حنين بن إسحق العبادي النسطوري

TAMMAMTAMMAM عضو ذهبي
تم تعديل 2010/06/03 في تاريخ و آداب الطب
حنين بن إسحق العبادي النسطوري
( 876-809م)

تدين الإنسانية جمعاء لهذا الطبيب بالعلم. فلولا جهوده، وعمله ومثابرته لما استطاعت الإنسانية أن تتقدم بهذه السرعة.
كان حنين يتقن اليونانية والعربية والسريانية. ولقد استطاع لوحده أن يترجم أكثر من مئتي كتاب في مختلف العلوم، وهو رقم قياسي إذا ما قورن بأعمال كل من يعرف ما هي الترجمة، وما هي الترجمة الجيدة العلمية الدقيقة.
كان أسلوب حنين وطريقته في الترجمة هما الأفضل حتى في أيامنا هذه. فلقد كان يقرأ الجملة، ويفهمها، ثم يسكبها في جملة عربية سليمة. وهكذا، عندما نقرأ اليوم ترجماته نعجب بسلاسة أسلوبه، وجودة فهمه، بحيث يخيل إلينا أنه هو المؤلف أو أن المؤلف عربي قح.
يقول عنه المستشرق الفرنسي لوكلير: "حنين هو أكبر وجه علمي في القرن التاسع (الميلادي)، ويمكن القول إنه من الأذكياء المشهورين في التاريخ، فاتساع أعماله عجيب، وتنوعها وتفوقها وأهميتها فريد، والمحن التي تحملها بنبل في بداية عمره وخلال حياته تبعث على الاهتمام". وأعتقد أن لوسيان لوكلير قد أصاب، ولم يبالغ.
وكل التهم التافهة والسخيفة التي وجهت إليه وحاولت أن تشوه وجهاً من أنبل الوجوه العملية، باءت ويجب أن تبوء بالفشل. لقد كان بالفعل" شيخ تراجمة الإسلام وإماماً في العلوم العقلية والنقلية وخلف مؤلفات جديرة بالاعتبار"، كما يقول الطرزي.
وعندما أراد الخليفة المأمون أن يؤسس دار الحكمة في بغداد لم يجد أفضل منه علماً وأخلاقاً فسلمه إدارتها، فقام بالمهمة خيرقيام، وأحاط نفسه بثلة من خيار المترجمين.
وكانت داره مركز علم وإشعاع فكري يؤمه الناس جميعاً، ليجدوا فيه الكتب بالعربية والفارسية واليونانية والهندية والسريانية.
وبلغ من إعجاب المأمون به أنه كان يزن ترجمات حنين بالذهب الخالص. وبلغ الحسد والحقد والضغينة بأشباه العلماء وأنصافهم أن راحوا يروجون أنه كان يسمك الورق ويكبر الخط طمعاً في المال.
ولعل من أهم كتبه الكثيرة كتاب العشر مقالات في العين، وكتاب المسائل في الطب، ويسمى أيضاً المدخل.
ولقد اخترت مقطعاً منه لنضرب مثلاً على أسلوبه الذي تميز بالبساطة والوضوح.

من كتاب
المسائل في الطب(*)

... س) كم رأياً يكاد أن يعتقده الأطباء في أمر الأدوية المركبة؟
ج) رأيان.
س) وما هما؟
ج) أحدهما رأي أصحاب التجارب والآخر رأي أصحاب القياس.
س) وما الرأي الذي يعتقده أصحاب التجارب؟
ج) إن هؤلاء زعموا أن الأدوية المركبة كلها إنما ألفت حسب ما رآه الناس في المنام، وحسب ما وقع لهم بالاتفاق والبحث عن غير تعمد، وأن منها، فرداً بعد فرد، تكون أدوية كثيرة قد جربت فوجدت تفعل فعلاً واحداً، إلا أن كل واحد منها وجد فعله في بعض الأحيان أكثر وفي بعض الأحيان أقل.
قالوا : فإنا عندما رأينا وشاهدنا بطريق التجارب أدوية قصتها هذه القصة دلتنا عقولنا على أنه ينبغي أن تؤلف أدوية كثيرة حالها هذه الحال، ويعالج الناس بالدواء المركب منها، فعسى أن يقع في ولو واحد من الأدوية المفردة، دواء موافق لطبيعة ذلك الإنسان الذي نعالجه بها.
س) وما الرأي الذي يعتقده أصحاب القياس؟
ج) هؤلاء قالوا : إن لكل واحد من الأمراض أدوية تخصه، وقواها قوى موافقة لمداواته وشفاء سقمه، وإن كان ليس منها شيء موافق لمداواته، ولشفاء سقمه، فإذا ألفت هذه الأدوية أعان بعضها بعضاً على ما يحتاج إليه لمداواة المرض. وإن كان ليس منها شيء موافق لمداواة المرضى متى أفرد وحده، فإنها إذا ألف بعضها مع بعض اكتسبت بالتأليف قوة أخرى موافقة لمداواة المرض وبرء المريض.
س) وما مثال ذلك؟
ج) إن القرحة التي تحتاج إلى أدوية تنبت اللحم، فأوفق الأدوية لها الأيرسا، وهو أصول السوسن الأسمانجري والزرواند والجاوشير ودقيق الكسرنه ودقاق الكندر، لأن هذه كلها تنبت اللحم، وإن داوى الإنسان القرحة بشمع مذاب بدهن قد خلط معه زنجار فهو دواء ينبت اللحم بسبب تأليفه. فأما كل واحد من الدواءين اللذين هو مؤلف منهما فهو على غاية المضادة لإنبات اللحم، وذلك لأن الزنجار يأكل لحم القرحة أكلاً يذيبه ويفنيه من قبل أنه دواء حار حاد. والشمع المذاب بالدهن وهو دواء لين غير لداغ ولكنه يولد في القرحة مكان اللحم وسخاً. وأما الدماء المؤلف منها، أعني من الدم المذاب بالدهن ومن الزنجار، فهو ينبت اللحم في القروح المحتاجة إلى أن ينبت فيها لحم، وذلك لأن كل واحد من هذين الدواءين عند اختلالهما يكسر عادية صاحبه ويدفع شره، أعني الدم المذاب بالدهن والزنجار.
س) أي الرأيين المنتحلين في الأدوية المركبة أصح؟ ومن أين تعرف صحته؟
ج) أما الرأي الذي ينتحله أصحاب التجارب، فغير صحيح لأن الأدوية ليس يكون توليفها بلا قياس فكري بل بقياس فكري. وأما الرأي الذي ينتحله أصحاب القياس فهو صحيح، لأن هؤلاء مع اعتقادهم أن قوى الأدوية إنما ينبغي أن تؤلف بما يوجبه الفكر والقياس حسب قوى الأدوية المفردة التي يؤلف منها وحسب طبيعة العضو العليل، وحسب اتفاق الأشياء التي يستدل بالقيام بها على مالا يحتاج إليه، وهي : السن، والمزاج، والوقت الحاضر من أوقات السنة، وحال الهواء في ذلك الوقت، والبلد، والمهن، والعادات. وقد يعرفون مع ذلك أيضاً السبب الذي من أجله صار كل واحد من الأدوية المركبة ينفع أو يضر.
س) وما مثال ذلك؟
ج) إن الزنجار على ما قلنا إذا خلط بالدم المذاب بالدهن صار منه دواء ينبت اللحم، والسبب والمعنى لايقدر صاحب التجارب على معرفته والإخبار به، أما صاحب القياس فيعرفه ويخبر به ويرد بذلك على صاحب التجارب ويفسخ قوله.
س) مالذي هو القياس وحده على الانفراد، والتجارب وحدها على الانفراد في أمر الدواء المركب؟
ج) إن القياس به يستخرج أليف الدواء على حسب ما توجبه الأعراض التي ذكرناها، والتجربة بها تمتحن فضيلة الدواء المركب المستخرج بالقياس، وذلك أن فضيلة تأليف الدواء المركب وجودته إنما تعرف عندما تشهد له التجربة بالفضل وجودة العمل في الداء الذي له اتخذ".


المنظمة الاسلامية للتربية والعلوم الثقافية