في نشوء الطـَلـَوَان فرط تقرُّن hyperkeratosis مع زيادة بسيطة في بروز الشبكة الوتدية rete pegs. وتتجمع اللمفاويات وخلايا البلازما في حليمات الجلد. ويوجد في هذه المرحلة تورُّد حليبي في السطح المخاطي. وتحدث فيما بعد زيادة كبيرة في سماكة الظهارة، وتطول الشبكية الوتدية (الشُواكة acanthosis) ويصبح ارتشاح الخلايا المستديرة كثيفًا تمامًا. ويزيد عدد التفتـَّل (الانقسام الفتيلي) mitosis بين الخلايا القاعدية. وتوجد سريريًا الآن لطخة بيضاء ملساء مميزة مثل الطلاء وهي جافة وخشنة عند لمسها. ويظهر الانقسام الفتيلي بالنهاية في الخلايا فوق الطبقة القاعدية وتتقرُّن بعض الخلايا قبل وصولها إلى السطح (خلل التقرُّن dyskeratosis). وعندئذ يكون على مرمى حجر فقط من السرطان  في موضعه in situ ونشأة سرطان الخلية الحرشفية، السرطان المبرَّق verrucous carcinoma. ومرحلة الفقدان اللطاخي في خلل التقرُّن في الطبقة المتقرِّنة ينزع إلى الحدوث ليعطي مظهر خليط أحمر وأبيض (الشكل 31-14). وينبئ المظهر المائي للسطح عن نشأة السرطان (الشكل 31-15) .

          وتتباين الآراء بصدد خطورة التحول السرطاني، وتعتمد النصيحة جزئيًاعلى اتساع الآفة وجزئيًا على حكم الطبيب المعالج. ويجب تقديم النصح للمريض حتى يترك المهيجات المعروفة، عندئذ تختفي الآفات المبكرة بعد بضعة شهور ولكنها تعود في الحال إذا استؤنفت العادات القديمة. والتدخين والتبغ الممضوغ والمشروبات الكحولية والفوفل betel هي الأهداف الرئيسية. وهناك أدلة على انتشار سرطان الفم المتزايد الذي يعقب زيادة استهلاك الكحول في المجتمع. وهذا ملحوظ مثلا في البلدان التي يكثر فيها شرب النبيذ. والسبب ليس واضحًا. وقد يكون نتيجة مواد كيماوية غير الكحول التي تعطي مذاق الشراب المميز أو نتيجة التأثيرات التغدوية للكحولية المزمنة أو تأثيرات غير مباشرة بسبب تلف الكبد. ومهما كانت الآلية ، فإن للتدخين تأثيرًا متآزرًا synergistic في زيادة الخطورة وليس تأثيرًا إضافيـًّا صِـرْفـًا. ويمكن استئصال اللطاخات البيضاء الصغيرة وتؤخذ خزعة من الكبيرة. ويجب تجربة معالجة طويلة بالنيستاتين أو الأمفوتيرسين الموضعي إذا وجدت المبيـِّضة candida. ويجب مراقبة الآفات المفرطة التقرُّن من غير تحول سابق للخباثة premaligant ومناطرتها بفحوصات خلوية تقشيرية exfoliative من وقت لآخر. ويجب استئصال الافات ذات الخلل التقرُّني والسرطان في موضعه in situ وتطعيم المنطقة. واللطاخة البيضاء (أو الحمراء) مع ذلك، هي الجزء العياني الأكثر تقدمًا من التحول الحقلي الأكثر اتساعًا. وهناك أدلة على أن ذلك يمتد حتى  إلى ما بعد المنطقة السوية  التي تحيط بالطـَلـَوَان سريريًا ولكنها شاذة مجهريًا.

          لهذا السبب، قد لا يكون ذلك مقصورًا على اللطاخات البيضاء الواضحة إذا كان هناك احتمال تحول خبيث. ويكون السطح المخاطي كله في بعض الأفواه غير مستقر وعرضة للخطر. وتخضع المناطق الحمراء الضمورية للتحول الخبيث  تمامًا مثل اللطاخات البيضاء.

          وتتكفل المداواة بالأشعة بالتخلص من الطـَلـَوَان مع أن فرط التقرُّن ينزع إلى العودة بعد شهور أو سنوات. ولسوء الحظ، هناك أدلة على أن المداواة بالأشعة تزيد إمكانية التحول الخبيث.

          آفات أخرى مفرطة التقرُّن Other hyperkeratotic lesions. الحالات الأخرى التي تسبب لطاخات بيضاء هي: الحَزَاز المسطـَّح lichen planus، ويسبب بشكل مميز مظهرًا شريطيًا مخططـًا، وقد يشكل لويحة. وتشاهد لطاخات بيضاء أحيانًا في الذَأَب، حُمَامَى  الذَاّب القرصاوي discoid lupus erythmatosus. والوحمة الاسفنجية البيضاء white sponge naevus لها مظهر مَثـْـني folded وتغطي كلا الخدين وأرضية الفم. وهي موروثة في بعض الحالات.

          إن اللطاخة البيضاء المتناظرة في سطح اللسان السفلي والمنطقة تحت اللسان كانت تعتبر آفة نمائية، ولكنها مكتسبة بالتأكيد تقريبًا وتحمل خطورة بالغة للتحول الخبيث.

          التقرُّن الأبيض في مخاطية الفم Leukokeratosis mucosae شذوذ ولادي آخر يكون لكل الأغشية المخاطية الفموية فيه، مظهر فلمي أبيض.

          التليف تحت المخاطي Submucous fibrosis. يسبب التليف تحت المخاطية شحوبًا مبقعًا أو رخاميًا في مخاطية الخدين والحنك  واللسان واللثــَّات، ولكن الشحوب في هذه الحالة ينجم عن مغراء collagen يترسب تحت المخاطية. وتصبح الشفتان والخدان متصلبة وتفقد مرونتها. وتنشأ حِـزَمٌ من النسيج الليفي تحت المخاطية وتقيد حركة الفك فيصبح فتح الفم مقيدًا بدرجة كبيرة. ويعتقد أن الحالة تنجم عن بعض المكونات الكيميائية من مضغ بزرة الفوفل betel nut (المخزن pan) (انظر الطـَلـَوَان  leukoplakia). وسرطان الخلية الحرشفية ليس مضاعفة نادرة. وكان التليف تحت المخاطية يشاهد في المرضى في أواسط العمر، ويظهر الآن عند المراهقين في شبه القارة الهندية لأن بزرة الأريقة areca nut تضاف إلى الحلويات.

          اللسان الشعري Hairy tongue. تفشل الطبقة المتقرُّنة في التوسف desquamation بشكل سوي من الحليمات الخيطية التي تطول بشكل كبير حتى تشبه غلافًا من الشعر. وقد يأخذ ‘الشعر’ ألوانًا متباينة نتيجة وجود كائنات حية مولدة للألوان chromogenic organisms التي تنتج لسانًا شعريًا أسود أو بنيـًّا. وفي بعض الأحيان، تصبح الحليمات الخيطية السوية، عقب استعمال الصادَّات، طويلة بدرجة قليلة بسبب الكيراتين، وتتلون بلون أسود من الكائنات الحية المقاومة للصادَّات مثل الفطريات. وهذا الشكل من اللسان الشعري الأسود سرعان ما يصبح نظيفـًا بعد إيقاف استعمال الصادَّات. واللسان الشعري الحقيقي عنيد أكثر، ولكن يمكن وضعه تحت السيطرة بكشطه ميكانيكيًا. ويجب أن لا تخلط الحالتان مع تفري furring اللسان في المرضى المعلولين. إن التجفاف وغياب التنظيف الميكانيكي في مريض لا يأكل بشكل سوي يتضافران حتى تتجمع الخلايا في الحليمات الخيطية .