تطور علوم الطب عند العلماء المسلمين

د.مفدى زهور عديد.مفدى زهور عدي عضو ذهبي
تم تعديل 2010/05/29 في تاريخ و آداب الطب
[CENTER]بسم الله الرحمن الرحيم


قرأت مقالاً واعجبني وأحببت نقله لكم بأمانة كي تعم الفائدة..أرجو أن ينال رضاكم وشكراً.


الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
لقد كان المسلمون أول من عرف التخصص فكان منهم أطباء عيون ويسمون الكحالين ومنهم الجراحون، والفاصدون والحجامون ومنهم المختص في أمراض النساء، وكانوا يفحصون بول المريض ويسمونه (القرورة) على سبيل التورية، وعرف العرب علاج الداء بالداء الذي نشأت عن نظريته مدرسة التشابه في الآلام التي تعرف باسم (مدرسة الهميوبتائي)، ولم تظهر في أوربا إلا خلال القرن الثامن عشر.
تطور الفكر العلمي عند المسلمين صـ178-179
أولاً: تطور علم التشريح:
http://www.islamstory.com/Images/Articles/14.1_02_tshreeh.jpg
على الرغم من عدم وجود نص من الكتاب والسنة يحرم ممارسة التشريح لغاية التدريس فإن تَزَمُّتَ البعض, واتهام من يقوم بالتشريح بالزيغ عن الدين والبعد عن الرحمة والإنسانية سبب قصوراً لدى الأطباء المسلمين في هذا العلم، وجعلهم يعتمدون في معلوماتهم التشريحية على:
ـ كلام من سبقهم من الأطباء اليونانيين.
ـ مشاهدة الهياكل العظمية في المقابر.
ـ ملاحظة الجروح التي تتسبب من الحوادث والحروب.
ويعتقد البعض بأنهم مارسوا التشريح البشري بصورة سرية ومحدودة، وخاصة تشريح قسم من أعضاء الجسم كالقلب والعين والكبد وعضلات الأمعاء ويستدلون على ذلك من كتاباتهم الدقيقة والصحيحة عن تشريح هذه الأعضاء، وكذلك من مخالفتهم لكثير من آراء اليونانيين، وتأكيد قسم منهم بأن التشريح (يُكَذِّبُ كذا وكذا) (أو التشريح يُكذب ما ذُكِرَ)، وقول ابن رشد: "من اشتغل بعلم التشريح ازداد إيماناً", وقول الرازي: (يُحْتَاجُ في استدراك عِلَلِ الجسم الباطنة إلى العلم بجوهرها أولاً بأن تكون قد شُوهِدَتْ بالتشريح...).
و يؤكد بعضهم ممارسة المتأخرين منهم للتشريح بشكل قاطع، يقول جول لابوم: "كان الأطباء العرب في القرن العاشر يُعَلِّمُون تشريحَ الجثثِ في قاعات مدرجة خُصِّصَتْ لذلك في جامعات صقلية".
وعلى الرغم من كل ما سبق فإن للأطباء المسلمين فضلا في تطوير هذا العلم ولهم ابتكارات نذكر منها:
الكتب والتصانيف: لقد حفظ المسلمون كتب جالينوس وأبقراط في التشريح والتي فقدت أصولها اليونانية بتصنيفها وجمعها وشرحها ونقدها بوعي علمي صحيح، وابتدع ابن النفيس بدعةَ تصنيف مُؤَلَّف خاص بالتشريح في تأليفه كتاب (شرح تشريح القانون).
موفق الدين البغدادي: أرشد إلى مواطن الضعف في وصف جالينوس لبعض أجزاء الهيكل العظمي وأكد على سبيل المثال أن الفك الأسفل قطعة واحدة وليس قطعتين بعد أن فحص أكثر من ألفي جمجمة بشرية في أحد المقابرحيث يقول:" والذي شاهدناه من حال هذا العضو أنه عظم واحد وليس فيه مفصلٌ ولا دِرزٌ أصلاً".
لقد سبق ابن النفيس الإنجليزي (وليام هارفي) في اكتشاف الدورة الدموية الصغرى ( الدورة الرئوية ) بمئات السنين ، كما سبق سرفيتوس بثلاثة قرون في اكتشاف وإثبات أن الدم يُنَقَّى في الرئتين؛ جاء في وصفه تشريح الشريان الوريدي في كتابه (شرح تشريح القانون) من جملة ما ذكر:"ولابُدَّ في قلب الإنسان ونحوه، مما له رئة من تجويف آخر يتلطف فيه الدم ليصلح لُمخالطة الهواء … وهذا التجويف هو التجويف الأيمن من تجويف القلب. وإذا لطف الدم في هذا فلا بد من نفوذه إلى التجويف الأيسر حيث يتولد الروح ولكن ليس بينهما منفذ فإن جِرْمَ القلبِ هنا مُصْمَتٌ ليس فيه منفذ ظاهر كما ظنه جماعة, ولا منفذ غير ظاهر كما ظنه جالينوس فإن صمام القلب مستحصف, جِرْمُه غليظٌ فلابد أن يكون هذا الدم إذا لطف نفذ في الوريد الشرياني إلى الرئة لِيَنبَثَّ في جِرمها, ويخالط الهواء ويَتَصَفَّى ألطف ما فيه, وينفذ إلى الشريان الوريدي ليصل إلى التجويف الأيسر من تجويفي القلب وقد خالط الهواء وصلح لأن يتولد منه الروح, وما بقي منه أقل لطافة تستعمله الرئة في غذائها".
الدورة الدموية في الشرايين التاجية: لقد كان ابن النفيس أول من فطن إلى وجود أوعية داخل جِرْمِ القلب تغذيها؛ وبذلك كان أول من وصف الشريان الإكليكي وفروعه حيث قال:
"قوله – ويقصد ابن سينا – ليكون له مستودع غذاء يتغذى به, وجعله الدم الذي في البطين الأيمن منه يتغذى القلب لا يصلح ألبتة؛ فإن غذاء القلب إنما هو من الدم المارَّ فيه في العروق المارَّة في جِرْمِه".
عدد تجاويف القلب : ويؤكد ابن النفيس مخالفته لمن سبقه في ذكر عدد تجاويف القلب إذ يقول: " قوله – ويقصد ابن سينا – أيضاً فيه ثلاثة بطون وهذا كلام لا يصح فإن القلب له بطينان فقط …. ولا منفذ بين هذين البطينين ألبتة وإلا كان الدم ينفذ إلى موضع الروح فيفسد جوهرها، والتشريح يُكَذِّبُ ما قالوه".
الدورة الدموية في الأوعية الشعرية :إن أول من أشار إلى تلاقي الشرايين بنهايات الأوردة هو ( إيراستراتوس ) . إلا أن علي بن العباس المجوّسي كان أول من وصف ذلك بشكل جلي حيث وصف الدورة الدموية الشعرية وقبل هارفي بكثير فقال: "وينبغي أن تعلم العروق الضوارب في وقت الانبساط ما كان منها قريباً من القلب اجتذب الهواء والدم اللطيف من القلب باضطرار الخلاء لأنها في وقت الانقباض تخلو من الدم والهواء . فإذا انبسطت عاد إليها الدم والهواء وملأها … وما كان منها متوسط فيما بين القلب والجلد من شأنه أن يجتذب من العروق غير الضوارب ألطف ما فيها من الدم وذلك أن العروق غير الضوارب فيها منافذ إلى العروق الضوارب والدليل على ذلك أن العرق الضارب إذا انقطع استُفرِغَ منه الدم في العروق غير الضوارب" .
ويؤكد ابن النفيس وابن القف نفس المعنى, فيقولان عن الشعيرات الدموية: (إنها شبيهة بنسيج العنكبوت).
الرازي : هو أول من قال بوجود الفرع الحنجري للعصب الصاعد وقد لاحظ بأنه يكون بفرعين في الجهة اليمنى في بعض الأحيان.
التشريح المرضي : قال ابن النفيس في ذلك:" تشريح العروق الصغيرة في الجلد يعسر في الأحياء لتألمهم، وفي الموتى الذين ماتوا من أمراض تقلل الدم كالإسهال والدق والنزف، وإنه يسهل فيمن مات بالخنق؛ لأنَّ الخنق يحرك الروح والدم إلى الخارج فتنفتح العروق، على أن هذا التشريح ينبغي أن يعقب الموت مباشرة لتجنب تجمد الدم".
وأورد الزهراوي في كتابه (التصريف) عن التشريح المرضي؛ فقال: ".... وضرورة تشريح الأجسام بعد الموت لمعرفة سبب الوفاة للانتفاع بهذه النتائج في الأحوال المماثلة".
الطب عند العرب والمسلمين الدكتور محمد الحاج قاسم محمد.
ولم يصل علماء الطب إلى هذه الاكتشافات إلا عن طريق التشريح.
ثانياً: تطور علم الجراحة:
http://www.islamstory.com/Images/Articles/14.1_03_Science%20surgery.bmp
كان علم الجراحة في بداية الدولة المسلمة من الصناعات المُمتَهنة التي يجب أن يتسامى الطبيب عن ممارستها وكانوا يسمونه (صناعة اليد) وبقي لفترة من اختصاص الحلاقين والحجَّامين يقومون بالعمليات الجراحية البسيطة كالكي والفصد والبتر تحت إشراف وإرشاد الأطباء الذين كانوا يستقون معلوماتهم مما كتبه أبقراط وبولس الأجنطي وجالينوس وغيرهم. إن هذه الحالة بالنسبة لهذا الفن الجليل من فنون الطب لم تدم طويلاً فبظهور قسم من عباقرة الطب عند العرب سار هذا العلم خطوات نحو التجديد والإبداع.
كان أول كتاب عربي ظهر في الجراحة هو كتاب (في صناعة العلاج بالحديد) لإسحاق بن حنين إلا أن هذا الكتاب لم يصلنا.
ثم توالت كتابات الأطباء العرب في ذلك وأبرز من كتب منهم كان علي بن العباس حيث كتب فصلاً خاصاً عن الجراحة في كتابه (كامل الصناعة), ثم أتبعه الرازي بموسوعته (الحاوي في الطب) والذي ضَمَّنه فصولاً كثيرة، ومواضيع عديدة وجديدة في مختلف فروع الجراحة, وجاء ابن سينا بقانونه الدي ورد فيه الشيء الكثير من الأمور الجراحية والعمليات العديدة, وظهر آخرون مارسوا هذه الصناعة وكتبوا فيها كتاباتٍ كانت بداية الطريق لثورة علمية في هذا الحقل حققته الحضارة العربية المسلمة في الأندلس على يد عدد من أعلام الجراحة على مَرِّ العصور وهو أبو القاسم الزهراوي صاحب كتاب (التصريف لمن عجز عن التأليف), فبتأليفه هذا الكتاب قفز علم الجراحة إلى الصدارة بين العلوم الطبية الأخرى, واعتُبِرَ الزهراوي بحقٍّ أوَّلَ من فرَّق بين الجراحة والمواضيع الطبية, وأول من جعل أساس هذا العلم قائماً على التشريح لأنه اعتمد هذين الركنين أساساً في بحثه الذي خصصه للجراحة في كتابه, واعتبر الجزء من كتابه (المقالة الثلاثون) التي أفردها للجراحة أول ما كُتِبَ في علم الجراحة مقروناً برسوم إيضاحية كثيرة للأدوات والآلات الجراحية ثم جاء ابن القف بعده وألف كتاب (العمدة في صناعة الجراحة الخاصة باليد) والذي اعتمد فيه كثيراً على كتابات الزهراوي.
الطب عند العرب والمسلمين محمود الحاج قاسم
وبعد ذكر مقدمة عن تطور علم الجراحة نورد بعض إسهامات أطباء المسلمين في الجراحة:
الجراحة العامة:
علم الكائنات الدقيقة وعدوى الجروح:
على الرغم مما يقال من أن المفهوم الكامل عن الكائنات الدقيقة والبكتيريا كمُسَبِّبٍ للمرض قد أقامه(باستير) واستمر به (ليستر)، فقد كان لدى العلماء المسلمين قديما فكرة عن البكتيريا -وإن تكن غامضة- فقد ذكر ابن خاتمة في بداية القرن 14 أن هناك "أجساما صغيرة تسبب أمراضاً "، وقبله بأربعة قرون سُئِلَ الرازي عن اختيار موضع لبناء مَصَحٍّ في بغداد؛ فأجرى تجربة طريفة، إذ أمر بتعليق قطع من اللحم في أماكن متفرقة من البلدة وفحصها بعدها بعدة أيام, وتميز المكان الذي كانت به قطعة اللحم أقل عفنا وأبطأ فسادا.
2-1

التحكم في النزف:
لا زال النزيف أهم مشاكل الجراحة اليوم. ومن المدهش أن الطرق الحديثة لا تضيف شيئا جوهريا لما كان يتبعه الجراحون المسلمون. فاستخدام الضغط بالإبهام أو الرباط أو الإسفنج وحتى الكي بالنار والتبريد (الماء البارد), أو فصل الأوعية إذا كانتا غير منفصلتين تماما, وربط اماكن النزف بالعقد من الخيوط الجراحية أو غيرها, كل هذا وغيره ذكره الزهراوي بالتفصيل والإجمال, بل زاد في تحذيره من الضماد الضاغط بزيادة.
3-1

العناية بالجروح:
لقد استعمل العديد من الأطباء والجراحين المسلمين الخيوط الجراحية وبنجاح، وكان الفضل لابن سينا في ذكر الغيار الجاف.
4-1

صرف الخراريج:
يذكر "كتاب التصريف " بالتفصيل الكامل تفاصيل صرف الخُرَّاج، مكان وطريقة الفتح، تعبئة الجرح، تهيئة أطراف الجلد، ودلالة وأهمية الصرف المضاد، واستعمال الضغط البطيء المستمر التدريجي لتفريغ التجاويف الكبيرة خصوصا أثناء الحمل وأطراف العمر.
علم الإصابات وجراحة العظام.
لقد كانت جراحة الحروب أقدم مدارس تعليم الجرَّاحين، وكان الجراحون العرب هم أساتذة هذا المجال، فقد ذكر أغلبهم جروح الحرب النافذة وطرق معالجتها. وكتاب "التصريف "يغطي تماما إصابات المفاصل والعظام ورضوضها. أما المقالة 17 من ابن القف في كتابه (العمدة) فمُخَصَّص بأكمله لرضوض النسيج اللين، والعظام والإصابات من الحيوان, وطريقة وصف ومعاملة كل جروح الرقبة والقصبة الهوائية تبدو وكأنها من أعمال الزهراوي الأصيلة، إذ لا يُذْكَرُ فيها أَيٌّ من المراجع السابقة لعهده.
أما في جراحة العظام فبجانب المشاكل المعهودة من التهاب عظمي نقي والبتر وخلافه نجد الزهراوي يناقش -وبالتفصيل- الظأي للعظام وتلك الكسور غير ملتحمة جيداً وتصويبها، ومن شهادة سينك وليوس إن تلك الآلات التي وضعها الزهراوي أوضحت مجموعة ضخمة من المناشير والمجسات ومباضع العظام والمطارق والثواقب تفوق كثيرا ما وصفه من سبقوه.
مبحث الجهاز البولي
وقد طور علماء المسلمين الجراحون معلومات الجراحة التي وصلت إلى أيديهم عبر مَن سبقوهم، وبالرغم من أن المضخات الميكانيكية قد عرفها اليونانيون إلا أنها استُخدِمَت لأول مرة في مجالات الطب على يد جراحي المسلمين في هيئة محقنة لدى المثانة البولية.
وقد كانت إزالة حصى المثانة الكبيرة من أضخم مشاكل الجراحة في تلك الآونة، وقد أدخل الزهراوي وبنجاح استعمال الملاقط الكبيرة لحل هذه المعضلة، وأمكن بها سحق الحصى، وبعدها تُزَال في صورة رمال صغيرة أو حبيبات متضائلة؛ وبذا يُعتَبَر أول من ابتكر في علم تفتيت الحصى.
وفيما يتعلق بالحصاة الإحليلية المدمجة فقد وصف الزهراوي، وصفة مبتكرة وجديدة، وذلك بإدخال مثقاب دقيق عبر الإحليل، وإدارته عند ملاقاته للحصوة إلى أن تتفتت الأخيرة إلى حبيبات دقيقة تُترَك ليغسلها البول.
والاستعانة بأصوات المثانة لتحديد أماكن الحصيات المثانية، ومشكلة النزف بعد العمليات، وأهمية إزالة الجلطات الدموية من المثانة، كلها ذُكِرَت بالتفصيل والشرح في كتابات الزهراوي.
مبحث المستقيم
يبدو أن البواسير كانت ضمن المشاكل الجسيمة في الانشغال الجراحي في ذلك الوقت، ويتبدَّى هذا من تخصيص مراجع وفيرة عن هذا الموضوع، فقد كتب أبو عمران موسى بن ميمون (1135- 1204) كتابا خاصا لهذا الموضوع عنوانه (في البواسير), وأَكَّدَ فيه على دور الغذاء وإمكانية الجراحة لبعض الحالات.
كما كتب ابن محمود القاسم (المتوفي 1525 هـ) كتابا في علاج البواسير عنوانه(زاد المسير في علاج البواسير), وأوضح ابن القف مضاعفات قطع البواسير والخياطات التي تجرى بعد اجراء العمليات. كما أشار- وان كان بغموض- الى القيحية البابية كأحد مضاعفات البواسير.
وحذَّرَ الزهراوي في كتابه من التصريف المتأخر للخُرَّاج الوركي المستقيمي، ويعتبر بحق مبتكر الكي في علاج الباسور الشرجي. كما أنه ذكر خطورة إصابة الأمعاء والمثانة والأوعية الدموية الرئوية والأعصاب والمصرات الداخلية التي قد تؤدي إلى إعاقة المسار. كما أنه أشار أيضا إلى عودة البواسير بعد القطع غير الكامل.
جراحة التقويم (الجراحة التعويضية)
وقد سبق ذِكرُ جراحات التقويم من علماء الإسلام في الجراحة مثل جراحات القطع وتقويم الحنك والأذن والشفة والأنف وتضخم الثدي. وفي استعمال الكي بالمعادن المحمية والكيماويات الكاوية، أما استحداث الكي في علاج فلح الشفة بالحافة الحادة لآلة الكي؛ وذلك لتنشيط حَوَافِّ الموضع والتَّنَدُّب اللاحق بما يساعد على التحام الحافتين كانت بلاشك من ابتكار الزهراوي وإليه يعود الفضل في استعمالها لأول مرة وبنجاح.
جراحة الأذن والأنف والحنجرة.
لا مِرَاءَ أن أول من أجرى الفغر الرغامي هم الجراحون المسلمون، كما قاموا بقطع اللوزتين بالجيلوتين الذي كان من اكتشاف الزهراوي، بالإضافة إلى الملقاط الخاص و مُبعِد الفكين لجراحة الحلق والذي رُسِمَ بدقة متناهية في مقاييس الحجم في "التصريف ". وناقش بالإضافة إلى ذلك أيضا مضاعفات قطع اللوزتين والأورام بهما.
ووصف الزهراوي أيضا مبضع العظم الخاص بعمليات لألانف وقطع السليلة وذكر قمعا خاصا لإدخال الدواء، كما أنَّ من فضله أيضا أول ذِكْرٍ للمساميات البحرية الموصولة بخيط لإزالة الأجسام الغريبة من الحَلْقِ.
وعملية بزل الأذن والأجسام الغريبة في هذه المنطقة كانت من موضوعات المناقشة بالتفصيل، كما ذكر أيضا الطرق الجراحية في إزالة الحوصلة اللِّمفاوية تحت اللسان، ووصف ورم ليفي أنفي حلقي، ونجاحه في علاجه بالقطع المتكرر والكي.
أمَّا فضل إيجاد علاقة بين الدراق والجحوظ فيعود إلى الجرجاني (المتَوَفَّى 1136 هـ). ويُقِرُّ إمام الجراحة الأمريكية هالستر بأن استئصال الغدة الدرقية لعلاج الدراق تمثل "في الغالب أفضل من أي عملية وهي النصر الأكيد لفن الجراحة".وأول نجاح في قطع الدرقية أَدَّاه الزهراوي في 952 م في مدينة الزهراء.
طب الأسنان
http://www.islamstory.com/Images/Articles/14.1_04_asnan.bmp
هناك العديد من الكتب التي أنتجها جراحو طب الأسنان المسلمون، فيها ورد ذكر استخدام السلك لتثبيت الأسنان السائبة، واستخراج جذور الأسنان المكسورة وأجزاء الفك بواسطة ملقط خاص، بل تركيب الأسنان المصنعة من عظام الثور. وكلها أجراها الزهراوي لأول مرة وبنجاح. ويذكر الزهراوي أيضاً استخدام الكي الأنبوبي في كي اللثة وعلاج الباسور الفمي الجلدي. ويشارك ابن القف أيضا في صناعة الأسنان المُصَنَّعة من العظام.
جراحة العيون
ولا زال كتاب "نور العيون " للجرجاني قطعة فنية إلى يومنا هذا، واستحق مؤلفه (القرن الخامس الميلادي) أن يُعرَفَ باسم الجرَّاح ذي اليد الذهبية.
أما الزهراوي فيُورِد في تفصيل كافٍ وشَرْحٍ وافٍ عدداً كبيراً من العمليات التي تجرى خارج المُقلة، وتَضَمَّن شرحُه إيراد بعض الآلات المبتكرة مثل الخطاطيف. أما عن منظار العين ومِقَصِّ الملتحمة لإزالة السبل فقد سبق وعالج موضوعاتها على بن عيسى الكَحَّال (المُتَوَفَّى 350 هـ) في مؤلفه (تذكرة الكحالين). ووصف الزهراوي وابن سينا المجسق الدمعي أو المِسبار الدمعي.
وقد أوصى الرازي بتمزيق قشرة العدسة إذا لم يمكن زحزحتها، وشرح ابن سينا أنواع الإبر المختلفة المستخدمة لهذا الغرض، وشارك الرازي والزهراوي في ذكر طرائق إزالة الضغط أو تخفيضه جراحيا في حالات الزرق، والتي أُجرِيَت ومورست في وادي الرافدين.
علم الأورام
حَذَّرَ معظمُ الجراحين المسلمين من استعمال السكين في الأورام الخبيثة، وقد خَصَّها بالذكر كل من الزهراوي وابن سيناء مع التشديد علي أن الأورام الخبيثة، يجب أن تُزَالَ في جراحة قطع متوسعة والوصول بالحوافِّ إلى نسيج حي (صحيح) سليم معافي. كذا ذكروا علاج الأورام الخبيثة بالأدوية والكي.
جراحة الأعصاب
مارس الجراحون المسلمون تصريف قوة الرأس الذي ذكره اليونانيون وقد شرح الزهراوي وابن القف بالتفصيل أعراض النزف القحفي الداخلي والخارجي، الناجم عن إصابة الجمجمة من الأسهم. وبالرغم من أن الفدغ من العمليات المعروفة قديمة إلا أن الزهراوي قام بوصف آلات جديدة مستحدثة لهذه العملية الدقيقة.
ولسوء الحظ فمع تقدم الزمن تناولت الجراحة أيدٍ لم تحسن استخدامها، بل فشلت في إنمائها, وسمحت بضمورها واندثارها, كذا يبدو أن معظم المؤرخين الطبيين الغربيين قد نسوا أو تناسوا فضل الإرث الإسلامي الجراحي في فصولهم.

التعليقات

  • د.مفدى زهور عديد.مفدى زهور عدي عضو ذهبي
    تم تعديل 2010/05/26
    إبداعات العرب في مجال الجراحة
    فهم أول من تمكّن من استخراج حصى المثانة لدى النساء ـ عن طريق المهبل، كما توصلوا إلى وصف دقيق لعملية نزف الدم, وقالوا بالعامل الوراثي في ذلك، حيث وجدوا أن بعض الأجسام لديها استعداد للنزف أكثر من غيرها، وتابعوا ذلك في عائلة واحدة لديها هذا الاستعداد وعالجوه بالكي، كما نجحوا في إيقاف الدم النزيف أيضًا بربط الشرايين الكبيرة. وأجروا العمليات الجراحية في كل موضع تقريبًا من البدن؛ وكتبوا عن جراحة الأسنان وتقويمها وجراحة العين. وبرعوا في قدح الماء الأزرق من العين، وكانت هذه العملية أمرًا يسيرًا ونتائجها مضمونة. وذكروا أكثر من ست طرق لاستخراج هذا الماء من العين منها طريقة الشفط. وأجروا العمليات الجراحية في القصبة الهوائية، بل إن الزهراوي (ت 427هـ، 1035م) كان أول من نجح في عملية فتح الحنجرة (القصبة الهوائية) وهي العملية التي أجراها على أحد خدمه. ويقول الرازي في هذا الصدد: "العلاج أن تشق الأغشية الواصلة بين حلق قصبة الرئة ليدخل النَّفَس منه، ويمكن بعد أن يتخلص الإنسان وتسكن تلك الأسباب المانعة من النَّفَس أن يخاط ويرجع إلى حاله، ووجه علاجه أن يُمَدَّ الرأسُ إلى الخلف, ويمد الجلد ويشق أسفل من الحنجرة ثم يمد بخيطين إلى فوق وأسفل حتى تظهر قصبة الرئة… فإذا سكن الورم، وكان النَّفَسُ؛ فَلْيُخَطْ ويمسك قليلاً واجعل عليه دروزًا أصغر". كما شرحوا الطريقة التي يستطيع بها المصاب بحَصََر البول، ومن يتعذَّر عليه الإدرار؛ بأن تجرى له جراحة كي تركب له قسطرة. ولعل العرب كانوا من أوائل من أشاروا إلى ما يسمى الآن بجراحة التجميل، وقد بينوا كيفية هذه الجراحة في الشفة والأنف والأذن حينما تطرأ عليها الضخامة من نتوء بارز أو قطع، بحيث تعود هذه الأعضاء إلى حالتها الطبيعية فيرتفع القبح الناشيء عن اللحمة الزائدة. وكما أن الطب الجراحي الحديث لا يلجأ للجراحة إلا إذا كانت هي الحل الأخير، فكذلك كان يفعل الجراحون العرب؛ فما كانت الجراحة عندهم إلا كالشر الذي لابد منه. من ذلك ما نجده في قول الرازي في كتابه محنة الطبيب: "متى رأيت الطبيب يبرئ بالأدوية التي تعالج بعلاج الحديد والعملية الجراحية مثل الخراجات والدبيلات واللوزتين، والخنازير واللهاة الغليظة والسلع والغُدد… فمتى أجاد الطبيب في جميع هذه ولا يحتاج في شيء منها إلى البط والقطع إلا أن تدعو لذلك ضرورة شديدة فاحمد معرفته"، ومن ثم سار المثل: آخر الدواء الكي. كما مارس الجراحون العرب إجراء العمليات الناجحة في البطن، والمجاري البولية، والولادة القيصرية، وتجبير الكسور، والخلع، وعمليات الأنف والأذن والحنجرة، وكانوا يخيطون الجروح خياطة داخلية لا تترك أثرًا ظاهرًا من الجانب الخارجي. وخاطوا مواضع العمليات بخيط واحد باستخدام إبرتين، واستخدموا الأوتار الجلدية وخيوطًا صنعوها من أمعاء القطط وحيوانات أخرى في جراحات الأمعاء ورتق الجروح؛ إذ إن الجسم يمتصها دون أن تلحق به أذىً. وتوصلوا إلى أساليب في تطهير الجروح وطوروا أدوات الجراحة وآلاتها. وكان للجراحين العرب فضل كبير في استخدام عمليتي التخدير والإنعاش على أسس تختلف عما نقلوه من الأمم الأخرى.
  • د.مفدى زهور عديد.مفدى زهور عدي عضو ذهبي
    تم تعديل 2010/05/26
    [COLOR="purple"]خامساً: الأطفال
    http://www.islamstory.com/Images/Articles/14.1_05_Pediatrics.jpg
    اهتم الأطباء العرب بمراحل حياة الطفل منذ مولده، ولم يختلف تقسيمهم هذا كثيرًا عن تقسيم المحدثين. وتعرضوا لذكر أطوار الجنين في بطن أمه، وكيفية العناية به حالما يخرج إلى الحياة. كما حظي موضوع إرضاع الأطفال بنصيب وافر من العناية، فقد كتبوا فصولاً كثيرة في الخصائص التي ينبغي أن تتوافر في المرضع، ولبنها، وما عليها أن تتبعه من غذاء حتى يظل لبنها مغذيًا وصحيًا. وتحدثوا عن الأمراض التي تصيب الأطفال؛ كالإسهال والربو والبول في الفراش، والتشنج، والحَوَل، والقروح، والخراجات، والبثور، والتسنين، والقلاع، وأنواع الديدان، والأعصاب (شلل الأطفال)، والحُمَّيَات بأنواعها، والكَزَّاز، وآلام الأذنين والعينين. ويعتبر كتاب الطبيب العربي أبي الحسن أحمد بن محمد الطبري (ت366هـ، 976م) أقدم مخطوط عربي موجود لدينا في طب الأطفال، نظرًا لعدم توافر نسخة عربية من مؤلف الرازي السابق، الذي توجد له ترجمات بالإيطالية والإنجليزية وقديمًا بالعبرية واللاتينية.
    إلى جانب اهتمام الأطباء العرب وعنايتهم بالأطفال الذين يولدون لسبعة أشهر، اهتموا كذلك بالمواليد منذ الوهلة الأولى لمقدمهم، ولا يختلف كلام ابن سينا في هذا الصدد كثيرًا عما يُستَقبَل به الطفلُ في المستشفيات الحديثة. فيذكر ابن سينا في الفصل الأول من الكتاب الأول من القانون ¸أن أول ما ينبغي على الطبيب عمله أن يبدأ بقطع السُّرة نحو أربع أصابع ويغسل جسمه، ويلبس ويقطَّر في عينيه وينظف منخره. وينبغي أن يوضع في مكان معتدل الهواء ليس ببارد ولا حار… ويجب أن يكون إحمامه بالماء المعتدل صيفًا وبالماء المائل إلى الحرارة غير اللاذعة شتاءً… ثم يقطر في أنفه الزيت العذب·. وأجمعوا على أن لبن الأم أفضل أنواع الحليب للطفل، وهذا ما يقرره الطب الحديث. وتطرقوا إلى نوع الغذاء الذي ينبغي أن تتناوله المرضع أثناء فترة الرضاعة، بحيث يكون ما تتناوله ذا قيمة غذائية متوازنة ومدرًا للبن ¸… فيجب أن يُعتَنَى بغذائها فيُجعَل من الحنطة ولحوم الخرفان والجداء والسمك. كما نصحوا المرضع بالتوقف عن الإرضاع في أحوال معينة؛ كتعرضها لمرض مؤلم أو مُعْدٍ، أو إسهال شديد، أو احتباس للبول أو إمساك. كذلك تتوقف عن الرضاعة إذا أدت الضرورة أن تتناول دواء قوي المفعول حتى لا يتأثر الطفل بذلك، وهذا ما يؤيده الطب الحديث.
    أما مدة الإرضاع، فقد حددوها بعامين، ولعلهم اهتدوا في ذلك بما ورد في القرآن ﴿والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة﴾ البقرة: 233. واشترطوا أن يكون الفطام في موسم اعتدال الطقس، فلا يكون في الصيف القائظ ولا الشتاء القارص. وهذا ما يؤيده الطب الحديث أيضًا؛ إذ إن ذلك يجنب الطفل الإصابة بالنزلات المعوية، حيث تقل كفاءة الجهاز الهضمي للطفل. ويجب أن يكون الفطام تدريجًيا كما يقول ابن سينا: "إذا جعلت ثناياه تظهر، نُقِلَ إلى الغذاء الذي هو أقوى بالتدريج من غير أن يُعطَى شيئًا صلب المضغ، ثم إذا فطم نقل إلى ما هو من جنس الحساء واللحوم الخفيفة، ويجب أن يكون الفطام بالتدريج لا دفعة واحدة". كما أشاروا إلى أنه ينبغي إذا تدرَّب الطفل على المشي فلا يُمَكَََََّن من الحركات العنيفة، "ولا يجوز أن يُحمَلَ على المشي والقعود قبل انبعاثه إليه بالطبع؛ فيصيب ساقيه وصلبه آفة.
    سادساً الطب النفسي.
    لم يقتصر الطب عند العرب والمسلمين على العلاج العضوي فحسب، بل تعدّاه إلى العلاج النفسي. وكانوا يرون الوهم والأحداث النفسية من العلل التي تؤثر في البدن. لذا نجد أن إخوان الصفا أشاروا إلى إعطاء المريض الفرصة ليسرد أحوال علّته وأسبابها كما يشعر بها هو، ثم يشرع الطبيب بعد ذلك في محاولة إزالتها ورفع الوهم المسيطر على المريض والتقليل من شأن المرض. وقد خصص الأطباء جناحًا في كل مستشفى كبير للأمراض العصبية والعقلية. وأشار الرازي إلى أهمية العامل النفسي في العلاج، وكان أول طبيب يتوصل إلى الأصول النفسية لالتهاب المفاصل الروماتيزمي. وقد فرق بينه وبين مرض النقرس. وقرر أنه مرض جسدي في ظاهره إلا أنه ناشيء عن الاضطرابات النفسية، وأن أكثر من تظهر عليهم هذه الأعراض من أولئك الذين يكظمون الغيظ؛ وبتراكمه يتعرضون لهزات نفسية كبيرة. بل إن الرازي رأى أن بعض أنواع سوء الهضم تنشأ عن أسباب نفسية؛ فقد "يكون لسوء الهضم أسباب بخلاف رداءة الكبد والطحال، منها حال الهواء والاستحمام ونقصان الشرب، وكثرة إخراج الدم والجماع والهموم النفسانية. وينبغي للطبيب أن يوهم المريض بالصحة ويُرجِّيه بها، وإن كان غير واثق بذلك. فمزاج الجسم تابع لأخلاق النفس". وكتب بعض الأطباء رسائل ومؤلفات في الصحة النفسية، فكتب ابن عمران كتابًا عن المالنخوليا، كما كتب ابن ميمون (ت 415هـ، 1024م) رسالة سماها الرسالة الأفضلية تبحث في الحالات النفسية المختلفة كالغضب والسرور والحزن وأثرها في الصحة، وأشار إلى أن علاجها يتم برياضة النفس وتقويتها. وتدل هذه الرسالة على أنه قد أدرك فائدة تسخير قوى النفس في علاج أمراض البدن. وقد كان المجال الذي سلكه أبوعمران موسى بن ميمون في الطب النفسي نقلة نوعية نستشفها من قول الشاعر:
    أرى طب جالينوس للجسم وحده وطب أبي عمران للعقل والجسم
    كما أدلى ابن الهيثم بدلوه في هذا الشأن عند حديثه عن الموسيقى، فقد كتب عن تأثير الموسيقى في الإنسان والحيوان. ومما يُسجَّل للطبيب العربي في هذا المجال سبقه في استخدام الموسيقى والإيحاء في علاج الأمراض النفسية، وليس بعيدًا أن يكون هناك أطباء عرفوا مباديء التحليل النفسي ووقفوا من خلاله على عدد من الحقائق المرضية. فنجد أن ابن سينا قد عالج في (جرجان) أحد أبناء الأمراء بعد أن استعصى علاجه على جميع الأطباء. وتوصل عن طريق الاستقصاء إلى أن الفتى لم يكن به أي مرض عضوي وأنه مشغوف بإحدى فتيات حي معين. وبملاحظة اضطراب نبض الفتى توصل ابن سينا لمعرفة اسم الحي واسم الفتاة. ونظير ذلك ما تردد من قصة علاجه أحد أمراء بني بويه الذي كان قد أُصِيبَ بمرض عصبي امتنع معه عن تناول الطعام، وتَوَهَّم أنه صار بقرة وينبغي ذبحه. فلما عُرِضَ عليه أخذ شفرة حادة، وتقدم نحو الأمير وأضجعه موهمًا إياه أنه يريد ذبحه وهو مستسلم. وعند لحظة معينة صاح ابن سينا بصوت مرتفع "هذه بقرة نحيفة هزيلة، أعلفها أولاً حتى تسمن". وهنا بدأ الأمير في الأكل بشراهة، وكان ابن سينا يدسّ في طعامه الدواء حتى تم له الشفاء. وقد عزا ابن سينا بعض حالات العقم إلى عدم التوافق النفسي بين الزوج والزوجة. وممن اهتموا بالبحث في الأمراض النفسية أبو البركات هبة الله ابن ملكا (ت 561هـ، 1165م). وقد حاول جادًا استحداث علاج لها، ونجح في ذلك إلى حد أدهش علماء الطب في القرن السادس الهجري، الثاني عشر الميلادي، وصارت نظرياته في هذا الميدان متداولة بين أطباء العالم في زمانه.
    منتديات العز الثقافية.
    سابعاً: الأمراض الباطنية
    http://www.islamstory.com/Images/Articles/14.1_06_Gastrointestinal.jpg
    الأمراض الباطنية: لقد عرف المسلمون تركيب جسم الإنسان وأجهزته، وطبيعة المعدة وأمراضها، وديدان الأمعاء، والبواسير وغيرها من الأمراض.
    إن معرفة الأطباء العرب والمسلمين عن الأمراض الباطنية كان يحكمها في أساسها النظري على الأقل، الإطار العام للنظرية الطبية التي ورثها العرب عن اليونان بأخلاطها وأمزجتها فيما يعرف بـ (نظرية الأخلاط والأمزجة الأربعة) إلا أن التجربة العربية الثرية لم تقعد حبيسة هذا الحيز الضيق بل لجأت إلى الواقع تصنفه وتستقريه وتفسره فبالنسبة لهذا النظرية نجد نجم الدين اللبدي قد فندها عندما صرح بأن حياة الجسم وبقاءه يترتبان على الدم لا على الأمزجة الأربعة.
    وتكلموا بصورة عامة عن أوقات المرض، وهم يريدون بذلك الأدوار التي يمر بها المرض، يقول ابن سينا في القانون الجزء الأول:
    اعلم أن لأكثر الأمراض الأربعة أوقات:
    الابتداء ـ هو الزمان الذي يظهر فيه المرض.
    التزايد ـ هو الوقت الذي يستبان فيه المرض.
    الانتهاء ـ هو الوقت الذي يقف فيه المرض.
    الانحطاط ـ هو الزمن الذي يظهر فيه انتقاصه.
    وهذه الأدوار هي نفس الأدوار المعروفة في العصر الحديث ولم يضف الطب الحديث سوى دور آخر وهو دور النقاهة.
    أما ما جادت به عبقرياتهم من الإضافات والنتائج فكانت كما يلي:
    الطب عند العرب والمسلمين محمود الحاج قاسم
    أولاً: الجهاز الهضمي
    كان ابن سينا هو أول من ذكر بتوسع كبير أنواعًا ثلاثة من اليرقان، كما أن له الفضل في استخدام الكي المَعِدِي. وقد عرف الجراحون العرب ومارسوا البزل البطني للاستسقاء والخراج داخل المساريقا كما قدروا خطورة تخفيف الضغط المفاجيء على البطن، وعندما يتكلم الزهراوي عن الاستسقاء ويربطه دائما بضخامة الكبد والطحال فذلك لا بد مرجعه إلى ارتفاع الضغط البابي ولا جدال أن مفهوم الزهراوي عن هذه المشكلة يقترب من مفهومنا العصري لأسبابها ومدلولاتها.
    وخراج المناطق الاستوائية (الحارة المدارية) بالكبد (الأميبي) من المشاكل الصحية المهمة حتى في وقتنا الحالي. ومن العجيب أن الزهراوي قد ذكر طريقة تفريغها بواسطة حقنة بزل التجاويف، وباستخدام الكي الحراري لفتح مثل هذه الخراريج وذلك -لا جدال- من أعماله الأصيلة.
    وينسب الفضل في الخياطة بالمعى لمداواة الأمعاء إلى الرازي، بينما يرجع هاريسون الفضل في معرفة تعدد الخياطة ومختلف الغرز في الاستعمالات الجراحية لخيوط من معى القطة أو القطن للزهراوي نفسه, والذي أكد على ضرورة الخياطة المنفصلة في طبقات جدار البطن في حالات الجرح البطني.
    واستعمال الكمادات الساخنة فوق الأمعاء المختنقة، ومشكلة الباسور البرازي والتوقع غير الحميد مع إصابات الصائم كانت مفهومة للجراحين العرب.
    أما ابن زهر (1113- 1162) فقد كان أول من قام بالوصف التفصيلي المقارن بين القرحة المعدية وسرصان المعدة. وقد كُرِّسَتْ أعداد من الكتب لموضوع التهاب القولون وعلاجه عن طريق الغذاء والدواء والرحضة ومرجع ابن سينا "القولنج أنواع ومداواة " أحد الأمثلة التي تشير إلى ذلك.
    موقع إسلام ست
    تراث الإسلام في الجراحة الحديثة
    أحمد عبد الحي/ سيد وسيم أحمد ..... الهند
    ثانياً: الجهاز التنفسي
    لقد كتب الأطباء العرب في هذا الباب فكراً طيباً من الطراز الأول وحاولوا أن يتقصوا علل الظواهر السريرية على أساس من فهم وظائف الأعضاء في الصحة والمرض, وعرضوا وجهات النظر المتباينة وقارعوا الحجة بالحجة ومما يزيد العجب قدرتهم على الاستنتاج الصحيح القائم على علامات ودلائل لم تبلغ من الكثرة والعمق ما يسمح بمعرفة الحقيقة في أمر هذه الأمراض، وفي زمن لم يكن فيه وسائل حديثة للتشخيص كالأشعة وأجهزة الاختبار الدقيقة حتى أن السماعة الطبية لم يكن لها وجود بينهم.
    ثالثاُ: أمراض القلب والدورة الدموية
    اهتم الأطباء العرب بالناحية التشريحية للقلب والدورة الدموية اهتماماً بالغاً، وفد سبق وأن ذكرنا إسهاماتهم العظيمة في هذا الميدان إلا أن اهتمامهم هذا لم يكن أقل من الناحية الإكلينيكية، إذ نجد بين طيات كتبهم تصورات ليست بعيدة كل البعد عن الصواب.
    رابعاً: أمراض الكلى والمجاري البولية
    لقد جاءت كتابات الرازي في هذا الباب وكأنها من نتاج طبيب معاصر حيث إنها في منتهى الدقة والإحاطة وهي لا زالت بمجموعها كافية لأي طبيب ممارس حتى اليوم.
    يتناول الرازي الأعراض التي يشكو منها مريض الكلى ويعلل أسباب تلك الأعراض بأسلوب إكلينيكي صحيح على سبيل المثال يقول: (بول الدم بغتة خالصاً غزيراً بلا سبب يكون من انصداع عرق في الكلى لامتلائه من الدم، وقد يكون من وثبة أو سقطة).
    ملاحظته هذه لا زالت صحيحة إذ أن نزول الدم في البول فجأة وبلا ألم أو سبب غالباً يكون من إصابة المريض بسرطان في الكلية أو المجاري البولية.
    الطب عند العرب والمسلمين محمود الحاج قاسم
    وللرازي إضافات أخرى غير التي ذكرناها في هذا الموضوع مما يدل على تفوقه في هذا المجال.
    خامساً: أمراض الجهاز العصبي
    لقد وصف علماء العرب والمسلمين الكثير من الأمراض العصبية منها تشريح وظائف الأعصاب والالتهاب السحائي والتهاب الدماغ ومرض الصرع والسكتة والفالج واللقوة والاختلاط والسهر والصداع والسدر والوار والرعشة .
    لقد سجل علماء المسلمين أروع الأمثلة في العلوم الحياتية خاصة علم الطب فشهد بفضلهم الأعداء، قبل الأصحاب، فأسسوا حضارة عريقة شامخة ولقد استمد العلماء أساس تقدمهم من الإسلام، لينشروا نور العلم والتقدم والرقي في ربوع الأرض بعد أن تخبط الناس في دياجير الظلام، فحازوا بذلك قصب السبق في ميادين العلوم الحياتية.
    [/COLOR]
  • TAMMAMTAMMAM عضو ذهبي
    تم تعديل 2010/05/29
    شكرا للمقال وبارك الله فيك دكتور
  • dr.Hazemdr.Hazem مدير عام
    تم تعديل 2010/05/29
    بارك الله فيك دكتور...و فعلاً إن أفضل ما يميز الطب عند العرب القدماء هو إرتباطه بالشريعة .....و بعتقد لازم نخصص مقال و نأخذ رأي الأعضاء في نقاط الإتصال و التعارض بين الطب و الشريعة .و إن شاء الله رح أعمل على هكذا مقال بعد الإنتهاء من الإمتحانات .....