ما هو علم الوراثة الطبية 2-2

الســـــرطان والـــوراثــة :ـــ
السرطان هو داء ارتبط اسمه مع اسم الموت حتى صار يضاهيه رهبة و فزعاً و صار كل من يسمع بِاسمه يشعر بالخوف و الحزن و الأسى سواء أكان هو المصاب أم أحد أقاربه أو معارفه و الحقيقة أن السرطان هو داء خطير قد يؤدي إلى الموت لكن ليس بالضرورة ، تستدعي كلمة السرطان صوراً لمستقبل من لجج فنحن نسمع عنه الكثير حتى لتبدو نسبة الإصابة به في المجتمع ككل وكأنها زايد طوال الوقت .
والسرطان بأشكاله المختلفة يأتي في المرتبة الثانية بعد أمراض القلب كمسبب لأعلى نسبة وفيات في الأمم الصناعية ،إذ يموت واحد من بين كل ثلاثة أو أربعة بالسرطان حتى ونحن ننعم بالصحة الكاملة لانزال نرى في السرطان أفظع حكم بالإعدام ،لكن هذا ظلم فمع وجود العزيمة و الأمل و العلاج الجيد و الحديث أصبح الطب يتحدث عن شفاء من هذا الداء الشرس أو على الأقل يحقق العلاج لفترة جيدة تتفاوت حسب طبيعة الداء و مرحلته و حالة المصاب و الحرب ضد هذا العدو الذي يحارب الإنسان في داخله مستمرة وليس هو أداة فيها و لم يتوقف الأطباء في مراكز الأبحاث يوماً عن البحث الدءوب لمعرفة أسرار و دقائق الداء و بالتالي إيجاد العلاج الشافي الموفق و في كل يوم جديد نسمع عن دواء جديد و علاج جديد قد يحمل في طياته الخلاص النهائي من مرض العصر و الأمر ليس ببعيد فكم من داء كان يقي الموت فيما مضى لم نعد نسمع عنه سوى في الكتب بفضل الثورة العلمية في العلاج و بإمكاننا أن نقول أن الطب قد بدء بفتح نوافذ كانت مغلقة تدخل منها أشعة الأمل و الدفء لكل مصاب بهذا الداء على أمل أن يصبح الداء حكاية منسية أو عنوان نقرأ عنه في كتب التاريخ و ليس في كتب الطب و من شروط كل حرب ناجحة أن نتسلح بالمعرفة و الدراية الجيدة بأسرار العدو حتى لا تكون الحرب ضد المجهول و عسى أن تكون المعرفة هي الدافع للسير قدماً في مواجهة هذا الداء و عدم الوقوف أمامه مطأطئي الر أس . كما ينبغي الإيمان بأن المرض و الشفاء إنما هو بيد الخالق فلا السرطان و لا غيره يستطيع أن يقدم أو يؤخر في الأجل المكتوب.
تحتوي نواة كل خلية في جسم الإنسان على مورثات تشرف و تسيطر على وظائف هذه الخلية و عملها و غذائها و انقسامها و موتها ، و لكل خلية نمط معين من الحياة تحدده مجموعة من المورثات الخاصة تشرف على عملية الانقسام أو شيخوخة و موت الخلية و تدعى مجموعة هذه المورثات بمورثات الموت المبرمج .
و تضبط هذه المورثات عمل مورثتين مسؤولتين إما عن الانقسام و التكاثر أو عن إيقاف ولجم هذا التكاثر .
المورثة الورمية التي تنشط النمو و التكاثر و الانقسام
المورثة الكابحة للورم و هي المورثة التي تقي من حدوث الورم و تعمل مجموعة هذه المورثات بشكل منتظم و متوافق بشكل يضمن سلامة ووظيفة النسج والخلايا ومن برنامج محدد لكل نسيج فمثلاً تشرف هذه المورثات على نسيج بطانة الرحم ليتبدل كل 28 يوم كما أن النسيج يفترض ألا يتجدد بعد الولادة لذلك نجد أن المورثة الورمية متوقفة عن العمل فيه
هذه الأمور تحدث في حال سلامة و انتظام عمل المورثات لكن ماذا يحدث لو تعرض عمل هذه المورثات لخلل بحيث زاد عمل المورثة الورمية أو تعطل عمل المورثة الكابحة ؟
الجواب سيكون هو حدوث الورم .
فالورم هو تكاثر عشوائي و غير مضبوط للخلايا بحيث تفقد الخلية قدرتها على الموت فتنقسم في جميع الاتجاهات دون وجود من يلجمها أو يقيد تكاثرها . و لكن هذا الورم الناشئ ليس بالضرورة أن يكون خبيثاً فيلزمه بعض التغيرات في بنية الخلية حتى يتحول إلى ورم خبيث و يكون هذا الورم الخبيث في بدايته متواضعا في مكانه ، ومع مرور الوقت و حسب شدة خباثته يبدأ بالانتشار و التوسع و الانتقال إلى مناطق بعيدة معطياً النقائل الورمية التي حين وجودها يعني التقدم في مرحلة الورم و صعوبة و تعقيد بالعلاج .
فالسرطان إذاً لا يبدأ دفعة واحدة إنما هناك عدة مراحل يمر بها و هذه المراحل تحتاج إلى زمن قد يمتد لسنوات ، و السرطان إذاً هو داء يصيب مورثات الخلية فيؤدي إلى تكاثرها و هذا لا يعني انه داء وراثي بالضرورة .
والواقع أن لدينا من الأسباب ما يكفي للتفاؤل بالتقدم الذي يتم في الكشف المبكر عن السرطان، وفي علاجة ويزيد من آمالنا تلك التحسينات التى تجرى على الطرق التقليدية ثم دخول الهندسة الو راثية في المجال البيوطبي.

مــــــــــاهو السرطــــان ؟
جمسنا هو تجمع من ستين ألف بليون خلية ، يمثل نظاما ديناميا يتم فيه طول الوقت تبادل المعلومات في صورة مراسيل كيماوية. ولضمان سلاسة التفاعلات الكيماوية المميزة لعمليات الحياة ، فان الجسم يقوم بإنتاج الطاقة وتخزينها، ليبذلها فيما بعد في وظائف محددة تؤديها الأنسجة المختلفة: فالقلب يضخ الدم في الأوعية الدموية ، والرئة تبادل غازات الدم بغازات الجو ، وكرات الدم الحمراء تحمل الأوكسجين وثاني أكسيد الكربون، وانقباض العضلات يسمح بالأنماط المختلفة من الحركة، وعمليات التفكير تتم بالمخ، حيث تتحكم المراكز العصبية في كل أنشطة الكائن الحي. ومعظم الخلايا في أجسامنا تنمو وتنقسم طوال الوقت وهذا واضح من مرحلة الطفولة إلى الرجولة.
إن ما نعبر عنه بالساعة البيولوجية للكائن الحي فيقوم بضغط عملية انقسام الخلايا فعندما تتم العملية بصوره صحيحة فان العدد من الخلايا ينقسم في الوقت الصحيح ويحدث القليل من الأخطاء وتقوم آليات الإصلاح ، بكفاءتها الرائعة،بتصحيح ما يزيد على99.9 % من كل الأخطاء، تاركة وراءها البعض القليل منها وهذا البعض القليل يفسر وجود التباينات الو راثية في جزيئات الدن ا.
والكثير من تباينات الدنا لا يؤثر على مصير الكائن الحي ، لكن القليل منها يتسبب في تحويرات ببروتينات تشترك في آليات تنظم انقسام الخلايا وتمايزها –بروتينات تشكل جزاء من الساعة البيولوجية.نتيجة لذلك تفلت بعض الخلايا من قبضة السيطرة وتبدأ في التكاثر بطريقة فوضوية- لقد اكتسبت هذه الخلايا خصيصة أن تنمو وتتطور مستقلة ، لقد أصبحت خلايا سرطانية-
هناك عوامل عديدة مختلفة تدفع إلى التكاثر العشوائي للخلايا إلى الحد الذي قد نعتبر فيه كل سرطان مرضا مستقلا الحق أن نمطا معينا محدد من السرطان قد يبتدى في صور مختلفة باختلاف المرضى .هناك اختلافات في درجات الحدة وزمن التنامي، وفي الزمن مابين أول الاعراض وبين الظهور الواقعي للنمو السرطاني فلقد يفصل مابين اكتساب الخصائص –قبل- السرطانية وبين التنامي الحقيقي للورم السرطاني ما يصل إلى خمسين عاما
يمكن للسرطان أن يصيب أي خلية وأي عضو وهو مثل القلب والحساسية – ليس مرض واحد، وتنما مجموعة متباينة من الاضطرابات نتيجتها النهائية – التكاثر العشوائي للخلايا- وهي الصورة الخطيرة الشائعة0 السرطان إذن مصطلح عام يشمل الكثير من الاضطرابات ظن وكل منها تحثه أسباب عديدة – مرض متعدد العوامل: وراثية وبيئية وسيكولوجية.
لا يمثل السرطان هذا الداء العضال ،اكتشافا جديدا بل هو مرض قديم عرفة القدماء إلا أن القرن العشرين الذي تطور فية المرض بالقدر الذي تهيأت فيه أرضيات البحث قد شهد اهتماما متزايد بهذا الداء لفهم أسبابه واعراضة ومحاولة التوصل إلى إيجاد حل وقائي في مرحلة لولى ، وعلاجي إذا ما استحالت الوقاية.
وإذا عدنا إلى التاريخ فقد وصف السرطان منذ حوالي 2000سنة قبل الميلاد و لكن وصفه كان على شكل أعراض ومظاهر فقط و قد استنتج الإنسان الآن أنها كانت مظاهر السرطان فقد وجد في مخطوطات المصريين القدماء مخطوطات نصف بعض مظاهر و أعراض هذا الداء كما أشارت إليها الحضارة اليونانية القديمة فوصف أبوقراط الذي يعتبره الغربيون أبا الطب الكثير منها كما أن الأطباء في ظل الحضارة الإسلامية تحدثوا عن هذه الأعراض و المظاهر كجزء من المرض و ليس كما كان الاعتقاد سائداً أنها تنتج عن الخطيئة و الشعوذة.

الجينات والسرطان : ـــــــ
الخلايا في الجسم تتوالد بالانقسام ومعظم خلايا أعضاء الجسم ليست أزليه،بل لها عمر محدد فهي تفنى ويحل مكانها جيل جديد من الخلايا هذه العملية تتم بموجب تعليمات صدر عن جينات خاصة جينات تأمر بالانقسام والتكاثر وجينات رادعة(Suppressor Genes) تردع الخلايا عن الانقسام هذه العملية التي تعمل في بضعة بلايين من أركان الوراثة، لابد آن يحصل فيها أغلاط والنظام الو راثي يقوم بواسطة بعض الجينات بإصلاح الخطأ وبعضها لا يطل التصليح أفراد منها هذه الخلايا لا ترتدع عن الانقسام وتستمر في التوالد والتكاثر
إنها خلايا شاردة وهي السرطان بعينه! خلايا تشذ عن المعتاد فتسبب خللا في العضو الذي هي فيه وتصنع التورم او الدمل (Tumor)ينتج الشرود عن خلل في الجينات التي تتولى هذا الامر والمعلوم أن عددا من الأسباب يأتي بهذا الخلل الفيروس، التعرض للأشعة، التدخين .جينات معرضة لهذا الخلل وموروثة عن الابوين.
لقد وجد العلماء أربع جينات في الإنسان لها علاقة بسرطان الأمعاء ثم اكتشفوا أن إحدى الفطريات في غذاء أهل الصين تعطي نوعا من السم (Flatoxin) الذي يجعل ركن الثايمين(T) يقع في مكان مخصص للغوانين(G)وهذا يقود إلى لتكوين سرطان أي خلايا سرطانية تمارس الانقسام دون توقف .كذلك بعض المأكولات تدعو للسرطان (Carcinogenetic) وكلها تبدآ في الجينات.
السرطان إذا هو مرض(طــــفرات) في الجينات قبل ان يصبح مرضا في الأعضاء التي تحتلها الخلايا الشاردة- المستديمة التوالد والتكاثر.
* أسباب السرطان: ـــــ
إن الأسباب الحقيقية المؤدية إلى السرطان لا زالت مجهولة إلى حد ما و لكن هناك عوامل تساعد أو تهيئ للسرطان و هذه العوامل هي: ــــ
1/ الوراثة : إن معظم السرطانات المعروفة و الشائعة لا تنتقل عن طريق الوراثة إنما تكون حالات فردية لا علاقة للوراثة بها و لكن الأبحاث أثبتت دور الوراثة في بعض الأورام و أهمها ورم أورمة الشبكية في العين التي تورث في أغلب الأحيان من الأب لأبـنائه و ليس بالضـرورة إلــى جميعهم و هي تصيب العينين معاً داء البوليات الكولونية العائلي الذي يورث إلى الأبناء ويتحول إلى سرطان كولون .
2/ ‌التدخين : يطلق التدخين حوالي 3000 مادة تحوي مواد عديدة لها علاقة مباشرة مع السرطان أهم هذه المواد هي المسماة البنزبرين كما يقوم التدخين بإحداث تبدلات كبيرة على بشرة القصبات خاصة تحولها من بشرة تنفسية تقوم بعملها التنفسي إلى مجرد بشرة ساترة لا نقوم بأي عمل و هذا التغير يعتبر تغير قبل سرطاني و لا يحتاج إلا لخطوة واحدة ليتحول إلى سرطان .
3/ طبيعة الغذاء : تشير الدراسات المجراة على الغذاء إلى علاقة بعض أنواع الغذاء كالدسم و الكحول بالتأهيب للسرطان خاصة سرطانات المعدة و الأمعاء بينما الخضار و البقول و الألياف تقلل من حدوثه.
4/ الحمات الراشحة (الفيروسات) :لقد ثبتت وجود علاقة بين بعض الحمات الراشحة وبعض أنواع السرطان و هي : ــ
حمة ابشتاين بار لها علاقة بنشوء سرطانات البلعوم الأنفي في الصين و ليمفوما بيركيت في إفريقيا المدارية
حمى التهاب الكبد النموذج ب لها دور في سرطان الكبد
5/ الأشعة :
هناك علاقة بين الأشعة و سرطانات الجلد و الدم و الغدة الدرقية .
6/ التوزيع الجغرافي : لوحظ ازدياد بعض أنواع السرطانات في مناطق من العالم و قلتها في مناطق أخرى
7/ المهنة و التلوث : فهناك مواد مسرطنة يتعرض لها الإنسان سواءً في عمله أو في البيئة الملوثة .
وقد عرف الأطباء اليونانيون ما يسمى بالسرطانات الصلبة التى كان يمكن ملاحظتها دون اللجو إلى المجهر ومنها سرطان الكبد، والمعدة إلى أن شهد الطبيب الإنكليزي برسيفال بوت يحدد أن "سواد الدخان" كسبب رئيسي لعديد من سرطانات الجراب التى لاحظها لدى منظفي مداخن بلندن ، ثم جاء بعد ذلك العالم الفرنسي لوري بوارل ليعلن نظرية السرطان الحموية "نظرية حمى السرطان" وأكدها البيولوجي الأمريكي روس حيث اكتشف فيروسا، يسمى فيروس روس مسؤولا عن سرطان الدم والسركومة لدى الدجاج .وفي نفس الفترة تمت ملاحظة أول سرطان لدى شخص يستعمل قنديلا يصنع الناشعة السينية.على أن هذه الحالة مثلها مثل إي نوع من السرطان والتي شدت انتباه الباحثين العلميــين والأطباء لم تكفي لتضع حدا للتهافت على هذه الأشعة السحرية حتى سقطت قنبلتي الموت في هيروشيما وناغازاكي في اليابان لتبعث الرعب في القلوب والأذهان من الأشعة القاتلة وخطر الإصابة به.
هكذا يمكننا القول أن أسباب السرطان الخارجية معروفة وهي المواد الكيماوية والأشعة السينية أو الفيروس .


إصلاح الخلل الوراثي : -
تم تحديد في الجهاز البولي (الكُلى والمسالك البولية) الجينات المسئولة عن بداية حدوث الأورام الخبيثة بكل جزء منها، كان الغرض من وراء كل هذه الأبحاث هو الوصول إلى شيء بدهي ألا وهو "العلاج" والعلاج هنا يعني تغيير أو عكس مسار المرض عن طريق إصلاح الخلل الأصلي الذي حدث بنواة الخلايا، والذي تسبب في ظهور الورم، والعلاج الجيني (أي باستخدام الجينات) ما هو إلا إدخال كود جين سليم وطبيعي أو حتى معدل -عن طريق الهندسة الوراثية- بداخل الخلايا المصابة، مما يحدث إصلاحًا لمسار انقسام هذه الخلايا، أو يتمّ العلاج بإدخال هذه الجينات المعدلة في صورة أمصال محضرة ومجهزة من نفس الخلايا السرطانية، وذلك بأخذ عينة من الورم ذاته وتغيير الكود الخاص بالأحماض والبروتينات النووية بالخلايا، ثم إعادة حقنها في المريض مرة أخرى لتعمل على مقاومة المرض وتحفيز أو إثارة الجهاز المناعي للجسم ليقاوم المرض بكل قوة ممكنة، وفي تطور آخر تم تحميل هذه الأمصال بمواد استشعار دقيقة تمكنها من تتبع الخلايا السرطانية بالعضو المصاب والمنتشر بالجسم فقط بدون التأثير على الخلايا الطبيعية المجاورة.

منقول عن
د.خالد الحربي استاذ و استشاري الوراثة الطبي المساعد في جامعة الملك سعود- الرياض

التعليقات

  • nehadnehad مشرف منتدى التغذية و الطب البديل
    تم تعديل 2010/05/02
    شكرا لك لايرادك هذا النص بارك الله بجهودك
  • دكتوربالفطرةدكتوربالفطرة عضو مميز
    تم تعديل 2010/05/02
    مشكور لمرورك أستاذنا القدير
  • Dr.AhmadDr.Ahmad مدير عام
    تم تعديل 2010/05/03
    بارك الله فيك حكيم ما شاء الله

    تم التثبيت
  • دكتوربالفطرةدكتوربالفطرة عضو مميز
    تم تعديل 2010/05/03
    مشكورين والله يعطيكم العافية. أتفاءل بكم
  • د.محمدجد.محمدج عضو نشيط
    تم تعديل 2010/12/28
    مشكوررررر جدا