الجينات كيف؟

موضوع أعجبني طريقة القائه أحببت نقله اليكم

هناك..داخل الغرفة المظلمة..يقبع الجنين النائم..قدرة الله فى خلقه..يحلم بما لا نعرف..نائم نعم..لكن كتلة من النشاط تنبع داخله..خلايا فى كل مكان..تنقسم..تتحرك..تتراص وتتزاحم..وهناك..على رأس كل خلية يقف هؤلاء السادة الحازمون..صوتهم يعلو ومن تحتهم يجرى الجميع لتنفيذ الأمور طاعة واحتراما..ها هى أحدى الخلايا وبداخلها أحد هؤلاء السادة..على وجهه كل الحزم والغضب..يصيح فيمن حوله بجنون:
"أسرعوا..أسرعوا..أنت تقدم هنا..وأنت تحرك هناك..ضع هذه هنا..تبا لك ايها الريبوسوم العجيب..امازلت هنا؟؟..لقد قتلتنى ببطئك..."
هؤلاء هم فعلا السادة .. سادة الخلايا الذين لا ينكسر لهم أمر...هؤلاء هم الجينات...
"تحركوا..بقيت 5 شهور فقط على الولادة..أريد طفلا سليما..أسرعواااااا"
الجميع يجرى تحت أمرته..يضيعون الأشياء كما يأمر..يتحركون ويتوزعون كما يأمر..يأخذون قسط من الراحة كما يأمر...
هنا يلتفت الجين الكبير لشئ ما لم يلاحظه:
"من هذا؟..أنا لا أعرفه"
كان يتكلم عن جين عجيب المظهر يجلس وحيدا وقد بدا عليه البؤس والشقاء..هنا رد عليه جين أخر فى حزم:
"إنه جين يتبع الكروموسوم رقم 17..وأنت تعلم هؤلاء الجينات المغرورة التى تتبع هذا الكروموسوم..دعك منه"
"انتظر لحظة..يبدو أنه ليس بخير"
ثم ناداه:
"أنت هناك..أنا لا أعرفك..لماذا تجلس هكذا دون عمل؟؟"
هنا ينظر له الجين في بؤس ويقول:
"أنا بركا واحد BRCA I..وإنى لأشعر بالحزن الشديد على هذا الطفلة"
"لماذا؟"
"إن وجودي هنا يعنى أنا هذه البائسة سوف تولد ولن تعرف أو يعرف أحدا أنها في خطر"
هنا انتبه الجين الكبير ومن معه..وتوقف الجميع يصغى لهذا الجين العجيب:
"خطر؟..أي خطر"
أجاب الجين في بطء وحزن:
"خطر الإصابة بسرطان الثدي "
صمت الجميع في صدمة في حين قال الجين:
"أنا مريض..فمن يمكنه أن يعالجني؟..من أجل هذه الطفلة"
ما هو الجين ؟ وما هو العلاج الجينى ؟

الجين..يصفه العلماء يأنه مجموعة من الأوامر المكتوبة على ال DNA بداخل كل خلية لتصنيع ما تحتاجه هذه الخلية خاصة من البروتينات..طبعا نعرف أن البروتينات بمفهومها الشامل هي حجر الأساس في العديد من وظائف الجسم..ومن هنا يكتسب الجين نفوذه المعروف.....
نستطيع الآن أن نفهم ما علاقة الأمراض الوراثية بالجينات..لكن العديدين اعتادوا حطر الأمراض الوراثية على مجموعة محدودة من الأمراض غير المنتشرة والنادرة..لذا أحب أن أعقب على هذه النقطة تحديدا:
يقول العلماء أن أخطاء الجينات لا تقتصر فقط على هذه الأمراض النادرة والتي عادة ما ترتبط بخطأ جين واحد مثل مرض التليف التكيسي (cystic fibrosis) ولكنها أيضا ترتبط بمجموعة من الأمراض الشائعة وعلى رأسها أمراض القلب والسرطان..الواقع أن هذه الأمراض عادة ما تنتج من خلل مركب في الجينات بالإضافة إلى تعاون غير محبب من عوامل البيئة مثل التعرض للسموم مثلا..أقصد أن الجينات في هذه الحالة هي بطلة ولكنها بطلة لفيلم يحوى أكثر من نجم..على عكس أمراض الجين الواحد....

"إذن ما هو العلاج الجينى؟..أعنى كيف يمكن اصلاح هذه الجينات التى نعجز حتى عن رؤيتها؟"

"العلاج الجينى gene therapy هو لفظة شاملة تتضمن بإيجاز أربع أفكار أساسية لعلاج الجينات المعطوبة.

1..jpg
ما هي الأفكار التى يرتكز عليها العلاج الجينى؟

نعود لجيننا البائس (بركا واحد) وقد هم من حوله من الجينات أن يفتكوا به غضبا لولا أن تدخل أحد الجينات وقال:
"مهلا"
"ماذا؟"
كان المتحدث أحد الجينات المثقفة..وكان الجميع يقدرونه هنا نظرا لعلمه ومعرفته..قال لهم:
"من معرفتى وإطلاعى استطيع أن أقول لكم أن بنى البشر أخيرا قد أدركوا وجودنا..وتكاثفت الأبحاث الآن لا فقط لدراسة طبيعة عملنا ولكن لعلاج أمراضنا وعيوبنا بما يعرف بالعلاج الجينى"
اتسعت أعين الجينات من حوله فى إنبهار فى حين قال الجين البائس فى أمل:
"حقا؟؟"
"بالتأكيد"
ثم سار نحو الجين البائس وقال له:
"إن العلماء الآن يطورون أربعة أساليب لعلاجك وعلاج كل الجينات المريضة وهى:"
الأول: إدخال جين جديد ووضعه فى أى مكان داخل المادة الوراثية ليحل محل الجين الموجود داخل الخلية إذا كان هذا الأخير لا يعلم..هذا هو الأكثر شيوعا.
الثانى: استبدال جين معطوب مثلك بجين أخر سليم.
الثالث: إحداث طفرات معاكسة للطفرات التى أفسدته من أجل إصلاحه وإعادته للعمل.
الرابع والأخير: تعديل فى تنظيم عمل هذا الجين regulation بحيث يزيد أو يقل نشاطه بحسب الحاجة.
هز الجين الكبير رأسه فى إعجاب وقال:
"عظيم"
ثم نظر للجين المريض فى حزم وقال:
"إذن أمامك حل من أربعة أيها اللئيم..فماذا تختار؟"
"مهلا أيها الجين الكبير..الأمر ليس بهذه البساطة"
قالها الجين المثقف فسأله الكبير متعجبا:
"لماذا؟؟"
أجابه المثقف فى هدوء:
"ما زال الأمر رهن أبحاث عديدة ومتشعبة..الأمر يستحق"
*
"كيف يمكن توصيل الجينات السليمة لداخل الخلية؟..هذا أمر معقد..كما أننا لا نستطيع ضمان إندماجه داخل الخلية..هذا دقيق جدا"

"هو كذلك بالفعل..لكننا لسنا بحاجة للدخول بأنفسنا.. تذكر القصة القديمة عن القرد الذى يستخدمه صاحبه فى السرقة؟..يدخل القرد البيوت بدل منه ويختلس ما يشاء"
"وما العلاقة؟"
"لقد استخدم الإنسان ما هو أكثر دهاء وخبرة من أى قرد فى العالم ليدخل بدل منه إلى قلب الخلية ويتم المهمة..ومن العجيب أن يكون هذا الذى استعان به الإنسان هو فى الواقع واحد من أخطر وأشرس أعدائه"
"ومن هو؟"
***
"الفيروس"
قالها الجين المثقف فتراجع الجين الكبير فى فزع وقال:
"ماذا؟؟..أتتكلم عن ذلك الكائن المستغل الذى يغير علينا من حين لأخر فيبث جيناته الملوثة وسطنا لتمارس علينا تسلطها الشهير وتسخر الخلية كلها لكى تنتج ما تحتاجه هى من البروتين..بل والأدهى تستغل هذا البروتين فى مزيد من التكاثر والأنتشار بين خلايانا"
ابتسم المثقف وقال:
"بالضبط سيدى..والذى يسبب الكثير من المتاعب لشرطة المناعة البشرية لقدرته على التنكر وتغيير شكله بحيث لا تكتشفه هى..خبث شديد ومهارة عالية لا تملكه الكثير من الكائنات الأخرى كالبكتريا والفطريات.."
"وما علاقة الفيروس بالأمر؟؟"
2..jpg

ما هى التقنية المتبعة لتحقيق هذه الأساليب؟

الحامل (Vector) هو مصطلح يستخدم لوصف الشئ الوسيط الذى سوف يحمل الجين الجديد إلى داخل الخلية لكى ييدأ فى العمل..كان العثور على من يلعب دور الحامل أحد أهم الأركان الأساسية المطلوبة للبدء فى محاولات العلاج الجينى..وكان الفيروس هو الأنسب للعب هذا الدور..
الفيروس هو ذلك الكائن الخبيث الذى يملك القدرة على الدفع بجيناته لتتحول إلى جزء من جينات الخلية التى يدخلها الفيروس وتقوم هذه الجينات باستغلال إمكانيات الخلية لتصنيع احتياجاته هو..ومن هنا جاءت الفكرة..نفس الخاصية التى يستمد منها الفيروس شراسته وأذاه هى نفسها التى استغلها العقل البشرى للإستفادة منه وترويضه....
وهنا بدأت اللعبة....
سعى العلماء لإفراغ الفيروس الخبيث من جيناته الضارة واستبدالها بالجينات المطلوبة وذلك لكى يقوم عنا -متطوعا- بإدخال هذه الجينات (التى صارت جيناته) وإدماجها داخل الخلايا التى تحوى الجين المريض..فكرة عبقرية ولا شك....
كذلك بحث العلماء فى وسيلة أخرى هى تصنيع جسم دهنى من الخارج (لكى يتمكن من الدخول) وذو قالب مائى من الداخل يتم تحميله بالجينات المطلوبة لكى يعبر بها عبر غشاء الخلية....
ومع تتابع الوسائل فكر العلماء فى قفزة جديدة وهى إدخال كروموسوم كامل يحمل الرقم 47 بخلاف ال 46 الموجودين فى كل الخلايا الطبيعية ودون أن يتعارض مع وظائف الكروموسومات الأخرى..الواقع أن هذه الفكرة مازالت ناشئة لصعوبة إدخال هذا الكروموسوم الضخم إلى النواة.......
***
"وهل يصلح هذا الأسلوب فى علاجى؟..هل نجحوا بالفعل؟؟"
قالها الجين البائس فى لهفة موجها الكلام للجين العالم.....
3..jpg

الرسم يوضح الأساليب المختلفة لتوصيل الجين المطلوب توضح على اليسار نوعين من الفيروسات أحدهما يحمل المادة الوراثية فى صورة RNA كفيروس الايدز الشهير HIV والأخر فى المنتصف يحمل المادة الوراثية فى صورة DNA أما الأخير على الأقصى اليمين فهو الجسم الدهنى المصنع...
كما فى الرسم فإن الجينات السليمة الموضحة باللون الأخضر تجد طريقها من خلال الحامل إلى داخل الخلية الموضحة باللون البرتقالى ثم إلى النواة الموضحة باللون البنفسجى وبمجرد أن يصبح جزء من جينات النواة يبدأ فى انتاج الرسالة mRNA إلى الريبوسومات الموجودة فى السيتوبلازم لإنتاج البروتينات الطبيعية


العلاج الجينى..إلى أين وصل؟
العلاج الجينى..إلى أين وصل؟
"فى الواقع مازال العلاج فى بدايته..مازال الموضوع قيد الأبحاث"
..وأخر ما توصل إليه العلماء من محاولات جادة بخصوص العلاج الجينى"
***
فى 18 مارس2002 نجح فريق من العلماء فى تجربة لعلاج مرض أنيميا الخلايا المنجلية..وكانت التجربة على الفئران.....

4..jpg


وفى 11 أكتوبر 2002 بدأت المحاولات لعلاج مرض أنيميا البحر المتوسط Thalassemiaو التليف الكيسى وبعض أنواع السرطان...

5..jpg

وفى 11 مارس 2003 بدأ العلاج الجينى يطرق أبواب الأمراض العصبية وذلك من خلال محاولات علاج مرض وراثى شهير هو مرض هانتيجنتونHuntington.....
أما 11 فبراير 2005 فكان عاما هاما فى محاولات العلاج الجينى، حيث تمكن العلماء من علاج الصمم من خلال إدخال جين خاص يستحث نمو الخلايا المشعرة Hair cells فى الأذن الداخلية..كانت هذه التجارب على خنازير غينيا.....
ثم تلاها قفزة أخرى ربما هى الأكبر حتى الآن، ففى 30 أغسطس 2006 تم استخدام العلاج الجينى لإعادة صياغة الخلايا المناعية كى تهاجم أحد أعنف أنواع السرطان وهو سرطان الجلد الصبغى المنتشر disseminated melanoma وتعد هذه المحاولة الأولى الناجحة لعلاج السرطان فى الإنسان....
6..jpg




ثم تلتها محاولة أخرى هامة فى 11 يناير 2007 حيث أظهر العلاج الجينى نتائج مبشرة فى علاج سرطان الرئة حين تمت محاولته على الفئران...
وأخيرا جاءت محاولة شديدة الشهرة فى 28 أبريل 2008 وذلك لعلاج العمى الوراثى من خلال:
- حقن الفيروسات الحاملة للجينات السليمة فى قاعدة الشبكية والموضحة بالرسم كمربع أحمر.
- تنتشر هذه الفيروسات وتغزوا الخلايا البصرية photoreceptor المعطوبة والموضحة فى الرسم باللون البنى.
- تعمل الجينات الجديدة على إعادة الوظيفة لتلك الخلايا المعطوبة.
وقد حققت تلك التجارب نتائج مرضية إلى حد كبير..مما بدأ يجذب أنظار الناس والإعلام الغربى لمدى جدية تلك الأبحاث والتى كانت على المدى الطويل محل شك....
7..jpg

العلاج الجينى..وخطر التلاعب بالجينات
سأل الجين البائس الجين المثقف فى لهفة:
"وهل بدأ هذا العلاج بالفعل؟"
"فى الحقيقة لا..مازال العلاج فى بدايته..والواقع أن منظمة الأدوية والغذاء لم تعلن موافقتها على التصريح بهذا العلاج..."
"لماذا؟؟"
"ليس فقط لأن العلاج مازال فى بدايته ولكن ايضا لما يحيط بالعلاج من مخاطر"
"مخاطر؟!"
***
نعم..فقد تسبب العلاج الجينى فى وفاة شاب فى الثامنة عشر من عمره وكان يعانى من مرض وراثى نادر..وبعد تتطوع الشاب للعلاج الجينى انتهى به المطاف لفشل بالأعضاء أدى إلى الوفاة بعد أربعة أيام فقط من العلاج وذلك نتيجة لاستجابة مناعية عنيفة للفيروس الحامل..وذلك عام 1999..
ثم كانت الطامة الكبرى عام 2001 عندما أعلنت ليلة من ليالي الشتاء إصابة طفل فرنسى بحالة أشبه بسرطان الدم وذلك أثناء تلقيه العلاج الجينى لمرض وراثى يسبب نقص المناعة مما دفع المسئولين لوقف هذه التجارب مؤقتا....
ما هى العقبات امام الحصول على علاج أمن وفعال؟
العائق الأول: قصر عمر العلاج الجينى خاصة مع الانقسام السريع للخلايا مما يتطلب تكرر العلاج الجينى بصفة مستمرة....
العائق الثانى: هو الاستجابة المناعية للجسم والتى تهاجم بصورة دائمة أى جسم غريب يدخل إلى الجسم..مما يؤثر على فاعلية العلاج....
العائق الثالث: وهو الفيروس الحامل نفسه نظرا لما يسببه من التهاب واستثارة للمناعة..وكذلك الخوف من قدرته على استعادة شره بمجرد دخوله للخلية.....
العائق الأخير: أن العلاج الجينى يبشر بالنتائج حين تتكلم عن أمراض الجين الواحد..لكن الأمراض التى تتضافر فيها جينات متعددة كالأمراض القلب والسكر مازالت تمثل تحديا كبيرا الآن.....
ومن جانب أخر مازال الجانب الأخلاقى للعلاج الجينى يطرح أمامنا العديد من التساؤلات وكم من صراعات أخلاقية يثيرها العلم وتقدمه....
على سبيل المثال ما هى الصفة الطبيعية وما هى الصفة المعيبة التى تحتاج إلى علاج؟..ومن يقرر ذلك؟.. وهل يعنى هذا العلاج أن هؤلاء المصابين بهذه العيوب أشخاص غير مرغوب فيهم ولا نرغب فى رؤية أمثالهم...
الأهم من ذلك من سيدفع؟..الجميع يتوقع للعلاج الجينى أن يكون هائل التكلفة فمن سيدفع؟؟؟..وساعتها هل سيكون للأغنياء أن يكونوا هم الأقوى والأصح بينما يترك الفقراء بأمراضهم الوراثية والمكتسبة....
أسئلة كثيرة لا تظهر كثيرا على السطح..الكل ينتظر المولد حتى يولد ثم بعدها يبدأ الكلام..والحساب.....

التعليقات

  • dr.Alidr.Ali مدير عام
    تم تعديل 2010/05/20
    فعلاً موضوع رائع بطريقة عرضه و معلوماته .........ألف شكر دكتور . الله يعطيك العافية
    بس في شغلة صغيرة اني أول ما أريت عنوان المضوع فكرتو موضوع الو علاقة بطب الأسنان ..... كلمة الجينات ظنيتها كلمةسنية يعني مادة الطبع المعروفة اللي هي الألجينات
  • dr.Hazemdr.Hazem مدير عام
    تم تعديل 2010/05/20
    ببداية المقال ذكرتني ببرنامج أطفال (كان يا مكان الحياة )...

    انا بإعتقادي العلاجات الجينية حلم ...لان لحد الآن التلاسيميا و هانتغتون لم يوضع علاج لهم على الرغم من السنين الطويلة للأبحاث ..