الفرضية المقترحة لحل إشكالية النوم الحالــم

ريمريم عضو جديد
الفرضية المقترحة لحل إشكالية النوم الحالــم


1ـ مـقــــدمـة:

إن أهم ما تميزت به جل معطيات عصرنا الراهن هي امتلاك العلم الحديث الإمكانية الكافية للولوج في معظم ميادين المعرفة البشرية، ففتح بذلك كثيرا من الأبواب الموصدة أمام العقل البشري. بيد أن باب النوم والأحلام قد بقي موصدا، حتى فترة قريبة، حيث بدأ العلماء يتلمسون طريقهم في متاهات هذا العلم الغامض، والذي لازال بكرا،وبحاجة الى مزيد من الكشف والإستقصاء.
والعلم المعاصر ، بطبيعته، يستحوذ على مفاتيح مشكلات المعرفة وميادينها، ساعيا الى إقصاء الخبرات الأخرى، كالمعرفة الدينية، ليبؤها في مقام الأساطير عندما يمتلك مفتاحا لباب موصد من أبوابها. غير أن الوقفة النقدية أمام الإجابات التي طرحها العلم الحديث لحل المشكلات المعرفية لدائرة النوم والأحلام تؤشر نحو ضرورة اشعال الأضواء الحمراء على درب الإتجاهات التفسيرية لهذه الظواهر، لكي لايعتبرها الباحث المبتدئ، أو القارئ العادي ـ الذي لايمتلك القدرة المتبصرة على نقد مناهج العلم الحديث وأدواته ـ فيتوهم بأن هذه الإجابات هي التفسير الوحيد، والأكثر قبولا لظاهرتي النوم والأحلام، فيشرع بإلصاق تهمة القصور ببقية التفسيرات المطروحة، بحجة مجانبتها للموضوعية العلمية، والدقة الصارمة للعلم، فيسارع الى إلحاقها بدائرة الأساطير والخيالات الكاذبة للفكر البدائي.
إن المعرفة الدينية لازالت تمتلك خطابا، وتأويلا معرفيا للظواهر الكونية، لم يتلق العلم المعاصر منه كل شيئ، ومازالت تمتلك من الأسرار، والكلمات، والتأويل، ما لم تبح به بعد. إذن لازال الخطاب الديني قادرا على الكلام،والبوح بأسرار ثرية لمن ينقب بين ثناياه برفق، من أجل هذا أضحت عملية تأويله، ضرورة ينبغي أن تتكئ الى محاولة بناء عقلانية جديدة، تستثمر الخطاب الإلهي، والسنة النبوية الصحيحة، اللذان تكفل الله تعالى بحفظهما بعيدا عن ساحة التحريف والباطل، حيث تتجاوز المعرفة الإلهية مناهج البحث البشرية التي يلتصق ببشرتها الخطأ والقصور.
سنطرق قي هذه الوقفة النقدية على باب محورين أساسيين، في ميدان النوم والأحلام (الأول):حقيقة المراحل التي يمر بها النائم، و(الثاني): بيان مصدر الأحلام لغرض ازالة اشكالية تفسير النوم الحالم لما يكتنفه من غموض وإبهام عندما يحاول تفسيره العاملون في مضمار علم النفس. من أجل هذا سنعمد الى تبني منهجا مقارنا بين ما فاله العلم المعاصر بلغة المختبرات والأرقام، وما بحمله الخطاب الديني من إجابات توفر تربة ملائمة لنمو فرضيات أكثر نضوجا تبرر هذه الظواهر بلغة علمية رصينة.

2 ـ مناهج البحـث العـلمي المعاصــر:


لعلم المعاصر غايتان أساسيتان، (الأولى) غاية تكمن وراء جميع أوجه الجهد، والفاعلية البشرية لتسجيل الوقائع، وتشكيل النظريات لتفسير المشاهدات، والتكهن بها، و(الثانية) ثمرة الغاية الأولى، وهي استثمار المعرفة النظرية لتمكين الإنسان من السيطرة على مفردات الطبيعة، وتطويعها بما يخدم أغراضه (1 ).
والإستقراء يقود العقل الى تعليل الحقائق المشاهدة وصولا الى قانون، أو مبدأ، أو قضية كلية تحكم الجزئيات التي تخضع الى ادراكنا الحسي. وبفضل هذه القوانين نسعى الى العثور على طريقنا خلال تيه الوقائع الملاحظة، والى تنظيم، وفهم عالم انطباعاتنا الحسية، عن طريق صياغة تركيباتنا النظرية لتفسير الواقع، وإلقاء الضوء على انسجامه الباطني (2 ) .
تتألف عملية الإستقراء من ثلاثة محاور أساسية، تشمل الملاحظة والتجربة، ووضع الفروض، ثم البرهنة على صحة هذه الفروض وموضوعيتها. إن عصب المنهج التجريبي، هو الفرض، لأنه هو الذي يدعو الى التجريب، فالفرض هو البذرة، والمنهج هو التربة التي تزودها بالأحوال الملائمة لنموها وازدهارها، واعطاء خير الثمرات وفقا لطبيعتها.
والتجربة عبارة عن ملاحظة دقيقة للظاهرة، بعد تعديلها تعديلا محسوبا بعناية عن طريق التدخل في صنع بعض الظروف بما ينتج الحادثة، أو الظاهرة في بيئة تساعد على التحقق من صدق فرض طرأ على عقولنا. قال كلود برنار (1813 ـ 1878 م) في كتابه "المدخل الى الطب التجريبي":ينبغي بالضرورة أن نقوم بالتجريب، مع وجود فكرة متكونة من قبل. وعقل صاحب التجريب ينبغي أن يكون فعالا، أعني أنه ينبغي أن يستجوب الطبيعة، ويوجه إليها الأسئلة في كل اتجاه، وفقا لمختلف الفروض التي ترد عليه( 3 ).
من هنا يبدو واضحا بأن التجربة ليست سوى جهد مستبصر للباحث، يربط فيه الملاحظة بفرض يفسرها، لكي يعود ثانية فيغير من ظروفها بما يخدم الفرض في تبريره للواقعة المشاهدة في قانون عام.
وأما الفرض في معناه العام جدا، فهو تخمين عام، أو اقتراح من نتاج خلق خيال الباحث Creation of Imagination الذي يطرحه لتفسير علة واقعة، أو مجموعة من الظواهر التي سبقت ملاحظتها وتجربتها، أو هو اقتراح مؤقت يهدف الى فهم وتفسير الوقائع المشاهدة والمجربة قبل أن تصير هذه الوقائع دليلا عليه، وبرهانا على صدقه(4 ) .
لذا فنحن حين نضع فرضا، إنما نقترح علة من مجموعة علل إفتراضية، تكون الظواهر، أو الأشياء الملاحظة، أو موضوعات التجربة معلولات لها وآثارا. وبذلك فإن الفرض العلمي يثير تجاربا وملاحظات، يمكن الوصول منها الى القانون، فالنظرية التي تفيد في تقديم تفسير، أو عدة تفسيرات تحيل الوقائع المبعثرة الى وقائع مفسرة في اطار بناء فكري متناسق.
وخلاصة الكلام عن العلم المعاصر، بأنه عملية استثمار ملاحظة منهجية، يقوم بها الباحث بصبر وأناة، لاقتراح تبرير يعلل حدوثها، بفرض يعاد اختباره في تجربة تحكم صياغة ظروفها، لكي تدرج في قانون عام يفسرها، لأن قوام كل معرفة علمية هو التعميم في قانون كلي، ولأنه بدون التعميم فإن عملية التنبؤ تغدو شبه مستحيلة(5 ).

3 ـ مفاتيح أبواب النوم والأحلام في ميزان العلم المعاصر:


إن الإنسان، منذ كان، قد التصقت ببشرته الأحلام، فمانت نافذة يطل من خلالها على عوالم جديدة، تصيبه بالدهشة تجاه ما يتلمس فيها، وما تحمله في طياتها من نبوءات المستقبل المجهول.
واذا استبعدناالفكر البدائي الأسطوري، نجد بأن ما طرح على طاولة تفسير عالم النوم والأحلام قد انقسم الى مدرستين أساسيتين:
(المدرسة الأولى): تمثل تيار الأديان السماوية لتي تعتبر الأحلام لديها منحة الهية للبشر من الخالق عزوجل، تحمل بين جنباتها النذارة والبشارة.
(المدرسة الثانية): وتنتشر على مساحة واسعة زمنيا وموضوعيا، كانت بداياتها منذ زمن أرسطو عندما ألقى الضوء على مصادر الحلم في رسائله الأولى، فكان الحلم موضوعا في دائرة الفلسفة، ثم تلقفه علماء النفس فصار جزءا من علمهم البكر، وأخيرا بات يدرس على ضوء النظريات البايويلوجية في المختبرات. وقد انصبغ كل تفسير من تفاسير هذه المدرسة بالروح العلمية للعصر الذي ظهر فيه، مع ظهور تفسيرات جديدة تحاول البرهنة على تهافت سابقاتها، حتى استقر الحلم أخيرا في أحضان المنظور البايولوجي الذي بز بقية النظريات في اكتشافاته، إلا أن هذا لم يلغ بقية التيارات التي لازالت تضع الفروض، وتصيغ النظريات.
لقد كان ولوج الأحلام في دائرة المنظور البايولوجي مصادفة غير مقصودة، وقد حدث ذلك نتيجة ملاحظة ظاهرة فيزيولوجية أثناء دراسات اختبارية لظاهرة النوم وليس الأحلام، ففي عام (1853) لاحظ الباحثان ـ في موضوع النوم‏ـ "أزرينسكي وكلايتمان"(6) ظاهرة حركة العين السريعة Rapid Eye Movement -REM- فامتد بحثهما من هذه الظاهرة لحركة العينين المصاحبة للأحلام ليشمل محاولة اكتشاف ظواهر أخرى تصاحب الأحلام، سوء أكانت هذه الظواهر يمكن مراقبتها عيانيا، أو باطنة يمكن تسجيلها بوسائط الرصد والقياس.
كذلك كان لدراسة حركة الدماغ الكهربائية،أثناء النوم، قضلا كبيرا في القاء الضوء على فترات النوم الحالمة، مؤيدا الاكتشاف الأول لحركة العين السريعة (REM) وبذلك أضحت هاتين الظاهرتين، في عصرنا الحالي، الدليل العلمي القاطع على وجود فترات محددة أثناء النوم، والتي تقترن بالأحلام.

3 ـ 1 ـ مراتب النوم :

بات تخطيط حركة الدماغ الكهربائية، وحركة العين السريعة للنائم دليلا على وجود مرتبتين للنوم هما:
أ. النوم غير الحالم Synchronized Sleep
ب. النوم الحالم Paradoxical Sleep


تشكل مرتبة النوم غير الحالم الفترات الأطول زمنا من النوم، وهي في مجموعها تشغل حوالي أكثر من نصف زما ن النوم بأجمعه. أظهرت البحوث في المختبرات بأن فترة النوم غير الحالم تتوالى مع فترات النوم الحالم ، بصورة دورية رتيبة، ويتكرر ذلك من 4 الى 6 دورات في نوم الليلة الواحدة كدالة لفترة النوم. وقد لوحظ بأن النشاطات الفيزيولوجية في هذه المرحلة أما تقل عما كانت عليه أثناء فترة النوم الحالم، أو انها قد تنعدم ، مثل حركة العينين السريعة، ونشاط عضلات الأذن الوسطى، وارتعاش عضلات الوجه والأطراف.
أما مرتبة النوم الحالم فتتألف من الفترات الزمنية التي تحدث فيها الأحلام ، قد سميت هذه الفترات بالنوم الحالم بناء على نتائج الأبحاث التي أجريت على النائمين، والتي أظهرت بأن افاقة الفرد من نومه خلال فترات ذات خصائص فيزيولوجية مميزة بأنه كان يحلم في معظم الحالات. ليست الأحلام العنصر الوحيد الذي يسود الفترات الحالمة، فهناك نشاطات أخرى تحدث خلالها، وهي نشاطات أما فريدة ومميزة لها دون غيرها من فترات النوم غير الحالم، أو أنها تنشط بصورة أكثر وضوحا خلال فترة الحلم. ويمكن اجمال أهم الفعاليات التي تتزامن مع هذه المرحلة : بالأحلام، وحركة العينين السريعة، وحركة الدماغ الكهربائية، وحركة عضلات الأذن الوسطى، وشدة التوتر العضلي، والانفعالات الجسمية.


4 ـ العقبات المعرفية أمام تفسير النوم الحالم:


رغم تطور تقنيات مختبرات العلم المعاصر المخصصة لدراسة ماهية الأحلام ومواردها في تربة النوم الحالم، إلا أنه لازالت هناك الكثير من الظواهر تستغلق على الفهم، وبحاجة الى تبرير. وسنحاول أن نلخص هذه العقبات بما يلي:

1 .توفر الإمكانيات التقنية لرصد جميع ظواهر فترة النوم الحالم، سواء كانت ظواهر بايولوجية،أو خلوية، أو سلوكية، ما عدا الأحلام،التي لايمكن فصلها عن غيرها من الظواهر البايولوجية المصاحبة لها. لذا لازال متعذرا على الباحثين اقامة الدليل القاطع على هدف كل ظاهرة من ظواهر النوم الحالمة على حدة، أو على البرهنة فيما اذا كانت هذه الظواهر البايولوجية ضرورية لحدوث الأحلام، أو على العكس بأن تجلابة الأحلام هي ضرورة لازمة لقيام هذه الظواهر المتزامنة معها ؟.
2 .خلال فترة النوم الحالمة، فان الحركة الدماغية تبدو أقرب ما تكون للحركة الدماغية أثناء اليقظة، وهي عادة مزيج من حركات ألفا الطبيعية، ومن حركات بيتا البطيئة نسبيا. ولهذا تعتبر هذه الفترات حالات من النوم غير العميق، وهو اكتشاف يتعارض مع ما كان يظن سابقا من أن الأحلام تحدث في أعمق درجات النوم، بينما تتسم الأخيرة بحركات دماغية بطيئة، مع خلوها من الأحلام.
3 .عند قياس درجة التوتر العضلي عند النوم، وقف الباحثون على حقيقة تناقص هذا التوتر بشكل ملحوظ أثناء فترات النوم الحالم، مع تزامن هذه الظاهرة مع كل من : حركة العين السريعة، الحركة الكهربائية للدماغ، حركات الأذن الوسطى، كما تبين بأن الإرتخاء العضلي هو أكثر درجات الإرتخاء شدة بالمقارنة مع ما يحدث أثناء النوم غير الحالم ، أو أثناء اليقظة، أي بمعنى آخر هناك تناقض في المفاهيم: فالنوم الحالم هو أكثر درجات النوم سطحية وقربا لحالة اليقظة، بينما هو في نفس الوقت أكثر درجات النوم من حيث الإرتخاء العضلي !. من أجل هذا أطلق عليه اصطلاح النوم المفارق Paradoxical Sleep
4 .تحدث في فترة النوم الحالم، زيادة ملحوظة في نشاط الجهاز العصبي الذاتي، مقترنة مع زيادة مماثلة في افرازات الغدة الكظرية (الأدرينال)، وهو تغيير لامثيل له في حالات النوم غير الحالم، أو حالات اليقظة(7)
5 .حالة الوعي تكون مفقودة أثناء النوم غير الحالم، أما أثناء النوم الحالم، فان الفرد يكون في حالة وعي، فهو يراقب الأشياء، ويشارك فيها، ويظهر الانفعالات العاطفية، وكل ذلك بدون حراك في جسمه أو أطرافه(8).
6 .وجود ارتفاع ملحوظ في معدلات: سرعتي النبض والتنفس، ضغط الدم، نسبة استهلاك الأوكسجين، درجة حرارة الجسم والدماغ، وكمية سيلان الدم في القشرة الدماغية.
7 .حصول ارتفاع في عتبة الافاقة من النوم، أي أن النائم لا يستيقظ من رقاده إلا بصعوبة كبيرة عند المقارنة مع استيقاظه من النوم غير الحالم، رغم أن الحركة الدماغية تكون أقرب الى حالتها أثناء اليقظة !.
وقد عبر الدكتور علي كمال عن المفارقة التي وقع فيها علماء النوم والأحلام لتبرير ما ذكرناه أعلاه من ظواهر متناقضة خير تعبير في أبوابه الموصدة(8) فقال:وهنالك عدة اجتهادات لتفسير هذه المفارقات، والتي تجمع في آن واحد بين دلائل سطحية النوم ودلائل عمقه، ومن هذه التفاسير هي أن النوم الحالم هو أقل عمقا، أما صعوبة افاقة الحالم منم نومه، فانها لا ترد الى عمق نومه، أو الى ارتفاع عقبة تحسسه بالاثارات الخارجية، وانما لأنه لا يستوعب هذه الاثارات في أحلامه، ويدمجها بمحتوى أحلامه بصورة أو بأخرى. أما لماذا يكون التراخي العضلي في أقصى درجاته أثناء النوم الحالم، والذي له أن يدلل منطقيا على عمق النوم، فان تفسيره لازال ممتنعا، وهناك من يرى في هذه الظاهرة أثناء النوم الحالم بأنها وسيلة للمحافظة علةى الطاقة، بينما يرى آخرون بأنها من مخلفات نمو وتطور الكائنات الحية، والتي كانت تحس بأمان أعظم اذا ما ظلت بدون حراك أثناء نومها؟.
اذن نخلص مما تقدم بأن العلم المعاصر، رغم تقنياته التي فرضت وجوده على ساحة التبرير الموضوعي للظواهر، يفتقر في بعض الجوانب الى فروض مقبولة لتعليلها، وان صياغاتنا للقوانين، لايمكن أن تعلن استخراجها كعنصر من الأشياء، بل هي تركيب عقلاني، وهي رمز ونتاج لاستعدادنا لتبديل الزوايا التي ننظر منها الى الثبات في العالم(10). وعليه فان دراسة الظواهر المصاحبة لظاهرة النوم الحالم ، في مختبرات العلم المعاصر، لا تعني فهم أسراره الباطنة بل القاء الضوء على البيئة التي يبزغ من بين جنباتها الحلم، وشتان بين الاثنين !.



تتمة فيما بعد ................

التعليقات

  • dr.joandr.joan عضو ماسي
    تم تعديل 2008/05/28
    موضوع مهم

    شكراً خالد بإنتظار التتمة