القانون  
   القانون   
   ( 13 من 70 )  
  السابق   الفهرس   التالي  
  
 

 التعليم الرابع تدبير بدن من مزاجه فاضل

وهو خمسة فصول

 الفصل الأول استصلاح المزاج الأزيد حرارة

نقول‏:‏ إن سوء المزاج الحار إما أن يكون مع اعتدال من المنفعلين أو غلبة يبوسة أو رطوبة وإذا اعتدلت المنفعلتان عرفنا أن زيادة الحرارة إلى حد وليست بمفرطة وإلا لجففت‏.‏

وأما الحار مع اليبوسة فيجوز أن يبقى هذا المزاج بحاله مدة طويلة‏.‏

وأما الحار مع الرطوبة فإن اجتماعهما لا يطول فتارة تغلب الرطوبة الحرارة فتطفئها وتارة تغلب الحرارة الرطوبة فتجففها‏.‏

فإن غلبت الرطوبة فإن صاحبها يصلح حاله عند المنتهى في الشباب ويصير معتدلاً فيهما‏.‏

فإذا انحط أخذت الرطوبة الغريبة تزداد والحرارة تنقص‏.‏

فنقول‏:‏ إن جملة تدبير حارّي المزاج منحصرة في غرضين‏:‏ أحدهما‏:‏ أن نردهم إلى الاعتدال والثاني‏:‏ أن نستحفظ صحتهم على ما هي عليه‏.‏

أما الأول فإنما يتيسر للوادعين المكفيين الموطنين أنفسهم على صبر طويل مدة رجوعهم بالتدريج إلى الاعتدال لأن من يردّهم من غير تدريج يمرض أبدانهم‏.‏

وأما الثاني فإنما يمكن تدبيرهم بأغذية تشاكل مزاجهم حتى تحفظ الصحة الموجودة لهم فمن كان من حاري المزاج معتدلاً في المنفعلتين كانوا أدنى إلى الصحة في ابتداء أمرهم وكان مزاجهم أسرع لنبات أسنانهم وشعورهم وكانوا ذوي بيان ولسن وسرعة في المشي‏.‏

ثم إذا أفرط عليهم الحر وزاد اليبس حدث لهم مزاج لذاع‏.‏

وكثير منهم يتولد فيهم المرار كثيراً وتدبيرهم في السن الأول هو تدبير المعتدلين فإذا انتقلوا نقلوا إلى تدبير من يرام إدرار بوله واستفراغ مراره ومن الجهة التي تميل إليها فضولهم جهتي الإسهال أو القيء‏.‏

وإذا لم تف الطبيعة بإمالة الخلط إلى الاستفراغ أعينت بأشياء خفية‏.‏

أما القيء فبمثل شرب الماء الحار الكثير وحده أو مع النبذ وأما الإسهال فمثل البنفسج المربى والتمر الهندي والشيرخشك والترنجبين‏.‏

ويجب أن تخفف رياضتهم وأن يغذوا بغذاء حسن الكيموس وربما وجب أن يثلثوا الاستحمام في اليوم ويجب أن يجنبوا كل سبب مسخن‏.‏

وإن لم يورثهم الاستحمام عقيب الطعام تمدداً أو تعقداً في ناحية الكبد والبطن استعملوه على أمن‏.‏

وأما إن عرض شيء من ذلك فعليهم باستعمال المفتحات مثل نقيع الأفسنتين وداء الصبر والأنيسون واللوز المر والسكنجبين ويمنعوا عن الإستحمام بعد الطعام‏.‏

ويجب أن يسقوا هذه المفتحات بعد انهضام الطعام الأوّل وقبل أخذهم الطعام الثاني بل في وقت بينهم فيه وبين أخذ الطعام الثاني فسحة مدّة وذلك ما بين انتباههم بالغدوات واستحمامهم وينبغي أن يديموا التمريخ بالدهن ويسقوا الشراب الأبيض الرقيق وينفعهم الماء البارد‏.‏

وأصحاب المزاج اليابس الحار في أول الأمر أولى بذلك كله‏.‏

وأما أصحاب المزاج الحار الرطب فهم بعرض العفونة وانصباب المواد إلى الأعضاء فلتكن رياضتهم كثيرة التحليل لينة لئلا يسخن مع توق من حركة تظهر في الأخلاط بثوراً‏.‏

وأكثر ما يجب أن يجتنب الرياضة منهم من لم يعتدها والأصوب أن يرتاضوا بعد الاستفراغ وأن يستحموا قبل الطعام وأن يعنوا بنفض الفضول كلها وإذا دخلوا في الربيع احتاطوا بالفصد والاستفراغ‏.‏

 الفصل الثاني استصلاح المزاج الأزيد برودة

أصناف هؤلاه ثلاثة فمن كان منهم معتدل المنفعلتين فليقصد قصد إنهاض حرارة بأغذية حارة متوسطة في الرطوبة واليبس وبالأدهان المسخنة والمعاجين الكبار والاستفراغات الخاصة بالرطوبات والاستحمامات المعرفة والرياضات الصالحة فإنهم وإن كانوا معتدلي الرطوبة في وقت فهم بعرض تولد الرطوبات فيهم لمكان البرد وأما الذين بهم مع ذلك يبس فإن تدبيرهم هو بعينه تدبير المشايخ‏.‏ الفصل الثالث تدبير الأبدان السريعة القبول

هؤلاء إنما يستعدون لذلك إما لامتلائهم فلتعدل منهم كمية الأخلاط وإما لأخلاط نيئة فيهم فلتعدل كيفيتها‏.‏

وليختر لهم من الأغذية ما يغذو غذاء وسطاً بين القليل والكثير‏.‏

وتعديل كمية الأخلاط هو بتعديل مقدار الغذاء وزيادة الرياضة والدلك فبل الاستحمام إن كانا معتادين وبالأخف منهما إن لم يكونا معتادين وأن يوزع عليه التغدية ولا يحمل عليه بتمام الشبع مرة واحدة‏.‏

إن كان البدن منهم سهل التعرق معتاداً له عرّق في الأحيان وإن لم يكن تأخير غذائه يصب مرارأ إلى معدته أخر إلى ما بعد الحمام وإلا قُدمَ عليه‏.‏

والوقت المعتدل إن لم يكن مانع هو بعد الرابعة من ساعات النهار المستوي وإن أوجب انصباب المرار إلى معدته ما قلناه من تقديم الطعام ثم أحس بعلامات سدد في الكبد عولج بالمفتّحات المذكورة الملائمة لمزاجه وإن وجد لذلك ضرراً في رأسه تداركه بالمشي فإن فسد طعامه في المعدة فإنحدر بنفسه فذلك غنيمة وإلا أحدره بالكموني والتين المعجون بالقرطم المذكور صفته‏.‏

تسمين القضيف أقوى علل الهزال كما سنصفه يبس المزاج والماساريقا ويبس الهواء فإذا يبس الماساريقا لم يقبل الغذاء فليداو اليبس والهزال بدلك قبل الحمام دلكاً بين الخشونة واللين إلى أن يحمر الجلد ثم يصلب الدلك ثم يَطلى بطلاء الزفت ثم يراض بالاعتدال ثم يستحم بلا إبطاء وينشف بعد ذلك بمناديل يابسة ثم يمرخ بدهن يسير ثم يتناول الغذاء الموافق فإن احتمل سنه وفصله وعادته الماء البارد صبه على نفسه‏.‏

ومنتهى الدّلك المقدم على استعمال طلاء الزفت هو أن لا يبتدىء الانتفاخ في الذبول وهذا قريب مما قلناه في تعظيم العضو الصغير وتمام القول فيه يوجد في كتاب الزينة من الكتاب الرابع‏.‏

 الفصل الخامس تقضيف السمين

تدبيره إسراع إحدار الطعام من معدته وأمعائه لئلا تستوفي الجداول مصها واستعمال الطعام الكثير الكمية القليل التغذية ومواترة الاستحمام قبل الطعام والرياضة السريعة والأدهان المحللة‏.‏

ومن المعاجين الإطريفل الصغير ودواء الدلك والترياق وشرب الخل مع المري على الريق وسنذكر تمامه في كتاب الزينة‏.‏

 التعليم الخامس الانتقالات

وهو فصل مفرد وجملة

 فصل تدبير الفصول

أما الربيع فيبادر في أوائله بالفصد والإسهال بحسب المواجب والعادة ويستعمل فيه خصوصاً القيء ويهجر كل ما يسخن ويرطّب كثيراً من اللحوم والأشربة ويلطّف الغذاء ويرتاض رياضة معتدلة فوق رياضة الصيف ولا يتملأ من الطعام بل يفرّق ويستعمل الأشربة والربوب المطفئة ويهجر الحار وكلّ مرّ وحريف ومالح‏.‏

وأما في الصيف فينقص من الأغذية والأشربة والرياضة ويلزم الهدوّ والدعة والمطفئات والقيء لمن أمكنه ويلزم الظل والكن‏.‏

وأما في الخريف وخصوصاً في الخريف المختلف الهواء فيلزم أجود التدبير ويهجر المجففات كلها وليحذر الجماع وشرب الماء البارد كثيراً وضبه على الرأس والنوم في الموضع البارد الذي يقشعرّ فيه البدن ولا ينام على الامتلاء وليتوق حرّ الظهائر وبرد الغدوات ويوقي رأسه ليلاً وغداة من البرد وليحذر فيه الفواكه الوقتية والاستكثار منها ولا يستحمّ إلا بفاتر وإذا استوى فيه الليل والنهار استفرغ لئلا يحتقن في الشتاء فضول‏.‏

على أن كثيراً من الأبدان الأوفق لها في الخريف أن لا يشتغل بتدبير الأخلاط وتحريكها بل يكون تسكينها أجدى عليها‏.‏

وقد منعوا عن القيء في الخريف لأنجه يجلب الحمّى‏.‏

وأما الشراب فيجب أن يستعمل فيه ما هو كثير المزاج من غير إسراف‏.‏

واعلم أن كثرة المطر في الخريف أمان من شرّه‏.‏

وأما في الشتاء فليكثر التعب وليبسط الغذاء إلا أن يكون جنوبياً فحينئذ يجب أن يزاد في الرياضة ويقلل من الغذاء ويجب أن تكون حنطة خبز الشتاء أقوى وأشد تلززاً من حنطة خبز الصيف‏.‏

وكذلك القياس في اللحمان والمشوي ونحوه وأن تكون بقوله مثل الكرنب والسلق والكرفس ليس القطف واليمانية والحمقاء والهندبا وقلما يعرض لشيء من الأبدان الصحيحة مرض في الشتاء فإن عرصْ فليبادر بالعلاج والإستفراغ إن أوجبه فإنه لم يكن ليعرض فيه مرض إلا والسبب عظيم خصوصاً إن كان حاراً لأن الحرارة الغريزية وهي المدبرة تقوى جداً في الشتاء بما يسلم من التحلّل ويجتمع بالاحتقان وجميع القوى الطبيعية تفعل فعلها بجودة‏.‏

وأبقراط يستصلح فيه الإسعال دون الفصد ويكره فيه القيء ويستصوبه في الصيف لأن الأخلاط في الصيف طافئة وفي الشتاء مائلة إلى الرسوب فليقتد به‏.‏وأما الهواء إذا فسد ووبىء فيجب أن يتلقى بتجفيف البدن وتعديل المسكن بالأشياء التي تبرد وترطب بقوتها وهو الأوجب في الوباء أو تسخن وتفعل ضد موجب فساد الهواء‏.‏والروائح الطيبة أنفع شيء فيه وخصوصاً إذا روعي بها مضادة المزاج‏.‏

وفي الوباء يجب أن تقلل الحاجة إلى استنشاق الهواء الكثير وذلك بالتوزيع والترويح وكثيراً ما يكون فساد الهواء عن الأرض فيجب حينئذ أن يجلس على الأسرة ويطلب المساكن العالية جداً ومخترقات الرياح وكثيراً ما يكون مبدأ الفساد من الهواء نفسه لما انتقل إليه من فساد الأهوية المجاورة أو لأمر سماوي خفي على الناس كيفيته فيجب في مثله أن يلتجأ إلى الأسراب والبيوت المحفوفة من جهاتها بالجدران وإلى المخادع وأما البخورات المصلحة لعفونة الأهوية فالسعد والكندر والآس والورد والصندل واستعمال الخل في الوباء أمان من آفاته‏.‏

وسنذكر في الكتب الجزئية تتمة ما يجب أن يقال في هذا الباب‏.‏

 جملة تدبير المسافرين وهي ثماثية فصول‏:‏

 الفصل الأول من حدث به خفقان دائم

فليدبر أمره كيلا يموت فجأة وإذا أكثر الكابوس والدوار فليدبر أمره باستفراغ الخلط الغليظ كيلا يقع صاحبه في الصرع والسكتة وإذا كثر الاختلاج في البدن فليدبر أمره باستفراغ البلغم كيلا يقع صاحبه في التشنج والسكتة وكذلك إن طالت كدورة الحواس وضعف الحركات مع امتلاء‏.‏

وإذا خدرت الأعضاء كلها كثيراً فليدبر أمره باستفراغ البلغم كيلا يقع صاحبه في الفالج‏.‏

وإذا اختلج الوجه كثيراً فليدبر أمره بتنقية الدماغ كيلا يؤدي إلى اللقوة‏.‏

وإذا احمر الوجه والعين كثيراً وأخذت الدموع تسيل ويفرعن الضوء وكان صداع فليدبر أمره بالفصد والإسهال ونحوه كيلا يقع صاحبه في السرسام وإذا كثر الغم بلا سبب وأكثر الخوف فليدبر أمره بالاستفراغ للخلط المحترق كيلا يقع صاحبه في المالنخوليا‏.‏

وأيضاً فإن الوجه إذا احمر وانتفخ وضرب إلى كمودة ودام ذلك أنذر بجذام وإذا ثقل البدن وكل ودرت العروق فليفصد كيلا يعرض انفراز عرق وسكتة وموت فجأة‏.‏

وإذا فشا التهيج في الوجه والأجفان والأطراف فليتدارك حال الكبد لئلا يقع صاحبه في الاستسقاء‏.‏

وإذا اشتد نتن البراز دُبر بإزاله العفونة عن العروق لئلا يقع صاحبه في الحميات ودلالة البول أشد في ذلك‏.‏

وإذا رأيت إعياء وتكسراً فاحدس حمّى تكون وإذا سقطت شهوة الطعام أو زادت دل على مرض‏.‏

وبالجملة فإن كل شيء إذا تغير عن عادته في شهوة أو براز أو بول أو شهوة جماع أو نوم أو عرق أو جفاف بدن أو حدة ذهن أو طعم أو ذوق أو عادة احتلام فصار أقل أو أكثر أو تغيرت كيفيته أنذر بمرض‏.‏وكذلك العادات الغير الطبيعية مثل بواسير أو طمث أو قيء أو رعاف أوعادة شهوة شيء كان فاسداً أو غير فاصد فإن العادة كالطبيعة‏.‏

ولذلك لا يترك الرديء جداً منها ويترك بتدريج وقد تدل أمور جزئية على أمور جزئية فإن دوام الصداع والشقيقة تنذر بالانتشار ونزول الماء في العين وتخيل العين قدام الوجه كالبق وغيره إذا ثبت ورسخ وجعل البصريضعف معه أنذر بننزول الماء في العين‏.‏

والثقل والوجع قي الجانب الأيمن إذا طال دل على علة في الكبد‏.‏

والثقل والتمدد في أسفل الظهر والخاصرة مع تغير حال البول عن العادة ينذر بعلة في الكلى‏.‏

والبراز العادم للصبغ فوق العادة ينذر بيرقان‏.‏

واذا طال حرق البول أنذر بقروح تحدث في المثانة والقضيب‏.‏

والإسهال المحرق للعقدة ينذربالسحج وسقوط الشهوة مع القيء والنقخ‏.‏

والوجع قي الأطراف وينذر بالقولنج‏.‏والحكاك في المعدة إن لم يكن ديدان صغار بها ينذر بالبواسير‏.‏

وكثرة خروج الدماميل والسلع ينفر بدبيلة كثيرة تحدث‏.‏

والقوباء ينذر بالبرص الأسود‏.‏

والبهق الأبيض ينذر بالبرص الأبيض‏.‏

قول كلي في تدبير المسافر إن المسافر قد ينقطع عن أشياء كان يعتادها وهو في أهله وقد يصيبه تعب ووصب فيجب أن يحرص على مداواة أمر نفسه لئلا تصيبه أمراض كثيرة وأكثر ما يجب أن يتعهد به نفسه أمر الغذاء وأمر الأعياء فيجب أن يصلح غذاءه ويجعله جيد الجوهر قريب القدر غير كثيره حتى يجود هضمه ولا تجتمع الفضول في عروقه‏.‏

ويجب أن لا يركب ممتلئاً لئلا يفسد طعامه ويحتاج إلى أن يشرب الماء فيزداد تخضخضاً ويتقيأ وينبسط بل يجب أن يؤخر الغذاء إلى وقت النزول إلا أن يستدعيه سبب مما سنقوله بعد فإن لم يجد بداً تناول قدراً قليلاً على سبيل التلهي بحيث لا يحوجه إلى شرب الماء ليلاً كان سيره أو نهاراً‏.‏

ويجب أن يدبر إعياءه بما قيل في باب الإعياء ويجب أن لا يسافر ممتلئاً من دم أو غيره بل ينقي بدنه ثم يسافر‏.‏

وإن كان منتخماً جاع ونام وحل التخمة ثم يسافر‏.‏

ومن الواجب على المسافر أن يتدرج ويرتاض يسيراً أكثر من العادة وإن كان يحتاج إلى سهر يعانيه في طريقه اعتاد السهر قليلاً قليلاً وكذلك إن كان يخمن أنه سيعرض له جوع أو عطش أو غير ذلك فيجب أن يعتاده وليتعود من الغذاء الذي يريد أن يغتذي به في سفره‏.‏

وليجعل غذاءه قليل الكم كثير التغذية وليهجر البقول والفواكه وكل ما يولّد خلطاً مائياً إلا لضرورة التعالج به كما نحدده فيما يستقبل وربما اضطر المسافر أن يتهيأ له الصبر على الجوع إلى أن تقل منه الشهوة‏.‏ومما يعينه على ذلك الأطعمة المتخذة من الأكباد المشوية ونحوها وربما اتخذ منها كبب مع لزوجات وشحوم مذابةٍ قوية ولوز ودهن لوز والشحوم مثل البقر فإذا تناول منها واحدة صبرعلى الجوع زماناً له قدر‏.‏

وقيل‏:‏ لو أن إنساناً شرب قدر رطل من دهن البنفسج وقد أذاب فية شياً من الشمع حتى صار قيروطياً لم يشته الطعام عشرة أيام وكذلك ربما احتاجوا إلى أن يتهيأ لهم الصبر على العطش فيجب أن يكون معهم الأدوية المسكنة للعطش التي بيناها في الكتاب الثالث في باب العطش وخصوصاً بزر البقلة الحمقاء يشرب منه ثلاثة دراهم بالخل ويهجر الأغذية المعطشة مثل السمك والكبر والمملحات والحلاوات ويقل الكلام ويرفق باليسير وإذا شرب الماء بالخل كان القليل منه كافياً في تسكين العطش حيث لا يوجد ماء كثير وكذلك شرب لعاب بزر القطونا‏.‏

 الفصل الثالث

وخصوصاً في السفر وتدبير من يسافر فيه إذا لم يدبروا أنفسهم تأذى بهم الأمر في آخره إلى أن يضعفوا وتتحلّل قواهم حتى لا يمكنهم أن يتحركوا ويغلب عليهم العطش وربما أضرت الشمس بأدمغتهم فلذلك يجب أن يحرصوا على ستر الرأس عن الشمس ستراً شديداً‏.‏

وكذلك يجب أن يحفظ المسافر منها صدره ويطليه بمثل لعاب بزر قطونا وعصارة البقلة الحمقاء‏.‏

والمسافرون في الحر ربما احتاجوا إلى شيء يتناولونه قبل السير مثل سويق الشعير وشراب الفواكه وغير ذلك فإنهم إذا ركبوا ولا شيء في أحشائهم بالغ التحليل في إضعافهم وإذ لا يكون لهم فيه بدل فيجب أن يتناولوا مما ذكرنا شياً ثم يلبثوا حتى ينحدر عن المعدة ولا يتخضخض‏.‏

ويجب أن يصحبهم في الطريق دهن الورد والبنفسج يستعملون منهما ساعة بعد ساعة على هامهم‏.‏

وكثير ممن تصيبهم آفة من السفر في الحر يعود إلى حاله بسباحة في ماء بارد ولكن الأصوب أن لا يستعجل بل يصبر يسيراً ثم يتدرج إليه‏.‏

ومن خاف السموم فالواجب عليه أن يعصب منخره وفمه بعمامة ولثام ويصبر على المشقة فيه وليقدم قبله أكل البصل في الدوغ وخصوصاً إذا كان البصل مربى فيه أو منقوعاً فيه ليلة تأكل البصل ويتحسى الدوغ‏.‏

ويجب أن يكون البصل قبل الإلقاء في الدوغ بصلاً قوي التقطيع وليكن التنشق بدهن الورد ودهن حب القرع ويتحسّى دهن القرع فإنه مما يدفع مضرة السموم المتوقعه‏.‏

وإذا ضربه السموم سكب على أطرافه ماء بارد أو غسل به وجهه ويجعل غذاءه من البقول الباردة ويضع على رأسه الأدهان الباردة مثل دهن الورد والعصارات الباردة مثل عصارة حي العالم ودهن الخلاف ثم يغتسل وليحذر الجماع‏.‏

والسمك المالح ينفعه إذا سكن ما به‏.‏

والشراب الممزوج أيضاً ينفعه واللبن من أجود الغذاء له إن لم يكن به حمى فإن كان به حمى ليست من الحميات العفنة بل اليومية استعمل الدوغ الحامض‏.‏

وإذا عطش على النوم تجزى بالمضمضة ولم يشرب ريه فإنه حينئذ يموت على المكان بل يجب أن يتجزى بالمضمضة وأن لم يجد بدا من أن يشرب يشرب جرعة بعد جرعة فإذا سكن ما به وسكن الهائج من عطشه شرب وإن بدأ أولأ قبل شربه فشرب دهن ورد وماء ممزوجين ثم شرب الماء كان أصوب‏.‏

وبالجملة فإن مضروب الحرّ يجب أن يجعل مجلسه موضعاً بارداً ويغسل رجله بالماء البارد وإن كان عطشان شرب البارد قليلاً قليلاً ويغتذي بشيء سريع الانهضام‏.‏

 الفصل الرابع تدبير من يسافر في البرد

إن السفر في البرد الشديد عظيم الخطر مع الاستظهار بالعدد والأهب فكيف مع ترك الاستظهار فكم من مسافر متدثّر بكل ما يمكن قد قتله البرد والدمق بتشنج وكزاز وجمود وسكتة ومات موت من شرب الأفيون واليبروح فإن لم يبلغ حالهم إلى الموت فكثيراً ما يقعون في الجوع المسمى بوليموس‏.‏

وقد ذكرنا ما يجب أن يعمل فيه وفي الأمراض الآخرى في موضعه‏.‏

وأولى الأشياء بهم أن يسدوا المسام ويحفظوا الأنف والفم من أن يدخلها هواء بارد بغتة ويحفظوا الأطراف بما سنذكره‏.‏

واذا نزل المسافر في البرد فلا يجب أن يدفىء نفسه في الحال بل يتدرج يسيراً يسيراً في دفء ويجب أن لا يستعجل إلى الصلاء بل أن لا يقربه أحسن وإن كان لم يجد بدًا تدرج إلى ذلك‏.‏

وأولى الأوقات به أن يجتنبه فيه إذا كان من عزمه أن يسير في الوقت ويخرج إلى البرد هذا ما لم يبلغ البرد من المسافر مبلغ الإيهان وإسقاط القوة‏.‏

وأما إذا عمل فيه الخصر فلا بد من استعجال التدفي والتمرخ بالأدهان المسخنة خصوصاً ما فيه ترياقية كدهن السوسن‏.‏

وإذا نزل المسافر في البرد وهو جائع فتناول شياً حاراً عرض به حرارة كالحمى عجيبة‏.‏

وللمسافرين أغذية تسهل عليهم أمر البرد وهي الأغذية التي يكثر فيها الثوم والجوز والخردل والحلتيت وربما وقع فيها المصل ليطيّب الثوم والجوز والسمن أيضاً جيد لهم وخصوصاً إذا شربوا عليها الشراب الصرف‏.‏

ويحتاج المسافر في البرد إلى أن لا يسافر خاوياً بل يمتلىء من غذائه ويشرب الشراب بدل الماء ثم يصبر حتى يقر ذلك في بطنه ويسخن ثم يركب‏.‏

والحلتيت مما يسخن الجامد في البرد خصوصاً إذا سلم في الشراب‏.‏

والشربة التامة درهم من الحلتيت في رطل من الشراب‏.‏

وللمسافر في البرد مسوحات تمنع بدنه عن التأثر من البرد منها الزيت وغير ذلك‏.‏

والثوم من أفضل الأشياء لمن برد عن هواء بارد وإن كان يضر بالدماغ والقوى النفسانية‏.‏

 الفصل الخامس حفظ الأطراف عن ضرر البرد

يجب أن يدلكها المسافر أولاً حتى تسخن ثم يطليها بدهن حار من الأدهان العطرة مثل دهن السوسن ودهن البان والميسوسن لطوخ جيّد لهم فإن لم يحضر فالزيت وخصوصاً إذا جعل فيه الفلفل والعاقر قرحا أو الفربيون والحلتيت أو الجندبادستر ومن الأضمدة الحافظة للأطراف أن يجعل عليها قنة وثوم فإنه أمان ولا كالقطران‏.‏ولا يجوز أن يكون الخف والدستبانج بحيث لا يتحرّك فيه العضو‏.‏

فإن حركة العضو أحد الأسباب الدافعة عنه البرد والعضو المخنوق يصيبه البرد بشدّة وإذا غشي بكاغد وشعر أو وبر كان أوقى له وإذا صارت الرجل مثلاً أو اليد لا تحس بالبرد من غير أن يخص البرد ومن غير أن يزيد وقايته بتدبير جديد فاعلم أن الحس في طريق البطلان وأن البرد قد عمل فيه فليدبر مما تعلمه الان‏.‏

وأما إذا عمل البرد في العضو فأمات الحار الغريزي الذي كان فيه وحقن ما كان يتحلل منه في جوهره وعرضه للعفونة فربما احتيج أن يفعل في بابه ما قيل في باب القروح وخصوصاً الأكَالة الخبيثة‏.‏

وأما إذا ضربه البرد ولم يعفن بعد بل هو في سبيله فالأصوب أن يوضع الطرف في ماء الثلج خاصة أو ماء طبخ فيه التين‏.‏

وماء الكرنب ومأء الرياحين وماء الشبت وماء البابونج كله جيّد‏.‏

والتردوغ لطوخ جيّد‏.‏

وماء الشيح وماء الفودنج وماء النمام والتضميد بالسلجم دواء جيد نافع له‏.‏

ويجب أن يجنب النار وقربها ويجب في الحال أن يمشي ويحرك الرجل والطرف فيروضه ويدلكه ثم يمرخه ويطليه وينطله بما قلناه‏.‏

وليعلم أن ترك الأطراف متعلقة ساكنة في البرد لا تحرك ولا تراض هو من أقوى الأسباب الممكنة للبرد من الطرف‏.‏

ومن الناس من يغمسه في ماء بارد فيجد لذلك منفعة كأن الأذى يندفع عنه كما يعرض للفاكهة الجامدة أن تلقى في الماء البارد‏.‏

فيكون كأنه يخرج الجمد عنها وينتسج عليها فتلين وتستوى ولو أنها قربت من النار فسدت‏.‏

وأما كيف هذا فهو مما لا يحتاج إليه الطبيب‏.‏

فأما إذا أخذ الطرف يكمد فيجب أن يشرط ويسيل منه الدم والعضو موضوع في الماء الحار لئلا يجمد شيء من الدم في فوهات الشرط فلا يخرج بل يترك حتى يحتبس من نفسه ثم يطلى بالطين الأرمني والخل الممزوج فإن ذلك يمنع فساده‏.‏

والقطران ينفع بدءاً وأخيراً وإذا جاوز الأمر السواد والخضرة وأدرك وهو يتعفن فلا يشتغل بغير إسقاط ما يعفن بعجلة لئلا يعفن أيضاً الصحيح الذي في الجوار وكيلا تدب العفونة بل يفعل ما قلناه في بابه‏.‏

 الفصل السادس حفظ اللون في السفر

يجب أن يطلى الوجه بالأشياء اللزجة والتي فيها تغريه مثل لعاب بزر قطونا ومثل لعاب العرفج ومثل الكثيراء المحلول في الماء والصمغ المحلول في الماء ومثل بياض البيض ومثل الكعك السميذ المنقوع في الماء وقرص وصفة قريطن وأما إذا شققه ريح أو برد أو شمس فاطلب تدبيره من الكلام في الزينة‏.‏

 الفصل السابع توقي المسافر مضرة المياه المختلفة

إن اختلاف المياه قد يوقع المسافر في أمراض أكثر من اختلاف الأغذية فيجب أن يراعى ذلك بتدارك أمر الماء‏.‏

ومن تداركه كثرة ترويقه وكثرة استرشاحه من الخزف الرشاح وطبخه كما قد بينا العلة فيه قد يصفيه ويفرّق بين جوهر الماء الصرف وبين ما يخالطه وأبلغ من ذلك كله تقطيره بالتصعيد وربما فتلت فتيلة من صوف وجعل منها فى أحد الإناءين وهو المملوء طرف وترك طرفها الآخر في الإناء الخالي فقطر الماء الخاليّ وكان ضرباً جيداً من الترويق وخصوصاً إذا كرر وكذلك إذا طبخ الماء المر والرديء وطرح فيه وهو يغلي طين حر وكباب صوف ثم تؤخذ وتعصر فإنها تعصر عن ماء خير من الأوَّل وكذلك محض الماء وقد جعل فيه طين حر لا كيفية رديئة له وخصوصاً المحترق في الشمس ثم يصقيه وهو مما يكسر فساده‏.‏

وشرب الماء مع الشراب أيضاً مما يدفع فساده إذا كان فساده من جنس قلة النفوذ وأيضاً فإن الماء إذا قل ولم يوجد فيجب أن يشرب ممزوجاً بالخل وخصوصاً في الصيف فإن ذلك يغني عن الاستكثار‏.‏

والماء المالح يجب أن يشرب بالخل أو السكنجبين ويجب أن يلقي فيه الخرنوب وحب الآس والزعرور‏.‏

والماء الشبي العفص يجب أن يشرب عليه كل ما يلين الطبيعة‏.‏

والشراب أيضاً مما ينفع شربه عليه والماء المر يستعمل عليه الدسومات والحلاوات ويمزج بالجلاب‏.‏

وشرب ماء الحمص قبله وقبل ما يشبهه مما يدفع ضرره وكذلك أكل الحمص والماء القائم الآجامي الذدي يصحبه عفونة فيجب أن لا يطعم فيه الأغذية الحارة وأن يستعمل القوابض من الفواكه الباردة والبقول مثل السفرجل والتفاح والريباس‏.‏

والمياه الغليظة الكدرة يتناول عليها الثوم ومما يصفيها الشب اليماني ومما يدفع فساد المياه المختلفة البصل فإنه ترياق لذلك وخصوصاً البصل بالخل والثوم أيضاً‏.‏

ومن الأشياء الباردة الخس ومن التدبير الجيد لمن ينتقل في المياه المختلفة أن يستصحب من ماء بلده فيمزج به الماء الذي يليه ويأخذ من ماء كل منزل للمنزل الذي يليه فيمزجه بمائه وكذلك يفعل حتى يبلغ مقصده‏.‏

وكذلك إن استصحب طين بلده وخلطه بكل ما يطرأ عليه وخضخضه فيه ثم تركه حتى يصفو‏.‏

ويجب أن يشرب الماء من وراء فدام لئلاّ يجرع العلق بالغلط ولا يزدرد البشم من الأخلاط الرديئة‏.‏

واستصحاب الربوب الحامضة لتمج بكل ماء من المختلفة تدبير جيّد‏.‏

 الفصل الثامن تدبير راكب البحر

قد يعرض لراكب البحر أن يدور ويدار به وأن يهيج به الغثيان والقيء وذلك في أوائل الأيام ثم يهدأ فيسكن ويجب أن يلح على غثيانه وقيئه بالحبس بل يترك حتى يقيء فإن أفرط فيه حبس حينئذ‏.‏وأما الاستعداد لئلا يعرض له القيء فليس به بأس وذلك بأن يتناول من الفواكه مثل السفرجل والتفاح والرمّان وإذا شرب بزر الكرفسر منع الغثيان أن يهيج به وسكنه إذا هاج‏.‏

والأفستين أيضاً كذلك ومما يمنعه أن يغتذي بالحموضات المقوية لفم المعدة المانعة من ارتفاع البخار إلى الرأس وذلك كالعدس بالخل وبالحصرم وقليل فودنج أو حاشا أو الخبز المبرد في شراب ريحاني أو ماء بارد وقد يقع فيه حاشا ويجب أن يمسح داخل الأنفس بالاسفيداج‏.‏

 الفن الرابع وجوه المعالجات بحسب الأمراض الكلية

ويشتمل على ثلاثين فصلاً‏.‏ الفصل الأول كلام كلي في العلاج

نقول‏:‏ إن أمر العلاج يتم من أشياء ثلاثة‏:‏ أحدها التدبير والتغذية والآخر استعمال الأدوية والثالث استعمال أعمال اليد‏.‏

ونعني بالتدبير‏:‏ التصرف في الأسباب الضرورية المعدودة التي هي جارية في العادة والغذاء من جملتها‏.‏

وأحكام التدبير من جهة كيفيتها مناسبة لأحكام الأدوية لكن للغذاء من جملتها أحكام تخصه في باب الكمية لأن الغذاء قد يمنع وقد يقلل وقد يعدل وقد يزاد فيه‏.‏

وإنما يمنع الغذاء عند إرادة الطبيب شغل الطبيعة بنضج الأخلاط وأنما يقلل إذا كان مع ذلك له غرض حفظ القوة فيما يغذو ويراعي جنبة القوة وبما ينقص يراعي جنبة المادة لئلا تشتغل عنها الطبيعة بهضم الغذاء الكثير ويراعي دائماً أهمهما وهو القوة إن كانت ضعيفة جداً والمرض إن كان قوياً جداً والغاء يقلل من جهتين‏:‏ إحداهما من جهة الكمية والآخرى من جهة الكيفية ولك أن تجعل اجتماع الجهتين قسماً ثالثاً‏.‏

والفرق بين جهتي الكمية والكيفة أنه قد يكون غذاء كثير الكمية قليل التغذية مثل البقول والفواكه فإن المستكثر منهما مستكثر من كمية الغذاء دون كيفيته وقد يكون غذاء قليل الكمية كثير التغذية مثل البيض ومثل خصي الديوك ونحن ربما احتجنا إلى أن نقلل الكيفية ونكثر الكمية وذلك إذا كانت الشهوة غالبة وكان في العروق أخلاط نيئة فأردنا أن نسكن الشهوة بملء المعدة وأن نمنع العروق مادة كثيرة لينضج أولاً ما فيها ولأغراض أخرى غير ذلك‏.‏

وربما احتجنا أن نكثر الكيفية ونقلل الكمية وذلك إذا أردنا أن نقوي القوة وكانت الطبيعة الموكلة بالمعدة تضعف عن أن تزاول هضم شيء كثير‏.‏

وأكثر ما يتكلّف تقليل الغذاء ومنعه إذا كنا نعالج الأمراض الحادة‏.‏

وأما في الأمراض المزمنة فإنا قد نقلل أيضاً ولكن ثقيلاً أقل من تقليلنا مما في الأمراض الحادة لأن عنايتنا بالقوة في الأمراض المزمنة أكثر لأنا نعلم أن بحرانها بعيد ومنتهاها بعيد فإذا لم تحفظ القوة لم تف بالثبات إلى وقت البحران ولم تف بنضج ما تطول مدة إنضاجه‏.‏

وأما الأمراض الحادة فإن بحرانها قريب ونرجو أن لا يخون القوة قبل انتهائها فإن خفنا ذلك نبالغ في تقليل الغذاء وكلما كان المرض فيها أقرب من المبتدأ والأعراض أمكن غذاؤنا مقوين للقوة وكلما جعل المرض يأخذ في التزايد وتأخذ الأعراض في التزايد قللنا التغذية ثقة بما أسلفنا وتخفيفاً عن القوة وقت جهاده وعند المنتهى نلطف التدبير جداً‏.‏

وكلما كان المرض أحد والبحران أقرب لطفنا التدبير أشد إلا أن تعرض أسباب تمنعنا من ذلك كما سنذكره في الكتب الجزئية‏.‏

وللغذاء من جهة ما يغذى به فصلان آخران هما‏:‏ سرعة النفوذ كحال الخمر وبطء النفوذ كحال الشواء والقلايا وأيضاً نحو قوام ما يتولد منه من الدم واستمساكه كما يكون من حال غذاء لحم الخنازير والعجاجيل أو رقته وسرعة تحلله كما يكون من حال الغذاء الكائن من الشراب ومن التين‏.‏

ونحن نحتاج إلى الغذاء السريع النفوذ إذا أردنا أن نتدارك سقوط القوة الحيوانية وننعشها ولم تكن المدة أو القوة تفي ريث هضم الغذاء البطيء الهضم‏.‏

ونحن نتوقى الغذاء السريع الهضم إذا اتفق أن سبق غذاء بطيء الهضم فنخاف أن يختلط به فيصيرعلى النحو الذ سبق منا بيانه‏.‏

ونحن نتوقّى الغليظ عند إيقاننا حدوث السدد لكننا نؤثرالغذاء القوي التغذية البطيء الهضم لمن أردنا أن نقويه ونهيئه للرياضات القوية ونؤثر الغذاء السخيف لمن يعرض له تكاثف المسام سريعاً‏.‏

وأما المعالجة بالدواء فلها ثلاثة قوانين‏:‏ أحدها‏:‏ قانون اختيار كيفيته أي اختباره حاراً أو بارداً أو رطباً أو يابساً‏.‏

والثاني‏:‏ قانون اختيار كميته وهذا القانون ينقسم إلى قانون تقدير وزنه وإلى قانون تقدير كيفيته أي درجة حرارته وبرودته وغير ذلك‏.‏

والثالث‏:‏ قانون ترتيب وقته‏.‏

أما قانون اختيار كيفية الدواء على الإطلاق فإنما يهتدي إليه بالوقوف على نوع المرض فإنه إذا عرف كيفية المرض وجب أن يختار من الدواء ما يضاده في كيفيته فإن المرض يعالج بالضدّ والصحة تحفظ بالمشاكل‏.‏

وأما تقدير كميته من الوجهين جميعاً فيعرف على سبيل الحدس الصناعي من طبيعة العضو ومن مقدار المرض ومن الأشياء التي تدل بموافقتها وملايمتها التي هي الجنس والسن والعادة والفصل والبلد والصناعة والقوة والسحنة‏.‏

ومعرفة طبيعة العضو تتضمن معرفة أمور أربعة‏:‏ أحدها‏:‏ مزاج ا لعضو والثاني‏:‏ خلقته والثا لث‏:‏ وضعه والرا بع‏:‏ قوته‏.‏

أما مزاج العضو‏:‏ فإنه إذا عرف مزاجه الطبيعي وعرف مزاجه المرضي عرف بالحدس الصناعي أنه كم بعد من مزاجه الطبيعي فيعرف مقدار ما يرده إليه مثاله إن كان المزاج الصحي بارداً والمرض حاراً فقد بعد من مزاجه بعداً كثيراً فيحتاج إلى تبريد كثير‏.‏

وإن كان كلاهما حارين كفى الخطب فيه بتبريد يسير‏.‏

وأما من خلقة العضو‏:‏ فقد قلنا أن الخلقة على كم معنى تشتمل فليتأمل من هناك‏.‏

ثم اعلم أن من الأعضاء ما هو في خلقته سهل المنافذ وفي داخله أو خارجه موضع حال فيندفع عنه الفضل بدواء لطيف معتدل ومنه ما ليس كذلك فيحتاج إلى دواء قوي وكذلك بعضها متخلخل وبعضها متكاثف‏.‏

والمتخلخل يكفيه الدواء اللطيف والكثيف يحتاج إلى الدواء القوي فأكثر الأعضاء حاجة إلى الدواء القوي ما ليس له تجويف ولا من أحد الجانبين ولا فضاء له ثم الذي له ذلك من جانب واحد ثم الذي له فضاء من الجانبين لكنه ملزز كثيف كالكلية ثم الذي له تجويف من الجانبين وهو سخيف كالرئة‏.‏

وأما من وضع العضو والوضع يقتضي كما تعلم إما موضعاً وإما مشاركة والانتفاع به من علم المشاركة أخصه باختيارك جهة جذب الدواء وإمالته إليه مثاله إنه إذا كانت المادة في حدبة الكبد استفرغناها بالبول وإن كانت في تقعير الكبد استفرغناها بالإسهال لأن حدبة الكبد مشاركة لأعضاء البول أحدها‏:‏ بعده وقربه فإن كان قريباً مثل المعدة وصلت إليه الأدوية المعتدلة في أدنى زمان وفعلت فيه وقوتها باقية وان كان بعيداً كالرئة فإن الأدوية المعتدلة نفسها قواها قبل الوصول إليه فيحتاج أن يزاد في قواها‏.‏

فالعضو القريب الذي يلقاه الدواء يجب أن يكون قوة الدواء له بالقدر المقابل للعلة وإن كان بينهما بعد وبون وهو داء يحتاج لدواء في أن ينفذ إليه إلى قوة غائصة فيحتاج أن تكون قوة الدواء أكثر من المحتاج إليه مثل الحال في أضمدة عرق النسى وغيره‏.‏

والوجه الثاني أن يعرف ما الذي ينبغي أن يخلط بالأدوية ليسرع إيصالها إلى العضو كما يخلط بأدوية أعضاء البول المدرات وبأدوية القلب الزعفران‏.‏

والوجه الثالث أن يعرف جهة إتصال الدواء إليه مثلاً أنا إذا عرفنا أنَ القرحة في الأمعاء السفلى أوصلناه بالحقنة أو حدسنا بأنها في الأمعاء العليا أوصلناه بالشراب‏.‏

وقد ينتفع بمراعاة الموضع والمشاركة معاً وذلك فيما ينبغي أن يفعله والمادة منصبة بتمامها إلى العضو وما ينبغي أن يفعله والمادة بعد في الانصباب حتى إن كانت في الانصباب بعد جذبناها من موضعها بعد مراعاة شرائط أربع‏:‏ إحداها‏:‏ مخالفة الجهة كما يجذب من اليمين إلى اليسار ومن فوق إلى أسفل‏.‏

والثانية‏:‏ مراعاة المشاركة كما يحبس الطمث يوضع المحاجم على الثديين جذباً إلى الشريك‏.‏

والثالثة‏:‏ مراعاة المحاذاة كما يفصد في علل الكبد الباسليق الأيمن وفي علل الطحال الباسليق الأيسر‏.‏

والرابعة‏:‏ مراعاة التبعيد في ذلك لئلا يكون المجذوب إليه قريباً جداً من المجذوب منه وأما إن كانت المادة منصبّة فينتفع بالأمرين من جهة أنا إما أن نأخذها من العضو نفسه أو ننقلها إلى العضو القريب المشارك ونخرجها منه كما يفصد الصافن في علل الرحم والعرق الذي تحت اللسان في علاج ورم اللوزتين‏.‏

ومتى أردت أن تجذب إلى الخلاف فسكن أولاً وجع العضو المجذوب عنه وأن تنظر حتى لا يكون المجاز على رئيس‏.‏

وأما الانتفاع من جهة قوة العضو فمن طرق ثلاثة‏:‏ إحداها‏:‏ مراعاة الرياسة والمبدئية فإنا لا نخاطر على الأعضاء الرئيسة بالأدوية القوية ما أمكن فيكون قد عممنا البدن بالضرر ولذلك لا نستفرغ من الدماغ والكبد ما يحتاج أن نستفرغه منهما دفعة واحدة ولا نبرّدهما تبريداً شديد البتة وإذا ضمدنا الكبد بأدوية محللة لم نخلها من قابضة طيبة الريح لحفظ القوة وكذلك فيما نسقيه لأجلها‏.‏

وأولى الأعضاء بهذه المراعاة القلب ثم الدماغ ثم الكبد‏.‏

والطريق الثانية‏:‏ مراعاة الفعل المشترك للعضو وأن لم يكن رئيساً مثل المعدة والرئة ولذلك لا نسقي في الحميّات مع ضعف المعدة ماء بارداً شديد البرودة‏.‏

واعلم أن استعمال المرخيّات على الرئيسة وما يتلوها صرفة خطر جداً في الجملة‏.‏

والطريق الثالث‏:‏ مراعاة ذكاء الحسّ وكلاله فإن الأعضاء الذكية الحس العصبية يجب أن يتوقّى فيها استعمال الأدوية الردية الكيفية واللذاعة والمؤذية كاليتّوعات وغيرها عليها‏.‏

والأدوية التي يتحاشى عن استعمالها ثلاثة أصناف‏:‏ المحلّلات والمبرّدات بالقوة والتي لها كيفيات مخالفة كالزنجار وأسفيذاج الرصاص والنحاس المحرق وما أشبهها‏.‏

فهذا هو تفصيل اختبار المواء بحسب طبيعة العضو‏.‏

وأما مقدار المرض فإن الذي يكون مثلاً حرارته العرضية شديدة فيحتاج أن تطفأ بدواء أشد برودة والذي يكون برودته العرضية شديدة فيحتاج إلى أن يسخنه أشد تسخيناً وإذا لم يكونا قويين اكتفينا بدواء أقل قوة‏.‏

وأما وقت المرض فإن نعرف المرض في أي وقت من أوقاته مثلاً الورم إن كان في الابتداء استعملنا عليه ما يردع وحده وإن كان في المنتهى استعملنا ما يحلل وحده وأما فيما بين ذينك فتخلطهما جميعاً‏.‏

وإن كان المرض حاداً في الابتداء لطفنا التدبير تلطيفاً معتدلاً وإن كان إلى المنتهى بالغنا في التلطيف وأن كان مزمناً لم نلطف في الإبتداء ذلك التلطيف عند الانتهاء‏.‏

على أن كثيراً من الأمراض المزمنة غير الحميات يحللها التدبير الملطف‏.‏

وأيضاً إن كان المريض كثير المادة هائجاً استفرغنا في الابتداء ولم ننتظر النضج وإن كان معتدلاً أنضجنا ثم استفرغنا‏.‏

وأما الاستدلال من الأشياء التي تدل بملاءمتها فهو سهل عليك تعرفه والهواء من جملتها أولى ما يجب أن يراعى أمره وهل هو معين للدواء أو للمرض‏.‏

ونقول‏:‏ الأمراض التي يكون فيها خطر ولا يؤمن فوت القوة مع تأخر الواجب أو التخفيف فيه فالواجب أن يبدأ فيها بالعلاج القوي أولاً والتي لا خطر فيها يتدرّج إلى الأقوى إن لم يغن الأخف‏.‏

وإياك أن تهرب عن الصواب لأن تأثيره يتأخر وأن تقيم على الغلط لأن ضرره لا يتدبر ومع ذلك فليس يجب أن تقيم على علاج واحد بدواء واحد بل تبدل الأدوية فإن المألوف لا ينفعل عنه ولكل بدن بل بكل عضو بل للبدن والعضو في وقت دون وقت خاصة في الانفعال عن دواء دون دواء‏.‏

وإذا أشكلت العلة فخل بينها وبين الطبيعة ولا تستعجل فإن الطبيعة إما أن تقهر العلة وإما أن تظهر العلة‏.‏

وإذا اجتمع مرض مع وجع أو شبيه وجع أو موجب وجع كالضربة والسقطة فابدأ بتسكين الوجع وأن احتجت إلى التخدير فلا تجاوز مثل الخشخاش فإنه مع تخديره مألوف مأكول‏.‏

وإذا بليت بشدة حس العضو فاغذ بما يغلظ الدم جداً كالهرائس وإن لم تخف التدبير فاغذ بالمبردات كالخس ونحوه‏.‏

واعلم أن من المعالجات الجيدة الناجعة الاستعانة بما يقوي القوى النفسانية والحيوانية كالفرح ولقاء ما يستأنس به وملازمة من يسر به وربما نفعت ملازمة المحتشمين ومن يستحيا منهم فمنعت المريض عن أشياء تضره‏.‏

ومما يقارب هذا الصنف من المعالجات والانتقال من بلد إلى بلد ومن هواء إلى هواء والانتقال من هيئات إلى هيئات وتكلف هيئات وحركات يستوي بها عضو ويصير بمزاج مثل ما يكلف الصبي الأحول من النظر الشديد إلى شيء يلوح له ومثل ما يكلف صاحب القوة من النظر في المرآة الضيقة فإن ذلك أدعى له إلى تكليف تسوية وجهه وعينيه فربما عاد بالتكلف إلى الصلاح‏.‏

ومما يجب أن تخفظه من القوانين أن تترك المعالجات القوية في الفضول القوية ما استطعت من مثل الإسهال القوي والكي والبط والقيء في الصيف والشتاء‏.‏

ومن الأمور التي تحتاج في علاجها إلى نظر دقيق أن يجتمع في مرض واحد استحقاقان متضادان ويستحق المرض مثلاً تبريداً وسببه تسخيناً مثل ما تقضي الحمى تبريداً والسدد التي يكون سبباً للحمى تسخيناً أو بالعكس وكذلك أن يستحقّ المرض مثلاً تسخيناً وعرضه تبريداً مثل ما تستحق مادة القولنج تسخيناً وتقطيعاً وتستحق شدّة وجعه تبريداً وتخديراً أو بالعكس‏.‏

واعلم أنه ليس كل امتلاء وكل سوء مزاج يعالج بالضد من الاستفراغ والمقابلة بل كثيراً ما يكفي حسن التدبير المهم في الامتلاء وسوء المزاج‏.‏

 الفصل الثاني معالجات أمراض سوء المزاج

أما ما كان منه بلا مادة فإنما نبذل سوء المزاج فقط وإن كان مع مادة فإنا نستفرغها وربما كفانا الاستفراغ وحده إن لم يتخلّف عنه سوء المزاج لتمكنه السالف وربما لم يكفنا ذلك إن ونقول‏:‏ إن معالجة سوء المزاج أصناف ثلاثة لأن سوء المزاج إما أن يكون مستحكماً فيكونا علاجه بالضد على الإطلاق وهذا هو المداواة المطلقة فإما أن يكون في حد الكون وإصلاحه مداواة مع التقدم بالحفظ بمنع السبب ومنه ما يريد أن يكون ويحتاج فيه إلى منع السبب فقط ويسمى التقدم بالحفظ‏.‏

مثال المداواة معالجة عفونة حمّى الربع بالترياق وسقي الماء البارد في الغب ليطفي‏.‏

ومثال المداواة والتقدم بالحفظ الاستفراغ في الربع بالخربق وفي الغب بالسقمونيا إذا أردنا بذلك أن نمنع ابتداء نوبة تقع‏.‏

ومقال التقدم بالحفظ مفرداً استفراغ المستعدّ لحمى الربع لغلبة السوداء بالخربق ولحمى الغب لغلبة الصفراء بالسقمونيا‏.‏

وإذا أشكل عليك شيء من الأمراض سببه حر أو برد وأردت أن تجرب فلا تجربن بمفرط وانظر كي لا يغرك التأثير الذي بالعرض‏.‏

واعلم أن التبريد والتسخين مدتهما سواء لكن الخطر في التبريد أكثر لأن الحرارة صديقة الطبيعة وأنّ الخطر في الترطيب والتيبيس سواء لكن مدة الترطيب أطول والرطوبة واليبوسة كل واحدة منهما يحفظ بتقوية أسبابها وتبذل بتقوية أسباب ضدها‏.‏

والحرارة تقوى بالأسباب التي فرغنا من ذكرها ثم بالمنعشات وهي نفض الثفل والامتلاء وتفتيح السدد ثم بما يحفظها وهو الرطوبة المعتدلة‏.‏

والبرودة تقوى بتقوية أسبابها أوتخنق الحرارة وبما يفرط تحليلها وهو اليبوسة بالذات والحرارة بالعرض‏.‏

والمعالج فرط الحرارة بتفتيح السدد ينبغي أن يتوقى التبريد المفرط لئلا يزيد في تحجّر السدة فيزيد في سوء المزاج الحار بل ينبغي أن يترفق فيعالج أولاً مما يجلو فإن كفى جال مبرد كماء الشعير وماء الهندبا فبها ونعمت وإن لم يقنع ذلك فبما يكون معتدلاً فإن لم يقنع فبما فيه حرارة لطيفة ولا يبالي من ذلك فإن نفع تفتيحه في التبريد أكثر من ضرر تسخينه السهل التطفئة بعد التفتيح وربما منع فرط التطفئة من نضج الأخلاط الحادة‏.‏

وإن كان بعض الناس مصرًّا على إبطال هذا الرأي وليس يدري أنّ التطفئة القوية تسقط القوة ولا سيما التي ضعفت بالمرض وإن كانت تصلح من المادة فضل إصلاح فإنها قد تعقب أمراضاً أخرى إما من سوء مزاج بارد مفرد وأما مع مواد مضادة للمواد التي أصلحها‏.‏

وأما تسخين المزاج البارد فكأنه صعب إذا كان قد استحكم وغاية من السهولة في الابتداء‏.‏

وبالجملة فإن تسخين البارد في ابتداء الأمر أسهل من تبريد التسخين في الابتداء لكن تبريد التسخين في الانتهاء وإن كان صعباً أسهل من تسخين البارد في الانتهاء لأن البرودة البالغة هي موت من الغريزة أو مساوقة له‏.‏

واعلم أن التبريد قد يقارن التيبيس وقد يقارن الترطيب وقد يخلو منهما‏.‏

والتيبيس أشدّ إثباتاً للبرودة التي قد حدثت‏.‏

والترطيب أشد جلباً للبرودة المستحدثة‏.‏

وقد يعين في التيبيس جميع أسباب الحرارة إذا أفرطت ويعين في الترطيب جميع أسباب البرودة إذا أفرطت ولا يبلغ فيه شيء مبلغ الدعة والاستحمام الدائم الخفيف والأبزن وقد فرغنا من هذا فيما سلف‏.‏

وشرب الممزوج قوي في الترطيب‏.‏

واعلم أن الشيخ إذا احتاج إلى تبريد وترطيب فإنه لا يكفيه من ذلك ما يرقه إلى الاعتدال بل ما يجاوز ذلك إلى مزاجه البارد الرطب الذي وقع له فإنه وان كان عرضياً فهو له كالطبيعي‏.‏

ويجب أن تعلم أنه كثيراً ما يحوج في تبديل مزاج ما إلى أن تستعمل ما يقوي ذلك المزاج مخلوطاً بما يضافه مثل ما يحوج إلى استعمال الخل مع الأدوية المسخنة لعضو ما حتى تعوض قوّتها ومثل ما يحوج إلى استعمال الزعفران في الأدوية المبردة للقلب ليوصلها إليه وكثيراً ما يكون الدواء قوي التأثير في تغيير المزاج إلا أنه يلطفه لا يلبث ريث ما يفعل فعله فيحتاج أن يخلط به شياً يكثفه ويحبسه وإن كان موجباً لضد فعله مثل ما يخلط بدهن البلسان الشمع وغيره ليحبسه على العضو مدة يفعل فيها فعله‏.‏

 الفصل الثالث أنه كيف ومتى يجب أن يستفرغ

الأشياء التي تدل على صواب الحكم في الاستفراغ عشرة‏:‏ الإمتلاء والقوة والمزاج والأعراض الملائمة مثل أن تكون الطبيعة التي تريد إسهالها لم يعرض لها إسهال فإن الإسهال على الإسهال خطر والسحنة والسنّ والفصل وحال هواء البلد وعادة الاستفراغ والصناعة‏.‏

وهذه إذا كانت على ضد جهة دلالة تقتضي الاستفراغ منعت من الاستفراغ فالخلاء لا محالة يمنع من الاستفراغ وكذلك ضعف أي قوة كانت من الثلاث إلا أنا ربما آثرنا ضعف قوة ما على ضرر ترك الاستفراغ وذلك في القوى الحسية والحركية إذا رجونا تدارك الأمر الخطير إن وقع وذلك في جميع القوى‏.‏

والمزاج الحار اليابس يمنع منه والبارد الرطب لعدم الحرارة أو ضعفها يمنع منه أيضاً‏.‏

وأما الحار الرطب فالترخيص فيه شديد وأما السحنة فإن الإفراط في القضافة والتخلخل يمنع منه خوفاً من تحلل الروح والقوة ولذلك فإن الواجب عليك في تدبير الضعيف النحيف الكثير المرار في الدم أن تداريه ولا تستفرغه وتغذيه بما يولّد الدم الجيد المائل إلى البرد والرطوبة فربما أصلحت بذلك مزاج خلطه وربما قويته فيحتمل الاستفراغات وكذلك لا يجب أن يقدم على استفراغ القليل إلاً كل عادة ما وجدت عن استفراغه محيصاً‏.‏

والسمن المفرط أيضاً يمنع منه خوفاً من استيلاء البرد وخوفاً من أن يضغط اللحم العروق ويطبقها إذا استخلاها فيخنق الحرارة أو يعصر الفضول إلى الأحشاء‏.‏

والأعراض الرديئة أيضاً مثل الاستعداد للذرب والتشنّج تمنع منه والسن القاصر عن تمام النشو والمجاوز إلى حد الذيول يمنع منه‏.‏

والوقت القائظ والبارد جداً يمنع منه والبلد الجنوبي الحار جداً مما يحرز ذلك فإن أكثر المسهلات حادة واجتماع حادّين غير محتمل ولأن القوى تكون ضعيفة مسترخية ولأن الحر الخارج يجذب المادة إلى خارج والدواء يجذبه إلى داخل فتقع مجاذبة تؤدي إلى تقاوم والشمالي البارد جداً يمنع منه وقلة الاستفراغ تمنع منه والصناعة الكثيرة الاستفراغ كخدمة الحمام والحمالية تمنع منه‏.‏

وبالجملة كل صناعة متعبة‏.‏

وينبغي أن تعلم أن الغرض في كل استفراغ أحد أمور خمسة‏:‏ استفراغ ما يجب استفراغه وتعقبه لا محالة راحة إلا أن يتعقبه إعياء الأوعية أو ثوران الحرارة أو حمى يوم أو مرض آخر مما يلزم كسحج الإسهال للأمعاء وتقريح الإدرار للمثانة وهذا وإن نفع فلا يحس بنفعه بل ربما أدى في الحال إلى أن يزول العارض‏.‏

والثاني‏:‏ تأمل جهة ميله كالغثيان ينقى بالقيء والمغص بالإسهال‏.‏

والثالث‏:‏ عضو مخرجه من جهة ميله‏.‏

كالباسليق الأيمن لعلل الكبد لاالقيفال الأيمن فإنه إن أخطأ في مثال هذا ربما جلب خطر أو يجب أن يكون عضو المخرج أخس من المستفرغ منه لئلا تميل المادة إلى ما هو أشرف‏.‏

ويجب أن يكون مخرجه منه طبيعياً كأعضاء البول لحدبة الكبد والأمعاء لتقعيرة وربما كان العضو الذي يندفع منه هو العضو الذي يجب اْن يستفرغ منه لكن به علة أو مرض يخاف عليه من مرور الأخلاط به فيحتاج أن يمال إلى غيره مما هو أصوب وربما خيف عليه من غلبة الأخلاط مرض مثل ما يندفع من العين إلى الحلق فربما خيف منه الخناق فيجب أن يرفق في مثله‏.‏

والطبيعة قد تفعل مثل هذا فيستفرغ من غير جهة العادة صيانة لذلك العضو عند ضعفه وربما كان ما تستفرغه الطبيعة من الجهة البعيدة المقابلة يبقى معه إسهال مثل ما يندفع من الرأس إلى المقعدة أو إلى الساق والقدم فإنه لا يعلم بالحقيقة كان من الدماغ كله أو من بطن واحد‏.‏

والرابع‏:‏ وقت استفراغه وجالينوس يجزم القول‏:‏ بأن الأمراض المزمنة ينتظر فيها النضج لا غير وقد علمت النضج ما هو‏.‏

وقيل الاستفراغ وبعد النضج يجب فيها أن يسقى من الملطفات كماء الزوفا والحاشا والبزور‏.‏

وأما في الأمراض الحادة فالأصوب أيضاً انتظار النضج وخصوصاً إن كانت ساكنة وأما إن كانت متحركة فالبدار إلى استفراغ المادة أولى إذ ضرر حركتها أكثر من ضرر استفراغها قبل نضجها وخصوصاً إذا كانت الأخلاط رقيقة وخصوصاً إذا كانت في تجاويف العروق غير متداخلة للأعضاء‏.‏

وأما إذا كان الخلط محصوراً في عضو واحد فلا يحرك البتة حتى ينضج ويحصل له القوام المعتدل على ما علمته في موضعه وكذلك إن لم يؤمن ثبات القوة إلى وقت النضج استفرغناها بعد احتياط منا في معرفة وقتها وغلظها فإن كانت ثخينة لحمية غليظة لم يجز لك أن تحركها إلا بعد الترقيق ويستدل على غلظها من تقدم تخم سالفة ووجع تحت الشراسيف ممدد أو حدوث أورام في الأحشاء‏.‏

ومن أوجب ما تراعيه في مثل هذه الحال حال المنافذ حتى لا تكون منسدة وبعد هذا كله فلك أن تسهل قبل النضج‏.‏

واعلم أن استفراغ المادة وقلعها من موضعها يكون على وجهين‏:‏ أحدهما بالجذب إلى الخلاف البعيد والآخر بالجذب إلى الخلاف القريب‏.‏

وأولى أوقاته أن لا يكون في البدن امتلاء ولا من المواد توجه ولنفرض رجلاً يسيل من على فمه دم كثير وامرأة مفرطة سيلان بواسيرها فنحن لا نخلو إما أن نستفرغ بإمالته إلى الخلاف القريب فيكون الواجب إمالة تلك المادة في الأول إلى الأنف بالترغيف وفي الثاني إلى الرحم بإحدار الطمث‏.‏

فإن أردنا أن نجذب إلى الخلاف البعيد استفرغنا الدم في الأول من العروق والمواضع التي في أسفل البدن وفي الثاني من العروق والمواضع التي في أعلى البدن‏.‏

والخلاف البعيد لا يجب أن يباعد في قطرين بل في قطر واحد وهو القطر الأبعد فإنه إن كانت المادة في الأعالي من اليمين فلا يجذبها إلى الأسافل من الشمال بل إما إلى الأسافل من اليمين نفسه وهو الأوجب وإما إلى اليسار من العلو إن كان بعيداً عنه بعد المنكب من المنكب ولم يكن حاله كحال جانبي الرأس فإنه إذا كانت المادة إلى يمين الرأس أميلت إلى الأسافل لا إلى اليسار لماذا أردت أن تجذب مادة إلى البعد فسكن وجع الموضع أولاً لتقل مزاحمته بالجذب فإن الوجع جذاب وإذا استعصى إلى حيث يجذبه فلا يعنف فربما حركه التعنيف ورقّقه ولم ينجذب فصار أسرع ميلاً إلى الموضع الموجوع وربما كفاك أن يجذب وإن لم يستفرغ فإن الجذب نفسه يمنع توجهه إلى العضو وإن لم يخرجه فيكون الجذب نفسه يبلغ الغرض وإن لم تستفرغ معه بل اقتصرت على ميل الشد على الأعضاء المقابلة أو المحاجم أو الأدوية المحمرة وبالجملة بما يولد إيلاماً ما‏.‏

وأسهل المواد استفراغاً ما هو في العروق‏.‏

وأما في الأعضاء والمفاصل فإنها قد يصعب إخراجها واستفراغها ولا بد أن يخرج في استفراغها معها غيرها‏.‏

والمستفرغ يجب أن لا يبادر إلى تناول أغذية كثيرة ونية فتجذبها الطبيعة غير مهضومة فإن وجب شيء من ذلك فيجب أن يكون قليلاً قليلاً شيئاً بعد شيء حتى يكون بالتدريج ويكون الداخل في البدن مهضوماً جيداً‏.‏

والقصد هو الاستفراغ الخاص للأاخلاط الزائدة بالسوية وأما الاستفراغ الخاص بخلط يكثر وحده في كميته أو يفسد في كيفيته فهو غير القصد وكل استفراغ أفرط فإنه يحدث حمى في الأكثر ومن أورثه انقطاع إسهال كان معتادة علة فمعاودة ذلك الاستفراغ يبرئها في الأكثر مثل من أورثه انقطاع وسخ أذنه أو مخاط أنفه سدداً فإن عودهما ما يذهب بها‏.‏

واعلم أن إبقاء بقية من المادة التي يحتاج إلى استفراغها أقل من الاستقصاء في الاستفراغ والبلوغ به إلى أن تخور القوة‏.‏

وكثيراً ما تحلل الطبيعة تلك البقية وما دام الخلط المستفرغ من الجنس الذي ينبغي والمريض يحتمله فلا تخف من الإفراط‏.‏

وربما احتجت أن تستفرغ إلى الغشي ومن كانت قوته قوية ومادة أخلاطه الرديئة كثيرة فاستفرغها قليلاً قليلاً وكذلك إذا كانت المادة شديدة التلحج أو شديدة الاختلاط بالدم ولا يمكن أن تستفرغ دفعة واحدة كما يكون في عرق النساء وفي أوجاع المفاصل المزمنة وفي السرطان والجرب المزمن والدماميل المزمنة اعلم أن الإسهال يجذب من فوق ويقلع من تحت فهو موافق للجذبين المخالف والموافق وموافق أيضاً بعد استقرار المواد فإذا كانت المواد من تحت جذبها إلى خلاف وقلعها أيضاً من حيث هي والقيء يفعل الجذب والقلع بالعكس والفصد يختلف حاله بحسب المواضع التي منها يؤخذ الدم على ما علمت‏.‏

وأقل الناس حاجة إلى الاستفراغ من كان جيد الغذء جيد الهضم‏.‏

وأصحاب البلدان الحارة قليلو الحاجة إلى الاستفراغ‏.‏

 الفصل الرابع قوانين مشتركة

للقيء والإسهال والإشارة إلى كيفية جذب الدواء المسهل والمقيًء يجب لمن أراد أن يسهل أو يتقيأ أن يفرق طعامه فيتناول قدر المبلغ الذي يجترىء به في اليوم في مرار وأن يجعل أطعمته مختلفه وأشربته مختلفة أيضاً فإن المعدة يعرض لها من هذه الحال أن تشتاق إلى دفع ما فيها إلى فوق أو إلى تحت‏.‏

فأما الطعام الغير المختلف المدخول به على طعام آخر فإن المعدة تشح به وتضن وتقبض عليه قبضاً شديداً وخصوصاً إن كان قليل المقدار‏.‏

وأما اللين الطبيعية فلا ينبغي أن يفعل من ذلك شيئاً‏.‏

واعلم أن الحاجة إلى القيء والإسهال ونحوهما غير موافقة لمن كان حسن التدبير فإن حسن التدبير يحتاج إلى ما هو أخص منهما وربما كفاه المهم فيه الرياضة والدلك والحمام ثم إن امتلأ بدنه فأكثر إمتلاء مثله من أجود الأخلاط أعني من الدم فالفصد هو المحتاج إليه في تنقيته دون الإسهال فإذا أوجبت الضرورة فصداً أو استفراغاً بمثل الخربق والأدوية القوية فيجب أن يبدأ بالفصد هذا من وصايا أبقراط في كتاب أيديميا وهو الحق وكذلك إذا كانت الأخلاط البلغمية مختلطة بالدم‏.‏

ولكن اذا كانت الأخلاط لزجة باردة فربما زادها الفصد غلظاً ولزوجة فالواجب أن يبدأ بالإسهال‏.‏

وبالجملة إن كانت الأخلاط متساوية قدم الفصد فإن غلب خلط بعد ذلك استفرغ وإن كانت غير متساوية استفرغ أولاً الفضل حتى يتساوى ثم يفصد‏.‏

ومن قدم الدواء على الفصد وكان ينبغي الفصد فليؤخر الفصد أياماً قلائل‏.‏

ومن كان قريب العهد بالفصد واحتاج إلى استفراغ فشرب الدواء أوفق له‏.‏

وكثيراً ما أوقع شرب الدواء الواجب كان فيه الفصد في حمى واضطراب فإن لم يسكن بالمسكّنات فليعلم أنه كان يجب أن يقدم عليه الفصد‏.‏

وليس كل استفراغ يحتاج إليه لفرط الامتلاء بل قد يدعو إليه عظم العلة والامتلاء بحسب الكَيفية والكمية وكثيراً ما يغني تحسين التدبير عن الفصد الواجب في الوقت و كثيراً ما يدعو الداعي إلى الاستفراغ فيعارضه عائق فلا تكون الحيلة فيه إلا الصوم والنوم و تدارك سوء مزاج يوجبه الامتلاء‏.‏

ومن الاستفراغ ما هو على سبيل الاستظهار مثل ما يحتاج إليه من يعتاده النقرس أو الصرع أو غير ذلك في وقت معلوم وخصوصاً في الربيع فيحتاج أن يستظهر قبل وقته يستفرغ الاستفراغ الذي يخص مرضه كان فصداً أو إسهالاً وربما كان استعمال المجففات من خارج والأدوية الناشفة استفراغاً مثل ما يفعل بأصحاب الاستسقاء وقد يحوجك الأمر إلى استعمال دواء مجانس للخلط المستفرغ في الكمية كالسقمونيا عند حاجتكإلى استفراغ الصفراء فيجب حينئذ أن يخلط به ما يخالفه في الكيفية ويوافقه في الاسهال أو لا يمنعه عن الاسهال كالهليلج و يتدارك سوء المزاج إن حدث عنه من بعد‏.‏

وأصحاب أورام الأحشاء فيضعف إسهالهم وقيأهم فإن اضطررت إلى ذلك فاستعمل لهم مثل اللبلاب والبسفايج والخيار شنبر ونحو ذلك فإن أبقراط يقول‏:‏ من كان قضيفاً سهل إجابة الطيعة إلى القيء فالاولى في تنقيته أن يستعمل القيء في صيف أو ربيع أو خريف دون شتاء‏.‏

ومن كان معتدل السحنة فالاسهال أولى به فإن دعا إلى استفراغه بالقيء داع فلينتظر به الصيف ويتوقاه في غو موضع الحاجة‏.‏ويجب أن يتقدم قبل الاسهال والقيء بتلطيف الخلط الذي يريد استفراغه وتوسيع المجاري وفتحها فإن ذلك يريح البدن من التعب‏.‏

واعلم أن تعويد الطبيعة ليناً وإجابة إلى ما يراد من إسهال أو قيء بسهولة قبل استعمال الدواء القوي من إحدى التدابير المفلحة‏.‏

والإسهال والقيء لأصحاب هزال المراق صعب متعب خطر والدواء المقيء قد يعود مسهلاً إذا كانت المعدة قوية أو شرب على شدة جوع أو كان الشارب ذرباً أو ليّن الطبيعة أو غير معتاد للقيء أو كان الدواء ثقيل الجوهر سريع النزول‏.‏

والمسهل يصير مقيئاً لضعف المعدة أو لشدة يبوسة الثقل أو لكون الدواء كريهاً وكون صاحبه ذا تخم وكل دواء مسهل إذا لم يسهل أو أسهل غير نضيج فإنه يحرك الخلط الذي يسهل ويثيره في البدن فيستولي على البدن ويستحيل إليه أخلاط أخرى فيكثر ذلك الخلط في البدن‏.‏

ومن الأخلاط ما هو سريع الإجابة إلى القيء في أكثر الأمر كالصفراء ومنها ما هو مستعص على القيء كالسوداء ومنها ما له حال وحال كالبلغم‏.‏

والمحموم إسهاله أصوب من تقيئه ومن كان خلطه نازلاً مثل أصحاب زلق الأمعاء فتقيؤه محال‏.‏

وشر الأدوية المسهلة ما هو مركب من أدوية شديدة الاختلاف في زمن الإسهال فيضطرب الإسهال ويسهل الأول الثاني قبل أن يسهل الثاني وربما أسهل الأول نفس الثاني ومن تعرّض للإسهال والقيء وبدنه نقي لم يكن له بد من دوار ومغص وكرب يلحقه ويكون ما يستفرغ يستفرغ بصعوبة جداً‏.‏

وبالجملة الدواء ما دام يستفرغ الفضول فإنه لا يكون معه اضطراب فإذا أخذ يضطرب فإنما يستفرغ غير الفضل وإذا تغير الخلط المستفرغ بقيء أو إسهال إلى خلط اخر دل على نقاء البدن من الخلط المراد استفراغه وإذا تغير إلى خراطة وشيء أسود منتن فهو رديء‏.‏والنوم إذا اشتدّ عقيب الإسهال والقيء دل على أن الاستفراغ والقيء نقي البدن تنقية بالغة ونفع‏.‏

واعلم أن العطش إذا اشتد في الاسهال والقيء دل على مبالغة وبلوغ غاية وجودة تنقية‏.‏

واعلم ان الدواء المسهل يسهل ما يسهله بقوة جاذبة تجنب ذلك الخلط نفسه فربما جذب الغليظ وخلى الرقيق كما يفعل المسهل للسوداء وليس قول من يقول‏:‏ إنه يولد ما يجذبه أو أنه يجذب الأرق أولاً بشيء‏.‏وجالينوس مع رأيه هذا يطلق القول بأن المسهّل الذي لا سمية فيه إذا لم يسهّل واستمر ولد الخلط الذي يجذبه وليس هذا القول بسديد‏.‏

ويظهر من حيث يحققه جالينوس أنه يرى أن بين الجاذب الدوائي والمجذوب الخلطي مشاكلة في الجوهر ولذلك يجذب وهذا غير صحيح‏.‏

ولو كان الجنب بالمشاكلة لوجب أن يجذب الحديد الحديد إذا غلبه والذهب يجذب الذهب إذا كلبه بمقداره لكن الاستقصاء في هذا إلى غير الطبيب‏.‏

واعلم أن الجاذب للأخلاط في شرب المسهّل والمقيّء إنما هو في الطريق التي اندفعت فيها حتى تحصل في الأمعاء وهناك تتحرّك الطبيعة إلى دفعها إلى خارج‏.‏

وقلما يتّفق عن الشرب لها أن تصعد إلى المعدة فإن صعدت مالت إلى القيء وإنما لا تصعد إلى المعدة لشيئين‏:‏ أحدهما‏:‏ أن الدواء المسهل سريع النفود إلى الأمعاء‏.‏

والثاني‏:‏ أن الطبيعة عند شرب المسهّل تستعجل عن دفعها في أوردة الماساريقا إلى تحت وإلى أسفل لا إلى فوق فإن ذلك أقرب وأسهل ولان ما خلفها يزحمها أيضاً وذلك مما يحرّك الطبيعة إلى الدفع من أقرب الطرق‏.‏

ولو كان للدواء جاذبة تلزم الخلط لكانت قوة الطبيعة الدافعة أولى أن تغلب في الصحيح القوي على أن الدواء إنما يجذبه إلى طريق معين لكن حال الدواء المقيء بخلاف هذا فإنه إن كان في المعدة وقف فيها وجذب الخلط إلى نفسه من الأمعاء وقيأ بقوته ومقاومة الطبيعة‏.‏

ويجب أن تعلم أن أكثر انجذاب الأخلاط يجذب الأدوية إنما هو من العروق إلا ما كان شديد المجاورة فيجذب منه في العروق وغير العروق مثل الأخلاط التي في الرئة فإنها تنجذب من طريق المجاورة إلى المعدة والأمعاء وإن لم تسلك العروق‏.‏

واعلم أنه كثيراً ما يكون النشف من الأدوية اليابسة سبباً لاستفراغ رطوبات من البدن كما في الاستفراغ‏.‏

الكلام في الإسهال وقوانينه قد سلف منّا الكلام في وجوب إعداد البدن قبل الدواء المسهّل لقبول المسهل وتوسيع المسام وتليين الطبيعة وخصوصاً في العلل الباردة‏.‏

وبالجملة لين الطبيعة قبل الاسهال قانون جيّد فيه أمان إلا فيمن هو شديد الاستعداد للذرب لأن هذا لا يجب أن يفعل به شيء من هذا فإنه يكون سبباً لإفراط يقع به‏.‏

ومثل هذا يجب أن يخلط بمسهّله ما له قوة مقيئة لئلا يستعجل في النزول عن المعدة قبل أن يفعل فعله بل يعتدل فيه قوتا الدواءين فيفعل المسهّل فعله ويفعل المقيّء في عكس هذه الحالة واللثغ من المستعدين للذرب فلا يحتملون دواء قوياً‏.‏

وأكثر ذربهم من نوازل رؤوسهم‏.‏ومن المخاطرة أن يشرب المسهل وفي الامعاء ثقل يابس بل يجب أن يخرجه ولو بحقنة أو بمرقة مزلقة‏.‏

واستعمال الحمام قبل الدواء لمسهل أياماً ملطف وهو من المعدات الجيدة إلا أن يمنع مانع‏.‏

ويجب أن يكون بين الحمام وبين شرب الدواء زمان يسير ولا يدخل الحمام بعد الدواء فإنه يجذب المادة إلى الخارج وإنما يصلح لحبس الاسهال لا للمعونة على الاسهال اللهم إلا في الشتاء فإنه لا بأس بأن يدخل البيت الأول من الحمام بحيث لا تكون حرارته قادرة على الجذب البتة وبالجملة فإن هواء من يشرب الدواء يجب أن يكون إلى حرارة يسيرة لا يعرّق ولا يكرب فإن ذلك من المعدات والدلك والتمريخ بالدهن مثل ذلك من المعدات أيضاً ومن لم يعتد الدواء ولم يشربه فالأولى بالطبيب أن يتوقف عن سقيه المسفلات ذوات القوة‏.‏

وأما صاحب التخم والأخلاط اللزجة والتمدّد في الشراسيف ومن في أحشائه التهاب وسدد فلا يجب أن يسقى شيئاً حتى يصلح ذلك بالأغذية الملينة وبالحمامات والراحة وترك ما يحرّك ويلهب‏.‏

والذين يشربون المياه القديمة والمطحولون فإنهم يحتاجون إلى أدوية قوية‏.‏

وإذا شرب إنسان المسهل فالأولى به إن كان دواؤه قوياً أن ينام عليه قبل عمله فإنه يعمل إجود وإن كان ضعيفاً فالأولى به أن لا ينام عليه فإن الطبيعة تهضم الدواء‏.‏

وإذا أخذ الدواء يعمل فالأولى أن لا ينام عليه كيف كان ولا يجب أن يتحرك على الدواء كما يشرب بل يسكن عليه لتشتمل عليه الطبيعة فتعمل فيه فإن الطبيعة ما لم تعمل فيه لم يعمل هو في الطبيعة ولكن يجب أن يتشمم الروائح المانعة للغثيان مثل روائح النعناع والسذاب والكرفس والسفرجل والطين الخراساني مرشوشاً بماء الورد وقليل خل خمر فإن نفر عند الشرب عن رائحة الدواء سد منخريه‏.‏

ويجب أن يمضغ العائف للدواء شيئاً من الطرخون حتى يخدر قوة فمه وإن خاف القذف شد الأطراف فإذا شرب تناول عليه قابضاً‏.‏

والأطباء قد يلوثون لهم الحب بالعسل وقد يجرون عليه عسلاً مقوماً أو سكراً مقوماً حتى يكسونه منه قميصاً ومما هو حيلة جيدة أن يمسح بالقيروطي ومما هو في غاية جداً أن يملأ الفم ماء أو شيئاً آخر ثم يشرب عليه الحب كما هو أو معمولاً به بعض الحيل فيبلغ الجميع من غير أن يظهر أثر الدواء‏.‏

ويجب أن يشرب المطبوخ فاتراً أو يشرب الحب في ماء فاتر ويجب أن يسخن معدة الشارب وقدمه فإذا سكنت منه النفس نهض فتحرك يسيراً يسيراً فإن هذه الحركة معينة‏.‏

ويتجرع وقتاً بعد وقت من الماء الحار بقدر ما يسهّل الدواء ويخرجه ويكسر قوته إلا في وقت الحاجة إلى قطع الإسهال وفي تجرع الماء الحار أيضاً كسر من عادية الدواء‏.‏

ومن أراد أن يشرب دواء وهو حار المزاج ضعيف التركيب ضعيف المعدة فالأولى به أن يتناوله وقد شرب قبله مثل ماء الشعير ومثل ماء الرمان وحصل في المعدة على الجملة غذاء لطيفاً خفيفاً‏.‏

ومن لم يكن كذلك فالأولى أن يشرب على الريق وأكثر من أسهل في القيظ يحم‏.‏

ويجب على شارب الدواء أن لا يأكل ولا يشرب حتى يفرغ الدواء من عمله وأن لا ينام على إسهاله أيضاً إلا أن يريد القطع فإن لم تحتمل معدته أن لا يأكل لأن معدته مرارية سريعة انصباب المرة إليها أو لأنه قد أطال الاحتماء والجوع أطعم خبزاً منقوعاً في شراب قليل يعطاه على الدواء قبل الاسهال‏.‏

وهذا ربما أعان على الدواء‏.‏

ويجب أن لا يغسل المقعدة بماء بارد بل بماء حار‏.‏

قالوا‏:‏ والحبوب التي يجب أن تسقى في مطبوخات يجب أن تسقى في طبيخ يجانسها فإن الحب المسهّل للصفراء يجب أن يسقى في طبيخ الشاهترج مثلاً والمسهل للسوداء في طبيخ مثل الأفتيمون والبسفانج ونحوه والذي يخرج البلغم في طبيخ مثل القنطوريون‏.‏

وإذا احتجب إلى استفراغ بدن يابس صلب اللحم بدواء قوي مثل الخربق ونحوه فبالغ قبل في ترطيبه بالأغذية الدسمة‏.‏

وبالجملة فإن الأدوية القوية شديدة الخطر أعني - مثل الخربق فإنها تشنج البدن النقي وتحرّك رطوبة البدن الممتلىء رطوبة تحريكاً خانقاً وتجلب إلى الأحشاء ما يعسر دفعه واليتوعات السمية كالمازريون والشبرم يقطع مضرتها إذا أفرطت الماست ويعقل وكثيراً ما يخلف الدواء رائحته في المعدة فيكون كأنه باق فيها ويكون دواؤه سويق الشعير لغسله فإنه أوفق السفوفات‏.‏

وإذا طالت المدة ولم يأخذ الدواء في الاسهال فإن أمكنه أن يخفف ولا يحرك شيئاً فعل وإن خاف شيئاً فمن الصواب أن يتجرع ماء العسل أو شرابه أو ماء قد ديف فيه نطرون أو يحتمل فتيلة أو حقنة‏.‏

ومن أسباب تقصير الدواء ضيق المجاري خلقة أو لمزاج أو لمجاورة علة فإن أصحاب الفالج والسكتة تضيق منهم مجاري الأدوية إلى مواردها فيصعب إسهالهم‏.‏

وأما جمع مسهلين في يوم واحد فهو خطر وخارج عن الصواب وكل دواء خاص بخلط فإنه إن لم يجده شوّش وأسهل بعسر‏.‏

وكذلك إذا وجده مغموراً في أضداده وكل دواء فإنه يسهل أولاً الخلط الذي يختصّ به ثم الذي يليه في الكثرة والقلة والرقة على ذلك التمريج إلا الدم فإنه يؤخره وتضن به الطبيعة‏.‏

وجذب الخلط البعيد صعب ومن خاف كرباً وغثياناً يعرض له بعد شرب الدواء فالصواب أن يتقيأ قبل شرب الدواء بثلائة أيام أو يومين بعروق الفجل وأصل الفجل‏.‏

ويجب أن لا يكثر الملح في طعام من يريد أن يستهل وكثيراً ما يجلب الدواء كرباً وغثياناً وغشياً وخفقاناً ومغصاً وخصوصاً إذا لم يسهل أو عوق فكثيراً ما يحتاج إلى قيئه وكثيراً ما يكفي الخطب فيه تناول القوابض‏.‏

وشرب ماء الشعير بعد الإسهال يدفع غائلة المسهل ويغسل ماء النزل بالممازجة‏.‏

ومن كان بارد المزاج غالباً على أخلاطه البلغم فليتناول بعد الدواء وعمله حرفاً مغسولاً بماء حار مع زيت‏.‏

وأن كان حار المزاج استعمل بزر قطونا بماء بارد ودهن بنفسج وسكر طبرزذ وجلاب‏.‏

والمعتدل المزاج بزر الكتان‏.‏

ومن خاف سحجاً تناول الطين الأرمني بماء الرمان ويجب أن يكون استعماله ما ذكرنا بعد الاسهال وإلا قطعه وكل شارب دواء يستعقب حتى فأوفق الأشياء له ماء الشعير‏.‏

وأما السكنجبين فساحج يجب أن يؤخر إلى يومين أو ثلاثة حتى تعود إلى الأمعاء قوتها ويجب أن يدخل المنسهل في اليوم الثاني الحمام فإن كان قد بقي من أخلاطه بقية فإن وجدته يستطيب الحمام ويستلذه فذلك دليل على أن الحمام ينقيه من الباقي فدعه وإن وجدته لا يستلذه ويضجر فيه فأخرجه‏.‏

واعلم أن الضعيف المعي ربما استفاد من الأدوية المسهلة قوة مسهلة فطال عليه الأمر واحتاج إلى علاجات كثيرة حتى يمسك وكذلك المشايخ يخاف عليهم من الاسهال غوائله‏.‏

واعلم أن شرب النبيذ عقيب المسهلات يورث حميّات واضطراباً‏.‏

وكثيراً ما يعقب الإسهال والفصد وجعاً في الكبد ويقلعه شرب الماء الحار‏.‏

واعلم أن وقت طلوع الشعرى ووقوع الثلج على الجبال والبرد الشديد ليس وقتاً للدواء فليشرب الدواء ربيعاً أو خريفاً‏.‏

والربيع هو وقت يستقبله الصيف فلا يتناول فيه إلا لطيفاً‏.‏

والخريف هو وقت يستقبله الشتاء فيحتمل الدواء القوي ولا يجب أن تعود الطبيعة شرب الدواء كلما احتاجت إلى تليين فيصير ذلك ديدناً فيوقع صاحبه في شغل وخيم العاقبة‏.‏

وكل من كان يابس المزاج ينهكه الدواء القوي‏.‏

والدواء الضعيف يجب أن يقلل عليه الحركة لئلآ تتحلل قوته‏.‏

ومن الأدوية الضعيفة المباركة بنفسج وسكر ومن احتاج إلى مسهل في الشتاء فليرصد ريح الجنوب وفي الصيف قال بالعكس وله تفصيل‏.‏

والمريض إذا احتاج إلى مسهل ضعيف فلم يعمل فلا يجوز التحريك بل يترك‏.‏

وكثيراً ما يهيج المرض الاسهال فتحدث عنه الحمى وربما كفاه الفصد‏.‏

إفراط المسهل ووقت قطعه اعلم أن من العلامات التي يعرف بها وقت وجوب قطع الاسهال العطش وإذا دام الاسهال ولم يحدث عطش فلا يجب أن يخاف أن إفراطاً وقع لكن العطش قد يعرض أيضاً لا لكثرة الإسهال وإفراطه بل بسبب حال المعدة فإنها إذا كانت حارة أو يابسة أو كلاهما عطشت بسرعة وبسبب حال الدواء إذا كان حاداً لذاعاً وبسبب المادة في نفسها إذا كانت حارة كالصفراء‏.‏

وفي مثل هذه الأسباب لا يبعد أن يجيء العطش مستعجلاً كما إذا اتفق أضداد هذه الأسباب لا يبعد أن يجيء العطش متأخراً‏.‏

وعلى كل حال فإذا رأيت العطش قد أفرط ورأيت الاسهال بالقليل فاحبس وخصوصاً إذا لم تكن أسباب سرعة العطش وبداره موجودة‏.‏

وفي مثله لا يجوز أن يؤخر إلى ظهور العطش وربما كان خروج ما يخرج دليلاً على وقت القطع فإن المستسهل للصفراء إذا رأى الإسهال قد انتهى إلى البلغم فاعلم أنه قد أفرط فكيف إذا انتهى إلى إسهال السوداء‏.‏

وأما الدم فهو أعظم خطراً وأجل خطباً ومن أعقبه الدواء مغصاً فليتأمل ما قيل في الكتب الجزئية في باب المغص‏.‏

 الفصل السابع

الإسهال يفرط إما لضعف العروق أو لسعة أفواهها أو للذع المسهل لفوهاتها‏.‏

ولاكتساب البدن سوء مزاج منه ومما يجري مجراه فإذا أفرط الإسهال فاربط الأطراف من فوق ومن أسفل بادياً من الإبط والأربية نازلاً منهما واسقه من الترياق قليلاً أو من الفولونيا وعرقه إن أمكنك بالحمام أو ببخار ماء تحت ثيابه ويخرج رأسه منها وإذا كثر عرقهم جداً سُقُوا القوابض ودلكوا واستعملوا اللخالخ الطيبة من مياه الرياحين والصندل والكافور وعصارات الفاكه‏.‏

ويجب أن يدلك أعضاءه الخارجة ويسخنها ولو بالمحاجم بالنار توضع تحت أضلاعه وبين الكتفين فإن احتجت أن تضع على معدته وعلى أحشائه أضمدة من التسويق والمياه القابضة فعلت وكذلك من الأدهان دهن السفرجل ودهن المصطكى‏.‏

ويجب أن يجتنبوا الهواء البارد فإنه يعصرهم فيسهل‏.‏

والحار أيضاً فإذا يرخي قوتهم ويجب أن يقووا بالمشمومات الطيبة ويُجرعُوا القوابض والكعك في الشراب الريحاني ويجب أن يكون ذلك حاراً وقد قدم عليه خبزاً بماء الرمان وكذلك الأسوقة وقشور الخشخاش مسحوقة ومما جرب أن يؤخذ حب الرشاد وزن ثلاثة دراهم ويقلى ثم يطبخ في الدوغ حتى يعقد ويساقى فإنه غاية‏.‏

ويجب أن يكون غذاؤه قابضاً مبرّداً بالثلج مثل ماء الحصرم ونحوه‏.‏

ومما يعين على حبس إسهالهم تهييج القيء بماء حار ولتوضع الأطراف أيضاً فيه ولا يبردهم وإن غشي عليهم منه ومنعهم الشراب وإن لم ينجع جميع ذلك استعملت في آخر الأمر المخدرات والمعالجات القوية المعلومة في باب منع الإسهال وبالحري أن يكون الطبيب مستظهراً بإعداد الأقراص والسفوفات القابضة قبل الوقت وأن يكون أيضاً مستظهراً بالحقن وآلاتها‏.‏

 الفصل الثامن تدبير من شرب الدواء ولم يسهّله

إذا لم يسهل الدواء وأمغص وشوّش وأسدر وصدع وأحدث تمطياً وتثاؤباً فيجب أن يفزع إلى الحقنة والحمولات المعلومة وليشرب من المصطكي ثلاث كرمات في ماء فاتر وربما أعمل الدواء شرب القوابض وتناول مثل السفرجل والتفاح عليه لعصره لفم المعدة وما تحته وتسكينه للغثيان ورده الدواء من حركته إلى فوق نحو الأسفل وتقويته بالطبع فإن لم تنفع الحقنة وحدثت أعراض رديئة من تمدد البدن وجحوظ العين وكانت الحركات إلى فوق فلا بد من فصد وإذا لم يسهّل الدواء ولم يتبع ذلك أعراض رديئة فالصواب أيضاً أن يتبع بفصد ولو بعد يومين أو ثلاثة فإنه إن لم يفعل ذلك خفيف حركة الأخلاط إلى بعض الأعضاء الرئيسية‏.‏

يجب أن يطلب من القراباذين أدوية مسهلة وملينة مشروبة وملطوخة وغير ذلك وبحسب الأسنان ويطلب في الأدوية المفردة إصلاح كل دواء من المفردة وتداركه وكيفية سقيه والحبوب فيجب أن يتناول إن لم يتحجر جفاًفاً ولا تتناول أيضاً وهي طرية لينة تلحج وتنشب بل كلّ ما يأخذ في الجفاف ويكون له تطامن تحت الإصبع‏.‏

  السابق   الفهرس   التالي