ذلل لولدك صعوبات التعلم ..

ميرةميرة المشرفة العامة
تم تعديل 2011/09/30 في تربية الأطفال

ذلل لولدك صعوبات التعلم


د. سمير يونس

4585.imgcache

في أثناء تطبيقي إحدى التجارب العلمية التربوية في أحد بحوثي العلمية كنت أستهدف دراسة أسباب التأخر الدراسي لدى تلاميذ وتلميذات المرحلة الإعدادية (المتوسطة) بمصر.. تشخيصاً وعلاجاً.. وكانت من بين التلميذات المتأخرات دراسياً وقرائياً تلميذة انخفض متوسط معدلها الدراسي ولم يتجاوز 30 % في جميع المقررات الدراسية، فقررت أن أهتم اهتماماً خاصاً بهذه التلميذة، كدراسة حالة لما لمسته من ذكاء وقدرات كامنة لديها.

وأحسب أن الله تعالى وفقني في علاج التأخر الدراسي لهذه التلميذة، وأكرمني بها حيث صارت في ذاك العام من بين العشر تلميذات الأوليات في هذه المدرسة عام 1994م! وأذكر أنني عندما طبقت عليها اختبار الذكاء - وهو أول إجراء يقوم به من يعالج المتأخرين قرائياً، ولا وجود له في مدارسنا للأسف الشديد - تأكدت ساعتها أن هذه التلميذة مرتفعة الذكاء، وكان أهم أسباب تأخرها دراسياً مشكلة اجتماعية أسرية فلما وفقني الله في حلها.. صارت التلميذة في صدارة الفائقات دراسيا!!

4585.imgcache

علمتني هذه التجربة عملياً وعلمياً أن تذليلنا صعوبات التعلم لأولادنا أمر في غاية الأهمية، خاصة إذا علمنا أن أكثر من 65 % من أولادنا في مدارسنا متأخرون دراسياً، وهذا ما أكدته دراستي هذه التي أتحدث عنها، وغيرها من الدراسات العلمية التربوية المتعددة والمتواترة، وهذا يشير إلى حجم الهدر التربوي الحادث في مخرجات نظامنا التعليمي، وسل المعلمين والآباء والأمهات عن ذلك إن كنت لا تدري، فسيجيبونك بأن أكثر التلاميذ ربما يصلون إلى نهاية المرحلة المتوسطة وهم لا يستطيعون القراءة والكتابة!! وهذا أمر يدق ناقوس الخطر، وينذر بكارثة تربوية، ويهيب بنا بأن ننهض بأولادنا ومعلميهم ومدارسنا ومجتمعاتنا وأوطاننا وأمتنا.

وللآباء والأمهات دور مهم في علاج التأخر الدراسي ومساعدة الأولاد على التفوق الدراسي، ومن ثم فمن المفيد أن أسجل هنا بعض الوصايا والنصائح للوالدين في هذا المجال.

4585.imgcache

نصائح على درب التعلم:


أولاً- اقترب من ولدك: فتقوية العلاقة بين الوالدين وبين الطفل من الأمور الأساسية في تذليل صعوبات التعلم؛ حيث يؤكد خبراء التربية وعلماء النفس ضرورة توطيد العلاقة بين الوالدين والولد، وأهمية التواصل الوجداني والاجتماعي في تحقيق التعلم والتواصل العقلي والفكري بين الوالدين والأولاد، كما يؤدي ذلك القرب إلى كسر حاجز الخوف والرهبة الذي يحول بين الطفل وبين التعلم، كما يمنحه الثقة بنفسه. وتعد فترة الطفولة من أهم المراحل التي ينبغي أن نرسخ فيها العلاقة الإيجابية بيننا وبين أولادنا؛ لأنهم يحتاجون إلينا في هذه المرحلة أكثر من أية مرحلة أخرى. ومن المفيد هنا أن نلعب معهم ونشاركهم اهتماماتهم، ونقرأ معهم القصص المصورة، ونلعب معهم الألعاب التعليمية بواسطة التقنيات التربوية أو تكنولوجيا التعليم المثيرة المشوقة... وقد نعلمهم الحروف، وبعض الكلمات والتركيبات، وكذلك تعليمهم العد، وبعض المفاهيم الأساسية في العلوم والفنون، ونغني معهم الأغاني الهادفة، والأناشيد المفيدة، ونرسم معهم، ونلون، ونقص، ونلصق، ونغرس فيهم العادات الصحية والدراسية الإيجابية، ونمارس معهم الرياضة البدنية، وسائر الأنشطة التي تشعرهم بأننا نشاركهم حياتهم وتجديدها باستمرار، وكسر جمود الحياة الروتينية والإرشادات الكثيرة التقليدية.

ومن الألعاب المؤثرة إيجاباً في شخصية الطفل والتي تحقق الألفة والتقارب بين الوالدين والطفل تقمص الطفل والأب أوالأم دور الطبيب والمريض، أو المعلم والتلميذ، أو البائع والمشتري؛ فمن خلالها يمكن أن نغرس في الطفل الثقة بالنفس، وأن نعوده كيف يعبر عن آلامه عند المرض دون صراخ، كما نعوده الصبر وقوة التحمل، والقدرة على التحليل، والقيادة.. ومن المهم في أثناء ذلك كله أن تلتقي عين الأم بعين طفلها، وأن تنظر إليه نظرة حب ودفء وحنان وأمان، وأن تمسح على رأسه وتربت على كتفه وظهره، وأن تحتضنه وتقبله.

ثانيا- أحسن اختيار مدرسة ولدك: كم أحببنا الدراسة بسبب حبنا للمعلم والمدرسة، وكم كرهنا الدراسة لنفورنا من المعلم والمدرسة، ومن هنا يجب على الآباء أن ينتقوا لأبنائهم أفضل المدارس الحسنة السمعة، والتي تهتم بالقيم والأخلاق، وتراعي الانتقال التدريجي المنطقي في التعلم؛ كالألعاب التعليمية التي أثبتت البحوث العلمية أنها أفعل من الطرق التقليدية.. وليحرص الوالدان على أن يمكثا أوقاتاً مع طفلهما يحدثانه، ويتناقشان معه، ويلعبان معه، فذلك يجعله قريباً من والديه، ويشعر بالأمن والأمان.

ثالثاً- اختبر ذكاء ولدك: أذكر أن أحد أبنائي كان فائقا دراسياً في الصف الأول الابتدائي؛ حيث كان معدله 100 %، فلما سافرنا إلى بلد آخر وكان بالصف الثاني الابتدائي انخفض معدله الدراسي.. وبحكم تخصصي فقد كان أول إجراء قمت به هو قياس مستوى ذكائه؛ فوجدته مرتفعاً؛ فأخذت أبحث عن سبب تأخره دراسياً، وتوصلت إلى أن السبب هو ما نسميه نحن - التربويين - «الاغتراب الدراسي»؛ حيث تغيرت البيئة الدراسية بما فيها من المعلمين وزملائه وافتقد معلميه ورفاقه في الوطن ومدرسته الأولى.. ولقد استطعت أن أعالج هذا الأمر في أسابيع قليلة قمت خلالها بعدة زيارات إلى مدرسة ولدي، وأن أتعرف على معلميه وإدارة المدرسة، والأخصائي الاجتماعي، وأعرفهم عليه، وبظروفه، وبتفوقه وقدراته، ودرجاته السابقة... كما كنت أستجيب لولدي وأبادر بالاستجابة إليه عندما يشكو من أي شيء يواجهه بمدرسته.

قد يسأل الوالدان: كيف نقيس ذكاء ولدنا؟ وللإجابة عن هذا السؤال ما عليك سوى أن ترجع إلى استشاري تربوي، أو تذهب بولدك إلى قسم الأطفال بأحد المستشفيات، وتطلب ذلك، فإما أن يتم هذا الإجراء هناك، وإما يحولك الطبيب على المستشفى الذي يقوم بهذا الإجراء.

وقد يسأل الوالدان أيضاً: وماذا نفعل إذا وجدنا ولدنا ضعيف الذكاء؟ وللإجابة عن هذا السؤال يمكن للوالدين اللجوء إلى استشاري تربوي، فهناك حالات يمكن تنمية ذكائها عن طريق برامج يمكن تطبيقها بالبيت بمساعدة الوالدين، وهناك حالات تحتاج إلى برامج خاصة يعدها ويشرف على تنفيذها متخصصون، وهناك حالات يستفاد من معرفة نسبة ذكائها في تحديد أقصى ما تصل إليه من التحصيل الدراسي، كما يفيد ذلك أيضاً في التوجيه المهني للأولاد، فكثير من محدودي الذكاء يمكنهم النجاح في مجالات كثيرة في الحياة إذا نحن أحسنا توجيههم وإرشادهم مهنياً، فالنجاح الدراسي ليس هو وحده النجاح في الحياة، وإنما هو أحد مجالات.

رابعاً- اهتم بتحديد مشكلات ولدك وحلها: فاهتمامك بمشكلة ولدك، وجمع المعلومات الكافية عنها يساعدك في تحديدها الذي ييسر حلها، فقد تكون المشكلة في محتوى المقرر الدراسي، وقد يكون السبب هو المعلم وممارساته غير التربوية وسوء معاملته لولدك، وقد يكون سبب تأخر ولدك دراسياً هو سوء تكيفه مع زملائه بالفصل أو المدرسة، وربما مع زميل واحد له يجلس بجواره في الفصل، وربما بسبب موقف أو تصرف حدث معه من قبل إدارة المدرسة.. فمعرفة هذه الحقائق بدقة يعينك على تحديد مشكلة ولدك وسبب تأخره دراسياً؛ ومن ثم ييسر عليك حلها، وتستطيع أن تساعد ولدك كي يصير فائقاً دراسياً.

خامساً- لاحظ طفلك وعلمه بالطريقة المناسبة: تحدثت في مقالٍ سابقٍ عن ابني عندما فشلت معلمة اللغة الإنجليزية معه طوال عام ونصف العام، ووصفته بأنه فاشل، فاستطعت بفضل الله أن أعلمه في ساعتين إلا ربعاً ما عجزت هي عن تعليمه إياه في عام ونصف!! وكل ما صنعته أنا هو تغيير طريقة التدريس، فقد كانت تعلمه هي بالطريقة التقليدية والورقة والقلم وهذا لا يناسبه كطفل في المستوى الثاني برياض الأطفال أنامله دقيقة ضعيفة تؤلمها الكتابة، وعندما علمته أنا علمته على سبورة مغناطيسية باستخدام الأحرف والنماذج الممغنطة الملونة الجذابة، فاستمتع وتعلم! فليَعلم الآباء والأمهات والمعلمون أن التلاميذ لا يتعلمون بطريقة واحدة، لأنهم يختلفون في ميولهم واهتماماتهم، وبينهم فروق فردية؛ ومن ثم وجب التنويع في طرق التعلم واختيار ما يناسب مرحلة نمو الطفل.

سادساً- نشط عقل ولدك وتفكيره: فعرض الأسئلة المفتوحة الإبداعية، ومحاورة الولد ومناقشته، وإثارة عقله وذوقه وحواسه.. ذلك كله يساعد على تنمية عقله وأنماط تفكيره ومهاراته، ويجعله مبدعاً.

سابعاً- ساعد ولدك عند التعثر: من المهم أن تعترف - كأب - بأن هناك أشياء سيصعب على ولدك إنجازها، فما يستطيعه طفل آخر ربما لا يستطيعه طفلك؛ فتجنب دائماً قولك لولدك: «لماذا نجح ابن فلان في كذا ولم تنجح أنت؟»؛ فذلك يصيبه بالإحباط، ويشعره بالدونية، بل عليك أن توضح لولدك أنه عندما لا يوفق في إنجاز شيء فإن ذلك لا يعني فشله، بل يعني أنه حاول مرة، وعليه أن يحاول ثانية حتى ينجح، وأن تكون لديه عزيمة قوية ورغبة في النجاح، وحتى لو فشل في هذا المجال فهناك مجالات نجاح كثيرة في حياته تنتظره؛ وبذلك تمنحه الثقة بنفسه، وتشجعه على النجاح في الحياة.. ومن المهم هنا أن تحكي له مواقف مررت بها أنت وفشلت ثم حولها الله عز وجل إلى نجاح لمثابرتك وعزيمتك وإصرارك على النجاح.

ثامناً- كن صديقاً بدلاً من أن تكون عدواً: إن إخفاق ولدك في تجربة ما قد يحولك إلى عدو له - دون أن تدري - وتناصبه العداء، وتتمادى في تذكيره بفشله وإخفاقاته، فيتولد عن ذلك نفور وجفاء، وربما تنقلب العلاقة إلى عداء، فاحرص على مساعدة ولدك لينجح بدلاً من أن تناصبه العداء!!

تاسعاً- ابذل الغالي من أجل ولدك: كثير من الآباء يجهل - أو يتجاهل - المستوى الدراسي لولده، ويحمل الولد المسؤولية كاملة، في حين أن الوالدين يتحملان مسؤولية كبيرة في المستوى الدراسي لولدهما، إذ عليهما أن يتابعا مستوى ولدهما، ويحددان نقاط ضعفه، ويسعيان إلى الأخذ بيده وتقويته في المقررات التي يعاني قصوراً في تحصيلها، وذلك باستقدام معلم خاص، أو بإلحاقه بمجموعات التقوية، بيد أن كثيراً من الآباء - للأسف الشديد - يؤثران كَنز المال على مستقبل أولادهم!!

عاشراً - تعاون مع المعلمين في تكوين شخصية ولدك: إن تعاون الآباء والأمهات مع المعلمين غدا أمراً ملحاً، حيث به يمكن أن تبني شخصية الولد، بتخليته من الصفات المذمومة، وتحليته بالصفات المحمودة، ومن ثم نستطيع أن نقدم للمجتمع شخصاً سوياً؛ قوي الجسم، متين الخلق، مثقف الفكر، قادراً على الكسب، سليم العقيدة، صحيح العبادة، مجاهداً لنفسه، حريصاً على وقته، نافعاً لغيره

4585.imgcache