الفسيولوجيا والمظاهر PHYSIOLOGY AND MANIFESTATIONS

 

خلفية Background . من الواضح أن المصريين قد عرفوا عن الخمج. وكانوا بالتأكيد قادرين على منع التعفن فقد شهد لهم التحنيط بمهاراتهم. وتصف كتاباتهم الطبية على ورق البردي أيضـًا استعمال المراهم والمطهرات antiseptics لمنع الخمج في الجرح. وقد عرف هذا  أيضًا، بالرغم من أنه موثَّقٌ بدرجةٍ أقل، كل من الآشوريين واليونانيين، خاصة في تعاليم أبقراط*، التي صقلت استعمال الممارسة المضادة للجراثيم. واستعمال الخمر والخل لإرواء الجروح المفتوحة المخموجة قبل الإغلاق الثانوي الناجح كانت تمارس بشكل واسع. كل هذه الحضارات، وفيما بعد الرومان، تشترك بمثل مأثور يقول إن القيح بمجرد أن يتكون في جرح مخموج، فهو بحاجة إلى نزح.

واكتشف جالين* Galen أن توَضُّعَ الخمج (التقيح suppuration) في الجروح الناتجة عن القتال في المدرجات  الرومانية حتى الموت مؤشرٌ على بداية الشفاء، خاصة بعد نزح القيح ((pus bonum et laudabilé. وللأسف، أسيء فهم هذا القول المأثور من الكثيرين حتى النهضة الأوروبية الحديثة، وقد حفز ممارسون عديدون التقيحَ في الجروح بوضع مواد مؤذية كثيرة بما فيها الغائط، لاعتقادهم الخاطئ أن الالتئام لا يحدث من دون تقيح. لقد كان هناك بصيص من الضوء الذي ألقي في هذا الطريق المظلم الطويل: إن ثيودوريك* الصربي Theodoric of crevia وأمبروز باري* Ambroise Paré وجاي دي شولياك* Guy de Chauliac جميعـًا أدركوا أن الجروح النظيفة التي تغلق إغلاقـًا أوليًا تلتئم من دون خمج أو تقيح.

وقد تم فهم أسباب الخمج في القرن التاسع عشر. فقد شوهدت الجراثيم تحت المجهر، بينما وضع كوخ* Koch أول تعريف للمرض الخمجي (فرضيات كوخ). وهذه أساسًا تقول إنه يمكن اعتبار أي جرثومة معينة مسؤولة عن الخمج إذا وجدت بأعداد كافية في بؤرة إنتانية، ويمكن زراعتها بشكلها النقي من عينات تؤخذ من البؤرة، وتسبب آفات مماثلة عندما تغرز في ثويٍّ host آخر.

وأظهر اختصاصي الولادة النمساوي أجناس سيملويس* Ignac Semmelweis أن وفيات الأمهات نتيجة الإنتان النفاسي puerpural sepsis يمكن أن يقل عشر مرات بعمل بسيط وهو غسل اليدين بعد فحص الجثة بعد الموت قبل الذهاب إلى جناح الولادة.

وعلم لويس باستير* Louis Pasteur أن الجراثيم تتلف الخمر. وقد طبق جوزيف ليستر* Joseph Lister هذه المعلومات لتخفيض الكائنات الحية في الكسور المضاعفة مما سمح بإجراء الجراحة من دون خمج. ومع ذلك، فإن رذاذه من الفينول phenol spray السام ومبادئ الجراحة مضادة الإنتان سرعان ما أفسحت المجال للجراحة الطاهرة aseptic عند بداية القرن - وهو أسلوب مازال يستخدم غرف العمليات الحديثة.

لقد أدى مفهوم "الرصاصة السحرية" التي يمكن أن تقتل الجراثيم من دون أن تقتل الثوي host إلى العلاج الكيمياوي المبكر بالسلفوناميد sulphonamide. وقد عزل فلوري* وتشين* Florey and Chain صادَّة البنسلين penicillin الذي يعزى اكتشافها إلى ألكسندر فلمينج* Alexander Fleming. وكان أول مريض عولج بالبنسلين الكونستابل الكسندر Constable Alexander الذي عاني من علة وخيمة بالمكورات العنقودية satphylococci، وشفي جزئيًا قبل نفاد البنسلين، ولكنه انتكس ومات. ومنذ ذلك الوقت زادت مجموعات الصادَّات  كثيـرًا وتحسن وِسْعُها ضد الجراثيم. إن القليل من المكورات العنقودية حساسة للبنسلين ولكن علل العقدية streptococci تستجيب على الرغم من أنها تشاهد قليلاً في الممارسة الجراحية. وتصبح كثير من الجراثيم مقاوِمةً باكتسابها أنظيم بيتا-لاكتاميز b-lactamase الذي يمكن أن يكسر حلقة بيتا-لاكتام الشائعة في صيغة الكثير من الصادَّات. وفي الجراحة العامة تشكل التآزرية synergy بين العـُصَيـَّات غرام سلبي الهوائية والعصوانيات اللاحيوائية anaerobic bacteroides الخمج الأكثر تحديًا. ويمكن إعطاء صادَّات وسيعة broad-spectrum antibiotics على أساس تجريبي لعلاج هذه الأخماج أو تعطى صادَّات أكثر نوعية ونطاقها ضيق حسب المزرعة والحساسية. إن نطاق الجراحة التي تمارس الآن مدين كثيرًا إلى استعمال الصادَّات المعقول - وقد لا يعتبر التهاب الصفاق البرازي faecal peritonitis مميتـًا، وقد تلتئم الجروح التي تنفذ بوجود مثل هذا الخمج من دون إنتان. والمرضى الذين يخضعون للجراحة البديلة prosthetic surgery أو المثبطين مناعيًا immunosuppressed قد يُجَنـَّبوا الخمج في جروحهم باستعمال الصادَّات الإتقائية بشكلٍ صحيح.

 

الفسيولوجيا physiology

تمنع الجراثيم من إحداث الخمج في الأنسجة بسبب سلامة السطوح الظهارية، ولكن هذه تقطع بالجراحة. وتوجد آليات وقائية أخرى إضافة إلى هذا الواقي الميكانيكي، مثلا: كيميائي (مثل انخفاض باهاء pH المعدة)، وخِلطي humoral (أضداد antibodies ومتممة complement وطاهيات opsonins)، وخلوي (خلايا بلعمية phagocytic cells وبلاعم macrophages ومفصصة  النوى polymorphonuclear ولمفاويات قاتلة).

           

الجدول 6-1 عوامل الخطورة في زيادة خطر خمج الجروح

      ·      سوء التغذية (سمنة، فقد الوزن).

      ·      أمراض استقلابية (داء سكري ويوريمية ويرقان).

      ·      كبت المناعة (سرطان وإيدز وستيرويد ومداواة بالأشعة وعلاج كيميائي).

      ·      استعمار وإزفاء translocation السبيل المعوي المعدي.

      ·      سوء التروية (صدمة جهازية أو إقفار موضعي).

      ·      مادة جسم غريب.

      ·      فقر تقنية جراحية (حيز ميت أو دميوم).

 

وتضعف استجابة الثوي host response بسوء التغذية الذي يمكن أن يكون سِمنة أو فقدان وزن سريع حديث (الجدول 6-1). وقد تسبب الأمراض الاستقلابية، داء السكري واليوريمية واليرقان وهنَ الدفاعات، وقد يشمل ذلك السرطان المنتثر مع كبت المناعة بسبب المداواة بالأشعة والعلاج الكيماوي والستيرويدات ومتلازمة عوز المناعة المكتسبة AIDS.

 

الشكل 6-1 خمج جرح كبير والتئام متأخر وقد ظهر كناسور برازي في مريض مصاب بمرض كرون Crohn’s disease.

 

الشكل 6-2 التئام متأخر مرتبط بالخمج في مريض يتلقى جرعات ستيرويد عالية.

 

            وعندما تتوقف التغذية المعوية في فترة حول الجراحة فإن الأمعاء تُسْتَعْمَرُ سريعـًا وتنتقل الجراثيم خاصة العـُصَيـَّات غرام سلبي إلى العقد المساريقية mesenteric. وقد يعقب ذلك تحرير الذيفان الداخلي endotoxin الذي يزيد من القابلية للخمج. وفي هذه الأحوال تصبح الجراثيم غير الممرضة nonpathogens مهمة (انتهازية opportunism).

ويرتبط إمراض pathogenicity اللـَـقـَـح (الزُرعة) inoculum وحجمه أيضًا بفرصة حدوث خمج راسخ في الجرح بعد الجراحة. والتقنية الجراحية السيئة التي تترك نسيجـًا نزعت حيويته وحيزًا ميتـًا كبيرًا أو دميومـًا haematoma قد تزيد الخطورة. والمواد الغريبة مهما كان نوعها بما في ذلك الخيوط والمنازح تحفز الخمج. ويلزم عدد لوغارثمي أقل من الكائنات الحية حتى يسبب الخمج في جرح بوجود خيوط حريرية. ويجب أن تؤخذ هذه العوامل بعين الاعتبار في جراحة العظام البديلة prosthetic وجراحة الأوعية.

وفي أول أربع ساعات بعد قطع السطح الظهاري والأنسجة الضامة المستبطنة بالجراحة أو الرضح، يحدث تأخير قبل أن تـُسْـتـَنـْـفـَرَ دفاعات الثوي من خلال العمليات الالتهابية الحادة والخلطية humoral والخلوية. وتسمى هذه الفترة " الفترة الحاسمة decisive"، وخلال الأربع ساعات هذه بعد تنفيذ الشق، قد يبدأ الاستعمار بالجراثيم وتأسيس الخمج. وشيءٌ منطقي أن تكون الصادَّات الاتقائية أكثر فعالية خلال هذا الوقت.

 

المظاهر الموضعية والمجموعية

Local and systemic manifestation

يعرف خمج الجرح بأنه غزو الكائنات الحية خلال الأنسجة بعد انهيار دفاعات الثوي الموضعية والمجموعية. والإنتان sepsis هو مظهر الخمج المجموعي،  وقد تسبب علاماتِه وأعراضَه أيضـًا الرضحُ المتعددُ أو الحروق أو التهاب البنكرياس. ويجب ألا يخلط تجرثم الدم bacteraemia بمتلازمة الاستجابة الالتهابية المجموعية SIRS[1]على الرغم من أن الحالتين قد تترافقان. ويُحْدِثُ المظاهرَ الإنتانيةَ إطلاقُ السيتوكينات cytokines (مثل انترلوكينات interleukins وعامل نخر الورم [2]TNF) من الخلايا مفصصة النوى polymorhonuclear والخلايا البلعمية phagocytes، وتبدو في أشد أشكالها كقصور الأجهزة العضوية  المتعدد MOSF[3]. وقد يسبب الخمجُ متلازمةَ الاستجابة الالتهابية المجموعية SIRS عن طريق  إطلاق ذيفان داخلي متعدد السكريات الشحمية lipopolysaccaride endotoxin من جدران عـُصَيـَّات غرام سلبي ميتة (وبشكل أساسي الإشريكية القولونية Escherichia coli) التي تسبب بدورها إطلاق  السيتوكينات (الشكل 6-3). ويعقب ذلك تدني الدفاعات ضد خمج الجرح.

وتقاوم المـُمـْرِضاتُ pathogens دفاعاتِ الثوي بإطلاق ذيفانات toxins خاصة في ظروف لا حيوائية غير مشجعة تحفز انتشارها في أخماج الجروح. وتطلق المِطـَثــِّـيـَّةُ الحاطمةُ clostridium perfringes المسؤولةُ عن المُوات الغازي gas gangrene بروتيزاتٍ منتشرةً speading proteases عديدةً مثل هيالورونيديز hyaluronidase وليسيثين lecithin وهيمولايسين haemolysin. وقد تنتج مـُمـْرِضاتٌ مقاوِمةٌ عديدةٌ بيتا لاكتاميز الذي يحطم حلقة بيتالاكتام في الصادَّات. وقد تكون هذه المقاومة مكتسبة وتورث بالبلازميدات plasmids.

 

الشكل 6-3 قصور معوي واستعمار وإزفاء مرتبط بحدوث متلازمة الخلل الوظيفي العضوي المتعدد (MODS) ومتلازمة الاستجابة الالتهابية المجموعية (SIRS).

 

            ويستوعب جسم الإنسان حوالي 1410 كائنـًا حيًا. وتطلق في الأنسجة بالجراحة، ويكون التلوث على أشده عند فتح حشىً أجوف hollow viscus (مثل جراحة القولون والشرج). ويسمى أي خمج يعقب ذلك خمجـًا أوليـًا أو مكتسبًا من المجتمع community acquired أو داخلي المنشأ endogenous. وتكتسب الأخماج من منشأ خارجي exogenous عادةً من المستشفى nosocomial، وهي ثانوية لأنها أدخلت إلى الأنسجة بعد الجراحة وليس في أثنائها الاّ إذا أدخلت من خلال هواء لم يرشح ترشيحـًا كافيـًا في غرفة العمليات.

ويعرف الخمج الكبير في الجرح بأنه الجرح الذي ينجُّ discharges قيحـًا، وقد يحتاج إلى إجراء ثانوي للتأكد من نزحه نزحـًا كافيـًا (الشكل 6-4). وقد تكون هناك علامات مجموعية مثل حمى pyrexia وتعداد خلايا بيضاء مرتفع. وقد تتأخر عودة المريض إلى البيت عن اليوم الذي خطط له. وقد ينجُّ خمج الجرح البسيط قيحـًا أو سائلاً مصليـًا مخموجـًا، ويجب ألا يصحبه ضيقٌ كبير أو علامات مجموعية أو تأخر في العودة إلى البيت (الشكل 6-5). والتفريق مهم عند الكهول adults وفي تجارب الاتقاء trials of prophylaxis وله علاقة بالجداول الموحدة league tables  لأخماج المشافي؛ لأنه يجب تعليل أخماج الجرح الكبيرة.


 

* أبقراط Hippocrates460-377 ق.م. طبيب وجراح يوناني "أبو الطب".

* جالين Galen، 130-200. جراح القتال الروماني، وعالم أمراض، وفيلسوف.

* ثيودوريك الصربي Theodoric of Cervia، 1205-01296 جراح، بولونيا، إيطاليا.

* أمبروز باري Ambroise Pare، 1510-1590. جراح وعسكري فرنسي.

* جاي دي شولياك Guy de chauliac، القرن الثالث عشر،  جراح فرنسي.

* روبرت كوخ Robert Koch، 1843-1910. أستاذ الصحة العامة وعلم الجراثيم، برلين، ألمانيا.

* اجناس سيملويس Ignac Semmelweis، 1818-1865. اختصاصي توليد نمساوي، مات من مرض إنتاني في موطنه في هنغاريا.

* لويس باستير Louis Pasteur، 1822-1895. كيميائي فرنسي واختصاصي جراثيم. مؤسس معهد باستير، باريس، فرنسا.

* لورد جوزيف ليستر Lord Joseph Lister، 1827-1912 أستاذ الجراحة، جلاسجو وأدنبرة ومستشفى كينجز كوليج، لندن، إنجلترا.

* لورد هوارد والتر فلوري Lord Howard Walter Florey، 1878-1968. أستاذ علم الأمراض، أكسفورد، إنجلترا.

* سير ارنست بوريس تشين Sir Ernst Boris Chain، 1906-1978. أستاذ الكميمياء الحيوية، كلية امبيريال، جامعة لندن، انجلترا.

* ألكسيندر فليمنج Alexander Fleming، 1881-1955. مكتشف بنسلين نوتاتام. اختصاصي جراثيم، مستشفى سانت ماري، لندن، إنجلترا.

[1] Systemic inflammatory response syndrome.

[2] Tumour necrosis factor.

[3] Multiple system organ failure.

 

العصبية
الصدرية
القلبية
الوعائية
الهضمية
الغدية
الجلدية
الجهاز الحركي
البولية التناسلية
العينية
الانتانية
الثدي
المناعة و غرس الأعضاء
علم الأورام
آفات العنق
الجراحة - أساسيات
أسنان و لثة
مواضيع طبية متنوعة
اليد
القدم
الوجه
الخدين
اللسان
الفكان
الأنف
الأذن
الغدد اللعابية
البلعوم و اللوزات
الحنجرة