مرضيات التئام الكسر

PATHOLOGY OF FRACTURE HEALING

العظم النبيبي Tubular bone. يمزِّق الكسرُ في جسم العظم الطويل مَطْرِقَ العظم bone matrix والسمحاقَ periosteum والسمحاقَ الباطن endosteum، والأوعيةَ الدموية في القناةِ النخاعية  medullary canal والقشرة  cortex والسمحاق والأنسجة الرخوة  soft tissues المجاورة. والمَطـْـرِقُ خامل، ولايسهم في التئام العظم لاحقًا؛ بينما تفعل ذلك الأوعية الدموية والسمحاق والسمحاق الباطن، وربما أيضًا الخلايا العظمية osteocytes في العظم المصاب. ولعوامل النمو أو السيتوكينات cytokines المتورطة علاقة وثيقة في تنبيه الخلايا المشمولة في عملية التصليح. وقد يكون لهذه العوامل طبيعة عامة (عامل نمو مستمد من الصفيحات platelet-derived growth factor (PDGF) أو قد يكون لها مهام نوعية تعمل على خلايا العظم أو الغضروف (عامل نمو محوِّل transforming growth factor (TGF) وعامل نمو شبيه بالأنسولين insulin-like growth factor (IGF))

            تكوين الدشبذ Formation of callus. (الشكل 14-3). مايزال تعاقب الأحداث في التئام الكسر يثير شيئًا من الجدل. فحسب إحدى الفرضيات (نظرية الدميوم أو التحريض haematoma or induction theory)، يتكون الدميوم في باحات الأنسجة الرخوة حول موضع الكسر وفي الحيِّز بين نهايتي العظم المكسور، إضافة إلى القناة النخاعية، وذلك نتيجة تمزق الأوعية الدموية. ويغزو النسيجُ الحبيبي granulation tissue الدميومَ كما يفعل في باقي أنحاء الجسم. وتزيل البلاعمُ macrophages الدميومَ من فوق قِمم العُرى الشعيرية capillary loops التي يتألف منها النسيج الحبيبي. وبعد حوالي أسبوعين، تقوم خلايا متعددة القدرات pluripotent من اللُحمة المتوسطة mesenchyme، مستمَدَّة من الأنسجة الرخوة المحيطة ومن بطانة الشعيرات capillary endothelium، بإرساء نسيجٍ ضام مفكك loose connective tissue، يتألف من ألياف المغراء (كلاجين) callogen التي تُسَجَّى في هلامةٍ مخففة من نشوياتٍ بروتينية proteoglycan، ثم يتكلس فيما بعد ويتعظم خلال بضعة أسابيع.

            وبينما يصبح الدميوم متعضِّيا بشكلٍ مترق progressively organised ويُستبدَل بالنسيج الضام المفكك، تصبح نهايتا العظم متصلتين بعضهما ببعض. ولا يملك نسيج التصليح إلا قدرًا قليلاً جدًا من الصلابة والقوة في هذه المرحلة. ومنذ الأسبوع الثالث تقريبًا، يتكون نسيجٌ ليفي غضروفي fibrocartilagenous، ويصبح المَطْرِقُ matrix متكلسًا بشكل متزايد، ثم يتعظم حتى يصبح النسيج بين نهايتي العظم المكسور نسيجًا عظميًا بالتدريج. ويدعى نسيجُ التصليح هذا الدشبذَ callus، ويُسبِغ على الكسر قدرًا متزايدًا من الصلابة والقوة، ويشاهد منذ الآن بالأشعة. ويتكوَّن نسيج التصليح (الدشبذcallus ) من كتلة مؤلفة من نسيجٍ ليفي وغضروف وعظم منسوج موزعة توزيعًا عشوائيًا. وهكذا ينتشر دشبذُ الكسر في جميع أنحاء المنطقة التي كان يحتلها دميوم haematoma  الكسر.

            وترفض النظريةُ الثانية لالتئام الكسر وجودَ دميومٍ للكسر أو مشاركتَه على شكل كتلة ورمية محددة. وحسب هذه النظرية (النظرية السمحاقية أو التكاثرية periosteal or proliferative theory)، يتم حفز خلايا أسلاف العظم osteoprogenitor أو ‘خلايا الجذع المكوِّن للعظم bone forming stem’ من السمحاق أو السمحاق الباطن، حتى تتكاثر خلال ساعات من حدوث الكسر. وخلال الأيام القليلة التالية، يصبح سمك هذين الغشائين عدة طبقات. وبمضي الوقت، يتكون طوقٌ مميز من الخلايا حول كل شُدْفَة بعيدًا شيئًا ما عن موقع الكسر. وينمو الطوقان الدشبذيان بشكلٍ متزايد بعضها باتجاه بعضها الآخر، ويتقابلان في النهاية بعد حوالي أسبوعين من الإصابة. ويبدو أن هذه الاستجابةَ الخلوية للإصابة استجابةٌ من منشأ داخل النسيج العظمي، وقد وصفت بأنها استجابة الدشبذ الأولية primary callus response. وهي استجابة هادفة تستجيب لتمزُّق وحدة العظم الميكانيكية، حيث يتم إلغاؤها بالتثبيت الهيكلي skeletal fixation (تركيب العظام osteosynthesis)، ويتم حفزها بالحركة في موقع الكسر. ولا يترسب الدشبذ على غير هدىً في كل الاتجاهات، وإنما يتقدم من إحدى شُدْفَتي الكسر إلى الأخرى. ولا يتأثر بعوامل مجموعية عامة.

            وتبدأ الخلايا المكوِّنة للعظم، إضافة إلى تكاثرها، بإظهار علامات التمايز differentiation. وفي أثناء تكاثر هذه الخلايا، تتكاثر الشعيرات بينها، ولكنها لا تنمو بنفس السرعة مثل الخلايا المكوِّنة للعظم. وتتمايز هذه الخلايا الأقرب إلى الجَدْل shaft، إذا وُجِدَ تزويدٌ دموي كافٍ، لتصبح بانياتٍ للعظم osteoblasts. وبالمقابل، تتمايز الخلايا الأبعد، وبيئتُها غير وعائية نسبيًا، لتصبح خلايا غضروفية. ويَعْرِض دشبذ الكسر ثلاث طبقات نسيجية، يتداخل بعضها في بعضها الآخر: طبقة ترابيق عظمية bony trabeculae ملتصقة بالجدْل shaft، وطبقة غضروفية متوسطة، وطبقة خارجية من خلايا مولِّدة للعظم المتكاثر. وجزء الدشبذ الغضروفي، إضافة إلى ذلك، يظهر على شكل حرف V، لأن موجة التعظُّم ossification تبدأ من الجدْل. وعلى أية حال، يكون للغضروف الذى ينشأ في الدشبذ وجودٌ مؤقت فقط، ويتحول في نهاية الأمر إلى عظمٍ بطريقة التعظـُّم داخل الغضروف enchondral ossifiication.

            ومهما تكن طريقة تكوُّن الدشبذ، فإنه يلتصق بقشرة العظم الأصلية. ويصبح الخطُّ التشريحي الذى يفصل الدشبذَ عن العظم القشري باهتًا بشكلٍ متزايد. وفي نهاية الأمر، يتم تغيّرالكتلة المؤلفة من الدشبذ والعظم القشري بعظمٍ هافيرسي* Haversian متمايز في موقع الكسر (طور التجسير bridging phase). وفي هذا الوقت، يستعيد العظم قوته وصلابته الأصليتين، ولكن ملامحه التشريحية والشعاعية تبقى شاذة. وخلال السنوات القادمة، يعاد تشكيل كتلة العظم داخل القناة النخاعية والمحيطة بموقع الكسر (طور إعادة التركيب remodelling phase)، حتى يعود تشريح العظم تدريجيًا نحو شكله السويّ. وتشمل هذه العملية ارتشافًا ناقضًا للعظم osteclastic resorption، يزيل التربيقات العظمية الفائضة التي تقع في مكانٍ سيء، كما تشمل تكوين العظم الجديد حسب الحاجة.

            الالتئام في حالة التثبيت الصارم Healing under conditions of rigid immobilisation. عند ردِّ الكسر ردَّا دقيقًا، وتثبيته تثبيتًا صارمًا بصفيحةٍ وبراغي plate and screws، تتغير عملية الالتئام تبعًا لذلك. فالدشبذ الخارجي لا يتكوَّن، وعوضًا عن ذلك يختفى خطُّ الكسر بالتدريج. وقد تم وصف ذلك بـ ‘التئام العظم الأولي’، لأنه يُعتقَد أن التئام شُدْفَتي الكسر يحدث من دون مساهمةٍ من أيّ نسيجٍ وسيط.

            ويؤدى تمزُّقُ الأوعية الدموية بعد الكسر، وتوقُّفُ النزف منها، إلى نخر العظم bone necrosis في المنطقة التي تجاور خطَّ الكسر مباشرة. وتتجدد حيوية العظم الميت بامتداد الأنظمة الهافيرسية Haversian systems من المناطق الحية. وبمضيِّ الوقت، تَعْبُرُ الأنظمةُ الهافيرسية مباشرة من إحدى  شُدْفَتي الكسر إلى الأخرى. ويشمل ذلك كسرَ العظم  osteoclasisوتكوينَ العظم الجديد بحيث يحكم إغلاقَ الكسر في النهاية. ولاتزيد هذه العملية عن عملية إعادة التركيب remodelling السويّ الذي يأخذ مجراه في العظم، وهي عملية بطيئة، وتتطلب من المريض أن يعتمد على غرسته implant المعدنية لعدة شهور.

            الالتئام في حالة التثبيت غير الصارم Healing under conditions of non-rigid immobilisation. وتسمح معظم أدوات التثبيت الداخلي التقليدية بشيءٍ من الحركة في الكسر، ويمكن اعتبارها على أنها شكل من أشكال خياطة العظم bone sutures، وهدفها الأول المحافظة على وضع شُدْفَتي الكسر. وتحت هذه الظروف، يظل الدشبذُ الخارجي الوسيطَ الذي تتجَسَّر فيه شُدْفَتا الكسر. ويصحب التثبيتَ غيرَ الصارم، مثل ردِّ الكسر غير التام، تكوينُ دشبذٍ  أكثر غزارة. ومع ذلك، هناك حَدٌّ لكمية الدشبذ التي يمكن تكوينها، لأن الزيادة المطـَّردة في الحركة عند موقع الكسر لاتصحبها زيادة مطَّردة في كمية الدشبذ.

 

العظم الإسفنجي Cancellous bone

الأحداث المرضية The pathological events  التي تعقب كسر العظم الإسفنجي، تشابه تلك التي تعقب كسر العظم النبيبي tubular bone، ماعدا عملية الالتئام، فإنها تحدث حول عددٍ وافرٍ من الكسور  الصغيرة: كسر في كل تربيقة trabecula من ترابيق العظم المصاب، بدل أن تحدث بين شُدْفَتين كبيرتين مكسورتين في القشرة النبيبية tubular cortex. وهكذا، بالرغم من أن الأحداث النسيجية متشابهة، فإن الملامح السريرية والشعاعية مختلفة شيئًا ما، لأن دشبذ الكسر ينتشر بالتساوي خلال العظم الإسفنجي الذي يشبه المَخْرَبة (قرص العسل) honeycomb. والفارق السريري الرئيسي، هو أن الحركة الشاذة والفرقعةcrepitus ، قد لاتوجدان أبدًا إذا كانت بنية المخربة متداخلة بسبب ترتيب التربيقات بشكلٍ عارضي في موقع الكسر. ويقال لمثل هذا الكسر، إنه كسرٌ منحشرimpacted . ولا يظهر الدشبذ بالأشعة بعد ذلك على شكل كتلة عظمية تحيط بموقع الكسر، وإنما يشاهد بدلاً من ذلك على شكل منطقة ذات كثافة شعاعية عالية (تعرف بالتصلب sclerosis) في موقع الكسر.

  

الظواهر السريرية والتشخيص

CLINICAL FEATURES AND DIAGNOSIS

 يوجد عادة تاريخٌ مرضي للإصابة، إلا في حالات الكسر الإجهادي stress fracture أو بعض حالات الكسور المرضية pathological fractures. ويشكو المريض من ألمٍ موضعي بعد الكسر مباشرة، وقد يكون خفيفًا أو شديدًا. ويكون هناك إيلام في موقع الكسر، ويظهر التورم والتكدم bruising خلال بضع ساعات. كما تكون هناك خسارة جزئية في وظيفة الجزء المصاب تتباين بين خسارة طفيفة أو تامة. وإذا تزحزحت  نهايتا العظم الواحدة منهما بالنسبة إلى الأخرى، يكون التشوه عيانيًا. وكثيرًا ما تكون رؤية الحركة الشاذة في موقع الكسر مستحيلة، وتكون مصحوبة بالفرقعة crepitus (وهو شعورٌ بصوت حكٍّ شديد عندما تتحرك نهايتا العظم إحداهما ضد الأخرى). ويجب عدم محاولة إظهار هاتين العلامتين عن قصدٍ البتة، لإن ذلك لايضيف شيئا إلى التشخيص، وإنما يسبب الألم  فقط، وقد يؤدي إلى النزف وإيذاء الأنسجة الرخوة مجددًا.

            التصوير الشعاعيRadiography . عند الشك بوجود الكسر على أساس سريري، يُوَثـَّـق التشخيصُ بالتصوير الشعاعي. وذلك يمكـِّن رؤيةَ العظم وهو مكسور، كما يمكـِّن تمييزَ تفاصيل الكسر التشريحية. وأقل تصوير شعاعي مقبول، لا يتم إلا عند الحصول على صور شعاعية للعظم كلِّه بما في ذلك المفاصل التي يشارك فيها. ويجب أيضا الحصول على صورٍ شعاعية في مستويين متعامدين (عادة أمامي خلفي وجانبي). وفي حالات معينة، يستلزم الأمر الحصول على صور مائلة لكشف الكسور، مثلاً في مفصل المرفق والفك السفلي.


 

* كلوبتن هافيرس Clopton Havers، 1650-1702. عالم تشريح وطبيب، لندن، انجلترا.

 

العصبية
الصدرية
القلبية
الوعائية
الهضمية
الغدية
الجلدية
الجهاز الحركي
البولية التناسلية
العينية
الانتانية
الثدي
المناعة و غرس الأعضاء
علم الأورام
آفات العنق
الجراحة - أساسيات
أسنان و لثة
مواضيع طبية متنوعة
اليد
القدم
الوجه
الخدين
اللسان
الفكان
الأنف
الأذن
الغدد اللعابية
البلعوم و اللوزات
الحنجرة