خمس رسائل إلى أمي

[align=center]
خمس رسائل إلى أمي




صباحُ الخيرِ يا حلوه..

صباحُ الخيرِ يا قدّيستي الحلوه

مضى عامانِ يا أمّي

على الولدِ الذي أبحر

برحلتهِ الخرافيّه

وخبّأَ في حقائبهِ

صباحَ بلادهِ الأخضر

وأنجمَها، وأنهُرها، وكلَّ شقيقها الأحمر

وخبّأ في ملابسهِ

طرابيناً منَ النعناعِ والزعتر

وليلكةً دمشقية..



أنا وحدي..

دخانُ سجائري يضجر

ومنّي مقعدي يضجر

وأحزاني عصافيرٌ..

تفتّشُ –بعدُ- عن بيدر

عرفتُ نساءَ أوروبا..

عرفتُ عواطفَ الإسمنتِ والخشبِ

عرفتُ حضارةَ التعبِ..

وطفتُ الهندَ، طفتُ السندَ، طفتُ العالمَ الأصفر

ولم أعثر..

على امرأةٍ تمشّطُ شعريَ الأشقر

وتحملُ في حقيبتها..

إليَّ عرائسَ السكّر

وتكسوني إذا أعرى

وتنشُلني إذا أعثَر

أيا أمي..

أيا أمي..

أنا الولدُ الذي أبحر

ولا زالت بخاطرهِ

تعيشُ عروسةُ السكّر

فكيفَ.. فكيفَ يا أمي

غدوتُ أباً..

ولم أكبر؟



صباحُ الخيرِ من مدريدَ

ما أخبارها الفلّة؟

بها أوصيكِ يا أمّاهُ..

تلكَ الطفلةُ الطفله

فقد كانت أحبَّ حبيبةٍ لأبي..

يدلّلها كطفلتهِ

ويدعوها إلى فنجانِ قهوتهِ

ويسقيها..

ويطعمها..

ويغمرها برحمتهِ..



.. وماتَ أبي

ولا زالت تعيشُ بحلمِ عودتهِ

وتبحثُ عنهُ في أرجاءِ غرفتهِ

وتسألُ عن عباءتهِ..

وتسألُ عن جريدتهِ..

وتسألُ –حينَ يأتي الصيفُ-

عن فيروزِ عينيه..

لتنثرَ فوقَ كفّيهِ..

دنانيراً منَ الذهبِ..



سلاماتٌ..

سلاماتٌ..

إلى بيتٍ سقانا الحبَّ والرحمة

إلى أزهاركِ البيضاءِ.. فرحةِ "ساحةِ النجمة"

إلى تحتي..

إلى كتبي..

إلى أطفالِ حارتنا..

وحيطانٍ ملأناها..

بفوضى من كتابتنا..

إلى قططٍ كسولاتٍ

تنامُ على مشارقنا

وليلكةٍ معرشةٍ

على شبّاكِ جارتنا

مضى عامانِ.. يا أمي

ووجهُ دمشقَ،

عصفورٌ يخربشُ في جوانحنا

يعضُّ على ستائرنا..

وينقرنا..

برفقٍ من أصابعنا..



مضى عامانِ يا أمي

وليلُ دمشقَ

فلُّ دمشقَ

دورُ دمشقَ

تسكنُ في خواطرنا

مآذنها.. تضيءُ على مراكبنا

كأنَّ مآذنَ الأمويِّ..

قد زُرعت بداخلنا..

كأنَّ مشاتلَ التفاحِ..

تعبقُ في ضمائرنا

كأنَّ الضوءَ، والأحجارَ

جاءت كلّها معنا..



أتى أيلولُ يا أماهُ..

وجاء الحزنُ يحملُ لي هداياهُ

ويتركُ عندَ نافذتي

مدامعهُ وشكواهُ

أتى أيلولُ.. أينَ دمشقُ؟

أينَ أبي وعيناهُ

وأينَ حريرُ نظرتهِ؟

وأينَ عبيرُ قهوتهِ؟

سقى الرحمنُ مثواهُ..

وأينَ رحابُ منزلنا الكبيرِ..

وأين نُعماه؟

وأينَ مدارجُ الشمشيرِ..

تضحكُ في زواياهُ

وأينَ طفولتي فيهِ؟

أجرجرُ ذيلَ قطّتهِ

وآكلُ من عريشتهِ

وأقطفُ من بنفشاهُ



دمشقُ، دمشقُ..

يا شعراً

على حدقاتِ أعيننا كتبناهُ

ويا طفلاً جميلاً..

من ضفائرنا صلبناهُ

جثونا عند ركبتهِ..

وذبنا في محبّتهِ

إلى أن في محبتنا قتلناهُ...





نزار قباني
[/align]

التعليقات

  • تم تعديل 2009/09/09
    دمشقُ، دمشقُ..

    يا شعراً

    على حدقاتِ أعيننا كتبناهُ

    ويا طفلاً جميلاً..

    من ضفائرنا صلبناهُ

    جثونا عند ركبتهِ..

    وذبنا في محبّتهِ

    إلى أن في محبتنا قتلناهُ...

    اختيار رااااائع دكتور
    والله يخليلنا الشام لأنها عنجد غير شكل
  • تم تعديل 2009/09/10
    مشكور اخي فعلا روعة
    ابدعت الاختيار
  • تم تعديل 2009/09/10
    الله يسامحك يا عمار بس لو تعرف........... هادا الشعر أنا كاتبو بس سرقوا مني نزار..... يلا سيدي الله يسامحو

    مشكور أحلى أب طه كلام أكثر من رائع
  • محمد حلبيةمحمد حلبية عضو ماسي
    تم تعديل 2009/09/11
    شكرا whisper - عاشقة العلوم - m.n.h على مروركن و دوما نزار بيعرف كيف يضيغ كلماتو متل ما بقولوا يبقى نزار العازف الأول لكلماتو على ألحان مشاعرنا ..... شكرا للجميع على المرور لكم مني اجمل تحية
  • تم تعديل 2009/09/12
    عمار شهادتي بروعة اختياراتك ومشاركاتك مجروحة ....تسلم ايديك
  • تم تعديل 2009/09/12
    اختيار موفق
    بس بصراحة فتت بالحيط انا يا دكتور
    قصدته امه دمشق ولا والدته؟
    اذا دمشق فهيي ما بعرف ليش الها زاوية مرتبة بقلوبنا نحنا الشوام
    خصوصي بالليل بتكون غير شكل
  • محمد حلبيةمحمد حلبية عضو ماسي
    تم تعديل 2009/09/12
    شكرا ريمي على كلامك هاد من زوقك و دائمل تخجليني بردودك ....لك مني أجمل تحية

    بانادول شكراإلك على المرور تورتي و زدتيني شرف بكلماتك و تزار قصدو إمو و الله يخليلتا إمهاتنا و أكيد كل ما رخ نلاقي صدر أحن علينا من إمهاتنا و لكت حتى هالشي تبقى دمشق إلها معزة خاصةبقلوبنا و أجمل تحية من حماة مدينة أبو الفداء إلى دمشق و كل أهلنا فيها ......
    هَذي دِمَشْقُ.. وهَذي الكَأْسُ والـرَّاحُ
    إنّي أحبُّ... وبَعْـضُ الحُـبِّ ذَبَّـاحُ
    أنا الدمَشْـقِيُّ .. لَوْ شَرَّحْتُمُ جَسَـدِي
    لَسَـالَ مِنْـهُ عَنَـاقِيـدٌ.. وَتُـفَّـاحُ
    وَلَـوْ فَتَحْـتُمْ شَـرَايينِي بِمِدْيَـتِكُـمْ
    سَـمِعْتُمُ فِي دَمِي أَصْوَاتَ مَنْ رَاحُوا
    زِرَاعَةُ القَلْبِ تَشْفِي بَعْضَ مَنْ عَشِقُوا
    وَمَا لِقَلْبِي ـ إذا أحْبَبْـتُ ـ جَـرَّاحُ
    مَـآذِنُ الشَّـامِ تَبْكِـي إِذْ تُـعَانِقُـنِي
    وَ لِلمَـآذِنِ .. كَالأشْـجَـارِ.. أَرْوَاحُ
    لليَاسَمِـينِ حُقُـوقٌ في مَـنَازِلِنَـا...
    وَقِطَّةُ البَيْـتِ تَغْفُـو حَيْـثُ تَرْتَـاحُ
    طَاحُونَةُ البُنِّ جزْءٌ مِـنْ طُفُـولَتِنـا
    فَكَيْفَ أَنْسَـى ؟ وَعِطْـرُ الهَيْلِ فَوَّاحُ
    خَمْسُونَ عَامَاً .. وَأَجْـزَائِي مُبَعْثَرَةٌ..
    فَوْقَ المُحِيطِ .. وَمَا في الأُفْقِ مِصْبَاحُ
    تَقَاذَفَـتْنِي بِـحَـارٌ لا ضِفَـافَ لَهَا..
    وَطَارَدَتْنِـي شَيَـاطِـينٌ وَأَشْـبَـاحُ
    هُنا جُذُورِي.. هُنا قَلْبِي .. هُنا لُغَـتِي
    فَكَيفَ أُوضِحُ؟ هَلْ فِي العِشْقِ إيضَاحُ؟

  • تم تعديل 2009/09/13
    تسلم يا د. عمار
    ويسلم ترابك ياشام