مَوَه الرأس HYDROCEPHALUS

يبلغ الحجم السوي للسائل الدماغي الشوكي الدائر 140 مل؛ ويقوم السائل بحماية الدماغ والحبل الشوكي ودعمهما معًا، إضافة إلى الحفاظ على الاستتباب homeostasis حيث يعمل وسيطًا لنقل المرسلات transmitters وكطريق لنزع الناتج الانتهائي end products للاستقلاب. ويتكون السائل الدماغي الشوكي بعملية فعالة، ويستمد 80 بالمائة منه من الضفيرة المشيمية choroid plexus ويستمد الباقي من المتن parenchyma. ومعدل الإنتاج يترواح بين 0.2 و0.4 مل في الدقيقة، ويبلغ الإنتاج اليومي 480 مل تقريبًا. وهذا يعني أن السائل الدماغي الشوكي يتغير ثلاث مرات يوميًا. ولا تنظم إنتاجَ السائل الدماغي الشوكي البيئةُ الاستنبابية homestatic فقط، ولكنه يُنَظـَّم أيضًا عصبيًا واستجابة للتغيرات في ضغط السائل الدماغي الشوكي. ويعتمد ارتشاف السائل الدماغي بشكل كلي تقريبًا على مدروج الضغط pressure gradient نتيجة المدروج المائي السكوني hydrostatic gradient الموجود بين السائل الشوكي الدماغي في الحيز تحت العنكبوتية والزغابات العنكبوتية arachnoid villi وهي موقع إعادة امتصاص السائل الشوكي الدماغي إلى الجهاز الوريدي. ويتم جزء من امتصاص السائل الشوكي الدماغي عن طريق أكمام الجذور العصبية. وينتج معظم السائل في البطينين الجانبيين ويسير الجريان العادي إلى أسفل خلال ثقبي مونرو* إلى البطين الثالث وبالتالي باتجاه سفلي عبر مسال سيلفيوس* aqueduct of Sylvius إلى البطين الرابع ومن ثمَّ يعبر وحشيًا وسفليًا إلى خارج البطين الرابع من خلال ثقبة لوشكا* وماجيندي*، ليدور فوق سطح القشرة ويتم ارتشافه في الزغابات العنكبوتية.

            ويعني مَوَه الرأس حرفيًا انعدام التوازن بين نسبة السائل الشوكي الدماغي داخل القِحْف. وأول حالة يجب استبعادها فورًا من وجهة نظر فسيولوجية هي مَوَه الرأس المعوِّض للخلاء ex-vacuo. ويحدث ذلك إذا تغيرت النسبة نتيجة ضمور الدماغ مع زيادة السائل الشوكي كآلية تعويضية بشكل صرف. وليس لهذه الحالة مضامين علاجية، إلا في كونها جزء من التشخيص التفريقي عند مريض يشتبه بوجود مَوَه الرأس عنده.

            ويحدث عند المرضى الذين يعانون من حالات مَوَه الرأس الفسيولوجية المرضية pathophysiological انعدامُ التوازن بين إنتاج السائل الدماغي الشوكي السوي فسيولوجيًا وارتشافه. وقد ينشأ هذا الانعدام نتيجة إنتاج سائل دماغي شوكي مفرط أو إعاقة امتصاصية. والحالات التي يكون فيها إنتاج السائل الدماغي الشوكي مفرطًا ليست شائعة. ويستشهد بحلميوم الضفيرة المشيمية choroid plexus papilloma على أنه أكثر سبب شائع لفرط الإنتاج، وليس هناك شك بأن ذلك يحدث في معظم الحالات. ولكن هناك مشكلات معقدة في هذه الحالات مثل انسداد  جريان السائل الشوكي الدماغي والنزف وتغير مستوى البروتين في السائل الشوكي الدماغي  الذي ربما زاد من حدة مَوَه الرأس. أما بالنسبة لحالات إعاقة ارتشاف السائل الدماغي الشوكي، فهناك حالة ولادية نادرة حيث تنعدم فيها الزغابات العنكبوتية ولاديًّا. ويكون فشل الامتصاص عادة نتيجة تغيرات المدروج المائي السكوني المسؤول عن امتصاص السائل الدماغي الشوكي أو فشل السائل الدماغي الشوكي في الدوران بصورة كـَـفـِـيـَّة تسمح للامتصاص بأن يأخذ مجراه.

            وهناك مفهوم آخر حول مَوَه الرأس الانسدادي أو المتصل ويشاهد مَوَه الرأس الانسدادي عندما تنسد الطرق السوية لجريان السائل الدماغي الشوكي لأي سبب من الأسباب. وقد يكون ذلك بسبب حالات مثل تضيق المسال aqueduct أو بسبب ضغط موضعي من ورم أو كتلة. أما في مَوَه الرأس المتصل فلا يلاحظ أي انسداد واضح  لجريان السائل الدماغي الشوكي وتبدو جميع البطينات وهي تتصل معًا بحرية. وفي الحقيقة إن هذه الحالات التي تدعى حالات مَوَه الرأس المتصل تمتلك عادة بعض العناصر الانسدادية المستبطنة، ويكون مستوى الانسداد عادة في الجهاز القاعدي أو الحيز تحت العنكبوتية أو الزغابات العنكبوتية.

            وقد يكون مَوَه الرأس ولاديًا ويحدث مرتبطًا مع شذوذات أخرى في الجهاز العصبي المركزي، مثل السنسنة المشقوقة spina bifida، نتيجة تضيق المسال المرتبط جنسيًا بشكل ولادي congenital x-linked أو نتيجة أخماج داخل الرحم. ومَوَه الرأس المكتسب بعد الولادة، كثيرًا ما يكون ثانويًا للنزف إما داخل البطين أو داخل المتن أو بعد التهاب السحايا.

            وتعتمد علامات وأعراض مَوَه الرأس التي يظهر بها سريريًا  بشكلٍ كبير على عمر المريض عند ظهور المرض. ففي الفترة الوليدية neonatal، ربما تكون زيادةُ محيط الرأس واليافوخُ المتوتر tense fontanelle وفشلُ النمو العلاماتِ المبدئيةَ الوحيدة، بالرغم من أن مشكلات الإطعام ‘والأفول sunsetting’ (تحول العينين إلى أسفل ) بمرافقة بطء القلب bradycardia قد تصبح واضحة في الحالات المستفحلة.

            أما في الأطفال الأكبر أو البالغين، فقد يظهر مَوَه الرأس بشكل رئيسي بتطور تدريجي لأعراض ارتفاع الضغط داخل القِحْف، حيث يحدث وجع  الرأس والغثيان والقيء، ويعقب ذلك بالنهاية تدهور درجة الوعي. وقد يصحب ذلك أيضًا الرَنَحُ ataxia واضطراباتٌ بصرية. وبتقدم العمر، يصبح مَوَه الرأس الثانوي للأورام شائعًا بدرجة متزايدة، وهكذا تكون أعراض مَوَه الرأس في مجموعة العمر المتقدمة مشتركة مع تلك الأعراض التي تعزى إلى الورم نفسه.

 

الاستقصاءات Investigations

إن تدوين محيط الرأس ومقارنته مع وزن الجسم وطوله عناصر أساسية في متابعة أي طفل بعد الولادة. وفي حين أن هذه طريقة غير دقيقة شيئًا ما بشكل أساسي في تحديد بداية  مَوَه الراس، فإنها بالرغم من ذلك استقصاء متتابع سهل ليس باضعًا non-invasive ومعه نسبة تشخيص عالية. وقد يتضح على الفور بالفحص السريري عدم تناسب الرأس مع باقي الجسم، ويكشف جسُّ الراس يافوخًا متوترًا وافتراق الدروز. وقد يُحْدِث القرع percussion ما يدعى ‘علامة طقطقة الإبريق Crack-pot sign’، بينما يمكن في الحالات الشديدة إحداث التضوء transillumination في الرأس.

            وقد تكون دلائل ارتفاع الضغط داخل القِحْف المزمن في الأطفال الكبار والبالغين واضحة في صورة الجمجمة الشعاعية مع افتراق الدروز و‘طَرْق النحاس Copper beating’ في الجمجمة اضافة إلى حتِّ الحفرة النخامية.

            وعندما يكون اليافوخ الأمامي منتفخًا يمكن إجراء تصوير فائق الصوت لمشاهدة الجهاز البطيني، وهذه هي الطريقة أيضًا التي يمكن بواسطتها التقاط مَوَه الرأس قبل الولادة في أثناء تصوير الأم بفائق الصوت (الشكل 28-39). وفي الأطفال الكبار أو  الصغار حيث تكون المعلومات الإضافية مطلوبة، يمكن إجراء التصوير المقطعي المحوسب ليساعد أيضًا في التشخيص. واستعمال التصوير بالرنين المغناطيسي لمتابعة المرضى جذاب لأنه لا يوجد هناك تشعيع. ومع ذلك يمنع عدم توافره وكلفته والوقت اللازم هذا الفحص من أن يكون استقصاء  روتينيًا. وقد يطلب التصوير بالرنين المغناطيسي إذا شوهد ورم ما، حتى تحدد الاستراتيجية  الجراحية، وعندما يحدث تضيق في المسال، يجرى التصوير لاستبعاد ورم في الصفيحة السقفية tectal plate.

 

الشكل 28-39 صورة فائق صوت تبين مَوَه رأس وليدي neonatal hydrocephalus.

 

المعالجة Management

المعالجة الطبية Medical treatment لمَوَه الرأس توجَّه مبدئيـًا نحو طرق تخفيض إنتاج السائل الدماغي الشوكي. ويمكن تحقيق ذلك باستعمال أسيتازولامايد acetazolamide وهو محبط كاربونيك أنهايدريز carbonic anhydrase inhibitor، وقد يخفـِّض إنتاج السائل الدماغي الشوكي بما يقارب 60 بالمائة. ويمتلك الفروسيمايد  تأثيره أيضًا على إنتاج السائل الدماغي الشوكي، وكلا هذين الدواءين يمكن استعماله على المدى القصير. أما على المدى الطويل فيبدو أن تأثير هذين الدواءين محدود نسبيًا، لذلك يكون التدخل الجراحي مطلوبًا.

            المعالجة الجراحية Surgical treatment. إذا كان جريان السائل الدماغي الشوكي مسدودًا، فإن إزالة ذلك الانسداد، خاصة إذا كان مصدره ورميًا، يجب أن يكون الهدف المبدئي للجراحة. ففي معظم المرضى المصابين بمَوَه رأس انسدادي ثانوي نتيجة للأورام، فإن إزالة الورم تؤدي إلى انصراف مَوَه الرأس.

           

الشكل 28-40 مَوَه رأس نتيجة انسداد البطين الثالث بورم في منطقة الصنوبري pineal region.

 

ولكن حالات أخرى من مَوَه الرأس ذي الطبيعة الطويلة الأمد وما يتبعه من تغيرات، تعني أن تحويل السائل الدماغي الشوكي الطويل الأمد مطلوب. وقد توجه المعالجة الجراحية لمَوَه الرأس نحو تخفيض الإنتاج، أو عمل مجازة حول انسداد جريان السائل الدماغي الشوكي، أو تصريفه إلى الخارج، أو أخيرًا تصريف السائل إلى حشى viscus آخر حتى يُمْتَص. ولكن طمس الضفيرة المشيمية، التي كان داندي* أول من وصفها، فشل لأسباب عديدة في شفاء مَوَه الرأس. أولًا، توجه العملية الجراحية نحو الضفيرة المشيمية في البطينين الجانبيين، وكما وصف سابقًا يتم إنتاج 20 بالمائة من السائل الدماغي الشوكي من سطوح البطينات غير المشيمية. واجتثاث الضفيرة المشيمية داخل البطين له دور محتمل في تخفيض نسبة انسداد التحويلة. واجتياز انسداد جريان السائل الدماغي الشوكي يمكن تحقيقه بوسائل متباينة مثل إقناء  cannulation مسال سيلفيوس أو فغر البطين الثالث ventriculostomy الذي يمكن إجراؤه بالتنظير أو بعملية مفتوحة. وأول أسلوب للمجازة bypass الذي تم وصفه هو الاسلوب الذي وصفه توركيلدسن*، حيث تم التغلب على تضيق المسال بتمرير قثطار من البطين الجانبي إلى الصهريج الكبير cisterna magna، وبذلك يعاد ترميم الطريق الدوراني السوي. وقد يساعد نزح السائل الدماغي الشوكي إلى الخارج في المعالجة المؤقتة لمَوَه الرأس الحاد ولكن خطورة الخمج على المدى الطويل تمنع ذلك من أن يكون وسيلة معالجة طويلة الأمد.

            والشكل النهائي الأكثر شيوعًا لمعالجة مَوَه الرأس جراحيًا هو التحويل الداخلي. وطرق تحويل السائل الدماغي الشوكي جرِّبت أول مرة في القرن التاسع عشر عندما بُذِلـَـت المحاولاتُ في تحويل السائل الدماغي الشوكي باستعمال أسلاك فضية في داخل  الأجسام الفقرية القَطـَـنية. وبدأ العصر الحديث لتحويل السائل الدماغي الشوكي الداخلي في خمسينات هذا القرن عند تطوير أدوات بصمامات تنظيمية للغرس. والموقع الداني لتحويل السائل الدماغي الشوكي هو البطين الجانبي عادة، بينما تمت تجربة عدة مواقع قاصية، والموقع القاصي المفضل حاليًا لامتصاص السائل الدماغي الشوكي هو الصفاق peritoneum. وقد تحدث مضاعفتان رئيستان عقب غرز التحويلة shunt. الأولى هي الخمج، والثانية هي خلل عمل التحويلة. ويحدث  الخمج في 50 بالمائة من الحالات تقريبًا عند البالغين وحوالي 10 بالمائة من حالات الأطفال بناء على الخليط العمري لأن النسبة عند الولدان neonates أعلى بكثير مما هي عند الأطفال الأكبر سنًا.

            وتصبح مظاهر الخمج أوضح عادة في الأسابيع أو الأشهر الأولى عقب الغرس، والمعالجة المفضلة هي إزالة الجهاز المخموج ومعالجة المريض بصادَّات داخل القـِـراب intrathecal أو في الوريد. ويحتاج الخمج إلى بعض الوقت حتى يشخص لأنه غالبًا ما يكون نتيجة جراثيم متدنية الدرجة. ولهذا السبب تم التخلي عن موقع التحويلة القاصي في الأذين الأيمن الذي كان مفضلًا في السابق، لأن تجرثم الدم bacteraemia كان مصحوبًا بنشأة مركبات مناعية معقدة تؤدي إلى أذى كلوي أو رئوي.

            وقد يحدث انسداد التحويلة في أي وقت عقب غرزها، وقد ينتج عن انسداد القثطار البطيني أو عن خلل الصمام الوظيفي أو الانسداد القاصي في القثطار الصفاقي. وللأسف لم يتم تطوير آلية مثالية للصمامات لتحويل السائل  الدماغي الشوكي، وإضافة لانسداد نظام التحويلة، فإنه قد يصاب بخلل عملي نتيجة النزح المفرط. وهذا ينجم عن تأثير عمل السيفون siphoning في القثطار في داخل التجويف الصفاقي، وقد يؤدي إلى أعراض وجع الرأس بسبب الضغط المتدني داخل القِحْف ومظهر البطينين الصغيرين اللذين  يشبهان الشقّ slit-like في التصوير المقطعي.


 

* الكساندر مونرو Alexander Monro، 1733-1817. أستاذ التشريح، ادنبرة، اسكتلندا.

* فرانسوا دي لا بو François de le Boe (أو فرانسيسكو سيلفيوس Franciscus Sylvius، حسب الشكل اللاتيني لاسمه)، 1614-1672. أستاذ أمراض داخلية، ليدن، هولندا.

* هيوبرت لوشكا Hubert Luschka، 1820-1875. عالم تشريح، توبينجن، ألمانيا.

* فرانسوا ماجيندي François Magendie، 1783-1855. طبيب وفسيولوجي، باريس، فرنسا.

* والتر ادوارد داندي Walter Edward Dandy، 1886-1946. جراح أعصاب، مستشفى جونز هوبكينز، بلتيمور، ميريلاند، الولايلت المتحدة الأمريكية.

* آرني توركيلدسن Arne Torkildsen، معاصر، جراح أعصاب، النرويج.

 

العصبية
الصدرية
القلبية
الوعائية
الهضمية
الغدية
الجلدية
الجهاز الحركي
البولية التناسلية
العينية
الانتانية
الثدي
المناعة و غرس الأعضاء
علم الأورام
آفات العنق
الجراحة - أساسيات
أسنان و لثة
مواضيع طبية متنوعة
اليد
القدم
الوجه
الخدين
اللسان
الفكان
الأنف
الأذن
الغدد اللعابية
البلعوم و اللوزات
الحنجرة