الاحتباس الحراري والأمراض المعدية

الاحتباس الحراري والأمراض المعدية:
بدأت التحذيرات في الآونة الأخيرة لكبار خبراء الصحة العالمية من أن تغيير المناخ الناجم عن الاحتباس الحراري يمكن أن يؤدي إلى تفاقم انتشار الأمراض المعدية والأوبئة في أقاليم جديدة من العالم. ومن ضمن مخاوف الأمراض المعدية التي قد تجتاح العالم:
1- التسممات الغذائية:
ولتقريب أثر الاحتباس الحراري على خريطة الأمراض المعدية في العالم، يمكننا هنا أن نسترجع ما حدث في عام 2005 على شواطئ إحدى بقاع آلاسكا، حيث سجل أكبر وباء من التسمم الغذائي، الناتج عن نوع خاص من الجراثيم يسبب النزلات المعوية الحادة
(Vibrio Parahaemolyticus gastroenteritis).
هذه الجرثومة وصلت إلى ضحاياها، من خلال تناولهم للمحار البحري، المتوفر بكثرة في شواطئ المنطقة، وتكمن المشكلة في أنه قبل هذا الوباء، لم تسجل أي حالات إصابة بهذا الميكروب في مثل هذه المناطق الشمالية. حيث كانت كولومبيا البريطانية، والتي تقع إلى الجنوب بأكثر من مئة كيلومتر من شواطئ آلاسكا، هي أقصى المناطق التي سجلت فيها إصابات سابقة مماثلة.
وما حدث هو أن الاحتباس الحراري العالمي والمترافق بارتفاع درجة حرارة مياه المحيطات، خلق بيئة مناسبة في المناطق الشمالية، سمحت للجرثومة بالنمو والازدهار في أماكن لم تكن تناسبها سابقاً بسبب برودة مياهها.
2- الأمراض التي تنتقل عن طريق الحشرات:
من المحتمل – كما يتوقع الخبراء – أن يتسبب التغير المناخي في إطالة موسم انتشار حبوب اللقاح. وهذا قد يؤدي بدوره إلى زيادة انتشار الحشرات الحاملة للأمراض في شمال أوربا، ويتيح للبعوض التكاثر في أقاليم جديدة بقارتي آسيا وإفريقيا. وبخلاف السماح لميكروبات بغزو مناطق جديدة كان من الصعب غزوها من قبل، بل من المستحيل، يسمح الاحتباس أو الإحماء الحراري أيضاً بانتقال الحشرات الحاملة للأمراض، وتوسيع مدى نطاق انتشارها.
* البعوض الناقل للملاريا:
من المعروف أن الدفء يزيد من معدلات تكاثر البعوض، ويفتح شهية أفراده للمزيد من وجبات الدماء، ويطيل من موسم التزاوج والتكاثر، وفي نفس الوقت يقصر من الفترة اللازمة للجراثيم التي يحملها في لعابه للوصول إلى درجة النمو الكامل والانتشار من شخص إلى آخر.
أي أن دفء المناخ يماثل جرعة منشطة لمجتمعات البعوض، تزيد من أعدادها وتفتح من شهيتها، بالإضافة إلى تعاظم قدرتها على نقل الأمراض، والطفيل المسؤول عن مرض الملاريا هو طفيل أحادي الخلية يَعرف باسم بلازموديوم ملاريا (Plasmodium Malariae). وهو متوطن في أجزاء من آسيا وأفريقيا وأمريكا الوسطى والجنوبية، وقد توقع خبراء ألمان أن يؤدي الاحتباس الحراري، وارتفاع درجات الحرارة في أوربا، إلى انتقال الأمراض الاستوائية واستيطانها هناك، وتنشأ هذه الأمراض المعدية من خلال انتقال أنواع استوائية معينة من الحشرات التي تلعب دوراً في احتضان ونقل عدوى الأمراض الطفيلية مثل الملاريا وغيرها.
وقد حذر الأطباء من احتمال تعرض مناطق جنوب ألمانيا، إلى أول الأمراض المستوطنة عبر البحار. وذكر البرفيسور بيتر كيميغ أنه لا يتوقع أن تنتقل الأمراض المعدية مثل الكوليرا والطاعون إلى ألمانيا، لأنها أمراض تتعلق بدرجة النظافة والتعقيم، لكن انتقال حمى الملاريا وغيرها غير مستبعد، وحذر الخبراء الألمان من وجود مؤشرات عديدة في الأعوام الماضية على هجرة الملاريا باتجاه الشمال إلى ألمانيا عبر أسبانيا وإيطاليا، وعلى الجانب الآخر لا يتوقع أن تصل إلى ألمانيا بهذه السهولة، وربما أنها ستحتاج إلى مئة سنة لكي تستوطن وسط أوربا، لكن الأمر يتعلق بسرعة التحولات المناخية.
وكان موظفو الصحة العامة في ولاية بادن فورتمبيرغ (Baden Wurthemberg) قد عثروا في صيف 2003 على برك مائية تحتوي على يرقات بعوض يشك أنها قادرة على احتضان طفيلي الملاريا. وجاء البحث بعد أن أصيب طفلان ألمانيان بمرض شبيه بالملاريا وقيل آنذاك إنها "ملاريا ألمانية" متكيفة مع مناخ وسط أوربا.

* البعوض الناقل لمرض حمى الدَّنك:
الجدير بالذكر أن البعوض ينقل أيضاً مرض يسمى حُمى الدنك (Dengue Fever) والذي بدأ ينتشر على نحو مثير للقلق منذ ثلاثين عاماً إلى أن أصبح 40% من سكان العالم الآن معرضين للإصابة بهذا الوباء الذي لم يكن معروفاً من قبل، وقد عادت حمى الدنك لتغزو كولومبيا عندما عادت البعوضة المسببة للمرض وهي بعوضة "الزًّاعجة المصرية" (Aedes aegypti) أو عايدة مصر لغزو كولومبيا عقب موسم أمطار غزيرة لم تشهدها البلاد من قبل، وقد شوهدت البعوضة الناقلة لكل من حمى الدنك والحمى الصفراء على ارتفاع 2200 متر بكولومبيا وهو ما لم يحدث من قبل.
* البعوض الناقل لحمى غرب النيل:
أما مرض حمى غرب النيل (West Nile fever) والذي ينتقل أيضاً عن طريق البعوض فقد وجِدَ أن البعوض، الناقل للمرض قد ارتفع عدده بصورة كبيرة مع طول فصل الصيف في كندا إذ أصبح هذا النوع من البعوض يتواجد في شهر أكتوبر ونوفمبر وهما الشهران اللذان لم يكن يتواجد فيهما من قبل حيث من المفترض أن ينتهي موسم حالات حمى غرب النيل في كندا في شهر سبتمبر.
* الأمراض التي تنتقل عن طريق حشرة القراد:
من المعروف أن حشرة القراد تنقل مرض معروف بأمريكا وهو مرض لايم (Lyme disease) وقد أصبحت هذه الحشرة تعيش عمراً أطول في معظم المناطق الجنوبية من كندا وشمال الولايات المتحدة بسبب تغير المناخ.
* الأمراض التي تنتقل عن طريق حشرة العثة:
بعض الأمراض التي تنتقل عن طريق تلك الحشرة قد انتشرت مؤخراً في مناطق شمال البحر المتوسط، مثل مرض اللسان الأزرق (Blue tongue disease) الذي يصيب قطعان الماشية والأغنام والإبل، وينتقل عن طريق لدغات حشرة العثة "سوس" (Mite) الصغيرة.
3- الأمراض التي تنتقل بسبب المياه:
أكد مسؤولون في منظمة الصحة العالمية أن ارتفاع درجات الحرارة في العالم بدأ يؤثر بالفعل على الأمراض التي تنتقل عن طريق المياه، والتي تسببها الطفيليات في مناطق معرضة لخطر الجفاف والفيضانات. وقد قالت إحدى الخبيرات في المنظمة: " إن حالات تفشي الكوليرا والملاريا في العالم النامي هي نتائج للتحولات البيئية التي أثرت على الطفيليات ومصادر المياه " معتبرة أن "التغير المناخي أثر بالفعل على صحة البشر". ووصفت الخبيرة منطقة جنوب آسيا بأنها أكثر تعرضاً لخطر انتقال الأمراض بسبب انخفاضها كما هي حال بنغلاديش، مما يهددها بالفيضانات وتدفق أنهار الجليد عند ذوبان ثلوج جبال الهمالايا، كما يهدد هذا الخطر أيضاً المناطق الصحراوية والمدن الساحلية الكبيرة.
وقد انتشرت الكوليرا في الآونة الأخيرة في أكثر من 21 دولة حيث أصيب بها أكثر من 200.000 شخص، مات منهم 11.700. وقد تبين أن انتشار جرثومة الكوليرا في بنجلاديش وبيرو يتأثر بعوامل جوية بيئية منها الاختلاف في مستويات سطح البحر وأن انتقال جرثومة الكوليرا يتأثر بوجود بعض الطحالب والحيوانات البحرية في المياه كما أنه من الميكروبات التي تتأثر كثيراً بالتغيرات الجوية.
وفي العام 1998 ازدادت حالات الكوليرا في الإكوادور نتيجة للعوامل الجوية، وبعدها بسنتين غزت الكوليرا بيرو نتيجة للفيضانات ومشكلات الصرف الصحي بالإضافة إلى تلوث الغذاء.
كما أن الأمراض المعدية المنقولة بالمياه في بيرو مثل الإسهال والتيفود والكوليرا قد ثبت أنها كانت نتيجة عوامل بيئية كما أنها ناتجة عن تغيرات في درجة حرارة الجو.
- التأثير المباشر للتغيرات الجوية على انتشار الأمراض المعدية:
تؤثر التغيرات الجوية وظاهرة الاحتباس الحراري على خريطة توزيع الأمراض المعدية في العالم بطرق غير مباشرة أيضاً، فالهجرة من مكان لآخر بسبب التغيرات المناخية قد تتسبب في انتشار الأمراض المعدية، كما أن تهدم البنية التحتية للخدمات الصحية بسبب ارتفاع حرارة الجو والفيضانات والكوارث الطبيعية قد يؤثر أيضاً في ارتفاع حرارة معدلات الإصابة بالأمراض المعدية، كما أنه قابلية الإنسان للعدوى بالأمراض المعدية تتأثر بأمراض سوء التغذية الناتجة عن تأثير الجو على الزراعة كما أن تغير الجهاز المناعي للجسم لمقاومة الأمراض قد يحدث نتيجة تدفق الأشعة فوق البنفسجية بكميات أكبر من الطبيعي.
- الخيارات المتوفرة من أجل تجنب تفاقم الاحتباس الحراري:
يتفق معظم العلماء على أن التكهن الدقيق لحجم الاحتباس الحراري المستقبلي غير ممكناً على الإطلاق، إلا أنه أصبح واضحاً اليوم أن خطر الانبعاثات الغازية الناجمة عن احتراق الوقود الأحفوري يهدد العالم بأسره، وقد نادت الهيئة العالمية للتغيرات المناخية لضرورة خفض نسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي التي وصلت إلى مرة ونصف من المستوى الذي كانت عليه في الجو قبل الثورة الصناعية، إلا أن بعض مؤسسات الطاقة العالمية تتوقع أن تركيز هذا الغاز في الغلاف الجوي سوف يتزايد بحجم 70% بقدوم عام 2030 نتيجة لازدياد الكميات البترولية والفحمية والغازية المحروقة؛ نظراً لازدياد الحاجة العالمية مع تزايد العدد السكاني في العالم.
ويقول العلماء إن التغيرات المناخية والبيئية التي حدثت خلال العقدين الماضيين وخصوصاً خلال السنوات القليلة الماضية لم تشهدها الكرة الأرضية منذ قرون ومنذ آلاف السنين، ويجب علينا أن نكون مدركين أننا في أي وقت قادم قد نصل إلى ظروف بيئية ومناخية سريعة التطور مدمرة وغير قابلة للتراجع والعودة إلى الظروف الطبيعية لأن المعدلات الحرارية العالمية تستمر في الارتفاع.
وإذا لم يتم خفض الانبعاثات الحرارية عالمياً فإن المعدلات الحرارية العالمية قد تتزايد بعشر مرات أسرع من متوسط معدلات تزايدها اعتباراً من نهاية آخر عصر جليدي وحتى أيامنا هذه، وفقاً لتقديرات معظم العلماء.
هذا الواقع الذي لا تستطيع فيه لا الأفراد ولا الدول الصغيرة والكبيرة منفردة التأثير فيه بشكل معقول، يحتاج إلى تعاوناً وتضامناً دولياً كاملاً لإصلاحه، وفي نفس الوقت لو فكرنا ملياً بالأمر لوجدنا أنفسنا جميعاً متهمين، ويمكن لكل منا أينما وُجِدَنا على سطح هذا الكوكب الذي ندمره المساهمة الفعالة في خفض حقيقي لكميات الطاقة المستنفذة غير القابلة للتعويض وكذلك خفض التلوث البيئي قبل أن يُنتَقَم منا بلا رحمة.
الحلول العملية لخفض الطاقة المستنفذة:
- ترشيد استهلاك المياه – إغلاق الصنابير وعدم رش السيارات بالمياه وإتباع التعليمات التي تصدرها الأجهزة الحكومية بهذا الصدد.
- ترشيد استهلاك الكهرباء بتخفيض الإضاءة وغلق المصابيح غير الضرورية وإغلاق الأجهزة التي لا نستخدمها وإتباع التعليمات التي تصدرها الأجهزة الحكومية بهذا الصدد.
- توليد الكهرباء باستخدام الرياح أو الطاقة الشمسية (الطاقة الخضراء).
- استخدام وسائل النقل العام بدلاً من اعتلاء كل منا سيارته العامة أو الخاصة.
- خفض عدد الرحلات والمشاوير غير الضرورية في السيارات والطائرات والقطارات.
- دعا اليابانيون مجتمعهم إلى عدم ارتداء ربطة العنق كي يخفضوا حاجتهم للتكييف في الصيف أثناء العمل.
- تستخدم الشعوب الإسكندنافية الدراجات الهوائية للذهاب إلى العمل والتنزه أيضاً، وحتى وزرائهم يستخدمونها بديلاً عن السيارات.


الدكتور إلياس بطرس

التعليقات

  • nehadnehad مشرف منتدى التغذية و الطب البديل
    تم تعديل 2010/02/27
    نعم وتأبى الدول المتقدمة صناعيا بأن تخفف من الانبعاثات الغازية ---مشكور على هذا الموضوع