القانون  
   القانون   
   ( 8 من 70 )  
  السابق   الفهرس   التالي  
  
 

 الفصل الثامن عشر غير ضرورية ولا ضارة

ولتتكلم الآن في الأسباب الغير الضرورية ولا الضارة وهي التي ليست بجنسيتها في الطبع ولا هي مضادة للطبع وهذه هي الأشياء الملاقية للبدن غير الهواء فإنه ضروري بل مثل الاستحمامات وأنواع الدلك وغيرها ولنبدأ بقول كلي في هذه الأسباب فنقول‏:‏ إن الأشياء الفاعلة في بدن الإنسان من خارج بالملاقاة تفعل فيه على وجهين‏:‏ فإنها تفعل فيه إما بنفوذ ما لطف منها في المسام لقوة فيها غواصة نافذة أو لجذب الأعضاء إياها من مسامها أو بتعاون من الأمرين‏.‏

وإما أن تفعل لا بمخالطة البتة بل بكيفية صرفه محيلة للبدن وذلك إما لأن هذه الكيفية بالفعل كالطلاء المبرد بالفعل فيبرد أو الطلاء المسخن بالفعل فيسخن أو الكماد المسخن بالفعل فيسخن وإما لأن لها هذه الكيفية بالقوة لكن الحار الغريزي منها يهيج فيها قوة فعالة ويخرجها إلى الفعل‏.‏

وإما بالخاصية‏.‏

ومن الأشياء ما يغير بالملاقاة ولا يغير بالتناول مثل البصل فإنه إذا ضمد به من خارج قرح ولا يقرح من داخل ومن الأشياء ما هو بالعكس مثل الاسفيداج فإنه إن شرب غير تغييراً عظيماً وإن طلي لم يفعل من ذلك شيئاً‏.‏

ومنها ما يفعل من الوجهين جميعاً والسبب في القسم الأول أحد أسباب ستة‏:‏ لحمما‏:‏ أن مثل البصل إذا ورد على داخل البدن بادرت القوة الهاضمة فكسرته وغيرت مزاجه والثاني‏:‏ أنه في أكثر الأمر يتناول مخلوطاً بغيره‏.‏

والثالث‏:‏ أنه يختلط أيضاً في أوعية الغذاء برطوبات تغمره وتكسر قوته‏.‏

والرابع‏:‏ أنه إنما يلزم من خارج موضعاً واحداً وأما من داخل فلا يزال ينتقل‏.‏

والخامس‏:‏ أنه إما من خارج فيلتصق إلصاقاً موثقاً وأما من داخل فإنما يماس مماسة غير ملتصقة‏.‏

والسادس‏:‏ أنه إذا حصل في الباطن تولت تدبيره القوة الطبيعية فلم يلبث الفضل منه أن يندفع والجيد أن يستحيل دماً وأما ما يختلف من حال الاسفيداج فالسبب فيه أنه غليظ الأجزاء فلا ينفذ في المسام من خارج وإن نفذ لم يمعن إلى منافس الروح وإلى الأعضاء الرئيسة وأما إذا تنوول كان الأمر بالعكس وأيضاً ف‏!‏ ن الطبيعة السمية التي فيها لا تثور إلا بفرط تأثير الحار الغريزي الذى فينا فيه وذلك مما لا يحصل بنفس الملاقاة خارجاً وربما عاد عليك في كتاب الأدوية المفردة كلام من هذا القبيل‏.‏

 الفصل التاسع عشر موجبات الإستحمام والتضحّي بالشمس

قال بعض المتحذلقين‏:‏ خيرُ الحَمام ما قدَمُ بناؤه واتسع هواؤه وعذب ماؤه، وزاد آخر‏:‏ وقدر الأتون توقد بقدر مزاج من أراد وروده‏.‏

واعلم أن الفعل الطبيعي للحمام هو التسخين بهوائه أو الترطيب بمائه‏.‏

والبيت الأول مبرد مرطب‏.‏

والثاني مسخن مرطب‏.‏

والثالث مسخّن مجفّف‏.‏

ولا يلتفت إلى قول من يقول‏:‏ إن الماء لايرطب الأعضاء الأصلية تشرّباً ولا لفًا لأنه قد يعرض من الحمام بعدما وصفناه من تأثيراته وتغييراته تغييرات أخرى بعضها بالعرض وبعضها بالذات فإن الحمام قد يعرض له أن يبرد بهوائه من كثرة التحليل للحار الغريزي وأن يجفف أيضاً جوهر الأعضاء التحليلية لكثير الرطوبات الغريزية وإن أفاد رطوبات غريبة‏.‏

وإذا كان ماؤه شديد السخونة يتقشعر منه الجلد فيستحصف مسامه لم يتأد من رطوبته إلى البدن شيء ولا أجاد تحليله‏.‏

وماؤه قد يسخن ويبرد أما تسخينه فبحماه إن كان حاراً إلى السخونة ما هو دون الفاتر فإنه يبرّد ويرطب وبالحقن إذا كان بارداً فإنه يحقن الحرارة المستفادة من هوائه ويجمعها في الأحشاء إذا أورد بارداَ على البدن وأما تبريده فذلك إذا كثر فيه الاستنقاع فيبرد من وجهين‏:‏ أحدهما لأن الماء بالطبع بارد فيبرد آخر الأمر وإن سخن بحرارة عرضية لا يثبت بل يزول ويبقى الفعل الطبيعي لما تشربه البدن من الماء وهو التبريد وأيضاً فإن الماء وإن كان حاراً أو بارداً فهو أرطب وإذا أفرط في الترطيب حقن الحار الغريزي من كثرة الرطوبة فيطفئها فيبرد‏.‏

والحمام قد يستعمل يابساً فيجفف وينفع أصحاب الإستسقاء أو الترهل وقد يستعمل رطباً فيرطب وقد يقعد فيه كثيراً فيجفف بالتحليل والتعريق وقد يقعد فيه قليلاً فيرطب بانتشاف البدن منه قبل التعرق‏.‏

والحمام قد يستعمل على الريق والخواء فيجفّف شديداً ويهزل ويضعف وقد يستعمل على قرب عهد بالشبع فيسمن بما يجذب إلى ظاهر البدن من المادة إلا أنه يحدث السدد بما ينجذب بسببه إلى الأعضاء من المعدة والكبد من الغذاء الغير النضج وقد يستعمل عند آخر الهضم الأول قبل الإخلاء فينفع ويسمن باعتدال ومن استعمل الحمّام للترطيب كما يستعمله أصحاب الدق فيجب عليهم أن يستنقعوا في الماء ما لم تضعف قواهم ثم يتمرخوا بالدهن ليزيد في الترطيب وليحبس المائية النافذة في المسام ويحقنها داخل الجلد وأن لا يبطئوا المقام وأن يختاروا موضعاً معتدلاً وأن يكثروا صب الماء على أرض الحمام ليكثر البخار فيرطب الهواء وأن ينقلوا من الحمام من غير عناء ومشقة يلزمهم بل على محفة تتخذ لهم وأن يطيبوا بالطيب البارد كما يخرجون وأن يتركوا في المسلخ ساعة إلى أن يعود إليهم النفس المعتدل وأن يسقوا من المرطبات شيئاً مثل ماء الشعير ومثل لبن الأتان‏.‏

ومن أطال المقام في الحمام خيف عليه الغشي بإسخائه القلب‏.‏

ويثرر به أولاً الغثي‏.‏

وللحمام مع كثرة منافعه مضار فإنه يسهل انصباب الفضول إلى الأعضاء التي بها ضعف ويرخي الجسد ويضرّ بالعصب ويحلل الحرارة الغريزية ويسقط الشهوة للطعام ويضعف قوة الباه‏.‏

وللحمام فضول من جهة المياه التي تكون فيه فإنها إن كانت نطرونية كبريتية أو بحرية أو رمادية أو مالحة طبعاً أو بصنعة بأن يطبخ فيها شيء من ذلك أو يطبخ فيها مثل الميوزج ومثل حب الغار ومثل الكبريت وغير ذلك فإنها تحلل وتلطف وتزيل الترهل والتربّل ويمنع انصباب المواد إلى القروح وينفع أصحاب العرق المديني‏.‏

والمياه النحاسية والحديدية والمالحة أيضاً تنفع من أمراض البرد والرطوبة ومن أوجاع المفاصل والنقرس والإسترخاء والربو وأمراض الكلي وتقوي جبر الكسر تنفع من الدماميل والقروح‏.‏

والنحاصية تنفع الفم واللهاة والعين المسترخية ورطوبات الأذن‏.‏

والحديدية نافعة للمعحة والطحال‏.‏

والبورقية المالحة تنفع الرؤوس القابلة للمواد والصدر الذي بتلك الحال وتنفع المعدة الرطبة وأصحاب الإستسقاء والنفخ‏.‏

وأما المياه الشبية والزاجية فينفع الاستحمام فيها من نفث الدم ومن نزف المقعدة والطمث ومن تقلب المعدة ومن الإسقاط يغر سبب ومن التهيّج وفرط العرق‏.‏

وأما المياه الكبريتية فإنها تنقي الأعصاب وتسكن أوجاع التمدّد والتشنج وتنقي ظاهر البدن من البثور والقروح الرديئة المزمنة والآثار السمجة والكلف والبرص والبهق ويحلل الفضول المنصبة إلى المفاصل وإلى الطحال والكبد وتنفع من صلابة الرحم لكنها ترخي المعدة وتسقط الشهوة‏.‏

وأما مياه القفرية فإن الاستحمام فيها يملأ الرأس ولذلك يجب أن لا يغمس المستحم بها رأسه فيها وفيها تسخين في مدة متراخية وخصوصاً للرحم والمثانة والقولون ولكنها رديئة للنساء‏.‏

ومن أراد أن يستحم في الحمامات فيجب أن يستحم فيها بهدوء وسكون ورفق وتدريج غير بغتة وربما عاد عليك في باب حفظ الصحة من أمر الحمام ما يجب أن يضيف النظر فيه إلى النظر إلى ما قيل وكذلك القول في استعمال الماء البارد‏.‏

وأما التضحي إلى شمس الحارة وخصوصاً متحركاً لا سيما متحركاً حركة شديدة كالسعي والعدو مما يحلل الفضول بقوة ويعرّق النفخ ويحلل أورام التربل والاستسقاء وينفع من الربو ونفس الانتصاب ويحلل الصداع البارد المزمن ويقوي الدماغ الذي مزاجه بارد وإذا لم يتبل من تحته بل كان مجلسه يابساً نفع أوجاع الورك والكي وأوجاع الجذام واختناق الدم ونقى الرحم‏.‏

فإن تعرض للشمس كثف البدن وقشفه وحممه وصار كالكي على فوهات المسام ومنع التحلّل‏.‏

والسكون في الشمس في موضع واحد أشد في إحراق الجلد من التنقل فيها وهو أمنع للتحلل‏.‏

وأقوى الرمال في نشف الرطوبات من نواحي الجلد رمال البحار وقد يجلس عليها وهي حارة وقد يندفن فيها وقد ينثر على البدن قليلاً قليلاً فيحلل الأوجاع والأمراض المذكورة في باب الشمس‏.‏

وبالجملة يجفف البدن تجفيفاً شديداً‏.‏

وأما الاستنقاع في مثل الزيت فقد ينفع أصحاب الاعياء وأصحاب الحميات الطويلة الباردة والذين بهم حمياتهم مع أوجاع عصب مفاصل وأصحاب التشنج والكزاز واحتباس البول‏.‏

ويجب أن يكون الزيت مسخّناً من خارج الحمام‏.‏

وأما إن انطبخ فيه ثعلب أو ضبع على ما نصفه فهو أفضل علاج لأصحاب أوجاع المفاصل والنقرس‏.‏

وأما بل الوجه ورش الماء عليه فإنه ينعش القوة المسترخية من الكرب ولهيب الحميات وعند الغشي وخصوصاً مع ماء ورد وخل وربما صحح الشهوة وأثارها ويضرّ أصحاب النوازل والصداع

 الجملة الثانية سبب لكلّ واحد من العوارض البدنيّة

وهي تسعة وعشرون فصلاً

 الفصل الأول المسخّنات

المسخّنات أصناف مثل الغذاء المعتدل في المقدار والحركة المعتدلة ويدخل فيها الرياضات المعتدلة والدلك المعتدل والغمز المعتدل ووضع المحاجم بغير شرط فإن الذي يكون مع شرط يبرد بالاستفراغ وأيضاً الحركة التي هي إلى الشدة والكثرة قليلاً ليس بالمفرط والغذاء الحار والدواء الحار والحمام المعتدل على ما عرف من تسخينه بهوائه والصناعة المسخّنة وملاقاة المسخنات الغير المفرطة كالأهوية والأضمدة والسهر المعتدل والنوم المعتدل على الشرط المذكور والغضب على كل حال والهم إذا لم يفرط فأما إذا أفرط فيبرد الفرح المعتدل وأيضاً العفونة وخاصيتها أحداث حرارة غريبة لا غير وفعلها هو التسخين المطلق وهو غير الإحراق لأن التسخين دون الإحراق لا محالة ويقع كثيراً ولا يعفن وقد يحدث قبل التعفن فلأن التعفن كثيراً ما يكون بأن يبقى بعد مفارقة السبب المسخن الخارجي سخونة خارجية فيشتعل في المادة الرطبة فيغير رطوبتها عن صلوحها لمزاج الجوهر الذي هي فيه من غير رد إياها بعد إلى مزاج آخر من الأمزجة النوعية الطبيعية فإنه قد يغير الحرارة الرطبة إلى صلوحها من مزاج إلى مزاج آخر من الأمزجة النوعية ولا يكون ذلك تعفيناً بل هضماً‏.‏

وأما الإحراق فهو أن يميز الجوهر الرطب عن الجوهر اليابس تصعيداً لذلك وترسيباً لهذا‏.‏

وأما التسخين الساذج فهو أن تبقى الرطوبات كلها على طبائعها النوعية إلا أنها تصير أسخن‏.‏

ومن المسخّنات التكاثف في ظاهر البدن فإنه يسخن بحقن البخار‏.‏

والتخلخل داخل البدن فإنه بسخن يبسط البخار‏.‏

ومن عادة ‏"‏ جالينوس ‏"‏ أن يحصر جميع هذه الأسباب في خمسة أجناس الحركة غير المفرطة وملاقاة ما يسخن لا بإفراط والمادة الحارة مما يتناول والتكاثف والعفونة‏.‏

المبردات أما المبردات فهي أيضاً أصناف‏:‏ الحركة المفرطة لفرط تحليلها الحار الغريزي والسكون المفرط لخنقه الحار الغريزي وكثرة الغذاء المفرط مأكولاً ومشروباً وقلته المفرطة والغذاء البارد والدواء البارد وملاقاة ما يسخن لإفراط من الأهوية والأضمدة ومن مياه الحمامات وشدة تخلخل البدن فينفش عنه الحار الغريزي وطول ملاقاة ما يسخن باعتدال كطول اللبث في الحمام وشدة التكاثف فيحقن الحار الغريزي وملاقاة ما يبرد بالفعل وملاقاة ما يبرد بالقوة وإن كان حاراً في حاضر الوقت والإفراط في الاحتباس لأنه يحقن الحرارة الغريزة والإفراط في الاستفراغ لأنه يفقد مادة الحرارة بما فيه من إستتباع الروح والسدد من الفضول ومنها شدة شد الأعضاء وإدامتها فإنها تبرد أيضاً بسد طريق الحرارة وكذلك الهم المفرط والفزع المفرط والفرح المفرط واللذة المفرطة والصناعة المبردة والهوة والفجاجة المقابلة للعفونة‏.‏

ومن عادة الحكيم الفاضل ‏"‏ جالينوس ‏"‏ أن يحصرها في أجناس ستة‏:‏ الحركة المفرطة والسكون المفرط وملاقاة ما يبرد أو ما يسخن جداً حتى يحلل والمادة المبردة وقلة الغذاء يالإفراط وكثرة الغذاء بالإفراط‏.‏

 الفصل الثالث أسباب الترطيب

كثيرة منها السكون والنوم واحتباس ما يستفرغ وإستفراغ الخلط المجفف وكثرة الغذاء والغذاء المرطب والدواء المرطب وملاقاة المرطبات لا سيما الحمام وخصوصاً على الطعام وملاقاة ما يبرد فيحقن الرطوبة وملاقاة ما يسخن تسخيناً لطيفاً فيسيل الرطوبة والفرح المعتدل‏.‏

 الفصل الرابع المجففات

أسباب المجففات أيضاً كثيرة مثل الحركة والسهر وكثرة الاستفراغ ومنها الجماع وقلة الأغذية وكونها يابسة والأدوية المجفّفة وأنواع الحركات النفسانية المفرطة وتواتر الحركات النفسانية وملاقاة المجقفات ومن ذلك الاستحمام بالمياه القابضة ومن ذلك البرد المجمد بما يحبس العضو من جذب الغذاء إلى نفسه وبما يقبض فيحدث عنه سدد تمنع من نفوذ الغذاء ومن ذلك ملاقاة ما هو شديد الحرارة فيفرط في التحليل حتى إن من ذلك كثرة الاستحمام‏.‏

 الفصل الخامس مفسدات الشكل

من أسباب فساد الشكل أسباب وقعت في الخلقة الأولى فقصرت القوة المصورة أو المغيرة التي في المني بسببها عن تتميم فعلها وأسباب تقع عند الانفصال من الرحم وأسباب تقع عند قمط الطفل وإمساكه وأسباب بادية تقع من خارج كسقطة أو ضربة وأسباب تتعلّق بالمبادرة إلى الحركة قبل تصلب الأعضاء واستيكاعها وأيضاً أسباب مرضية كالجذام والسل والتشنج والإسترخاء والتمدد وقد يقع بسبب السمن المفرط وقد يكون بسبب الهزال المفرط وقد يكون بسبب الأورام وقد يكون بسبب أمراض الوضع وقد يكون بسبب سوء اندمال القروح وغير ذلك‏.‏

الفصل السادس أسباب السدة وضيق المجاري إن السدة تحدث إما لوقوع شيء غريب في المجرى وذلك إما غريب في جنسه كالحصاة أو غريب في مقداره كالثفل الكثير أو غريب في الكيفية وذلك إما لغلظه وإما للزوجته وإما لجموده كالعلقة الجامدة‏.‏

فهذه أقسام السادّ لوقوعه في المجرى هذا‏.‏

ومن جملته ما هو لازم لمكانه في المجرى ومنه ما هو قلق فيه متردد وقد تعرض السدة لالتحام المنفذ بسبب اندمال قرحة فيه ولنبات شيء زائد كنبات لحم ثؤلولي ساد أو لانطباق المجرى لمجاورة ورم ضاغط أو لتقبض برد شديد أو لشدة يبس حادث من المقبضات أو لشدة قوة من القوة الماسكة أو لعصب عصابة شديدة الشد والشتاء يكثر فيه السدد لكثرة احتقان الفضول ولقبض البرد‏.‏

 الفصل السابع أسباب اتساع المجاري

إن المجاري تتسع إما لضعف الماسكة أو لحركة قوية من الدافعة‏.‏

ومن هذا الباب فعل حصر النفس أو لأدوية مفتحة أو لأدوية مرخيّة حارة رطبة والمجأري تضيق لأضداد ذلك وللسدّ‏.‏

 الفصل الثامن أسباب الخشونة

الخشونة تحدث إما لسبب شديد الجلاء بتقطيعه كالخلّ والفضول الحامضة أو تحليله كزبد البحر والفضول الحادةّ أو لسبب قابض يخشن بيبوسته كالأشياء العفصة أو بارد فيخشن بتكثيفه أو لركود أجزاء أرضية على العضو كالغبار‏.‏

 الفصل التاسع سبب الملاسة

إما مغز بلزوجته وإما محلّل لطيف التحليل يرقق المادة فيسيلها أو يزيل التكاثف عن صفحة العضو‏.‏

 الفصل العاشر أسباب الخلع

ومفارقة الوضع زوال الوضع إما بسبب تمدّد كمن يجذب عضو منه ويمدد حتى ينخلع أو حركة عنيفة على اعتماد مزيل للعضو عن موضعه كمن تنقلب رجله أو سبب مرخ مرطّب كما يعرض في القيلة أو سبب مفسد لجوهر الرباط بتأكيله أو تعفينه كما يعرض في الجذام وعرق النسا‏.‏

 الفصل الحادي عشر سوء المجاورة

لمنع المقاربة سببه إما غلظ وإما أثر قرحة وإما تشنّج وإما استرخاء وإما جفاف الخلط في المُفصل وتحجره وإما ولادي‏.‏

 الفصل الثاني عشر أسباب سوء المجاورة لمنع المباعدة

 الفصل الثالث عشر أسباب الحركات الغير طبيعية

سببها إما يبس مضعف كالرعشة اليابسة أو يبس مشنج كالفواق اليابس أو التشنج اليابس أو فضول مشنّجة أو فضول وأسباب سادة طريق القوة مانعة عن نفوذها إلى العضو بالسدد أو فضول مؤذية ببردها كما في النافض أو بلذعها كما في القشعريرة أو الغور من الحرارة الغريزية وقلتها فتستظهر الفضل برداً وتحدث ريحاً يطلب التحلل والتخلص كما في الاختلاج‏.‏

ونقول‏:‏ إن هذه المادة المؤذية إما بخارية يسيرة فتحدث التمطيّ أو أقوى منها فتحدث الاعياء المعيي إن كان ساكناً وتحدث أنواعاً من الإعياء الآخر التي سنذكرها إن كان متحرّكاً وإن كان أقوى أحدث القشعريرة وإن كان أقوى أحدث النافض‏.‏

والمادة الريحية إذا احتسبت في العضلة أحدثت الاختلاج فاعلم ذلك‏.‏

 الفصل الرابع عشر أسباب زيادة العظم

والغدد هي كثرة المادة وشدّة القوى الجاذبة في نفسها وشدة القوى الجاذبة لمعونة الدلك والتسخين الفصل الخامس عشر أسباب النقصان هذه إمّا واقعة في أصل الخلقة لنقصان المادة أو خطأ القوة الحائلة وضعفها وإما آفات واقعة تارة من خارج كالقطع والضرب وإفساد البرد وتارة من داخل كالتآكل والعفونة‏.‏

 الفصل السادس عشر أسباب تفرق الاتصال

هذه إما من داخل وإما من خارج‏.‏

والتي من داخل فمثل خلط آكال أو محرق أو مرطب مرخ وميبس صادع أو مثل امتلاء ريحي ممدد أو ريحي غارز أو خلطي ممدد بحركة الخلط أو منتقص أو نافذ في البدن لتميزه حركة قوية أو خلطي غارز وجميع ذلك إما لشدّة الحركة أو لكثرة المادة مثل شدة حركة من الدافعة لا على المجرى الطبيعي ومثل حركة على الامتلاء‏.‏

ومما يشبهها الصياح الشديد والوثبة ومثل انفجار الأورام‏.‏

وأما الأسباب التي من خارج فمثل جسم يمدد كالحبل وكالأثقال أو يقطع كالسيف أو يحرق كالنار أو يرض كالحجر‏.‏

فإن مثل هذا إن وجد خلاء شَدَخ أو امتلاء صدَعَ الأوعية ومثل جسم يثقب كالسهم أو ينهش ويعض

 الفصل السابع عشر أسباب القرحة

هي إما ورم ينفجر وإما جراحة تنفتح وإما بثور تتأكل‏.‏

 الفصل الثامن عشر أسباب الورم

هذه الأسباب بعضها من المادة وبعضها من هيئة العضو أما الكائنة من جهة المادة فالامتلاء من الأشياء الست المذكورة وأما الكائنة من جهة هيئات الأعضاء فقوة العضو الدافع وضعف العضو القابل وتهيؤه لقبول الفضل إما لطبع جوهره وإنه خلق لذلك كالجلد أو لسخافته مثل اللحم الرخو في المعاطف الثلاثة خلف الأذن من العنق والإبط والأرنبة أو لاتساع الطرف إليه وضيق الطرف عنه أو لوضعه من تحت أو لصغره فيضيق عما يأتيه من مادة الغذاء وإما لضعفه عن هضم غذائه لآفة فيه وإما لضربة تحقن فيه المادة وإما لفقدانه تحلل ما يتحلّل عنه بالرياضة وإما لحرارة مفرطة فيه فيجذب‏.‏

وتلك الحرارة إما طبيعية كما للحم أو مستفادة أحدثها وجع أو حركة عنيفة أو شيء من المسخنات‏.‏

والكسر يحدث الورم لشيء من هذه الأسباب المذكورة مثل الرضّ وضغط العضو والتمديد الذي به يجبر والعظم نفسه بل السن قد يرم لأنه يقبل النمو من الغذاء ويقبل الابتلال والعفونة فيقبل الورم‏.‏

 الفصل التاسع عشر أسباب الوجع

على الإطلاق ولأن الوجع هو أحد الأحوال الغير الطبيعية العارضة لبدن الحيوان فلنتكلم في أسبابه كلاماً كلياً ونقول‏:‏ إن الوجه هو الإحساس بالمنافي‏.‏

وجملة أسباب الوجع منحصرة في جنسين‏:‏ جنس يغير المزاج دفعة وهو سوء المزاج المختلف وجنس يفرّق الاتصال وأعني بسوء المزاج المختلف أن يكون للاعضاء في جواهرها مزاج متمكّن ثم يعرض عليها مزاج غريب مضاد لذلك حتى تكون أسخن من ذلك أو أبرد فتحس القوة الحاسة بورود المنافي فيتألم‏.‏

فإن الألم أن يحس المؤثر المنافي منافياً‏.‏

وأما سوء المزاج المتفق فهو لا يؤلم البتة ولا يحسّ به مثل أن يكون المزاج الرديء قد تمكن من جوهرالأعضاء وأبطل المزاج الأصلي وصار كأنه المزاج الأصلي وهذا لا يوجع لأنه لايحس لأن الحاس يجب أن ينفعل من المحسوس والشيء لا ينفعل عن الحالة المتمكنة التي لا تغيره في حالة فيه بل إنما ينفعل عن الضد الوارد المغير إياه إلى غير ما هو عليه‏.‏

ولهذا ما يحسّ صاحب حمّى الدق من الالتهاب ما يحس به صاحب حمّى اليوم أو صاحب حمى الغب مع أن حرارة الدق أشد كثيراً من حرارة صاحب الغب لأن حرارة الدق مستحكمة مستقرة في جوهر الأعضاء الأصلية وحرارة الغب ورادة من مجاورة خلط على أعضاء محفوظ فيها مزاجها الطبيعي بعد بحيث إذا تنحى عنها الخلط بقي العضو منها على مزاجه ولم يثبت فيه الحرارة إلا أن تكون قد تشبثت وانتقلت العلة إلى الدق‏.‏

وسوء المزاج المتفق إنما يتمكّن من العضو بتدريج وقد يوجد في حال الصحة منال يقرب هذا إلى الفهم وهو أن المعافص بالاستحمام شتاء إذا استحم بالماء الحار بل بالفاتر عرض له منه اشمئزاز وتأذ لأن كيفية بدنه بعيدة عنه مضادة إياه ثم يألفه فيستلذه كما يتدرج إلى الاستحالة عن حالة البرد العامل فيه ثم إذا قعد ساعة في الحمام الداخل فربما يتفق أن يصير بدنه أسخن من ذلك الماء فإذا عوفص بصب الماء الأول بعينه عليه اقشعر منه على أنه يستبرده فإذا علمت هذا فنقول‏:‏ إنه وإن كان أحد جنسي أسباب الألم هو سوء المزاج المختلف فليس كل سوء مزاج مختلفاً بل الحار بالذات والبارد بالذات واليابس بالعرض والرطب لا يؤلم البتة لأن الحار والبارد كيفيتان فاعلتان واليابس والرطب كيفيتان إنفعاليتان قوامهما ليس بأن يؤثر بهما جسم في جسم بل بأن يتأثر جسم من جسم‏.‏

وأما اليابس فإنما يؤلم بالعرض لأنه قد يتبعه سبب من الجنس الآخر وهو تفرّق الإتصال لأن اليابس لشدّة التقبيض ربما كان سبباً لتفرق الإتصال لا غير‏.‏

أما ‏"‏ جالينوس ‏"‏ فإنه إذا حقق مذهبه رجع إلى أن السبب الذاتي للوجع هو تفرق الإتصال لا غير وإن الحار إنما يوجع لأنه يفرّق الاتصال وأن البارد إنما يوجع أيضاً لأنه يلزمه تفرق الإتصال وذلك لأنه لشدة تكثيفه وجمعه يلزمه لا محالة أن تنجذب الأجزاء إلى حيث يتكاثف عنده فيتفرق من جانب ما ينجذب عنه‏.‏

وقد تمادى هو في هذا الباب حتى أوهم في بعض كتبه أن جميع المحسوسات تؤذي مثل ذلك أعني تؤذي بتفريق أو جمع يلزمه تفريق‏.‏

فالأسود في المبصرات يؤلم لشدّة جمعه والأبيض لشدّة تفريقه والمر والمالح والحامض يؤلم في المذوقات بفرط تفريقه والعفص بفرط تقبيضه فيتبعه التفريق لا محالة وكذلك في الشم وكذلك الأصوات القوية تؤلم بالتفريق لعنف من الحركة الهوائية عند ملاقاة الصماخ‏.‏

وأما القول الحقّ في هذا الباب فهو أن يجعل تغيّر المزاج جنساً موجباً بذاته الوجع وإن كان قد يعرض معه تفريق اتصال‏.‏

والبيان المحقق في هذا ليس في الطب بل في الجزء الطبيعي من الحكمة إلا أنا قد نشير إلى طرف يسير منه فنقول‏:‏ إن الوجه قد يكون متشابه الأجزاء في العضو الوجع وتفرق الاتصال لا يكون متشابه الأجزاء البتة فإذن وجود الوجع في الأجزاء الخالية عن تفرق الاتصال لايكون عن تفرق الاتصال بل يكون سوء المزاج وأيضاً فإن البرد يوجع حيث يقبض ويجمع وحيث يبرد بالجملة وتفرق الاتصال عن البرد لا يكون حيث يبرد بل في أطراف الموضع المتبرد وأيضاَ فإن الوجع لا محال هو إحساس بمؤثر مناف بغتة من حيث هو مناف فالوجع هو المحسوس المنافي بغتة والحد ينعكس وكل محسوس مناف من حيث هو مناف موجع‏.‏

أرأيت إذا أحس بالبردالمفسد للمزاج من حيث يفسد المزاج وكان مثلاً لا يحدث عنه تفريق الاتصال هل كان يكون ذلك إحساساً بمناف فهل كان يكون وجعاً‏.‏

فمن هذا يعرف أن تغير المزاج دفعة سبب الوجع كتفرق الاتصال‏.‏

والوجع يثير الحرارة فيثير الوجع بعد الوجع وقد يبقى بعد الوجع شيء له حس الوجع وليس بوجع حقيقي بل هو من جملة ما يتحلل بذاته الجاهل يشتغل بعلاجه فيضر به‏.‏

 الفصل العشرون أسباب الوجع

أصناف الوجع التي لها أسماء هي هذه الجملة الحكّاك الخشن الناخس الضاغط الممدد المفسخ المكسر الرخو الثاقب المسقي الخدر الضرباني الثقيل الإعيائي اللاذع فهذه هي خمسة عشرجنساً‏.‏

وسبب الوجع الخشن خلط خشن‏.‏

وسبب الوجع الناخس‏:‏ سبب ممدد للغشاء عرضاً كالمفرق لاتصاله وقد يكون متساوياً في الحس وقد لا يكون متساوياً‏.‏

والغير المتساوي في الحس إما لأن ما يتمدد عليه الغشاء ويلامسه غير متشابه الأجزاء في الصلابة واللين كالترقوة للغشاء المستبطن للأضلاع إذا كان الورم في ذات الجنب جاذباَ إلى أعلاه أو يكون غير متشابه الأجزاء في حركته كالحجاب لذلك الغشاء ولأن حس العضو غيره متشابه إما بالطبع وإما لأن آفة عرضت لبعض أجزائه دون بعض‏.‏

وسبب الوجع الممدّد‏:‏ ريح أو خلط يمدد العصب والعضل كأنه يجذبه إلى طرفيه‏.‏

والوجع الضاغط سببه مادة تضيق على العضو المكان أو ريح تكتنفه فيكون كأنه مقبوض عليه فيضغط‏.‏

وسبب الوجع المفسّخ‏:‏ هو مادة ما يتحلل من العضلة وغشائها فيمدد الغشاء ويفرق اتصال الغشاء بل العضلة‏.‏

وسبب الوجع المكسّر مادة أو ريح يتوسّط ما بين العظم والغشاء المجلّل له أو برد فيقبض ذلك الغشاء بقوّة‏.‏

وسبب الوجع الرخو‏:‏ مادة تمدد لحم العضلة دون وترها وإنما سمي رخواً لأن اللحم أرخى من العصب والوتر والغشاء‏.‏

وسبب الوجع الثاقب‏:‏ هو مادة غليظة أو ريح تحتبس فيما بين طبقات عضو صلب غليظ كجرم معي قولون ولا يزال يمزّقه وينفذ فيه فيحسّ كأنه يثقب بمثقب‏.‏

وسبب الوجع المسلّي‏:‏ تلك المادة بعينها في مثل ذلك العضو إلا أنها محتبسة وقت تمزيقها‏.‏

وسبب الوجع الخدر‏:‏ إما مزاج شديد البرد وإما انسداد مسام منافذ الروح الحساس الجاري إلى العضو بعصب أو امتلاء أوعية‏.‏

وسبب الوجع الضرباني‏:‏ ورم حار غير بارد إذ البارد كيف كان صلباً أو ليناً فإنه لا يوجع إلا أن يستحيل إلى الحار وإنما يحدث الوجع الضرباني من الورم الحار على هذه الصفة إذا حدث ورم حار وكان العضو المجاور له حسّاساً وكان بقربه شريانات تضرب دائماً لكنه لما كان ذلك العضو سليماً يحس بحركة الشريان في غور فإذا ألم وورم صار ضربانه موجعاً‏.‏

وسبب الوجع الثقيل‏:‏ ورم في عضو غير حساس كالرئة والكلية والطحال فإن ذلك الورم لثقله ينجذب إلى أسفل فيجذب العضو باللفافة والغلافة بانجذابه إلى أسفل أو ورم في عضو حساس إلا أن نفس الألم قد أبطل حس العضو مثل السرطان في فم المعدة فإنه يحس بثقله ولا يوجع وسبب الوجع الاعيائي إما تعب فيسمى ذلك الوجع إعياء تعبيا ‏"‏ وإما خلط ممدد ويسمى ما يحدث عنه الإعياء التمددي وإما ريح ويسمى ما يحدث عنه الإعياء النافخ وإما خلط لاذع ويسمى ما يحدث عنه الاعياء القروحي ويتركب منها تراكيب كما نبينها في الموضع الأخص بها‏.‏

ومن جملة المركب الإعياء المعروف بالبورقي وهو مركب من تمددي ومن قروحي‏.‏

والوجع اللاذع‏:‏ هو من خلط له كيفية حادة‏.‏

 الفصل الحادي والعشرون أسباب سكون الوجع

سبب سكون الوجع‏:‏ إما ما يقطع السبب الموجب إياه ويستفرغه كالشبت وبزر الكتان إذا ضمد به الموضع الألِمُ وإما ما يرطب وينوم فتغور القوة الحسية ويترك فعلها كالمسكرات وإما مايبرد فيخدر مثل جميع المخدرات والمسكن الحقيقي هو الأول‏.‏

 الفصل الثاني والعشرون فيما يوجبه الوجع

الوجع يحل القوة ويمنع الأعضاء عن خواص أفعالها حتى يمنع المتنفس عن التنفس أو يشوش عليه فعله أو يجعله متقطعاً أو متواتراً وبالجملة على مجرى غير الطبيعي وقد يسخن العضو أولاً ثم يبرده أخيراً بما يحلل وبما يهزم من الروح والحياة‏.‏

 الفصل الثالث والعشرون

أسباب اللذة هذه أيضاً محصورة في جنسين‏:‏ أحدهما‏:‏ جنس ما يغير المزاج الطبيعي دفعة ليقع به الإحساس‏.‏

والثاني‏:‏ جنس ما يرد الاتصال الطبيعي دفعة وكل ما يقع لا لدفعه فإنه لا يحس فلا يلذ‏.‏

واللذة حس بالملائم وكل حسّ فهو بالقوة الحساسة ويكون الإحساس بانفعالها فإذا كان بملائم أو بمناف كان لذة أو ألماً بحسب ما يتأثر‏.‏

ولما كان اللمس أكثف الحواس وأشدها استحفاظ لما قبله من تأثير مناف أو ملائم كان إحساسه الملائم عند ذوي الطبيعة الكثيفة أشد إلذاذاً وإحساسه المنافي أشد إيلاماً من الذي يخص قوي آخر‏.‏

 الفصل الرابع والعشرون كيفية إيلام الحركة

 الفصل الخامس والعشرون كيفية إيلام الاخلاط الرديئة

الأخلاط الرديئة توجع إما بكيفيتها كما تلذع أو بكثرتها كما تمدد أو باجتماع الأمرين جميعاً‏.‏

 

الفصل السادس والعشرون كيفية إيلام الرياح

الريح تؤلم بالتمديد‏.‏

والريح الممددة إما أن تكون في تجاويف الأعضاء وبطونها كالنفخة في المعدة أو في طبقات الأعضاء‏.‏

وليفها كما في القولنج الريحي أو في طبقات العضل أو تحت الأغشية وفوق العظام أو حول العضل بينها وبين اللحم والجلد أو مستبطناً العضو كما يستبطن عضل الصدر وسرعة انفشاشه أو طول لبثه وهو بحسب كثرة مادته وقلتها وغلظ مادته ورقتها واستحصاف للعضو تخلخله فحسب‏.‏

 الفصل السابع والعشرون أسباب ما يحبس ويستفرغ

الاحتباس والاستفراغ يسهل الوقوف عليهما من تأمل ما قلناه في الاحتباس والاستفراغ فليطلب  الفصل الثامن والعشرون أسباب التخمة والامتلاء

هذه إما من خارج ومن البادية فمثل استعمال ما يشتد ترطيبه فلا يفتقر البدن إلى ترطيب المأكول والمشروب فإذا اجتمعا معاً كثرت المادة في البدن وفسد بصرف الطبع فيها مثل الاستكثار من الحمام وخصوصاً بعد الطعام وموانع التحليل مثل الدعة وترك الرياضة والاستفراغ والترفه في المأكول والمشروب وسوء التدبير وإما من داخل فهو مثل ضعف القرة الهائمة فلا يهضم أو ضعف الدافعة أو قوة الماسكة فتنحصر الأخلاط ولا تندفع أو ضيق المجاري‏.‏

 الفصل التاسع والعشرون أسباب ضعف الأعضاء

إما أن يكون سبب الضعف وارداً على جرم العضو أو على الروح الحامل للقوة المتصرفة في العضو أو على نفس القوة‏.‏

والذي يكون السبب فيه خاصاً بالعضو فإما سوء مزاج مستحكم وخصوصاً البارد على أن الحار قد يفعل بما يضعف فعل البارد في الإخدار لإفساده مزاج الروح كما يعرض لمن أطال المقام في الحمام بل لمن غشي عليه‏.‏

واليابس يمنع القوى عن النفوذ بتكثيفه والرطب بإرخائه وسدّه‏.‏

وأما مرض من أمراض التركيب والأخص منه بما يكون الإنسان معه غير ظاهر الأذى والمرض‏.‏

والألم هو تهلهل تشنج ذلك العضو في عصبه إذا كانت الأفعال الطبيعية كلها والإرادية تتم بالليف وتأليفه‏.‏

والهضم أيضاً مفتقر إلى الإمساك الجيد على هيئة جيّدة وذلك بالليف‏.‏

والذي يكون السبب فيه خاصاً بالروح فهو إما سوء مزاج وإما تحلّل باستفراغ يخصه أو يكون على سبيل اتباع لاستفراغ غيره‏.‏

والذي يختص بالقوة فكثرة الأفعال وتكرّرها فإنها توهن القوة وان كان قد يصحب ذلك تحلّل الروح على سبيل صحبة سبب لسبب فإذا أعددنا الأسباب على جهة أخرى وأوردنا فيها الأسباب البعيدة التي هي أسباب للأسباب الملاصقة فيحدث منها أسباب سوء المزاج ومنها فساد الهواء والماء والمأكل ومنها ما يفزع الروح أولاً مثل النتن وأسن الماء وانتشار القوى السمية في الهواء أو في البدن‏.‏

ومن جملة أسباب الضعف ما يتعلق بالإستفراغ مثل نزف الدم والإسهال خصوصا ‏"‏ في رقيق الأخلاط وبزل مائية الاستسقاء إذا أرسل منها شيء كثير دفعه وربط الدبيلة الكثيرة إذا سال منها مدَة كثيرة دفعة وكذلك إذا انفجرت بنفسها والعرق الكثير والرياضة المفرطة والأوجاع أيضاً فإنها تحلّل الروح وإن كان قد تغير المزاج ومن جملة هذه الأوجاع ما هو أكثر تأثيراً مثل وجع فم المعدة كان ممدداً أو لاذعاً أو جزء عضو وكل وجع يقرب من نواحي القلب والحميات مما يضعف بالتحليل والاستفراغ من البدن والروح وتبديل المزاج وسعة المسام من المعاون على حدوث الضعف التحللي‏.‏

والجوع الكثير من هذا القبيل‏.‏

وربما كان ضعف البدن كله تابعاً لضعف عضو آخر مثل ضعف البدن بأذى يصيب فم المعدة حتى تنحل قوته وحين يكون قلبه ودماغه شديد الإنفعال من المؤذيات اليسيرة فيكون هذا الإنسان سريع الانحلال والضجر من أدنى شيء‏.‏

وربما كان سبب الضعف كثرة مقاساة الأمراض وقد يكون بعض الأعضاء في الخلقة أضعف من بعض أو أضعف من غيره كالرئة والدماغ فيكون قبولاً لما يدفعه القويّ في الخلقة عن نفسه ولو لم يخص الدماغ بارتفاع موضعه لكان يمنى من هذه الأسباب بما لا يطيق ولا يبقى معه قوة فاعلم جميع ذلك‏.‏

 التعليم الثالث الأعراض والدلائل

وهو أحد عشر فصلا ‏"‏ وجملتان

 الفصل الأول كلام كلي في الأعراض والدلائل

الأعراض والعلامات التي تدل على إحدى الحالات الثلاث المذكورة إحدى ثلاث دلالات‏:‏ إما على أمر حاضر قال ‏"‏ جالينوس ‏"‏‏:‏ وينتفع به المريض وحده فيما ينبغي أن يفعل‏.‏

وإما على أمر ماض قال ‏"‏ جالينوس ‏"‏‏:‏ ‏"‏ وينتفع به الطبيب وحده إذ قد يستدلّ بذلك على تقدمه في صناعته فتزداد الثقة بمشورته ‏"‏‏.‏

وإما على أمر مستقبل قال‏:‏ ‏"‏ وينتفعان به جميعاً ‏"‏‏.‏

أما الطبيب فيستدل به على تقدمه في المعرفة وأما المريض فيقف منه على واجب تدبيره‏.‏

والعلامات الصحيّة‏:‏ منها ما يدل على اعتدال المزاج وسنذكره في موضعه ومنها ما يدل على استواء التركيب فمنها جوهرية وهي مثل أن تكون الخلقة والوضع والمقدار والعدد على ما ينبغي وقد فصلت هذه الأقوال ومنها عرضية بمنزلة الحسّ والجمال ومنها تمامية وهي من تمام الأفعال واستمرارها على الكمال وكل عضو تم فعله فهو صحيح‏.‏

ووجه الاستدلال من الأفعال على الأعضاء الرئيسة أما على الدماغ فبأحوال الأفعال الإرادية وأفعال الحس وأفعال التوهم وأما على القلب فبالنبض والنفس وأما على الكبد فبالبراز والبول فإن ضعفها يتبعها براز وبول شبيهان بغسالة اللحم الطري‏.‏

والأعراض الدالة على الأمراض‏:‏ منها دالة على نفس المرض كاختلاف النبض في السرعة في الحمى فإنه يدل على نفس الحمى ومنها دالة على مرض الموضع كالنبض المنشاري إذا كان الوجع في نواحي الصدر فإنه يدل على أن الورم في الغشاء والحجاب وكالنبض الموجي في مثله فإنه يدل على أن الورم في جرم الرئة ومنها دالة على سبب المرض كعلامات الإمتلاء باختلاف أحوالها الدال كل فن منها على فن من الإمتلاء‏.‏

الأعراض‏.‏

منها ما هي مؤقتة يبتدىء وينقطع مع المرض كالحمى الحادة والوجع الناخس وضيق النفس والسعال والنبض المنشاري مع ذات الجنب ومنها ما ليس له وقت معلوم فتارة يتبع المرض وتارة لا يتبع مثل الصداع للحمى ومنها ما يأتي آخر الأمر فمن ذلك علامات البحران ومن ذلك علامات النضج ومن ذلك علامات العطب وهذه أكثرها في الأمراض الحادة‏.‏

منها ما يدل في ظاهر الأعضاء وهي مأخوذة إما عن المحسوسات الخاصة مثل أحوال اللون وأحوال اللمس في الصلابة واللين والحر والبرد وغير ذلك وإما عن المحسوسات المشتركة وهي المأخوذة من خلق الأعضاء وأوضاعها وحركاتها وسكوناتها وربما دلّ ذلك منها على الأحوال الباطنة مثل اختلاج الشفة على القيء ومقاديرها هل زادت أو نقصت وأعدادها وربما دل ذلك منها على أحوال أعضاء باطنة مثل قصر الأصابع على صغر الكبد‏.‏

والإستدلال من البراز هل هو أسود أو هو أبيض أو أصفر على ماذا يدلّ بَصَري‏.‏

ومن القراقر على النفح وسوء الهضم سمعِي‏.‏

ومن هذا القبيل الاستدلال من الروائح ومن طعوم الفم وغير ذلك والاستدلال من تحدب الظفر على السل‏.‏

والدقّ بصري ولكن من باب المحسوسات المشتركة‏.‏

وقد يدلّ المحسوس الظاهر منها على أمر باطن كما تدل حمرة الوجنة على ذات الرئة وتحدّب الظفر على قرحة الرئة‏.‏

والاستدلال من الحركات والسكونات مما يقتضي فضل بسط نبسطه‏.‏

فالأعراض المأخوذة من باب السكون هي مثل السكتة والصرع والغشي والفالج‏.‏

والمأخوذة من باب الحركة فهي مثل القشعريرة والنافض والفواق والعطاس والتثاؤب والتمطي والسعال والاختلاج والتشنج عندما يبتدىء بتشنج فمن ذلك ما هو عن فعل الطبيعة الأصلية كالفواق ومن ذلك ما هو عن فعل طبيعة عارضة كالتشنج والرعشة‏.‏

ومنها ما هي إرادية صرفة لقلق والململة ومنها ما هي مركبة من طبيعية وارادية مثل السعال والبول فمن ذلك ما يسبق فيه الإرادة الطبيعة مثل السعال ومنها ما يسبق فيه الطبيعة الإرادة إذا لم تبادر إليها الإرادة مثل البول والبراز والعارض عن الطبيعة دون إرادة‏.‏

ومنها ما يكون المنبه عليه الحس كالقشعريرة ومنها ما لا ينبه عليه الحس لأنه لا يحسّ كالاختلاخ‏.‏

وهذه الحركات تختلف إما باختلاف ذواتها فإن السعال أقوى في نفسه من الاختلاج وإما باختلاف عدد المحرِّكات فإن العطاس أكثر عدد محركات من السعال لأن السعال يتم بتحريك أعضاء الصدر وأما العطاس فيتم باجتماع تحريك أعضاء الصدر والرأس جميعاً‏.‏

وإما بمقدار الخطر فيها فإن حركة الفواق اليابس أعظم خطراً من حركة السعال وإن كان السعال أقوى‏.‏

وإما بما تستعين به الطبيعة فقد تستعين بآلة ذاتية أصلية كما تستعين في إخراج الثفل بعضل البطن وقد تستعين بآلة غريبة كما تستعين في السعال بالهواء وإما باختلاف المبادىء لها من الأعضاء مثل السعال والتهوّع وإما باختلاف القوى الفعالة فإن الاختلاج مبدؤه طبيعي والسعال نفساني‏.‏

وإما باختلاف المادة فإن السعال عن نفث والاختلاج عن ريح فهذه علامات تدل من ظاهر الأعضاء‏.‏

وأكثر دلالتها على أحوال ظاهرة وقد تدل على الباطنة كحمرة الوجنة على ذات الرئة‏.‏

ومن العلامات علامات يستدل بها على الأمراض الباطنة وينبغي أن يكون المستدل على الأمراض الباطنة قد تقدّم له العلم بالتشريح حتى يحصل منه معرفة جوهر كل عضو أنه هل هو لحمي أو غير لحمي وكيف خلقته ليعرف مثلاً أنه هل هذا الورم بهذا الشكل فيه أو في غيره من جهة أنه هل هو مناسب لشكله أو غير مناسب‏.‏

ويتعرّف أنه هل يجوز أن يحتبس فيه شيء أو لا يجوز إذ هو مزلق لما يحصل فيه كالصائم وإن كان يجوز أن يحتبس فيه شيء أو يزلق عنه شيء فما الشيء الذي يجوز أن يحتبس فيه أو يزلق عنه وحتى يعرف موضعه فيقضي بذلك على ما يحس من وجع أو ورم هل هو عليه أو على بعد منه وحتى يعرف مشاركته حتى يقضي على أن الوجع له من نفسه أو بالمشاركة وأن المادة انبعثت منه نفسه أو وردت عليه من شريكه وأن ما انفصل منه هو من جوهره أو هو ممرّ ينفذ فيه المنفصل من غيره وحتى يعرف أن على ماذا يحتوي فيعرف أنه هل يجوز أن يكون مثل المستفرغ مستفرغاً عنه وأن يعرف فعل العضو حتى يستدلّ على مرضه من حصول الآفة في فعله هذا كله مما يوقف عليه بالتشريح ليعلم أنه لا بد للطبيب المحاول تدبير أمراض الأعضاء الباطنة من التشريح فإذا حصل له علم أولها‏:‏ من مضار الأفعال وقد علمت الأفعال بكيفيتها وكميتها ودلالتها دلالة أولية دائمة‏.‏

والثاني‏:‏ مما يستفرغ ودلالتها دائمة وليست بأولية أما دائمة فلأنها توقع التصديق دائماً وأما غير أولية فلأنها تدل بتوسط النضج وعدم النضج‏.‏

والثالث‏:‏ من الوجع والرابع‏:‏ من الورم والخامس‏:‏ من الوضع والسادس‏:‏ من الأعراض الظاهرة المناسبة‏.‏

ودلالتها ليست بأولية ولا دائمة ولنفصل القول في واحد واحد مها‏.‏

أما الاستدلال من الأفعال فهو أنه إذا لم يجر فعل العضو على المجرى الطبيعي الذي له دلّ على أن القوة أصابتها آفة‏.‏

وآفة القوة تتبع مرضاً في العضو الذي القوة فيه‏.‏

ومضار الأفعال على وجوه ثلاثة فإن الأفعال إما أن تنقص كالبصر تضعف رؤيته فيرى الشيء أقل اكتناهاً ومن أقرب مسافة والمعدة تهضم أعسر وأبطأ وأقل مقداراً وإما أن يتغير كالبصر يرى ما ليس أو يرى الشيء رؤية على غير ما هو عليه وكالمعدة تفسد الطعام وتسيء هضمه‏.‏

وإما أن تبطل كالعين لا ترى والمعدق لا تهضم البتة‏.‏

وأما دلائل ما يستفرغ ويحتبس فمن وجوه إما أن يدل من طريق احتباس غير طبيعي مثل احتباس شيء من شأنه أن يستفرغ لمن يحتبس بوله أو برازه أو يدل من طريق استفراغ غير طبيعي وذلك‏:‏ إما لأنه من جوهر الأعضاء وإما لا‏.‏

كذلك والذي يكون من جوهر الأعضاء فيدل بوجوه ثلاثة لأنه‏:‏ إما أن يدل بنفس جوهره كالحلق المنفوثة تدل على تآكُلٍ في قصبة الرئة وإما أن يدل بمقداره كالقشرة البارزة في السحج فإنها إن كانت غليظة دلت على أن القرحة في الأمعاء الغلاظ‏.‏

أو رقيقة دلت على أنها في الرقاق‏.‏

وإما أن يدل بلونه كالرسوب القشري الأحمر فإنه يدل على أنه من الأعضاء اللحمية كالكلية والأبيض‏.‏

فإنه يدل على أنه من الأعضاء العصبية كالمثانة‏.‏

والذي يدلّ على أنه لا من جوهر الأعضاء فيدلّ إما لأنه غير طبيعي الخروج كالأخلاط السليمة والدم إذا خرج وإما لأنه غير طبيعي الكيفية كالدم الفاسد كان معتاد الخروج أو لم يكن وإما لأنه غير طبيعي الجوهر على الإطلاق مثل الحصاة‏.‏

وإما لأنه غير طبيعي المقدار وإن كان طبيعي الخروج وذلك إما بأن يقل أو يكثر كالثفل والبول القليلين والكثيرين وإما لأنه غير طبيعي الكيفية وإن كان معتاد الخروج كالبراز والبول الأسودين وإما لأنه غير طبيعي جهة الخروج وإن كان معتاد الخروج مثل البراز إذا خرج في علّةإيلاوس من فوق‏.‏

وأما دلائل الوجع فهي تنحصر في جنسين‏:‏ وذلك أن الوجع إما أن يدلّ بموضعه فإنه مثلاً إن كان عن اليمين فهو في الكبد وإن كان في اليسار فهو في الطحال‏.‏

وقد يدل بنوعه على سببه على ما فصلناه في تعليم الأسباب مثلاً إن كان ثقيلاً دلّ على ورم في عضو غير حساس أو باطل حسه والممدد يدل على مادة كثيرة واللذاع على مادة حادة‏.‏

وأما دلائل الورم فمن ثلاثة أوجه‏:‏ إما من جوهره كالحمرة على الصراء والصلب على السوداء وإما من موضعه كالذي يكون في اليمين فيدل مثلاً على أنه عند الكبد أو في اليسار فيدل على أنه في ناحية الطحال وإما بشكله فإنه إن كان عند اليمين وكان هلالياً دل على أنه في نفس الكبد وإن كان مطاولاً دل على أنه في العضلة التي فوقها‏.‏

وأما دلائل الوضع فإما من المواضع وإما من المشاركات‏.‏

أما من المواضع فظاهر‏.‏

وأما من المشاركات فكما يستدلّ على ألم في الأصبع من سبب سابق أنه لآفة عارضة في الزوج السادس من أزواج العصب الذي للعنق‏.‏

 الفصل الثاني الفرق بين الأمراض الخاصية والمشارك فيها

ولما كانت الأمراض قد تعرض بدءا ‏"‏ في عضو وقد تعرض بالمشاركة كما يشارك الرأس المعدة في أمراضهما فواجب أن نحد الفرق بين الأمرين بعلامة فاصلة فنقول‏:‏ أنه يجب أن يتأمل أيهما عرض أولاً فيحدس أنه الأصلي والآخر مشارك ويتأمل أيهما يبقى بعد فناء الثاني فنحدس الأصلي والآخر مشارك وبالضد فإن المشارك يحدس من أمره أنه هو الذي يعرض أخيراً وأنه يسكن مع سكون الأول‏.‏

لكن قد يعرض من هذا غلط وهو أنه ربما كانت العلة الأصلية غير محسوسة وغير مؤلمة في ابتدائها ثم يحس ضررها بعد ظهور المرض الشركي‏.‏

وهو بالحقيقة عارض بعدها تالٍ لها فيظن بالمشارك والعارض أنه والمرض الأصلي أو ريما لم يفطن إلا بالعارض وحده وغفل عن الأصلي أصلاً وسيل التحرز من هذا الغلط أن يكون الطبيب عالم مشارك الأعضاء وذلك من علمه بالتشريح وعارفاً بالآفات الواقعة بعضو عضو وما كان منها محسوساً أو غير محسوص فيتوقف في المرض ولا يحكم فيه أنه أصلي إلا بعد تأمله لما يمكن أن يكون عروضه تبعاً له فيسائل المريض عن علامات الأمراض التي يمكن أن تكون في الأعضاء المشاركة للعضو العليل أو تكون غير محسوسة ولا مؤلمة ألماً ظاهراً ولا مثيرة عرضاً قريباً منها لكنها إنما يتبعها أمور بعيدة عنها محسوسة‏.‏

ويجعل المريض أنها عوارض لمثل ذلك الأصل البعيد بل إنما يهدي إلى ذلك معرفة الطبيب‏.‏

وأكثر ما يهتدي منه تأمله لمضار الأفعال وإذا وجدها سابقة حكم بأن المرض مشارك فيه‏.‏

على أن الأعضاء أعضاء أكثر أحوالها أن تكون أمراضها متأخرة عن أمراض أعضاء أخرى فإن الرأس في أكثر الأحوال تكون أمراضه بمشاركة المعدة وإما عكس ذلك فأقل‏.‏

ونحن نضع بين يديك علامات الأمزجة الأصلية والعارضة بوجه عام‏.‏

فأما التي يخصق منها عضواً عضواً فسيقال في بابه‏.‏

وأما علامات أمراض التركيب فإن ما كان منها ظاهراً فإن الحس يعرفه وما كان من باطن فإن ما سوى الامتلاء والسدة والأورام وتفرق الاتصال يعسر حصره في القول الكلي وكذلك ما يخص من الامتلاء والسدة والورم والتفرق عضواً عضواً فالأولى لجميع ذلك أن يؤخر إلى الأقاويل الجزئية‏.‏

 الفصل الثالث علامات الأمزجة

أجناس الدلائل التي منها يتعرّف أحوال الأمزجة عشرة‏.‏

أحدها‏:‏ الملمس ووجه التعرف منه أن يتأمل أنه هل هو مساوٍ للمس الصحيح في البلدان المعتدلة والهواء المعتدل فإن ساواه دل على الاعتدال وإن انفعل عنه اللامس الصحيح المزاج فبرد أو سخن أو استلانه استلانة فوق الطبيعي أو استصلبه واستخشنه فوق الطبيعي وليس هناك سبب من هواء أو استحمام بماء وغير ذلك مما يزيده ليناً أو خشونة فهو غير معتدل المزاج وقد يمكن أن يتعزف من حال أظفار اليدين في لينها وخشونتها ويبسها حال مزاج البدن إن لم يكن ذلك لسبب غريب‏.‏

على أن الحكم من اللين والصلابة متوقف على تقدم صحة دلالة الاعتدال في الحرارة والبرودة فإنه إن لم يكن كذلك أمكن أن يلين الحارة الملمس الصلب والخشن فضلاً عن المعتدل بتحليله فيتوهم أنه لين بالطبع ورطب وأن يصلب البارد الملمس اللين فضلاً عن المعتدل بفضل إجماده وتكثيفه فيتوهم يابساً مثل الثلج والسمين‏.‏

أما الثلج فلانعقاده جامداً وأما السمين فلغلظه وأكثر من هو بارد المزاج لين البدن وإن كان نحيفاً لأن الفجاجة تكثر فيه‏.‏

والثاني‏:‏ حسن الدلائل المأخوذة من اللحم والشحم فإن اللحم الأحمر إذا كان كثيراً دل على الرطربة والحرارة ويكون هناك تلزز‏.‏

وإن كان يسيراً وليس هناك شحم كثير دل على اليبس والحرارة‏.‏

وأما السمين والشحم فيدلان على البرودة ويكون هناك ترهل فإن كان مع ذلك ضيق من العروق وقلّة من الدم وكان صاحبه يضعف على الجوع لعقدة الدم الغريزي المهيىء لحاجة الأعضاء إلى التغذية به دل على أن هذا المزاج جبلي طبيعي وإن لم تكن هذه العلامات الأخرى دل على أنه مزاج مكتسب‏.‏

وقلة السمين والشحم تدل على الحرارة فإن السمين والشحم مادته دسومة الدم وفاعله البرد ولذلك يقل على الكبد ويكثر على الأمعاء وإنما يكثر على القلب فوق كثرته على الكبد للمادة لا للمزاج والصورة ولعناية من أطبيعة متعلقة بمثل تلك المادة والسمين والشحم فإن جمودهما على البدن يقلّ ويكثر بحسب قلة الحرارة وكثرتها‏.‏

والبدن اللحيم بلا كثرة من السمين والشحم هو البدن الحار الرطب وإن كان كثير اللحم الأحمر ومع سمين وشحم قليل دل على الإفراط في الرطوبة وإن أفرطا دل على الإفراط في البرد وأقصف الأبدان البارد اليابس ثم الحار اليابس ثم اليابس المعتدل في الحرّ والبرد ثم الحار المعتدل في الرطوبة واليبس‏.‏

والثالث‏:‏ جنس الدلائل المأخوذة من الشعر وإنما يؤخذ من جهة هذه الوجوه وهي سرعة النبات وبطؤه وكثرته وقلته ورقته وغلظه وسبوطته وجعودته‏.‏

ولونه أحد الأصول في ذلك‏.‏

وأما الاستدلال من سرعة نباته وبطئه أو عدم نباته فهو أن البطيء النبات أو فاقد النبات إذا لم يكن هناك علامات دالة على أن البدن عادم للدم أصلاً يدل على أن المزاج رطب جداً فإن أسرع فليس البدن بذلك الرطب بل هو إلى اليبوسة ولكن يستدلّ على حرارته وبرودته من دلائل أخرى مما ذكرناه‏.‏

لكنه إذا اجتمعت الحرارة واليبوسة أسرع نبات الشعر جداً وكثر وغلظ وذلك لأن الكثرة تدل على الحرارة والغلظ يدلّ على كثرة الدخانية كما في الشبان دون ما في الصبيان فإن الصبيان مادتهم بخارية لا دخانية وضدهما يتبع ضدهما‏.‏

وأما من جهة الشكل فإن الجعودة تدل على الحرارة وعلى اليبس وقد تدلّ على التواء الثقب والمسام وهذا لا يستحيل بتغيّر المزاج‏.‏

والسببان الأولان يتغيران‏.‏

والسبوطة تدل على أضداد ذلك‏.‏

وأما من جهة اللون فالسواد يدل على الحرارة والصهوبة تدلُ على البرودة والشقرة والحمرة تدلان على الاعتدال والبياض يدل إما على رطوبة وبرودة كما في الشيب وإما على يبس شديد كما يعرض لنبات عند الجفاف من انسلاخ سواده وهو الخضرة إلى البياض‏.‏

وهذا إنما يعرض في الناس في أعقاب الأمراض المجففة‏.‏

وسبب الشيب عند ‏"‏ أرسطوطاليس ‏"‏ هو الإستحالة إلى لون البلغم وعند ‏"‏ جالينوس ‏"‏ هو التكرّج الذي يلزم الغذاء الصائر إلى الشعر إذا كان بارداً وكان بطيء الحركة مدة نفوذه في المسام‏.‏

وإذا تأملت القولين وجدتهما في الحقيقة متقاربين فإن العلّة في بياض اللون البلغم‏.‏

والعلة في ابيضاض المتكرج واحد وهو إلى الطبيعي وبعد هذا فإن للبلدان والأهوية تأثيراً في الشعر ينبغي أن يراعى فلا يتوقع من الزنجي شقرة شعر ليستدلّ به على اعتدال مزاجه الذي له ولا في الصقلبي سواد شعر حتى يستدل به على سخونة مزاجه الذي يحسبه‏.‏

وللأسنان أيضاً تأثير في أمر الشعر فإن الشبان كالجنوبيين والصبيان كالشماليين والكهول كالمتوسطين وكثرة الشعر في الصبي تدلّ على استحالة مزاجه إلى السوداوية إذا كبر وفي الشيخ على أنه سوداوي في الحال‏.‏

وأما الرابع‏:‏ فهو جنس الدلائل المأخوذة من لون البدن فإن البياض دليل عدم الدم وقلّته مع برودة فإنه لو كان مع حرارة وخلط صفراوي لاصفر والأحمر دليل على كثرة الدم وعلى الحرارة والصفرة والشقرة يدلان على الحرارة الكثيرة لكن الصفرة أدل على المرار والشقرة على الدم أو الدم المراري وقد تدلّ الصفرة على عدم الدم وإن لم يوجد المرار كما تكون في أبدان الناقهين‏.‏

والكمودة دليل على شدّة البرد فيقل له الدم ويجمد ذلك القليل ويستحيل إلى السواد‏.‏

وتغير لون الجلد والأدم دليل على الحرارة‏.‏

والباذنجاني دليل على البرد واليبس لأنه لون يتبع صرف السوداء‏.‏

والجصي يدل على صرف البرد والبلغمية‏.‏

والرصاصي دليل للبرودة والرطوبة مع سوداوية ما لأنه بياض مع أدنى خضرة فيكون البياض تابعاً للون البلغم أو المزاج الرطوبة‏.‏

والخضرة تابعة لدم جامد إلى السواد ما هو قد خالط البلغم فخضره‏.‏

والعاجي يدل على برد بلغمي مع مرار قليل‏.‏

وفي أكثر الأمر فإن اللون يتغير بسبب الكبد إلى صفرة وبياض وبسبب الطحال إلى صفرة وسواد وفي علل البواسير إلى صفرة وخضرة وليس هذا بالدائم بل قد يختلف‏.‏

والاستدلال من لون اللسان على مزاج العروق الساكنة والضاربة في البدن قوي‏.‏

والاستدلاد من لون العين على مزاج الدماغ قوي وربما عرض في مرض واحد اختلاف لوني عضوين مثل أن اللسان قد يبيض وبشرة الوجه تسود في مرض واحد مثل اليرقان العارض لشدة الحرقة من المرار‏.‏

وأما الخامس‏:‏ فهو جنس الدلائل المأخوذة من هيئة الأعضاء فإن المزاج الحار يتبعه سعة الصدر وعظم الأطراف وتمامها في قدورها من غير ضيق وقصر وسعة العروق وظهورها وعظم النبض وقوته وعظم العضل وقربها من المفاصل لأن جميع الأفاعيل النسبية والهيئات التركيبية يتم بالحرارة‏.‏

والبرودة يتبعها أضداد هذه لقصور القوى الطبيعية بسببها عن تتميم أفعال الانشاء والتخليق‏.‏

والمزاج اليابس يتبعه قشف وظهور مفاصل وظهور الغضاريف في الحنجرة والأنف وكون الأنف مستوياً‏.‏

وأما السادس‏:‏ فهو جنس الدلائل المأخوذة من سرعة انفعال الأعضاء فإنه إن كان العضو يسخن سريعاً بلا معاسرة فهو حار المزاج إذ الاستحالة في الجنس المناسب تكون أسهل من الاستحالة إلى المضادة وإن كان يبرد سريعاً فالأمر بالضد لذلك بعينه فإن قال قائل‏:‏ إن الأمر يجب أن يكون بالضد فإنا نعرف يقيناً أن الشيء إنما ينفعل عن ضده لا عن شبهه وهذا الكلام الذي قدمته يوجب أن يكون الإنفعال من الشبه أولى‏.‏

والجواب عن هذا أن الشبيه الذي لا ينفعل عنه هو الذي كيفيته وكيفية ما هو شبيه به واحدة في النوع والطبيعة‏.‏

والأسخن ليس شبيهاً بالأبرد بل السخينان واحدهما أسخن يختلفان فيكون الذي ليس بأسخن هو بالقياس إلى الأسخن بارداً فينفعل من حيث هو بارد بالقياس إليه لا حار وينفعل أيضاً عن الأبرد منه وعن البارد إلا أن أحدهما ينمّي كيفيته ويعيّن أقوى ما فيه والآخر ينقص كيفيته فيكون استحالته إلى ما ينمي كيفيته ويعين أقوى ما فيه أسهل‏.‏

على أن ههنا شيئاً اَخر يختصّ ببعض ما يشاركه في الكيفية وهو ناقص فيها مثل أن الحار المزاج في طبعه إنما يسرع قبوله لتأثير الحار فيه لما يبطل الحار من تأثير الضدّ الذي هو البرد المعاوق لما ينحوه المزاج الحار من زيادة تسخين فإذا التقيا وبطل المانع تعاونا على التسخين فيتبع ذلك التعاون اشتداد تام من الكيفيتين‏.‏

وأما إذا حاول الحار الخارجي أن يبطل الاعتدال فإن الحار الغريزي الداخل أشد الأشياء مقاومة له حتى إن السموم الحارة لا يقاومها ولا يدفعها ولا يفسد جوهرها إلا الحرارة الغريزية‏.‏

فإن الحرارة الغريزية آلة للطبيعة تدفع ضرر الحار الوارد بتحريكها الروح إلى دفعة وتنحية بخاره وتحليله وإحراق مادته وتدفع أيضاً ضرر البارد الوارد بالمضادة‏.‏

وليست هذه الخاصية للبروعة فإنها إنما تنازع وتعاوق الوارد الحار بالمضادة فقط ولا تنازع الوارد البارد‏.‏

والحرارة الغريزية هي التي تحمي الرطوبات الغريزية عن أن تستولي عليها الحرارة الغريبة فإن الحرارة الغريزية إذا كانت قوية تمكنت الطبيعة بتوسّطها من التصرّف في الرطوبات على سبيل النضج والهضم وحفظها على الصحة فتحرّكت الرطوبات على نهج تصريفها وامتنعت عن التحرك على نهج تصريف الحرارة الغريبة فلم يعفن‏.‏

أما إن كانت هذه الحرارة ضعيفة خلت الطبيعة عن الرطوبات لضعف الآلة المتوسطة بينها وبين الرطوبات فوقفت وصادفتها الحرارة الغريبة غير مشغولة بتصريف فتمكنت منها واستولت عليها وحركتها حركة غريبة فحدثت العفونة فالحرارة الغريزية آلة للقوى كلها والبرودة منافية لها لا تنفع إلا بالعرض فلهذا يقال حرارة غريزية ولا يقال برودة غريزية ولا ينسب إلى البرودة من كدخدائية البدن ما ينسب إلى الحرارة‏.‏

وأما السابع‏:‏ فحال النوم واليقظة فإن اعتدالهما يدلّ على اعتدال المزاج لا سيما في الدماغ وزيادة النوم بالرطوبة والبرودة وزيادة اليقظة لليبس والحرارة خاصة في الدماغ‏.‏

وأما الثامن‏:‏ فهو الجنس المأخوذ من دلائل الأفعال فإن الأفعال إذا كانت مستمرة على المجرى الطبيعي تامة كاملة دلت على اعتدال المزاج وإن تغيرت عن جهتها إلى حركات مفرطة دلت على حرارة المزاج وكذلك إذا أسرعت فإنها تدل على الحرارة مثل سرعة النشو وسرعة نبات الشعر وسرعة نبات الأسنان وإن تبلدت أو ضعفت وتكاسلت وأبطأت دلت على برودة المزاج‏.‏

على أن قد يكون ضعفها وتبلدها وفتورها واقعاً بسبب مزاج حار إلا أنه لا يخلو مع ذلك عن تغيير عن المجرى الطبيعي مع الضعف وقد يفوت بسبب الحرارة أيضاً كثيراً من الأفعال الطبيعية وينقص مثل النوم فربما بطل بسبب المزإج الحار أو نقص ولذلك قد يزداد بعض الأحوال الطبيعية للبرد مثل النوم إلا أنها لا تكون من جملة الأحوال الطبيعية مطلقاً بل بشرط وبسبب فان النوم ليس محتاجاً إليه في الحياة‏.‏

والصحة حاجة مطلقة بل بسبب تخل من الروح عن الشواغل لما عرض له من التعب أو لما يحتاج إليه من الإكباب على هضم الغذاء لعجزه عن الوفاء بالأمرين‏.‏

فإذن‏:‏ النوم إنما يحتاج إليه من جهة عجز ما وهو خروج عن الواجب الطبيعي‏.‏

وإن كان ذلك الخروج طبيعياً من حيث هو ضروري فإن الطبيعي يقال على الضرورة باشتراك الإسم‏.‏

وهذا القسم أصح دلائله إنما هو على المزج المعتدل وذلك بأن تعتدل الأفعال وتتم‏.‏

وأما دلالته على الحر والبرد واليبوسة والرطوبة فدلالة تخمينية‏.‏

ومن جنس الأفعال القوية الدالة على الحرارة قوة الصوت وجهارته وسرعة الكلام واتصاله والغضب وسرعة الحركات والطرف وإن كان قد تقع هذه لا بسبب عام بل بسب خاص بعضو الفعل‏.‏

والجنس التاسع‏:‏ جنس دفع البدن للفضول وكيفية ما يدفع فإن الدفع إذا استمر وكان ما يبرز من البراز والبول والعرق وغير ذلك حاراً له رائحة قوية وصبغ لما له من صبغ وانشواء وانطباخ لما له انشواء وانطباخ فهو حار وما يخالفه فهو بارد‏.‏

والجنس العاشر‏:‏ مأخوذ من أحوال قوى النفس في أفعالها وانفعالاتها مثل أن الحرد القوي والضجر والفطنة والفهم والإقدام والوقاحة وحسن الظن وجودة الرجاء والقساوة والنشاط ورجولية الأخلاق وقلة الكسل وقلة الإنفعال من كل شيء يدلّ على الحرارة وأضدادها على البرودة‏.‏

وثبات الحرد والرضا والمتخيل والمحفوظ وغير ذلك يدل على اليبوسة وزوال الإنفعالات بسرعة يدل على الرطوبة‏.‏

ومن هذا القبيل الأحلام والمنامات فإن من غلب على مزاجه حرارة يرى كأنه يصطلي نيراناً أو يشمس ومن غلب على مزاجه برد فيرى كأنه يثلج أو هو منغمس في ماء بارد ويرى صاحب كل خلط ما يجانس خلطه فيما يقال‏.‏

وهذا الذي ذكرناه كله أو أكثره إنما هو من باب علامات الأمزجة الواقعة في أصل البنية‏.‏

وأما الأمزجة الغريبة العرضية‏:‏ فالحار منها يدل على اشتعال للبدن مؤذ وتأذ بالحميّات وسقوط قوة عند الحركات لثوران الحرارة وعطش مفرط والتهاب في فم المعدة ومرارة في الفم ونبض إلى الضعف والسرعة الشديدة والتواتر وتأذ بما يتناوله من المسخنات وتشف بالمبردات ورداءة حال في الصيف‏.‏

وأما دلائل المزاج البارد الغير الطبيعي فقلة هضم وقلة عطش واسترخاء مفاصل وكثرة حميات بلغمية وتأذ بالنزلات‏.‏

وبتناول المبردات وتشف بتناول ما يسخن ورداءة حال في الشتاء‏.‏

وأما دلائل الرطب الغير الطبيعي فمناسبة لدلائل البرودة وتكون مع ترهّل وسيلان لعاب ومخاط وانطلاق طبيعة وسوء هضم وتأذ بتناول ما هو رطب وكثرة نوم وتهيج أجفان‏.‏

وأما دلائل اليبس الغير الطبيعي فتقشف وسهر ونحول عارض وتأذ بتناول ما فيه من يبس وسوء حال في الخريف وتشف بما يرطب وانتشاف في الحال للماء الحار والدهن اللطيف وشدة قبول لهما فاعلم هذه الجملة‏.‏

حاصل علامات المعتدل المزاج علاماته المجموعة الملتقطة مما قلنا هي‏:‏ اعتدال الملمس في الحر والبرد واليبوسة والرطوبة واللين والصلابة واعتدال اللون في البياض والحمرة واعتدال السحنة في السمن والقصافة وميل إلى السمن وعروقه بين الغائرة ويين الركبة على اللحم المتبرية عنه بارزاً واعتدال الشعر في الزبب والزعر والجعودة والسبوطة إلى الشقرة ما هو في سن الصبا وإلى السواد ما هو في سن الشباب واعتدال حال النوم واليقظة ومواتاة الأعضاء في حركاتها وسلاسة وقوة من التخيل والتفكر والتذكر وتوسط من الأخلاق بين الإفراط والتفريط أعني التوسط بين التهور والجبن والغضب والخمول والدقة والقساوة والطيش والتيه وسقوط النفس وتمام الأفعال كلها وصحة وجودة النمو وسرعته وطول الوقوف‏.‏

وتكون أحلامه لذيذة مؤنسة من الروائح الطيبة والأصوات اللذيذة والمجالس البهيجة ويكون صاحبه محبباً طلق الوجه هشاً معتدل شهوة الطعام والشراب جيد الاستمراء في المعدة والكبد والعروق والنسبة في جميع البدن معتدل الحال في انتقاض الفضول منه من المجاري المعتادة‏.‏

  الفصل الخامس علامات من ليس بجيد الحال في خلقته

هذا هو الذي لا يتشابه مزاج أعضائه بل ربما تعاندت أعضاؤه الرئيسة في الخروج عن الاعتدال فخرج عضو منها إلى مزاج والآخر إلى ضده فإذا كانت بنيته غير متناسبة كان رديئاً حتى في فهمه وعقله مثل الرجل العظيم البطن القصير الأصايع المستدير الوجه والهامة العظيم الهامة أو الصغير الهامة لحيم الجبهة والوجه والعنق والرجلين وكأنما وجهه نصف دائرة فإن كان فكاه كبيرين فهو مختلف جداً وكذلك إن كان مستدير الرأس والجبهة لكن وجهه شديد الطول ورقبته شديدة الغلظ في عينيه بلادة حركة فهو أيضاً من أبعد الناس عن الخير‏.‏

 الفصل السادس العلامات الدالة على الامتلاء

الامتلاء على وجهين‏:‏ امتلاء بحسب الأوعية وامتلاء بحسب القوة‏.‏

والامتلاء بحسب الأوعية هو أن تكون الأخلاط والأرواح وإن كانت صالحة في كيفيتها قد زادت في كميتها حتى ملأت الأوعية ومددتها‏.‏

وصاحبه يكون على خطر من الحركة فإنه ربما صدع الامتلاء للعروق وسالت إلى المخانق فحدث خناق وصرع وسكتة‏.‏

وعلاجه هو المبادرة إلى الفصد‏.‏

وأما الامتلاء بحسب القوة فهو أن لا يكون الأذى من الأخلاط لكميتها فقط بل لرداءة كيفيتها فهي تقهر القوة برداءة كيفيتها ولا تطاوع الهضم والنضج ويكون صاحبها على خطر من أمراض أما علامات الامتلاء جملة‏:‏ فهي ثقل الأعضاء والكسل عن الحركات واحمرار اللون وانتفاخ العروق وتمدد الجلد وامتلاء النبض وانصباغ البول وثخنه وقلة الشهوة وكلال البصر والأحلام التي تدلّ على الثقل مثل من يرى أنه ليس به حراك أو ليس به استقلال للنهوض أو يحمل حملاً ثقيلاً أو ليس يقدر على الكلام كما أن رؤيا الطيران وسرعة الحركات تدل على أن الأخلاط رقيقة وبقدر معتدل وعلامات الامتلاء بحسب القوة‏.‏

أما الثقل والكسل وقلة الشهوة فهو يشارك فيها الامتلاء الأول ولكن إذا كان الامتلاء بحسب القوة ساذجاَ لم تكن العروق شديدة الانتفاخ ولا الجلد شديد التمدد ولا النبض شديد الامتلاء والعظم ولا الماء كثير الثخن ولا اللون شديد الحمرة ويكون الانكسار والإعياء إنما يهيج فيه بعد الحركة والتصرف وتكون أحلامه تريه حكة ولذعاً وإحراقاً وروائح منتنة‏.‏

ويدلّ أيضاً على الخلط الغالب بدلائله التي سنذكرها‏.‏

وفي أكثر الأمر فإن الامتلاء بحسب القوة يولّد المرض قبل استحكام دلائله‏.‏

  السابق   الفهرس   التالي