في دار المسنين جنود مجهولة......

دمعة فرحدمعة فرح عضو مميز
تم تعديل 2010/12/31 في المنتدى العام
ما أقسى الحياة عندما تُديرُ بوجهها عن الإنسان، وعندما تتنكّر له وتمعِن في إتعاسه حتى يصل إلى مرحلة يتمنى فيها أن يُسْرعَ به قطار الحياة ليُغادرها, شاكياً, يائساً من عُـمْرٍ أمضاه ساهراً, حامياً واقفاً فيه كالجنديّ.
نعم قدْ يشعر الإنسان بذلك الشعور بعد أن يَخيبَ أمَـله ليصل إلى مرحلة اليأس والتعاسة, فتغدو حياته سوداوية منزوعة من ترياق الحياة ومتطلباتها الأساسية, يتبوّؤها فقدانه لفلذّة أكباده بعد أنْ عانى الأمرين, من تدنّي قدارته الأساسية في العمل, وفقدانه السند والمعيل.

فالإنسان ينشأ في كنف والديه, تمضي به الأيام و تجري به السنين, يترعرع يوما بعد يوم, تقابله الأحزان, ولـربّما تصادفه الأفراح, وما بين هذا وذاك, هناك جنديان مجهولان في حياته, لا يشعر بهما المرء, يدفعانه دائما للنجاح, عندما يفرح هما يفرحان.. وإذا حزن حتماً يحزنان, جبلهُما الخالق على ذلك, وزرع في قلوبهما العطف والحنان, هما في حياتنا متواجدَيْن كثيراً, لكن للأسف لا نشعرْ بهما دائماً.

فالحكايات كثيرة, والقصص الغريبة أكثر المثيرة للجدل!!
فمرة تجد أختاً تخلّت عن أختها, وحبيباً تخلّى عن حبيبته, ولكن أنْ تجدَ أناساً يتخلون عن والديهم, فهذا أمر مثيرٌ للجدل, بعيداً عن الإنسانية التي غرسها الله سبحانه وتعالى في قلوب البشر.
دار المسنين "العجزة" ظاهرة مثيرة للجدل بصورة واضحة, وتثير استنكار شريحة واسعة من مجتمعنا, فهي شكلاً من أشكال العقوق, لا بلْ هي جريمة أنْ نحرمَ الوالديْن من الوسط الأسري ورعاية الأبناء, وخصوصاً إذا بلغ بهما الكبر حيث يكونان في أمَسِّ الحاجة إلى أبنائهم, فكيف نلقي بهم في يد الأغراب وأولادهم على قيد الحياة؟؟!!

حيث أنّ دار المسنين تحتضن مجموعة كبيرة من العجزة بعد أن ضاقت بهم الأيام وتركهم أبناؤهم من غير معيل ولا أنيس, ويعاملون معاملة جيدة، لهم أوقات للتنزه والترفه، لكن المشكلة التي تواجههم هي الحالة النفسية الصعبة التي يعانون منها جرّاء ترك أولادهم لهم، ولعلّ أهم الأسباب التي توصَّل إليها علماء النفس، التي تدفع الأبناء ممن اختلّت عندهم موازين الرحمة إلى هذا العمل الشنيع هي التربية المنفلتة والأسر المفكَّكة والمشاكل التي تغزو حياتهم تؤثر تأثيراً مباشرا في هذه النفس وتجعلها قاسية وصلبة فتتراكم هذه السلبيات وتتحول إلى كُره وأنانية ونرجسية كبيرة فتتغلَّب المصلحة الشخصية على مصلحة الكلْ، فيُفضِّل الولد زوجته على أُ مه، وتوحي له نفسه بأنّ هذا شيء عادي. وللأسف إذا وصل الإنسان إلى هذه المرحلة فعلاجه صعب جداً ويكاد يكون مستحيلا.

و من الأسباب أيضا، عدم مراعاة مبادئ وأُسسْ صحيحة في التربية كالتدليل والإسراف في العطاء، والثقة العمياء بالأولاد وتسليمهم كل ما يملكون من أموال، وتنفيذ رغباتهم ومُتطلَّباتهم الزائدة.
و بعض المسنين يفضِّلون العيش في الدّار هروباً من زوجة الابن التي لا تطيق وجود المُسن معها في البيت، و أسباب أخرى قد تجعلهم يشعرون بارتياح واطمئنان في الدّار، حيث تُقدِّم لهم إقامة لائقة بهم من مأكل وملبس بالإضافة إلى تقديم كافّة أوجه الرعاية الاجتماعية والنفسية و الصحيّة و الترفيهية، فيُشعرَهم ذلك بإنسانيّــتهم و يُتيح لهم التوافق النفسي و التكيــُّف الاجتماعي

ومهما كــثـُرت الأسباب حول هذه الظاهرة فهي ليستْ مُبرِّراً لعقوقهما والتخلّي عن رعايتهما، فللوالديْن مقاماً وشأناً مُقدَّسا يعجز الإنسان عن إدراكه، ومهما جهد القلم في إحصاء فضلهما فإنه يبقى قاصراً و منحسراً عن تصوير فضلهما وحقّهُما على الأبناء، وكيف لا يكون ذلك ؟! فهما ديْمومة الحياة، وهما سبب وجودهم وعماد حياتهم وركن البقاء لهم، بعد الله سبحانه وتعالى.
والإسلام أوجب لهما حقوقاً على الأبناء لم يوجبها لأحدٍ على أحدٍ إطلاقاً، حتى أنَّ الله تعالى قرنَ طاعتهما والإحسان إليْهما بعبادته بشكل مباشر في مواضع عديدة من القران الكريم.

وخلاصة القول، أنَّ الوالديْن جنديان مجهولان، لا يُعْرف قدْرهما عند البعض إلاَّ بعد رحيلهما، فهذه الدّيار تحتضن جنوداً مجهولة، أنجبتْ و سهرتْ وتعِبتْ، وكانت الشموع التي تحترق من أجل إسعاد فلذات أكبادها، حتى لعبتْ بها السنين، وتُرِكَتْ وحيدة مقهورة منْ غير معيلٍ ولا أنيس، ولم تجد ملجأ ً سوى دار المسنين.
و الأفظعْ أنَّ هناك منْ يترك والده أو والدته في تلك الدّار، ولا يـُـكلــِّـفْ خاطره بالسؤال عنهما أو الاتصال بهما، وتكون الفرصة الأخيرة التي ممكن أنْ تجمعهم بأولادهم هي عندما تبلغهم الدار بوفاة الوالد أو الوالدة، وعليه الحضور لاستلام الجثة لدفنها !!.

وتذكــَّروا، أنَّ في قديم الــزمان، في زمن الرَّسول – صلى الله عليه وسلم – والسَّــلف الصالح، لمْ يـكن هنالك " دار للمسنين " بلْ كانَ هناك منْ يحمل أُمـَّــه من خراسان إلى مكة لأداء الحج !!.
فهذه دعوة لكل عاق، لكل من جعل بيْنه وبيْنَ البرّ بوناً شاسعاً، بمُحاسبة نفسه قبل فوات الأوان فهؤلاء العجزة هم السّابقون.. وغداً أنتم بهم لاحقون.
منقول
www.dp-news.com

التعليقات

  • Ph.SamaPh.Sama مشرفة منتدى تطوير الذات و NLP
    تم تعديل 2010/12/31
    مشكورة دمعة فرح
    اللهم لا تجعلنا عاقين لآبائنا و ارحمنا و ارحمهم و اغفر لنا أجمعين
  • Dr.AhmadDr.Ahmad مدير عام
    تم تعديل 2010/12/31
    دمعة فرح ... طرحتي موضوع مؤسف كتير ... الناس اللي بيودوا اهلن ع دور العجزة هدول مافين قلوب بشر أبدا !!!