السموم الطيارة

مخطط البحث :

التسمم بالكحوليات

التسمم بالجليكولات

 

 

التسمم بالكحوليات:

 

الكحوليات هي قواعد عضوية على شكل سلاسل مركبة من أصل عضوي ومجموعة هيدروكسيلية (OH) واحدة أو أكثر، وبقدر عدد مجموعات الهيدروكسيل يكون تكافؤ الكحول، فالكحوليات الأحادية هي التي تحتوي على مجموعة هيدروكسيل واحدة مثل الكحول الإيثيلي والكحول الميثيلي والكحول البروبيلي، والكحوليات الثنائية هي التي تحتوي على مجموعتين من الهيدروكسيل مثل الإيثيلين جليكول وثنائي إيثيلين جليكول، والكحوليات الثلاثية هي التي تحتوي على ثلاث مجموعات من الهيدروكسيل مثل الجليسرين (الجليسرول).

 

 

الكحول الإيثيلي (الإيثانول)C2H5OH:

 

يعد الكحول الإيثيلي من أهم الكحوليات من حيث التأثير السام، فهو المكون المشترك في كافة أنواع الخمور والمشروبات الكحولية، وهو المسئول عن الأثر السمي الناجم عن تعاطي هذه المشروبات.

 

ويحضر الكحول الإيثيلي بتخمير السكريات بفعل فطر الخميرة ويتراوح تركيز الكحول في المشروبات المخمرة ما بين 4% كمشروب البيرة، وعشرة أضعافه أي حوالي 40% في المشروبات المقطرة كالويسكي والفودكا. وقد تتعدى نسبة الكحول هذه النسب السابقة لتصل إلى 55% في مشروبات البراندي (الكونياك).

 

امتصاص الكحول الإيثيلي ومساره بالجسم:

 

عند تعاطي المشروبات الكحولية فإن حوالي 20% من الكحول يتم امتصاصه مباشرة من خلال جدار المعدة وخاصة إذا كانت خالية من الطعام حيث يؤثر نوع وكمية الطعام الموجود بالمعدة على سرعة امتصاص الكحول منها، ويمر80% من الكحول إلى الأمعاء الدقيقة حيث يتم امتصاصه إلى مجرى الدم أيضاً. يمر الكحول الممتص من المعدة والأمعاء الدقيقة خلال الشريان الكبدي إلى الكبد حيث يقوم إنزيم متخصص يعرف باسم نازع هيدروجين الكحول ( (Alcohol dehydrogenase enzyme

 

بتكسير الكحول الممتص بمعدل ثابت محولة إياه إلى أسيتالداهيد فحمص الأسيتيك (الخليك) ثم إلى ثاني أكسيد الكربون والماء، وما يزيد عن هذا المعدل الثابت يخرج من الكبد عن طريق الوريد الكبدي إلى الناحية الوريدية للقلب ومنه إلي الرئتين حيث يمكن الكشف عن وجوده في هواء الزفير، ثم إلى الجانب الشرياني للقلب حيث يتوزع إلى كافة أنسجة وأعضاء الجسم بما فيها الدماغ.

 

أما من الناحية الطبية الشرعية فإن تأثير الكحول على الدماغ هو المهم من الوجهة العملية حيث إن التغيرات الحادثة في وظائف هذا العضو تؤثر بشكل مباشر على قدرة الأشخاص على أداء مهام محددة تحتاج قدراً من الحكم بطريقة طبيعية على الأمور والأشياء وأيضاً على التوافق الحركي للعضلات.

 

أعراض وعلامات التسمم بالإيثانول:

 

يعمل الكحول من الوجهة الفارماكولوجية كمثبط للجهاز العصبي المركزي، ويكون هذا التثبيط تدريجياً في المستوى بحيث يؤثر على المستويات العليا أولاً، ثم يتدرج إلى المستويات أو المراكز الأكثر بدائية للجهاز العصبي.

 

وعند تعاطي كميات صغيرة من الكحول فإن أول ما يتأثر في الجهاز العصبي هو المراكز العليا التي تشكل عنصر السيطرة والكبح والانضباط على السلوك الإنساني فعند تثبيط هذه المراكز بفعل الكحول يقل هذا الأثر الكابح على المراكز الدنيا ويظهر ذلك في صورة إحساس بالانتعاش والبهجة وإحساس زائف بازدياد الثقة بالنفس والقوة كما ينشأ عن ذلك فقدان الإحساس بالرهبة أو التهيب، وأيضاً فقدان الوقار مع الثرثرة وقلة الحياء.

 

وتعد الأعراض السابقة من قبل المتعاطين للكحول بمثابة الأثر المرغوب فيه لديهم حيث يلتمس معتادو الشراب الشجاعة والثقة والقدرة على تكوين العلاقات الإنسانية في تعاطي الكحول. وهذه نقطة يجب أخذها في الاعتبار عند التصدي لعلاج حالات إدمان الكحول بالتأهيل النفسي، وأيضاً في حالات الإدمان عموماً.

 

ويصحب هذا الإحساس الزائف بالبهجة والقدرة على أداء الأعمال بصورة أفضل بطء في الأعمال المنعكسة وازدياد في زمن الاستجابة وسوء في أداء النشاطات المعقدة كقيادة السيارة أو في زمن الاستجابة وسوء في أداء النشاطات المعقدة كقيادة السيارة أو الطائرة أو أداء المهارات الرياضية. وعادة ما يكون مستوى الكحول في الدم المصاحب لهذه الأغراض في حدود 50-100 ملليجرام من الكحول بالمائة.

 

وبارتفاع نسبة الكحول بالدم إلى مستوى حوالي 150 ملليجرام من الكحول بالمائة تظهر على الشخص علامات احتقان الوجه وازدياد سرعة ضربات القلب وإحساس متزايد بفقدان السيطرة يتجلى في شكل هياج وتخاطب صاخب وحركة متزايدة، وفي هذه الحالة يكون المتعاطي ميالاً إلى الشجار لأتفه الأسباب أو مرحاً بصورة غير طبيعية أو ميالاً للمزاح الثقيل أو حسياً بدرجة ملحوظة، كما قد يكون في بعض الأحيان شديد الاكتئاب حسب شخصية الفرد، إلا أن هذه الأعراض عادة ما تكون ثابتة بالنسبة للشخص الواحد.

 

ويتبع هذه المرحلة (عند مستوى كحول يتراوح ما بين 150-300 بالمائة في الدم) مرحلة يظهر فيها بوضوح عدم تناسق الحركة وثقل واختلاط الحديث وترنح بالمشية واكتئاب وقلة النشاط العقلي وتنتهي عند مستوى أعلى من 300 ملليجرام بالمائة في الدم بنوم عميق يؤدي إلى سبات (غيبوبة) قد تنتهي بالوفاة.

 

وكقاعدة عامة فإنه ما لم تمتص كميات كبيرة من الكحول في وقت قصير فإن الشفاء من هذه الأعراض السابقة يتم بأعراض تعرف باسم الخمار (hangover) وهي أعراض تجمع ما بين الاكتئاب الحاد واضطراب المعدة والأمعاء والصداع الشديد، وتظل هذه الأعراض لمدة حوالي 24 ساعة عقب الاستيقاظ من النوم العميق السابق ذكره.

 

وهناك بعض الاختلاف عن الأعراض السابقة في بعض الأشخاص، فقد يبلغ متعاطي الكحول مرحلة السكر الواضح مباشرة دون المرور بمرحلة الهياج الأولية. وفي بعض الأحيان يكون للكحول تأثير واضح على المشاعر والأحاسيس الجنسية لدى بعض الأشخاص مما قد يؤدي إلى الانغماس في نشاطات جنسية متطرفة.

 

الآثار البيولوجية للتسمم المزمن بالإيثانول:

 

الكحول هو في واقع الأمر مادة سامة ويجب أن ينظر إليه على هذا الأساس. وينشأ عن تعاطي كميات كبيرة من الكحول على مدد طويلة حالة تسمم مزمن تتضمن تدمير الأعضاء الحيوية للجسم حيث يؤثر الكحول على الجهاز الهضمي بإحداث تقرحات في كل من المعدة والإثنا عشر، كما قد يدمر الكحول الخلايا المسئولة عن تكوين حمض الهيدروكلوريك بجدار المعدة، كما يسبب الكحول أيضاً التهاباً مزمناً بغدة البنكرياس ويؤثر الكحول تأثيراً بالغاً على الكبد حيث يسبب تليفاً مصحوباً بتنكيس دهني في خلاياه مما يعرف باسم التليف الكحولي للكبد أو تليف لاينيك (Laenec’s cirrhosis).

 

كما يؤدي تعاطي الكحول لمدة طويلة وبكميات كبيرة إلى اختلالاً عقلياً شديداً وانحلال مطرد ودائم بالدماغ والأعصاب المحيطة (الطرفية). كما تتلف الوظائف العقلية كالذاكرة والقدرة على التحكم والتعلم، ويتغير تركيب الشخصية وينهار تكيفها مع الواقع.

 

ومتلازمة كورساكوف هي إحدى المظاهر الذهانية الناشئة عن إدمان الكحول حيث يفقد المدمن الذاكرة للأحداث القريبة، ولتعويض ذلك يبدأ المدمن في اختلاق الأحداث لملء فجوات ذاكرته.

 

وقد تكون التهابات الأعصاب الطرفية الناشئة عن الإدمان مصحوبة بآلام شديدة باليدين والقدمين. وتلك الحالات صعبة العلاج إذ أنها مترقّية ولا تنعكس أو تبدي تحسناً بالعلاج عادة.

 

معالجة التسمم بالإيثانول:

 

لا تحتاج معالجة التسمم الحاد بالإيثانول عادة لأكثر من غسل المعدة بالماء أو بمحلول بيكربونات الصوديوم، مع علاج الأعراض الظاهرة على المريض.

 

وفي حالات الغيبوبة يجب أن تراعى الاحتياطات اللازمة كتنبيب الرغامي (tracheal intubation) قبل غسيل المعدة لمنع دخول محتويات المعدة إلى المجاري التنفسية في غياب الأفعال المنعكسة اللازمة للطرد بسبب الغيبوبة.

 

ويفضل تجنب المنبهات بصفة عامة، ويتم إعطاء محلول بيكربونات الصوديوم بالوريد مع متابعة التوازن الحمضي القاعدي للدم بالمختبر، كما يعطى محلول جلوكوز (10-50%) بالوريد للمحافظة على مستوى الجلوكوز بالدم حيث يكون مستواه قليل في حالات التسمم بالإيثانول. وقد يحتاج الأمر إلى إجراء تنفس اصطناعي بالأكسجين. ويفيد الديال الدموي (hemodialysis) في التخلص الفعال من الإيثانول بالدم وخاصة إذا كانت الأعراض شديدة ومستوى الإيثانول بالدم أكثر من 400مج%.

 

أما علاج التسمم المزمن فهو يتم في المؤسسات الخاصة بعلاج المدمنين. هذا بالنسبة لمراحل الإدمان المبكرة، أما في المراحل المتأخرة فيودع المرضى بالمصحات، وتكون الاستجابة للعلاج محدودة إذ يكون التلف بالأعضاء الداخلية بالجسم شديداً ويكون العلاج للأعراض فقط.

 

الجوانب الطبية الشرعية لتعاطي الإيثانول:

 

يُعَدٌ الأثر المسكر لتعاطي الإيثانول مسئولاً عن وقوع العديد من الجرائم والانتحار والحوادث كالشغب وحوادث السيارات، مما استوجب سن القوانين ووضع التشريعات للحد من هذه الأمور. وتختلف هذه القوانين والتشريعات من دولة إلى أخرى، فعلى سبيل المثال تُجَرٌمُ بعض الدول الإسلامية تعاطي وتداول الكحول أصلاً، وبعضها يُجَرٌمُه إذا كان قد أثر تأثيراً بيناً على سلوك الشخص، وبعضها يجرمه إذا صحب تعاطيه حدوث شغب. أم