الخائف من ظلّه

Dr.AhmadDr.Ahmad مدير عام
تم تعديل 2008/12/16 في مواضيع طبية غير مصنفة
الخائف من ظلّه

بقلم : بشير الجزايري


قاتل الله الذّعر، فانّه اذا استولى على احد سلبه امنه، وحرمه راحته، واقلقه من كلّ شيء، وملأ قلبه شكّاً، حتّى في اخلص الناس له.

وهذا ما عشته انا في ليلة من ليالي الصّيف، فقد وقفت على الفاكهيّ، لأبتاع منه شيئاً، وما كدت اطلب منه ان يزن لي ما اريد، حتى وقعت عيناي على رجل يطيل النّظر اليّ من الجهة الاخرى، فارتبكت من غير ان اعرفه وما خطر لي ان اختلس النّظر اليه لاعرفه.

ونفضت يدي ممّا اردت شراءه، وانسللت من المشترين الذين حسبتم كلّهم ساعتئذ عيوناً للسّلطان الذي انجاني الله من سجنه المشئوم توّاً وانغمست في الظلمة بقدمين خائرتين ما علمت كيف بلغت بهما حافلة مرّت بي اتّفاقاً، وحملتني الى حيث لا ادري، بل لم يدر في خاطري ان اعرف وجهتها، فكلّ همّي هو ان ابتعد عمّا افزعني، واسلم من كيد المتربّحين بي الدّوائر.

وليتك تعلم مذى سروري حين ركبتها وحدي، فقد تيقّنت انّي نجوت ممّا احاط بي من السّوء. واذ سكن روعي عرفت مسير الحافلة، وابتهجت انّه يؤدي الى منزل اخي في حيّ المعلّمين.

ولشدّ خيبتي حين ادمت طرق الباب، ولم اشعر بوجود احد في الدّار التي رأيتها ملجأً وملاذا! فانقلبت خائباً مرتعدا احسب كلّ صيحة عليّ ضارعاً الى الله تعالى ان ينقذني من سوء تلك الليلة الليلاء.

واشتدّت شدّتي حين رأيت الرجل الذي كان يحملق اليّ عند الفاكهيّ يجري نحوي منادياً باسمي مومئاً اليّ ان تريّث لي قليلاً، فازددت هلعاً، والقيت نفسي في الحافلة دون ان اعبأ به، واخبرني السائق وجماعة من الراكبين عنه، فقلت لهم: انّه لواهم خدعه الليل. ودخلت داري وانا بين الحياة والموت من الرّعب تتقاذفني الاوهام وغلّقت الابواب، واطفأت المصابيح، لأوهم جلاوزة الشّرّ بغيابي عنها.

واخذت في ادعية التّوسّل والاستجارة حتى غلبني النّعاس، فرقت او ما رقدت، واذا برنين الجرس وطرق الباب مستدامين، فأيقنت بدنوّ الاجل فالضابط الذي تعقّبني لم يدعني.!

واقنعت والدتي الاّ تفتح الباب عسى ان ييئس وينصرف، وهكذا كان، فحمدنا الله، وامضينا بقيّة الليل بين امواج الفكر المتلاطمة، حتّى استبانا النّعاس من كفّ الارق مقيّدين في زورق رعب يكاد يغرق من غير ريح.

ولو فطنّا الى انّه لو كانوا بصدد اعتقالي، لهجموا علينا، واقتادوني صاغرا لكنّ الذّعر كما قلت لك لا يدع فطنة.

وعندما خرجت صباحاً لقيني حارس الحيّ بباب الثانوية التي ادرّس فيها واوصاني بولده خيراً، وهمس في اذني ضاحكاً ان بورك نوم اهل الكهف يا اخا التوعية. فابتسمت له قائلاً: ماذا تعني؟

وضحك هو وقال: اعني نومكم العجيب الغريب الليلة، فقد طرقنا الباب طرقا وناديناكما طويلاً، فما استيقظتما كأنكما ما كنتما في الدار.

قلت: بل كنّا فيها، لكنّ النّوم اذ استبدّ بتعب ملك عليه حواسّه. أليس هو الموت الاصغر؟

ابتسم الحارس وقال: بلى هو كذلك؟ فقلت له: شغلنا ان نسألكم لماذا طرقتم الباب؟ أ كان لكم حاجة، فنقضيها الان بحول الله؟ فشكرني الرّجل مسروراً، وقال: كلّ ما اردناه هو اعلامكم بانّ ابواب داركم كانت مفتّحة، وهذا مفتاح باب الحديقة، تفضّل.

فملت عليه بقبلة حارّة، وقلت له: رحم الله والديك يا اخي، انت تعلم الوضع جيّدا. فضحك وقال: الحق معك، اجارنا الله جميعا. وضحكت من نفسي، فقد تركت الابواب مفتحة من خوفي وانا احسب اني احكمت اغلاقها.

ولدى عودتي من التّدريس ظهراً قصصت على والدتي تأويل ما ازعجنا البارحة، فضحكنا وحمدنا الله على النجاة من السّوء.

ثم قالت والدتي: لعن الله الشيطان، فقد كاد ينسيني ما هو جدير بالذّكر. قلت مستفهماً: وما ذاك يا امّي؟

قالت: لقد هتف رجل اخبرني انّه صديق قديم لك، وانّه راك اتّفاقاً عند الفاكهيّ وقد غبت عنه قبل ان يتأكّدك ويسلّم عليك. ثمّ اتّفق ان راك ثانية قرب منزله فجرى خلفك منادياً باسمك مؤمناً اليك، لكنّك لم تلتفت اليه، فعاد اسفاً، وتذكّر ان اصدقاءكما الذين مازالوا في غياهب السّجن اعطوه رقم هاتفنا، واوصوه ان يحضّك على قراءة قوله تعالى: " قل لن يصيبنا الاّ ما كتب الله لنا ".

فضحكت وقلت: لله ابوهم ما الطفهم في مداعبة الخائف من ظلّه!

وضحكت امّي ايضاً، وقالت: اولى لك ثمّ اولى... وهذا اسمه وعنوانه.

التعليقات

  • كورن وولكورن وول عضو نشيط
    تم تعديل 2008/06/22
    شكراًً أحمد...

    القصة كتير حلوة.
  • الرجل البخاخالرجل البخاخ عضو ماسي
    تم تعديل 2008/06/22
    شكراً أحمد
  • Dr.AhmadDr.Ahmad مدير عام
    تم تعديل 2008/06/23
    شكرا علي - ياقوت عالمرور

    هالمرة حطيت القصة مع اسم الكاتب مو متل المرة الماضية
  • lujain_91lujain_91 عضو مميز
    تم تعديل 2008/12/16
    شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .