يكتنف فتح أحد مراجع الجراحة إحساسٌ مخيف، إذ إنه مرصوص بالكلمات صفحةً إثر صفحة، تتخللها الأشكال التي تساعد في التوضيح أحياناً، وتسبب الإرباك لافـتـقارها إلى الوضوح غالبـًا. ويفرض التعليم المحترف وجود مجلدات مملة تؤيد الهالة المعقدة من التقاليد التي يغلب أن يروِّج لها المحترفون. لقد شرع بيلي ولاف في تغيير هذه النزعة بتقديم مرجعٍ منوعٍ مقروءٍ يضم المعلوماتِ الدقيقةَ التي يحتاجها طالب الجراحة. فمنذ الطبعة الأولى لهذا الكتاب عام 1932، أصبحت الجراحة أسهل عند دراستها، فالمعلومات الواسعة توضِّح، والتشخيص الدقيق لايدع إلا القليل للافتراض والرأي. وأصبح التحقق من الرأي الآن أسهل، حتى أن أكثر المتغطرسين يرهقهم اليقين الذي توفره أساليب التصوير الجديدة في التشخيص الدقيق. فالطحال الذي لا يجسُّه إلا المستشار يمكن التحقـُّـق منه بالتصوير المقطعي المحوسب (الشكل 1-1).

          التشخيص الجراحي يعتمد على المعلومات السديدة في التشريح والفسيولوجيا وعلم الأمراض وعلى القصة المرضية والفحص السريري الخاصين وتوثيقهما بالتصوير والعمليات الجراحية. ليس من الضروري أن نتعلم ما يمكن أن نستنتجه، لذلك تهتم دراسة الجراحة بتعريف الحقائق الأساسية التي تبنى عليها عواقب العملية المرضية (الشكل 1-2).

          ومن المدهش في الغالب أن كتاباً عنوانه الموجز في ممارسة الجراحة Short Practice of Surgery لا يحتوي مزيداً من العمليات الجراحية. فالعملية الفعلية في الجراحة ما هي إلا أحد أجزاء العناية في الســيرة الجــراحية؛ والتشخيص والمعــالجـة قبل العمليـة وبعدها

 

الشكل 1-1 صورة مقطعية محوسبة لأعلى البطن تبين كيسة كبيرة في البنكرياس تدفع الطحال إلى الخلف في فتاة عمرها 20 عاماً والعلامات كانت مطابقة لعلامات الطحال المتضخم، ولكن لم يكن هناك ثلمة عند الجس.

مهمان بالتساوي في الأحوال المختلفة. ومهما كانت درجة إتقان العملية، فإن فائدتها بالنسبة للمريض، إذا أجريت للتشخيص الخاطئ، محدودة أو باطلة. وفي أحوال أخرى، مثل المريض الذي يظهر سريريًا بحالة جراحية طارئة، ترافق العمليةَ علةٌ وخيمة، وهي أمر شائع في عمر المرضى المسنين. هذا، وقد تتحول عملية بالغة الخطورة إلى عملية روتينية بالإنعاش والمعالجة المتمرسين المرتبطين بوجود الاختصاصي المناسب، وبالمثل يمكن إنقاذ المريض جداً بالمعالجة الماهرة بعد الجراحة. ومع ذلك، فقد ثبت أن النزعة للتقليل من المهارة العملية الجراحية خاطئة عند التدقيق، إذ ظهر مرة بعد مرة أن الجرّاحَ الذي يجري إحدى العمليات مرارًا يفوق بكل المقاييس الجراحَ الذي يجريها أحياناً. ويتم تعلُّم المهارات الجراحية العملية مبدئياً في غرفة العمليات من خلال الممارسة المراقبة التي تدعمها المراجع التوضيحية الخاصة في الجراحة العملية operative surgery. وهدف هذا الكتاب هو أن يضمن للجراح استيعاب قواعد الحرفة.   

 

الشكل 1-2 صورة الجهاز البولي عن طريق الوريد تبين تأثير انسداد الحصاة في نهاية الحالب الأيمن السفلي. سبب الانسداد تمدد الحوض الكلوي مع تدمير المتن parenchyma. ولا يوجد أي تغيرات في المهام الكلوية شريطة أن تكون الكلوة اليسرى سوية.

السيرة الجراحية SURGICAL PROCESS

 

وهذه تبدأ مع المريض بحيث تؤخذ منه قصة مرضية دقيقة. وينفـَّذ فحص جسدي مركز، وتقيـَّم حالة المريض التامة. ويؤخذ التشخيص المرجح بالاعتبار بناءً على التقييم السريري، ويوثق بالاختبارات المناسبة. وبمجرد التيقن منه، ينصح بالمعالجة النوعية سواءً أكانت طبية أم جراحية. وإذا كان التشخيص المرجح خاطئـاً، توجه العناية للمرضى لأخذ تفاصيل أوفى حول علتهم، ويتم التفكير بتشخيص تفريقي بتدقيق أكبر اعتماداً على الاستقصاءات. وتبقى المراقبة المستمرة طوال فترة زمنية محدودة أداة قوية في الوصول إلى التشخيص.

         

الشكل 1-3 صورة صدر شعاعية لامرأة على وشك أن تتعرض للجراحة لمعالجة السرطان. ومرض الصدر الشائع نتيجة الانتشار الخبيث إلى الرئتين تستبعد الجراحة الشافية.

 

          وبالرغم من المفاهيم المعاصرة، يظهر كثير من المرضى الذين يحتاجون إلى معالجة جراحية بقصة مرضية بسيطة، مثل كتلة أو ألم يوفر تناولها الاستنتاجي الخاص جوابًا لها. وتوفر الخبرة الجواب للكثيرين من المرضى الذين يظهرون بعلامة جسدية، ولا يُضيف إلى هذا التقييم العياني أيُّ إسهاب في أخذ القصة المرضية، والفحص السريري. فالكيسة الزهمية بنقطتها punctum البارزة حالة جراحية بسيطة تتطلب الاستئصال الجراحي. وتجرى العملية للمريض وتمر العارضة episode. وحتى المرأة التي تظهر بكتلة متقرحة في ثديها يمكن معالجتها بالمثل من ناحية تشخيصية، ولكن المعرفة المستقاة من الدراسة الجراحية تحذر من تناول مبسط كهذا، وتوجه العناية إلى التيقن من التشخيص بوسائل غير باضعة noninvasive تمكن تقييم المريضة كلها تقييماً تاماً بناء على المرض اليقيني، وغالباً بعد التعاون مع زملاء في تخصصات أخرى (الشكل 1-3).

                      لقد بذل الجراحون عناية قليلة نحو عمليات التشخيص المساندة، وكان ذلك في بعض التخصصات أكثر من الأخرى. فكما كانت السماعة مفيدة في التشخيص، فإن تخطيط الصدى ultrasonography والتنظير endoscopy وأشكال التشخيص الأخرى ستؤدي إلى توثيق الموجودات السريرية بشكل سريع. فتفريسة فائق الصوت تؤكد الحصى المرارية (الشكل 1-4)، والتنظير السيني sigmoidoscopy يكشف سرطان المستقيم، وصورة الأشعة العادية توثـِّـق الكسر (الشكل 1-5)، والتصوير بالرنين المغناطيسي يبين تدلي القرص prolapsed disc (الشكل 1-6)، والتصوير الوعائي angiogram يحدد سبب ألم الذبحة angina pain. فلكل منها دور في السيرة الجراحية، وكل منها يوجه التناول الجراحي بشكل أدق، ولكن أيا منها ليس السبب الوحيد لإجراء الجراحة؛ لأن التناول السريري يفرض الجراحة لأنها تنفـَّـذ في حالة تسبب الأعراض في مريض لائق صحياً حتى يتحمل الجراحة.

 

الشكل 1-4 صورة فائق صوت للمرارة تبين الظل الصوتي الذي تسببه الحصاة المرارية.

          والجراحة تدور حول تقييم المخاطر. فالتشخيص يُوضَع ولياقة المريض تقيـَّم والعملية تحدَّد والنتيجة تـُعـْـرَف. هل هذه النتيجة مفيدة للمريض؟ إن الورم الموجود في رأس البنكرياس يقتل المريض إذا لم يعالج في غضون 6 أشهر، لذلك يبدو أن الجراحة إلزامية، ولكن معدل الوفاة mortality للعملية يبلغ 10 بالمائة،

 

الشكل 1-5 كسر عنق العضد الأيمن.

 

الشكل 1-6 تصوير بالرنين المغناطيسي يبين تدلي القرص بين الفقرتين يملأ جزءاً من القناة الشوكية ويضغط جذور الأعصاب.

 

والبقيا الناصفة median survival يمكن زيادتها حوالي 12 شهراً، وعوامل المراضة morbid factors خطيرة، بحيث لا يحقق كثير من المرضى إلا فائدة ضئيلة من الجراحة الواسعة (الشكل 1-7). بالمقابل، المريض المصاب بفتق فخذي مخنوق الذي يحمل عند المريض المسن معدل مراضة يبلغ 10 بالمائة، خاصة إذا تم استئصال الأمعاء، يواجه نفس مخاطر المراضة مثل مريض سرطان البنكرياس، ولكن العملية تشفيه، ولذلك لم يكن هناك أدنى شك حول استحقاق الجراحة ولذلك تجرى العملية.

 

الشكل 1-7 صورة مقطعية محوسبة تبين ورماً أنبوريا ampullary يبرز داخل الاثناعشر. أجريت عملية ناجحة لهذا الرجل الذي يبلغ 73 عاماً ولكنه توفي بعد 35 يوماً من خثار إكليلي.

 

الشكل 1-8 صورة مقطعية محوسبة للبطن العلوي في امرأة عمرها 42 عاماً تبين سرطان بنكرياس عصي على الجراحة. وفتح البطن لتوكيد التشخيص النسيجي المثبت بالفعل سيكون مجرد زيادة تعاسة المريضة في آخر شهرين من حياتها.

 

          إن هذه القرارات الآن شكل من أشكال المحاكمة، ولكن يمكن تقييم العملية أو المعالجة الدقيقة بسهولة أكثر بزيادة المعلومات حول معرفة المخاطر، وهكذا  تكون أخطاء الحكم أقل. إن الأخطاء في الحكم بوجه عام هي التي تسبب التعرض للمخاطر. وبتجنب هذه الأخطاء بالتشخيص والمعالجة قبل الجراحة وبعدها بشكل دقيق ومضبوط، تتحسن المعالجة الجراحية. والقول إن إجراء الجراحة قبل الوفاة لتثبت أن كل شيء يمكن تقديمه للمريض قد تم تنفيذه لم يعد مقبولاً البتة، ومن المطلوب العناية بالمريض بطريقة إنسانية أفضل في أثناء مرض وفاته (الشكل 1-8).

 

العصبية
الصدرية
القلبية
الوعائية
الهضمية
الغدية
الجلدية
الجهاز الحركي
البولية التناسلية
العينية
الانتانية
الثدي
المناعة و غرس الأعضاء
علم الأورام
آفات العنق
الجراحة - أساسيات
أسنان و لثة
مواضيع طبية متنوعة
اليد
القدم
الوجه
الخدين
اللسان
الفكان
الأنف
الأذن
الغدد اللعابية
البلعوم و اللوزات
الحنجرة