التهاب البنكرياس PANCREATITIS

 

التصنيف Classification. كان تصنيف التهاب البنكرياس دائمًا مشكلة، ولقد ورد تصنيفان مفيدان في الجدول 48-1.

وآخر إجماع كان على تقسيم التهاب البنكرياس إلى حاد ومزمن، وهذا تقسيم مفيد للغاية.

ويُعَرَّفُ ‘التهاب البنكرياس الحاد’ على أنه حالة حادة، تظهر سريريـًا على شكل ألم بطني، وعادة يكُون مصحوبًا بارتفاع أنظيمات البنكرياس في الدم والبول، وذلك نتيجة لمرض البنكرياس الالتهابي. ويمكن أن يعاود التهاب البنكرياس الحاد المريض مرة ثانية.

          ويُعَرَّفُ ‘التهاب البنكرياس المزمن’ على أنه مرض التهابي مستمر في البنكرياس، ويتميز بتغيرات شكليائية لاعكوس irreversible morphological change. وفي حالته النموذجية، يسبب ألمًا و/أو فقدانًا وظيفيًا دائمًا. وتحدث سَوْرَاتٌ exacerbations لدى كثير من مرضى التهاب البنكرياس المزمن، ولكن الحالة قد تكون غير مؤلمة تمامـًا.

 

الجدول 48-1 تصنيف التهاب البنكرياس

التصنيف حسب الظهور السريري:

التهاب البنكرياس الحاد

التهاب البنكرياس الحادد الانتكاسي

التهاب البنكرياس المزمن

هذه تعود إلى ما هو طبيعي عند إزالة السبب الأولي

 

وفي هذه  الحالة لو أزيل السبب، فإن التلف الوظيفي أو البنياني سيبقى.

التصنيف حسب السبب:

مرض السبيل الصفراوي

الكحولية

بعد الجراحة

الرضحي

أسباب نادرة (مثل النكاف،

فرط  الدريقية،  مرض وعائي)

غامض

السببيات مهمة جدا لربط علاقة التاريخ الطبيعي للمريض بالإنذار، والعلاج لفترة طويلة والاتقاء من المرض.

التهاب البنكرياس الحاد Acute pancreatitis

إن نسبة حدوث التهاب البنكرياس الحاد تبلغ حوالي 5 لكل مائة ألف في السنة في المملكة المتحدة. ونسبة حدوثه متساوية بين الرجال والنساء. ولكن ذروة حدوثه في الرجال تقع بين 30 و40 سنة من العمر، أما في النساء فإن الذروة هي 50 عامًا. وتتميز الحالة بدرجات متفاوتة من الوَذْمَة والنَزْف والنـَخـْـر necrosis في كل من البنكرياس والشحم المحيط به (الشكل 48-20).

 

 

الشكل 48-20 نخر دهني واسع النطاق في الثرب omentum. وأنبوبة اختبار تم ملؤها بسائل صفاقي مصبوغ بالدم. وكانت هذه العينة غنية بالأميليز. والـَنـَخـْرُ الدهني عبارة عن مناطق معتمة، وقاتمة، وبيضاء مُصفرَّة، تشبه نقطًا من الشمع. وتقع أكثر ما يمكن حول البنكرياس، ولكنها واسعة الانتشار أيضا في الثرب والمساريق. ولدى فتح الجثة يمكن مشاهدتها، أحيانًا، تحت الجـَنـَبـَة والتامور، وحتى في الشحم تحت الزليلي في مفصل الركبة. ويتكون النخر الدهني من جزر صغيرة من التَصَبُّنُ، يسببها تحرر أنظيم اللايبيز الذي يفصل الدهن إلى غليسرول وأحماض دهنية. وتتحد الأحماض الدهنية الحرة مع الكالسيوم لتكون الصابون (أي التَنَخُّرُ الدهني). (ج.د.ادهي، F.R.C.S بومبي.)

 

السببيات Aetiology. هناك سببان هامان لالتهاب البنكرياس الحاد في المملكة المتحدة: حصى المرارة (حوالي 50 بالمائة من جميع الحالات)، والكحولية (حوالي 25 بالمائة من جميع الحالات)، وتتكون الـ 25 بالمائة المتبقية من أنواع واسعة من الحالات:

1. بعد الجراحة الصفراوية والمعدية، خاصة بعد عملية بيلروث 2 لاستئصال المعدة الجزئي، وذلك إذا أصيبت قناة البنكرياس، أو إذا انسدت عروة الاثناعشر الصادرة afferent duodenal Loop، مؤدية إلى ارتفاع الضغط داخل الاثناعشر.

2. بعد الرَضْح After trauma، مثل ضربة إلى البنكرياس.

3. حصول انفتال distortion في أنبورة فاتر، بسبب قرحة هضمية أو سرطانة أنبورية.

4. نتيجة اضطرابات عامة مثل فرط الكلسمية hypercalcaemia، وفرط شحميات الدم hyperlipidaemia، وداء السكري، والبرفيرية porphyria.

5. انفعال لبعض العقاقير، مثل الستيرويد القشري corticosteroid.

6. خمج فيروسي viral infection في البنكرياس، مثل فيروس النكاف mumps virus.

7. بعض الأمراض المنيعة للذات auto immune disease، مثل التهاب الشرايين العُقدِيّ  polyarteritis nodosa.

8. بعد نقص جريان الدم للبنكرياس كما يحدث بعد المجازة القلبية الرئوية cardiopulmonary bypass، وبعد التبريد hypothermia.

وآلية mechanism التلف في التهاب البنكرياس الحاد هي انهضام الغدة الذاتي بواسطة أنظيماتها. وفي التهاب البنكرياس الناتج عن حصى المرارة، يُعْتَقَدُ أن مرور حصاة من خلال أنبورة فاتر، سيؤدي إلى انتفاخ المَصَرَّة sphincter وتشبثها. وعندما يرتفع الضغط داخل الاثناعشر بسبب التقلص أو الانقباض، يحدث جزر reflux محتويات الاثناعشر إلى البنكرياس، مما يُنَبِّهُ الأنظيمات الحالـَّة للبروتين proteolytic enzymes، مُحْدِثًا الالتهاب.

وثبت أن النسب العالية من الكحول، تحدث تغييرًا في استقلاب الخلايا العُنَيْبِيَّةِ. ويُظَنُّ أن اضطراب الاستقلاب هذا، مع التغيرات في مكونات تركيب عصارة البنكرياس التي يكون نتيجتها تكوين سِدَادَاتٍ بروتينية protein plugs في قنوات البنكرياس، قد تكون المُسَبِّبَ لالتهاب البنكرياس الكحولي.

الظواهر السريرية Clinical features. والعَرَضُ الرئيسي هو ألم شرسوفي epigastric pain، وغالبًا ما يكون شديدًا، ويَشِعُّ يسرة ويمنى من خلال الظهر. وقد يكون مصحوبًا بقَهَمٍ (فقدان شهية) anorexia وغثيان nausea وقياء vomiting. وعند الفحص السريري، فقد يكون هناك انقباض عضلات (احتراس) البطن guarding، أما الأصوات المعوية، فتكون منخفضة أو غائبة. ويتكون لدى حوالي 60 بالمائة من المرضى حُمَى، ولدى حوالي 50 بالمائة منهم تَسَرُّعٌ في التنفس tachypnea. ويُرى اليرقان في حوالي 10 بالمائة من المرضى. وفي أقل من 5 بالمائة من الحالات، يمكن للنزف خلف الصفاق retroperitoneal أن يُنْتِجَ تغيّرًا في اللون على شكل ازرقاق كدمي echymotic في الخاصرتين (علامة جراي-تيرنر* Grey-Turner sign)، وحول السُرَّة (علامة كولين* Cullen's sign).

الاستقصاءات Investigations. يرتفع الأميليز المصلي فوق 1000 وحدة سوموغي Somogyi units. وقد تُبَيِّنُ صور البطن السينية العادية ما يلي:

1. عروةً من الأمعاء الدقيقة متوسعة قليلاً تحتوي على غازات، وتقع في الربع الأعلى الأيسر من البطن، وتسمى العروة الحارسة sentinel loop. وتَنْتُجُ من إصابة موضعية للأمعاء الدقيقة الملاصقة للبنكرياس.

2. انتفاخـًا معتدلاً في الاثناعشر مع مستوى هواء - سائل air - fluid level.

3.انتفاخـًا بسيطـًا في القولون المستعرض، مع انخماص collapse القولون النازل، وهذه تسمى علامة القولون المقطوع colon ‘cut off’ sign.

ويمكن أن يؤكد تخطيط الصدى البنكرياسي وجود وَذَمَةٍ بنكرياسية pancreatic oedema وقد تبين وجود حصى في المرارة أو القناة الصفراوية.

المعالجة Treatment. يختلف مسار التهاب البنكرياس الحاد من خفيف mild إلى خاطف fulminant، ومن الأهمية بمكان لتدبير هذا المرض معرفة مدى خطورته. وقد قام رانسون* Ranson بالتعرف إلى عدد من المعايير criteria، لمعرفة المرضى ذوي الخطورة العالية. وهذه المعايير هي: كِبَرُ السِنِّ، ومقدار ارتفاع السكر في الدم، وتعداد كريات الدم البيضاء، واختبارات وظائف الكبد، ويوريا الدم، والنقص في القاعدة base deficit، ومقدار الانخفاض في كالسيوم الدم ومكداس الدم haematocrit، وضغط الأكسجين في الدم الشرياني، وحجم السوائل المتجمعة في الفراغات خارج الأوعية الدموية - التجمع في ‘الفراغ الثالث’ ’third space’ collection.

وأركان العلاج الأساسية هي: الراحة في الفراش، والسوائل الوريدية، وتخفيف الضغط الأنفي - المعدي، والسيطرة على الألم بالأفيونات opiates - ومن الأفضل استعمال البثدين pethidine مع مضاد للتشنج antispasmodic ذي قابلية أقل لإحداث انقباض بالمَصَرَّة الأنبورية ampullary sphincter. وأما محاولات تقليل إفراز البنكرياس باستعمال مضادات الفعل الكوليني anticholinergics، وغلوكاغون glucagon، وكالسيتونين calcitonin، وسوماتوستاتين somatostatin، وفازوبريسين vasopressin، واستيازولاميد acetazolamide، وأيسوبرينالين isoprenaline، فقد ثبت عدم جدواها. وبالمثل، إن مستحضرات مضاد الأنظيم antienzyme، مثل أبروتينين aprotinin، أو حمض إيبسيلون أمينوكابرويك epsilonaminocaproic acid، ومضاد سمّ antivenom الأفعى، واليخضور- أ chlorophyll - A، فلم يثبت أن لها أي فائدة. أما محاولات غسل الصفاق peritoneal lavage، فلم يثبت أن لها فائدة يُعْـتـَدُّ بها بشكل عام، ولكن قد يُظْهِرُ بعض المرضى المصابون بالتهاب شديد بعض التحسن.

وكان قد افتـُرِض أن التهاب البنكرياس الناجم عن حصى المرارة، يتحسن بإجراء بَضْعِ المَصَرَّة sphincteotomy، وذلك إذا كانت هناك حصاة مسببة لانسداد أنبورة فاتر. وهناك دليل على صحة ذلك، لهذا، إن أيَّ مريض لديه يرقان يجب أن تجرى له عملية بَضْعِ المَصَرَّة، ومن الأفضل إجراء ذلك بالتنظير الداخلي endoscopically. أما المريض الذي لا يخمد التهاب البنكرياس عنده بعد 7-14 يومًا، فيجب أن يُجْرَى له تصوير مقطعي محوسب وتخطيط الصدى (فائق الصوت). فإذا تبين وجود مضاعفات موضعية، وجب أن يؤخذ الخيار الجراحي بعين الاعتبار.

 

المضاعفات Complications. الصَدْمَةُ Shock. وتنتج عن نقص حجم السوائل الناجم عن فقدان السوائل المعوية، وعن تجمع السوائل في الحيز الثالث في التجويف الصفاقي peritoneal cavity، والتجويف الجَنْبَوِيّ pleural cavity، وفي الحيز خارج الأوعية الدموية extravascular space. وهي من نوع ‘صدمة نقص حجم الدم hypovolaemic shock’. وقد يصحبها نقص مِكْدَاسِ الدم haematocrite نتيجة نزف خلف الصفاق retroperitoneal، واضطراب الكهارل electrolytes disturbance. ويجب مُنَاطَرَةُ monitor قياس الضغط الوريدي المركزي وتعويض السوائل المفقودة على شكل نقل دم تام أو مُوَسِّعَاتِ حجم البلازما plasma expanders أو ألبومين albumin. وفيما بعد، يمكن أن يؤدي إعادة امتصاص السوائل في الحيز الثالث إلى حدوث وَذَمَةٍ رئوية pulmonary oedema.

القصور الرئوي Pulmonary insufficiency. إن الدرجات البسيطة من عَوَزُ الأكسجين hypoxia شائعة الحدوث. وأحيانًا يحدث عَوَزُ أكسجين كبير، وهذا راجع إلى مجموعة من العوامل: وذمة خلف الصفاق، وارتفاع الحجاب elevation of diaphragm، ونقص التهوية reduced ventillation بسبب الألم، وتحويلة shunting الدم من اليمين إلى اليسار في الرئة، وتخثر الدم داخل الأوعية الدموية في الرئتين، وتنشيط فوسفولايبيز- أ phospholipase-A مع فقدان مادة فعَّال السطح الرئوي pulmonary surfactant، وازدياد أُلْفَةَ affinity الأكسي هيموغلوبين للأكسجين. والتزويد المبكر للمرضى بأكسجين أضافي، خاصة عند ذوي درجات الخطورة العالية وكبار السن، يقلل من معدل الوفيات. واستعمال التهوية تحت ضغط موجب positive pressure venitilation قد يكون مفيدًا أحيانًا.

الخمج Infection. في حوالي 3 بالمائة من جميع حالات التهاب البنكرياس الحاد، ينتج عن الخمج الثانوي secondary infection في النسيج النَخِر الواقع في فرش البنكرياس، خراجٌ في أسبوع أو أسبوعين بعد انصراف الهجمة الأولية للمرض. ويحمل هذا في ثناياه معدل وفيات مرتفعًا، ويوفّر إنْضَارُ debridement الباحة الجراحي، مع قطع نسج البنكرياس القاصي، أحسن فرصة للشفاء.

نَقْصُ الكَلْسَمِيَّة Hypocalcaemia. ويحدث في 3-30 بالمائة من الحالات. وآلية حدوثه ليست مفهومة تمامًا. وكان يعتقد بداية أنها تعود لربط الكالسيوم على شكل صابون الكالسيوم calcium soap في بقع نَخْرِ الشحم fat necrosis، ولكن هذا لا يعطى تعليلاً لكميات الكالسيوم المشمولة. وقد يكون ارتفاع مستوى الغلوكاغون والكالسوتنين في البلازما، ونقص هرمون الدريقات parathormone، من أسبابه الإضافية. وقد يكون انخفاض نسبة الكالسيوم في المصل إلى ما دون 3 مليمول/لتر مصحوبًا بإنذار سيء poor prognosis. ويمكن علاج التَكَرُّزُ tetany الناجم عن نقص الكلسمية بإعطاء غلوكانات الكالسيوم وريديًا. وفي بعض الحالات قد يكون التكزُّز مُقَاوِمًا لجرعات ضخمة من الكالسيوم، ويحمل هذا بين ثناياه إنذارًا سيئًا.

تضيق القولون Colonic stricture. وينتج عن تليف مساريق القولون المستعرض transverse mesocolon والقولون الواقع فوق البنكرياس.

الكيسة الكاذبة Pseudocyst. يوحي تخطيط الصدى بحدوث مضاعفة الكيسة عند حوالي نصف جميع حالات التهاب البنكرياس الحاد. ولكن تَنْصَرِفُ ما بين 20-40 بالمائة من تلك الحالات تلقائيًا. والكيسة الكاذبة عبارة عن تجمع سائل (الشكل 48-21) بعد تلف البنكرياس. وحسب نسبة حدوثها، فإن الكيسة الكاذبة تَبْرُزُ: (1) بين المعدة والقولون المستعرض؛ (2) بين المعدة والكبد؛ (3) خلف أو أسفل القولون المستعرض. ويظهر تَوَرُّمٌ شرسوفي epigastric swelling في أثناء المعالجة التحفظية conservative treatment لالتهاب البنكرياس. وفي الحالات الرَضْحِيَّةِ traumatic cases، يظهر في اثناء النقاهة convalescence أو بعدها من إصابة لم تستحق إجراء عملية فتح بطن. وفي حالات استثنائية  يتم إدخال المريض إلى المستشفى بكيسة كاذبة في البنكرياس، ويُعْطِي سيرة هجمة ألم بطني شديد، حدثت قبل أسبوع أو أكثر.

وبالفحص السريري يتبين تَوَرُّمٌ، وأحيانًا يكون كبيرًا مثل البطيخة، ويقع في خط الوسط وفوق السُرَّة. والتورم ثابت، وفي كثير من الحالات يكون التورم متوترًا لدرجة لا يمكن توضيح التَمَوُّج fluctuation معها. وكقاعدة عامة، يكون النَبَضَانُ المنقول transmitted pulsation من الأبهر ملحوظًا، وقد يؤْخَذَ بالاعتبار تشخيص أم الدم aneurysm، وذلك بالرغم من أنه في الحالة الأخيرة يكون النبضان تَوَسُّعِيًّا expansile. فإذا وضع المريض في وضع التَجْبِيه knee elbow position، فإن النبضان ينقص بشكل كبير. وإضافة إلى ذلك، يكون اللَغَطُ bruit في حالة الكيسة البنكرياسية، غائبـًا ويكون التورم، وهو ظاهرة الاستهلال، أعرض بكثير. أما الكيسة المساريقية mesenteric cyst فهي نادرة الحدوث، ومتحركة جدًّا. وتبين وجبة الباريوم بروز الكيسة الكاذبة في إحدى الأحشاء المُجَوَّفَةِ، خاصة المعدة (الشكل 48-22). ويجب أن تراقب كل حالة التهاب بنكرياس حادة لاحتمال تَكَوُّنِ كيسة كاذبة. وتخطيط الصدى والتصوير المقطعي المحوسب وسائل استقصاء قيمة. والكيسة الكاذبة، إذا كان حجمها أقل من 6 سم، تنصرف دائمًا بشكل تلقائي.

المعالجة Treatment. من الضروري التمييز بين الكيسة الكاذبة الحادة والمزمنة. والكيسة الكاذبة الحادة غالبـًا ما تنشأ بعد هجمة شديدة وحادة من التهاب البنكرياس. وبما أن 20-40 بالمائة من الكيسات الكاذبة الحادة تنصرف من دون علاج، فيجب عدم اتخاذ أي إجراء في الأسابيع القليلة بعد تمييز هذه الكيسات، إلا إذا كان هناك دليل سريري على أن الكيسة قد أصبحت مخموجة. ويمكن باستخدام قياسات متسلسلة بواسطة تخطيط الصدى، معرفة

 

 

الشكل 48-21 كيسة بنكرياسية كاذبة.

 

الشكل 48-22 وجبة باريوم. كيسة  بنكرياسية كاذبة أزاحت المعدة. (د.ف.ك، كابور، دلهي.)

اتجاه تطور الكيسة، ويجب أن يُبَيَّنَ الانصراف التلقائي عند حدوثه. ويجب أن يُوْصَى بالمعالجة الجراحية عند حدوث الخمج في الكيسة، أو إذا استمر وجود الكيسة لمدة شهرين إلى ثلاثة، أو إذا زاد قطرها عن 6 سم. وهناك داع للمعالجة الجراحية إذا نشأت عن الكيسة الكاذبة أعراضٌ، والعلاج هو مفاغرةٌ كيسيةٌ معديةٌ cystogastrostomy، أو مفاغرة كيسية صائمية cystojejunostomy. يُفْتَحُ الجدار الأمامي للمعدة، ومن ثم يُجْرَى شِقٌّ بطول 6 سم على الأقل في الجدار الخلفي للمعدة ليصل إلى تجويف الكيس  ثم يتم التأكد من الإرقاء haemostasis، بواسطة خياطة متواصلة مُحَيطَية circumferential. ثم يغلق جدار المعدة الأمامي (الشكل 48-19). وبذلك، تُنْزَحُ محتويات الكيسة إلى المعدة. وبهذه العملية يتم تقصير فترة النقاهة ويتم تلافي حدوث المضاعفات المشار إليها أعلاه. ومن الطريف أن الطعام لا يدخل الكيسة كما هو متوقع. ويجب أن تكون الفتحة واسعة لدرجة تسمح بالتقلص اللاحق. ويمكن أن يتبع المفاغرة نزف من حافة الفتحة، وهو أحد المخاطر الكبيرة التي قد تحدث بعد العملية. والمفاغرة الكيسية الصائمية فعالة بدرجة مساوية.

إنذار التهاب البنكرياس الحاد Prognosis of acute pancreatitis. ويختلف معدل الوفيات باختلاف شدة المرض، ويتراوح ما بين 3-10 بالمائة لحالات التهاب البنكرياس الوَذَمِيّ oedematous pancreatitis، وبين 40-50 بالمائة لحالات التهاب البنكرياس النَاخِرُ necrotising pancreatitis، وقد تصل إلى 100 بالمائة في الحالات التي تصبح فيها الغدة نَخِرَةً تمامــًا.

ويجب أن تُجرى للمرضى الذين يشفون من التهاب البنكرياس الحاد، الناجم عن حصى المرارة، عملية استئصال المرارة، مع إزالة حصى القناة الصفراوية، إما جراحيًا، أو بالتنظير الداخلي. ويجب أن تجرى هذه العملية في غضون شهر من هجمة المرض، وذلك قبل تَعَرُّضِ المريض لهجمة أخرى. ويجب البحث عن أسباب أخرى لالتهاب البنكرياس، وعند التعرف عليها يجب علاجها. ومن الأمثلة، على ذلك، فَرْطُ الدُرَيْقِيَّةِ hyperparathyroidism. كما يجب تحذير الكحوليين alcoholics بضرورة الامتناع عن تناول المشروبات الكحولية، لتجنب الإصابة بهجمة أخرى من المرض.

 

التهاب البنكرياس المزمن Chronic pancreatitis

يتميز التهاب البنكرياس المزمن بمثابرة تلف البنكرياس، حتى لو أجْـتـُثَّ السبب الأولي لالتهاب البنكرياس. ويبلغ انتشار تغيرات الالتهاب البنكرياس المزمن، التي تم إيجادها عند فتح الجثة autopsy، حوالي 300 لكل 100.000 وفاة. ولكن انتشاره على شكل حالات سريرية بارزة، أقل من ذلك بكثير. ويشيع أكثر بين الرجال (ذكور: إناث = 1:4). ومتوسط العمر mean age عند بداية المرض، هو 40 سنة تقريبـًا، ويبدو أن نسبته تتزايد عند النساء.

المرضيات والسببيات Pathology and aetiology. قد يَبدو البنكرياس سويـًّا في بداية المرض وعند تَكَوّنِ الأعراض،. ويتضخم فيما بعد ويصبح قاسيـًا نتيجة التَصَلُّبِ sclerosis، بينما تصبح القنوات مفتولةً distorted ومُتَوَسِّعَةً مع مناطق تَوَسُّعٍ ectasia. وقد تتكون في القنوات حصى مُتـَكـَـلِّسَةٌ تزن ما بين ميلغرامات قليلة، وقد تصل إلى 200 غم. وتصبح القنوات مسدودة بمادة هلامية gelatinous، غنية بالبروتينات والحطام debris، وتُكوِّنُ كيسات. وبالفحص المرضي النسيجي، تصيب الآفات فُصَيْصًا خاصًا ويحدث حُؤْولٌ metaplasia في القنيات ductules، وضمورٌ atrophy في العُنَيْبَاتِ acini، وفرطُ تَنَسُّجٍ hyperplasia في ظهارة القناة duct epithelium وتَلَيُّفٌ بين الفصيصات. وفي الحالات التي يوجد فيها شذوذ سريري بارز، تصيب التغيرات جزءًا كبيرًا من البنكرياس أو تصيبها كلـَّها. وقد يكون البنكرياس محاطًا بالتصلب sclerosis وهذا قد يؤدي إلى تَضَيُّقِ الشرايين، والأوعية اللمفية، والوريد البابي، والوريد الطحالي، والقنوات الصفراوية والقولون المستعرض.

وأكثر أسباب التهاب البنكرياس المزمن شيوعًا هو الإفراط في تناول الكحول، المصحوب بغذاء غني بالبروتينات والشحوم. وآلية التلف ليست مفهومة، ولكن يبدو أن الكحول يغير كمية ومحتويات عصارة البنكرياس، مما يؤدي إلى تكوين سِدَادَاتٍ بروتينية protein plugs، تُغلقُ قنوات البنكرياس. ومن الأسباب الأخرى: انسداد قناة البنكرياس بسبب التضيق stricture مثلاً: بعد الرضح trauma والتهاب البنكرياس الحاد وبسبب انسدادٍ بسرطانة البنكرياس وفرط الدريقية hyperparathyroidism والتليف الكيسي cystic fibrosis والتهاب البنكرياس الوراثي hereditary وسوء التغذية الطِفْلِيِّ infantile malnutrition ومجموعة كبيرة غامضة idiopathic لا تفسير لها. وأحيانًا، قد يؤدي تضيق أنبورة فاتر إلى التهاب البنكرياس المزمن. وإذا بقي البرعم البنكرياسي البطني والبرعم الظهري غير ملتحمين، فإن تضيق الحُلَيْمَةِ الإضافية accessory papilla قد تؤدي إلى حدوث تغيرات التهاب البنكرياس، التي تستثني البرعم البطني في رأس البنكرياس. وفي أجزاء معينة من البلدان المدارية tropical countries، مثل كيرالا بالهند، يحدث، في سن مبكر، التهاب بنكرياس مزمن، مع تَكَوُّنِ حصى وتضيق القناة. وسبب هذا الظهور السريري غير معروف. وقد وردت تقارير عن مصاحبة حالات سرطانة البنكرياس لالتهاب البنكرياس المزمن (توماس*).

الظواهر السريرية Clinical features. الألم الشرسوفي epigastric pain (93 بالمائة من الحالات) ويكون رجيعـًا referred إلى المراق hypochondrium الأيسر (29 بالمائة من الحالات) وإلى المراق الأيمن (44 بالمائة من الحالات) وإلى الظهر (في 56 بالمائة من الحالات). وفي بعض الأحيان، تحدث سَوْرَةُ exacerbation الألم عند تناول الكحول. وينتج نقص الوزن عن القهم (فقدان شهية) بسبب الألم، وعن سوء الامتصاص. وأما سوء الامتصاص البادي للعيان، أو داء السكري، فهما من ظواهر المرض المتأخرة. ولا يفيد الفحص السريري عادة، ولكن يمكن رؤية اليرقان في حوالي 3 بالمائة من الحالات، وذلك بسبب تضيق القناة الصفراوية خلف البنكرياس. وأما وجود كتلة مؤلمة ويابسة بالشرسوف epigastrium، فقد تكون دالة على تَكَوُّنِ كيسة، ويمكن أن تكون سرطانة.

الاستقصاء Investigation. في مراحل المرض المبكرة، وعندما يكون التلف المَتْنِيّ parenchymal damage قليلاً، ربما يكون الارتفاع العابر في أميليز الدم  بعد أزمة من الألم هو الشذوذ الوحيد الذي يمكن الكشف عنه. وفي هذه المرحلة  قد يكون تنبيه البنكرياس بواسطة سكريتين-بنكريوزايمين الذي يؤدي إلى ارتفاع الأميليز في الدم هو اختبارالاستفزاز الذي يؤكد تشخيص المرض. وفيما بعد، وعند تَكَوُّن تَغَيُّراتِ الالتهاب المزمن، يصبح اختبار لوند Lundh أو اختبار سكرتين-بنكريوزايمين secretin-pancreozymin شاذًا. وقد يدل ارتفاع مستوى لاكتوفيرين lactoferrin في عصارة البنكرياس، التي تم الحصول عليها في أثناء تصوير الأوعية الصفراوية البنكرياسية الرجوعي بالتنظير الداخلي ERCP، على وجود التهاب بنكرياس مزمن متكلـِّس. ويوجد الإسهال الدُهْنِيّ steatorrhoea في حوالي 30 بالمائة من الحالات ولا يتكون إلا عندما يصبح قصور البنكرياس شديدًا.

وتُظْهِرُ الأشعة السينية البطنية البسيطة (الشكل 48-13) وجود تَكَلُّسٍ في 65 بالمائة من حالات التهاب البنكرياس المزمن. ويبين تخطيط الصدى (فائق الصوت) تضخم البنكرياس، ووجود أكياس وقنوات متوسعة. وقد يكون التصوير الطبقي المحوسب مفيدًا في استبعاد مصادر الألم الأخرى الواقعة خلف الصفاق، مثل تضخم العقد اللمفية، أو غَرَنِ sarcoma خلف الصفاق. وأما تصوير الأوعية الصفراوية البنكرياسية الرجوعي بالتنظير الداخلي ERCP، فقد يوضح تضيقَ قناةٍ أو حُلَيْمَةٍ يعمل كآفة تطلق زناد التهاب البنكرياس، كما يستطيع توضيح شذوذات القناة مثل البنكرياس البطني غير الملتحم، ويمكن أن يحدد مدى امتداد المرض، وهذا يتم تقييمه بواسطة درجة تشوه القنوات. ويستفاد من هذا التصوير أيضًا في معرفة ما إذا كان العلاج الجراحي مفيدًا، وإذا كان كذلك، فما هي العمليات الجراحية الأكثر فائدة في علاج المريض. ففي الحالات التي يوجد فيها تضيق في الجزء الداني من قناة البنكرياس، بحيث يمنع إقناء القناة من خلال الاثناعشر، يمكن استخدام طريق من خلال الجلد (وييسر من إجراء ذلك وجود توسع كبيرة بالقناة) (الشكل 48-23).

 

الشكل 48-23 تصوير البنكرياس من خلال الجلد، مُظْهِرًا قناة البنكرياس المتوسعة بشكل واضح، مع وجود تضيق بالقرب من الأنبورة، وحصى بالقناة.

 

المعالجة Treatment. يُنصحُ بتناول طعام قليل الدهن، وبالامتناع عن تناول الكحول. ويمكن إضافة أنظيمات البنكرياس، حتى في غياب الإسهال الدهني، يُقلل ذلك في أزمات الألم. وقد تكون إضافة ثلاثي الغليسريد triglyceride متوسطة السلسلة medium-chain وفيتامين د لازمة في علاج سوء الامتصاص. وقد يكون الألم مزعجًا، ويجب السيطرة عليه باستعمال مُسَكِّنٍ قويٍ مناسبٍ. وفي بعض الأحيان، يخفف إحْصَارُ العصب الحَشَوِيّ splanchnic nerve block من الألم. وعادة يهدأ الألم عندما يمتنع المريض عن تناول الكحول. وإذا حدث داء السكري، ففي العادة، يصبح الأنسولين ضروريـًا.

وغالبـًا ما يوفر العلاج الطبي للمريض حياة معقولة. ولكن أحيانًا، قد يكون هناك داعٍ للجراحة، وذلك عندما لا يمكن السيطرة على المرض رغم الامتناع عن الكحول. ويعتمد اختيار نوع العملية الجراحية على ما يظهره تصوير قناة البنكرياس، والتصوير المحوري المحوسب. فإذا كان رأس البنكرياس سويـًّا نسبيـًّا، فإن استئصال الجزء القاصي من البنكرياس إلى اليسار من الوريد البابي ضروري. وبالمقابل، إذا كان رأس البنكرياس مشمولاً بشكل رئيسي، فتُجْرَى عملية استئصال البنكرياس والاثناعشر pancreatodoudenectomy. ونادرًا ما تكون قناة البنكرياس متوسعة بشكل واضح (الشكل 48-23)، وفي هذه الحالة تُجرى مفاغرة بنكرياسية صائمية طولانية longitudinal pancreatojejunostomy.

الإنذار Prognosis. وتوفر عمليات النزح drainage والاستئصال تخفيف الألم في 75 بالمائة من المرضى الذين يُخْتَارُونَ للجراحة. وتصبح نوعية الحياة جيدة. ولكن قد يعقبها حدوث السكري والإسهال الدهني. وقد يستمر قلة من المرضى في معاناتهم من الألم، ويحتاجون لإجراء استئصال بنكرياس تام. ومن الأمور الأساسية الامتناع عن الكحول وذلك من أجل الحصول على نتيجة جيدة.


 

* جورج جراي تيرنر George Grey - Turner، 1877-1955. أستاذ الجراحة، مدرسة الطب للدراسات العليا، لندن، سابقا، أستاذ الجراحة، جامعة درهام.

* توماس ستيفن كولين Thomas Steven Gullen، 1868-1953. أستاذ الأمراض النسائية، جامعة جونز هوبكينز، بالتيمور، الولايات المتحدة الأمريكية.

* جون رانسون John Ranson، معاصر. أستاذ الجراحة، مدرسة الطب في جامعة نيويورك، نيويورك، الولايات المتحدة الأمريكية.

* د.فيليب.ج، توماس Dr. Philip G. Thomas، معاصر. كيرالا، الهند، أول من ابتكر تصليح ‘التهاب البنكرياس المداري’.

 

العصبية
الصدرية
القلبية
الوعائية
الهضمية
الغدية
الجلدية
الجهاز الحركي
البولية التناسلية
العينية
الانتانية
الثدي
المناعة و غرس الأعضاء
علم الأورام
آفات العنق
الجراحة - أساسيات
أسنان و لثة
مواضيع طبية متنوعة
اليد
القدم
الوجه
الخدين
اللسان
الفكان
الأنف
الأذن
الغدد اللعابية
البلعوم و اللوزات
الحنجرة