الأعصاب القحفية CRANIAL NERVES

إن المرضى الذي يتقدمون للشكوى من آفات في الجهاز العصبي المركزي يفعلون ذلك نتيجة زيادة الضغط داخل القحف أو العلامات العصبية أو تهييج الأغشية السحائية أو الصرع. وقد تتأثر الأعصاب القحفية بأمراض مميزة داخل القحف بسبب الطريقة التي تمر فيها عبر ثقوب foramina الجمجمة المختلفة التي تثبتها في مواقعها.

الأول، عصب الشم Olfactory nerve. تمر الخيوط الشمية الدقيقة خلال الصفيحة المصفوية cribriform plate لتتصل في البصيلة الشمية olfactory bulb التي تمتد تحت سطح الفص الجبهي frontal lobe. وأي تزحزح في وضع الدماغ الذي يمكن أن يحدث في إصابات التسارع/ التباطؤ وضد الضربة contracoup قد تسبب تمزق هذه الخيوط الدقيقة وحدوث عطب في حاسة الشم. وقد يؤثر ذلك في التمتع بالمأكل والمشرب بسبب العلاقة القوية بين حاستي الشم والذوق. وقد تنشأ السحاؤومات menigiomas في أرضية الحفرة القحفية الأمامية وتسبب الخُشام anosmite كعَرَضٍ مبكر.

الثاني، عصب البصر Optic nerve. عصب البصر عبارة عن نمو خارجي من الدماغ وله غمد مغلف للعصب يحيط بسائل دماغي شوكي CSF يسمح بالضغط المائي السكوني hydrostatic أن ينتقل إلى القاع البصرية optic fundus. وقد يظهر ارتفاع الضغط تحت القحف بتورم القرص البصري optic disc، وقد يحدث النزف عندما يكون ارتفاع الضغط هذا مفاجئًا. وعلى المدى الطويل تكون النتيجة تلفـًا وضمورًا لاعكوسين irreversible في القرص البصري. ويتأذى عصب البصر وهو يترك الجمجمة، وقد تنشأ فيه أورام دِبقية glial في مكونات العصب، خاصة في الأطفال. ويمكن بفحص ساحة الإبصار visual field تحديدُ موقع الآفات التي تصيب السبلَ البصرية من منشأ داخلي intrinsic أو خارجي extrinsic.

الثالث، العصب المحرك للعين Ocular motor nerve. تسبب الآفة التامة في هذا العصب القحفي شللاً تامًا في رافعة الجفن العلوية leavator palpebrae superioris مما يؤدي إلى تدلي الجفن (إطراق) ptosis، ويحدث الجحوظ نتيجة فقدان توتر العضلات داخل المقلة intraocular التي تمارس الجرَّ على المقلة. وتزاح العين إلى أسفل ووحشيًا نتيجة عمل العصبين القحفيين السادس والسابع اللذين يعملان دونما مقاومة، وعند رفع الجفن يحدث الشفع (ازدواج الرؤية) diplopia. وتكون الحدقة متوسعة نتيجة عمل الألياف الودية بلا مقاومة ولا تستجيب إلى الضوء والتكيف. وطول مسار العصب القحفي الثالث داخل القحف يعرضه للأذى داخل القحف أو وهو يترك الجمجمة أو في داخل الحجاج orbit. وفي حالات زيادة الضغط داخل القحف يؤدي انفتاق مَعْقِف الفص الصدغي عبر ثلمة الخيمة tentorial notch إلى الضغط على العصب القحفي الثالث وتوسيع الحدقة. وهذه علامة خطيرة ومتأخرة من علامات ارتفاع الضغط داخل القحف. وشلل العصب الثالث غير المؤلم هو العلامة المميزة التي تظهر بها أمُّ دمٍ في الشريان الموصلي الخلفي posterior communicating artery aneurysm.

الرابع، العصب البكري Troclear nerve. يزود العصب القحفي الرابع العضلة المائلة العليا superior oblique muscle، وتندر إصابته نفسه، ويصحب الإصابةَ شفعٌ خفيف mild diplopia يمكن تعويضه بتمييل الرأس بعيدًا عن جهة الإصابة.

الخامس، عصب ثلاثي التوائم Trigeminal nerve. ولهذا العصب جذرٌ حسِّي، ينقل الحس من الوجه، وجذرٌ محرِّك يزود عضلات المضغ. وهناك ثلاثة جذور حسية كبيرة: الفروع العيني ophthalmic والفكي العلوي maxillary والفكي السفلي submandibular. وقد تؤثر الأورام الكبيرة في الزاوية المخيخة الجسرية cerebello-pontine angle في عصب ثلاثي التوائم. ولكن أكثر مظهر سريري شائع لخلل عصب ثلاثي التوائم الوظيفي هو ألم ثلاثي التوائم العصبي trigeminal neuralgia. وتحدث هذه الحالة بشكل سائد في متوسطي العمر والمسنين مع غلبة أنثوية.

وتتميز الحالة بألم شديد تشبه طعن الخنجر في فرع واحد أو أكثر من فروع عصب ثلاثي التوائم. وتقدح أيُّ حركةٍ في الوجه أو تنبيه له زناد الألم بشكل متكرر. ومع أن آفاتٍ شـــاغلةً للحيز space occupying lesions قد تسبب الحالة، فقد أصبح معروفًا بشكل متزايد أن عُرَى وعائية vascular loops متسعة إما شريانية أو وريدية قد تسبب انضغاط العصب الخامس وتُحْدِث هذه العلامات. ومعالجة ألم ثلاثي التوائم العصبي الأولية تتم بإعطاء كاربامازيبين carbamazepine، وهو فعال للغاية عادة. ومع ذلك ماتزال نوبات من الألم تحدث في بعض المرضى وتحدث تأثيرات سمية جانبية عند آخرين مما يمنع استعماله لمدة طويلة. وتستدعي الحاجة الجراحة التي توجه نحو عقدة ثلاثي التوائم trigeminal ganglion أو إلى جهة الانضغاط الوعائي في الحفرة الخلفية posterior fossa (الشكل 27-1). ويمكن تدمير عقدة ثلاثي التوائم ببضع الجذر rhizotomy الذي ينفذ بأسلوب من خلال الجلد percutaneous technique باستعمال التخثير الحراري diathermy. وهذا يسمح بعملية على مراحل تنفذ بطريقة منضبطة وهي فعالة للغاية. وتستخدم الأساليب الجراحية المجهرية عن طريق الحفرة الخلفية لتعيين نقطة خروج عصب ثلاثي التوائم من جذع المخ وتفريج أي ضغط وعائي عليه.

السادس، العصب المبعد Abducent nerve. يزود هذا العصب العضلة المستقيمة الوحشية lateral rectus، وعندما يصاب وحده يسبب الشفع نتيجة عمل العضلة المستقيمة الإنسية من دون مقاومة. وقد يكون الشفع المرافق موهنًا للغاية، وينزع المريض إلى إغلاق عينه إراديًا مما يؤدي إلى إطراق كاذب pseudoptosis؛ ولأن مساره داخل القحف طويل، فإن العصب السادس قد يصاب بكسور قاعدة الجمجمة، أو بالمثل قد تسبب آفةُ كتلة فوق الخيمة إصابةَ جرٍّ traction في العصب القحفي السادس وهو يعبر فوق قمة العظم الصخري petrous وبذلك ينتج شلل العصب السادس بجانب واحد أو بالجانبين.

 

الشكل 27-1 قطع جزئي في ثلثي جذر ثلاثي التوائم trigeminal الحسِّي، السفلي الخارجي عند قمة العظم الصخريpetrous . يشاهد الجذر الحركي خلف جزء الجذر الحسِّي المقطوع.

السابع، العصب الوجهي Facial nerve. يوفر العصب القحفي السابع التزويد المحرِّك للعضلات المسؤولة عن تعابير الوجه، وينقل الفرعُ الحسي، حبلُ الطبل cherda tympani، الذوقَ من ثلثي اللسان الأماميين.

والتزويد المحرك في الممارسة السريرية له أهمية كبيرة. وآفات العصب القحفي السابع إما أن تكون آفة عصبون محرك علوي upper motor neurone أو عصبون محرك سفلي. وحيث إن التزويد الحركي لنصف الوجه العلوي له تمثيل قشري بالجانبين، فإن آفات العصبون المحرك العلوي تحتفظ بالقدرة على إغلاق العين وحركة الجبهة ولكن مع ضعف في حركة الوجه. أما في آفات العصبون المحرك السفلي فإن جميع العضلات التي يزودها عصب الوجه تصاب مما يسبب ضعفًا تامًا في الوجه مع فقدان التوتير tone في أثناء الراحة وفقدان تعابير الوجه (الشكل 27-2). وتتباين أسباب تأذي العصب الوجهي بين إصابة مركزية مثل حادث دماغي وعائي وآفات الزاوية المخيخية الجسرية cerebello-pontine مثل شلل بيل* Bell’s palsy أو أذية جراحية محيطية peripheral. وتُصَـلــَّـح آفاتُ العصب المحيطية أوليًا أو ثانويًا. وإذا لوحظ الأذى أو العيب أثناء إجراء عملية في الزاوية المخيخية الجسرية مثل استئصال عصبوم سمعي، يمكن عندئذ تقويمُه باستخدام طعم العصب الربلي sural nerve أو بدلاً منه قطعة عضلة هيكلية سبق تجميدها، وهذا ييسر تقويمَ العصب المتأذي. وتشمل الأساليب البديلة مفاغرة anastomosis عصب تحت اللسان hypoglossal مع عصب الوجه، أو تصليح عصب وجهي متقاطع crossed facial repair أو أسلوب تصليح جراحي تقويمي (رأبي) لتحسين حالة الوجه الساكنة.

 

الشكل 27-2 شللٌ وجهي في الجهة اليمنى عقب كسرٍ في الحفرة الوسطى middle fossa.

 

والتشنج نصف الوجهي hemifacial spasm حالة يحدث فيها نقصانٌ مستمر حول العين أو الفم أو في الجسم، وقد يكون ذلك مزعجًا اجتماعيًا. وسببيات هذه الآفة كما يعتقد شبيهة بسببيات ألم ثلاثي التوائم العصبي trigeminal neuralgia، أي ضغط وعائي يهيج العصب. وتتحقق المعالجة المبدئية بزرقات ذوفان الكزاز tetanus toxoid؛ وإذا فشلت أو بقيت الحالة مثابرة، وجب استكشاف الحفرة الخلفية posterior fossa exploration وتخفيف الضغط عن العصب.

العصب الثامن، الدهليزي القوقعي Vestibulocochlear. ينقل العصب القحفي الثامن المعلومات من الجهاز الدهليزي وجسم كورتي* organ of Corti. وأهمية العصب القحفي الثامن تكمن في إصابته بكسور الحفرة القحفية الوسطى أو بالأورام مثل العصبوم السمعي.

العصب التاسع، اللساني البلعومي Glossopharyngeal. وينقل العصب القحفي التاسع التزويد الحركي للعضلة الإبرية البلعومية stylopharyngeus التي لا يمكن فحصها سريريًا. لذلك يتم التركيز على العصب القحفي التاسع لغايات الفحص السريري على أنه ينقل الحس من الحنك palate وثلث اللسان الخلفي. وينقل العصب العنصر الحسي للمنعكس البلعومي. وقد يصاب العصب بكسور قاعدة الجمجمة أو بمرض يصيب جذور العصب السفلي وهي تترك جذع الدماغ brainstem. وألم العصب اللساني البلعومي glossopharyngeal nearalgia حالة نادرة تشبه ألم ثلاثي التوائم العصبي، ويسبب ألمًا شديدًا في منطقة اللوزة أو في مكان عميق في الأذن.

العصب العاشر، المبهم Vagus nerve. ويمتلك هذا العصب تزويدًا حسيًا لقناة الأذن، وتعصيبًا حركيًا للحنك والأحبال الصوتية. ومع أن العصب يمكن أن يصاب في أي مكان، فإن تأذي عصب الحنجرة الراجع له أهمية خاصة، وقد يحدث في أثناء الجراحة الدرقية نتيجة تعرضه خلالها للجرِّ traction أو القطع أو تكوين الدميوم haematoma بعد الجراحة. ويؤدي شلل عصب الحنجرة الراجع التام إلى شلل مبعِّدات abductors ومقرِّبات adductors الحبل الصوتي المقابل، حيث يأخذ موقعًا منتصفًا، وهو ما يدعى الوضع الجثثي cadaveric position. وقد يعوِّض الحبلُ الصوتي الآخر مهمةَ إغلاق الحنجرة، ولكن نطاق الصوت يبقى مختلاً. وإصابة عصب الحنجرة الراجع الجزئي يتخير العضلات المبعِّدة مما يؤدي إلى تقريب الحبل الصوتي في الجهة المصابة. وإذا حدث ذلك بالجانبين، يحدث الصرير stridor الذي نادرًا ما يحتاج إلى فغر رغامي tracheostomy.

العصب الحادي عشر، الإضافي Accessory nerve. وهو عصب القصية الترقوية الخشائية sternocleidomostoid وجزء شبه المنحرفة trapezius العلوي. ويمكن أن يتأذى في كسور قاعدة الجمجمة، ولكنه يصاب أكثر ما يمكن في مساره العلوي في العنق، خاصة وهو يمر في مثلثي العنق الأمامي والخلفي.

ويسبب قطع العصب في المثلث الأمامي شللاً تامًا للعضلة القصية الترقوية الخشائية، ولكن يوجد في ثلث الحالات تزويد كاف من جذور العصبين العنقيين 2 و3 مما يمنع الشكل التام. وإذا حدثت الإصابة في المثلث الخلفي، يتأثر عندئذ تزويد شبه المنحرفة فقط مسببًا منكبًا متدليًا مع ضمور العضلة (الشكل 27-3).

العصب الثاني عشر، تحت اللساني The hypoglossal nerve. وهو العصب المحرِّك للسان، ويسبب تأذي هذا العصب ضمور جهة اللسان المصابة وضعفها وحدوث النفضان فيها twitching. وينحرف اللسان عند إبرازه إلى جهة الآفة. ومع أن العصب الثاني عشر يمكن أن يصاب في أمراض داخل القحف، فإنه لا يصاب بكسور قاعدة الجمجمة. وقد يصاب قاصيًا، خاصة في أثناء الجراحة مثل: استئصال الغدة اللعابية تحت الفك السفلي.


 

* سير تشارلز بيلSir Charles Bell ، جراح، مستشفى ميدلسيكس، لندن (1812-1835). أستاذ الجراحة، إدنبرة، اسكتلندا (1836-1842).

* ماركوس ألفونسو كورتي Marquis Alfonso Corti، 1822-1888. عالم تشريح ايطالي.

 

العصبية
الصدرية
القلبية
الوعائية
الهضمية
الغدية
الجلدية
الجهاز الحركي
البولية التناسلية
العينية
الانتانية
الثدي
المناعة و غرس الأعضاء
علم الأورام
آفات العنق
الجراحة - أساسيات
أسنان و لثة
مواضيع طبية متنوعة
اليد
القدم
الوجه
الخدين
اللسان
الفكان
الأنف
الأذن
الغدد اللعابية
البلعوم و اللوزات
الحنجرة