التطور الاجتماعي في حياة الرضيع

وجيهةوجيهة مشرفة منتدى تربية الأطفال
تم تعديل 2011/01/21 في تربية الأطفال
التطور الاجتماعي في حياة الرضيع

د. ضياء الدين أبو الحب
نقصد بالتطور هنا تلك السلسلة المتتابعة من التغيرات ذات النوع المنتظم والمتناسق التي تتجه بالكائن الجديد نحو تحقيق النضج والتكامل في العلاقات الاجتماعية التي تربطه بأفراد المجتمع من حوله سواء أكانوا من صغار السن أو الكبار الذين يتعامل معهم ويستمد منهم العون والطمأنينة والرضا والسرور.
وينمو السلوك الاجتماعي في المراحل الأولى من حياة الرضيع من خلال فعالياته الحركية ورؤيته للآخرين الذين يهشون له ويبشون أو يناغون ويربتون على جسمه أو شفتيه.


وفي حوالي الشهر الثاني من عمره:
يتلهف للإنصات إلى الأصوات التي يستمع إليها، وخاصة صوت أمه، كما انه يبتسم لها عندما تداعبه أو تضاحكه أو تلبي حاجته بإدخال حلمة الثدي إلى فمه لمصها والإحساس بدفء حنانها عليه وتلبية حاجته إلى الرعاية والاهتمام به.
كما انه يشعر الدفء والحنان عندما يرفع أو يقمط أو يربت على كتفه أو عندما تغني له أمه لتنويمه.



ـ ابتداء تكون شخصية الطفل:
يشكل التفاعل الاجتماعي البسيط عند الرضيع اللبنات الأولى لتكوين شخصية الطفل عن طريق استثارته للآخرين بالبكاء والصراخ ممثلاً للاستجابة إليه وتلبية حاجات طعامه والعناية به. وعن طريق هذا التعلم المشترط يتكيف سلوكه نحو الاستجابات الواردة إليه بما يشبع رغباته ويؤمن أمنه وسلامته ويرضى حاجاته.



ومن خلال الشهرين الرابع :
نجده يتحسس بحضور الآخرين من حوله أو سماع أصواتهم وكثيراً ما يهمهم ويستجيب لمداعبتهم بالابتسامة والتنافي وهو راغب في أن ينطلق نحو أي شخص سواء أكان من الأبوين أو الأشخاص الغرباء باستجابات تفاعلية تلقائية على شكل إشارات أو إيماءات يستجيب لها الآخرون وبذلك تقوى عملية الاتصال بينه وبينهم وعن طريق ما يسمى بعملية الاندماج أي انه يندمج بمن يحيطون به ويتعاطف وإياهم في خطواته الأولى نحو تفهم طبيعة البيئة فيها ويتلاءم معها.

ولا غرابة في أن الطفل في حوالي الشهر الخامس:
يبدأ في تميز الوجوه غير المألوفة والغريبة ولذلك فإنه يبدأ بالانفجار باكياً عند محاولة أحد الغرباء حمله أو التقرب إليه، ونلاحظ حدوث مثل هذه الاستجابة نحو الجدين أو الجدتين الذين وإن لم يكونوا غرباء قبل هذه المرحلة بما يكنونه من حب وحنان نحو حفيدهم فإنهم سرعان ما يقابلون بنوع من التمنع عن تقبلهم من جانب الطفل الرضيع .
وقد أوضح العالم النفسي (جزيل) في إحدى دراساته بأن الرغبة في تقبل الغرباء تتناقص من 59% في نهاية الشهر السابع إلى 14% في نهاية الشهر الثاني عشر من حياة الرضيع، أي إن الإقبال على التسامح مع الغرباء الذين يحملون أو يتقربون إليه يصبح شبه معدوم في نهاية السنة الأولى من حياته.


ـ الحاجة إلى التمتع بصحبة الآخرين:
لعل من أولى شرائط الصحة النفسية السليمة للطفل الصغير أن يتعود على صحبة الآخرين ضمن دائرة الأسرة الواحدة أولاً،
ثم توسع دائرة اتصالاته الاجتماعية بالأشخاص الغرباء عنه
، ولكنهم من ضمن المحيط الذي يعيش فيه الطفل كالأقرباء وأطفال الجيران وغيرهم
ليتعود على تقبل الآخرين والتعاون معهم،
وليتواصل معهم لغوياً وحركياً وانفعالياً،
وبذلك يقتدي بأفعالهم المرتضاة ويستفيد
من معاشرتهم بالانطلاق في التعبير عن رغباته
ومشاعره نحوهم وتبادل المصالح المشتركة في العمل والفعاليات الأخرى المثمرة التي تزيد من رصيد خبراته، وزيادة شعوره بأهميته وباستقلاليته ومركزه لديهم وكلما اتسعت دائرة اتصالاته بالآخرين كلما استطاع أن يغير الأدوار التي يقوم بها بحسب المؤثرات الواردة إليه،
والتي تنسجم مع رغباته واهتماماته.
وهنا ينبغي لنا أن نفاضل بين تلك الأجواء العاطفية الودية والحميمة التي يألفها الطفل، وبين تلك الأجواء الأخرى التي يقابل فيها بالخصومة والعدوان أو ربما بالإحباط والحرمان،
حيث تنعكس في ذاته عوامل الشعور بالخفاق والمعاناة مما تترك آثاراً عميقة الجذور في
الشعور بالنقص أو بالقصور النفسي أو الجسدي، أو الشعور بالمنعة بين مَن يستهينون به أو يعيقون تطلعاته فيتحول إلى شخص متهيب أو خجل، ويضطرب عاطفياً فلا تستقيم حياته بشكل هين ومريح. ومن هنا تنشأ عوامل الانحراف والشذوذ، فعلى الأبوين أن يكونا متيقظين لكي لا تلحق بالطفل أضرار هذا السلوك الغريب نتيجة لتعريض أبنائهم إلى بيئات مدمرة ومخربة بشيء إلى ذاتية الطفل وتقلل من تطلعاته وشعوره بالأمن والسلام.
ولعل أفدح تلك العوامل ضرراً إذا أنشأت تلك المصاعب من محيط العائلة إما بسبب غياب أحد الأبوين، أو بسبب إساءة معاملة الطفل لمجرد جهل الأبوين للأساليب المثالية السليمة في تنشئة الطفل أو لتفكك أواصر الأسرة الواحدة.



ـ مظاهر الاتكالية في السلوك الاجتماعي:
تمتاز مرحلة السلوك الاجتماعي المبكر في حياة الطفل بالإتكاليه أي بالاعتماد على سلوك الكبار في أن يبقى دائماً بحاجة إلى معاونة الكبار في حل مشكلاته، وفي تكوين ارتباطاته الاجتماعية، وان أغلب اتصالاته الاجتماعية تظل مع الكبار دون الانهماك مع الأطفال الآخرين من عمره في ألعابهم ومشاركتهم في نشاطاتهم. وقد يكون ذلك ناشئاً في أغلب الأحيان من عدم توفر فرص كافية للطفل في الأسرة في مصاحبة أطفال الآخرين من أخوة وأخوات أو أقارب كما يلاحظ هذا السلوك في الطفل في العائلة، أو في الطفل الذي يمتنع أبواه عن صحبة الأطفال الآخرين إما حماية له أو خوفاً عليه من عدوانهم ومضايقاتهم له.
والعدوانية من مظاهر هذه المرحلة من عمر الأطفال الرضعاء ولذلك ينبغي أن يتخذ لها الأبوان من رعايتهم حيطة دون إلحاق الطفل أضراراً بغيره من الأطفال الأصغر منه سناً.

أو معاناته هذا أيضاً عدواناً من أطفال يكبرونه سناً مما ينتج عن شعور بالضعف والإخفاق والدونية. والمشاجرات الحاصلة بين أولئك الأطفال والناشئة من المنافسة على لعبة أو دمية أدوات اللعبة ليس بغريبة على الأمهات اللاتي لاحظن مثل هذه البوادر الشائعة في سلوك الأطفال الصغار.
وقد تلعب الغيرة من الطفل الجديد في الأسرة أثرها في تنمية هذا السلوك العدواني وتشجيعه ولهذا فلا يصح المرور بهذا السلوك الشاذ والعدواني من غير معالجة اهتمام من جانب الآباء والأمهات.
ويمكن تنمية روح الاستقلالية في الطفل عن طريق منحه الفرص الكافية للعب مع أقرانه ممن هم في سنه والتمتع بالفرص الكافية بممارسة الألعاب المحببة لديه وتهيئة أدوات اللعب الكافية له كي يشعر بأهميته ويثق بنفسه وتربي في نفسيته روح الاعتداد بالذات والتعبير عن نشاطه بصورة حرة، وبانطلاق يعزز شعوره بالأمن والرضا عن أعماله وقدراته.



ـ تنمية الاعتماد على النفس:
أن الأم الحصينة التي تحسن تنشئة طفلها تنشئة اجتماعية جيدة هي التي تتيح لطفلها الفرص الكافية للاعتماد على نفسه في تأدية المهام اليومية الرتيبة في لبس ملابسه وربط حذائه أو لبس جواربه مع التعود على إطعام ذاته وتنسيق لعبه وأدواته كما أنها تساعده على التعود على ملاحظة الأطفال الآخرين وعلى مصاحبتهم أو الاشتراك معهم في لعبهم ولهوهم، وإن كانت ستثار بعض المشاحنات معهم من سحب وجر ودفع وضرب، فإن هذه المظاهر سرعان ما تختفي عندما يحس الطفل انه معرض جرائها إلى معاناته من ضحيته مثلما ألحقها به من أضرار كما ان حقوقه سوف تغمط مثلما أساء هو إلى حقوق غيره ولذلك يتعود على تنقيح سلوكه، خاصة إذا كان الكبار حريصين على بحث الأمور معه بصراحة وهو في مثل تلك السن المبكرة من حياته.
ومن الفوائد المستحسنة للطفل في أن يمارس ألعابه وممارساته الاجتماعية مع كلا النوعين الصغار والكبار من الأطفال، وبذلك سيتعلم كلا الحالتين في أن يكون تابعاً ومتبوعاً في نفس الوقت، وليتعود التسامح مع مَن هم أصغر سناً منه من جهة، وأن يتعد الإذعان والخضوع لمن هم أكبر سناً منه من الأطفال من غير إثارة المشكلات والخصومات.

وعلى الأم أن تتدخل في علاقات الطفل الاجتماعية مع لداته وأقرانه في الساعات الحرجة لكي تمنعه من إساءة معاملة سواه أو تحمله إساءات غيره على أن تسمح له في كل الأوقات في أن يهاجم مشكلاته بنفسه في التعود على الأساليب الاجتماعية، واكتساب الخبرات التي تربطه بسواه بحسب طريقته الخاصة مستفيداً من مؤهلاته الطبيعية كلما وسعه الإمكان ذلك مع مساعدته على اختيار زمرته التي يستأنس بصحبتها وفق هواه وأن يجد المتعة التامة في ممارسة الأنشطة التي يفضلونها بأنفسهم. وكل إنجاز من هذا النوع، إنما هو خطوة إلى الأمام في تطوره الاجتماعي، ولتكن الأم صورة على المحاولات التي يبذلها الطفل في هذا الصدد ريما تؤتي ثمارها بدون تدخل من الكبار، وستجد أن كثيراً من الجوانب السلوكية ستنمو في الطفل خاصة الانفعالية والذهنية واللغوية والحركية مترابطة مع ذلك السلوك الاجتماعي الذي يتطور عند الطفل.


توصيات واقتراحات:
1 ـ أن العلاقات الأسرية السليمة تؤدي إلى شعور الطفل بالسعادة وإلى اكتساب قيم اجتماعية ممتازة تخلق الأمن في نفسية الطفل وتحسن توافقه الاجتماعي في المستقبل.
2 ـ أن الاتجاهات الموجهة في الأسرة نحو بعضهم البعض تؤدي إلى خلق ظروف حسنة لنمو الاتجاهات الطيبة في نفس الطفل وشعوره بالسعادة وعدم اللجوء إلى الأساليب المنحرفة في معاملة الآخرين.
3 ـ أن التعامل مع الطفل بالمحبة والتقبل والرضا ينتج عنه أن ينشأ الطفل وهو محب لغيره من الأفراد وحسن التقبل لهم والثقة بهم.
4 ـ ان الحماية الزائدة للطفل أو تدليله تؤدي إلى عدم نضج الطفل اجتماعياً وإلى عدم استقلاليته، بل يظل معتمداً على سواه من الكبار وهذا ما يقلل من كفاءته في تكوين علاقات اجتماعية ناجحة في مقبل أيامه.
5 ـ أن تسلط الأبوين وسيطرتهما على سلوك الطفل تؤدي به إلى التمرد والاستسلام والخضوع، وربما أدت على شعوره بالنقص وبالترحيب والخجل وربما ألحقت به أضراراً في ناحية المبادأة والجرأة والإقدام أو الإصابة ببعض التردد واللجلجة والتأتأة في تعبيراته الكلامية وغيرها من الأضرار الفادحة الأخرى التي ينبغي عدم التسبب في إلحاقها بالطفل منذ نعومة أظفاره مما له أفدح الأذى في مستقبل أيامه.

التعليقات

  • sondossondos عضو مميز
    تم تعديل 2011/01/20
    الله يعطيكي العافية وجيهة خانم ... موضوع كتير حلو ومهم وعرضك ممتاز معلومات كتير مهم لازم يعرفوها الأم والأب .
  • وجيهةوجيهة مشرفة منتدى تربية الأطفال
    تم تعديل 2011/01/20
    الله يعافي قلبك سوسو
  • Dr.AhmadDr.Ahmad مدير عام
    تم تعديل 2011/01/20
    يسلموا كتير وجيهة و هي مراحل التطور للطفل ضرورية جدا لمعرفة تطور الطفل و امكانياته و ممكن تعطينا فكرة عن نضجه و ذكائه مستقبلا
  • وجيهةوجيهة مشرفة منتدى تربية الأطفال
    تم تعديل 2011/01/21
    الله يسلمك احمد