القانون  
   القانون   
   ( 5 من 70 )  
  السابق   الفهرس   التالي  
  
 

 الفصل الثلاثون تشريح عضل أصابع الرجل

وأما العضل المحركة للأصابع فالقوابض منها عضل كثيرة‏:‏ فمنها عضلة منشؤها من رأس القصبة الوحشية وتنحدر ممتدة عليها وترسل وتراً ينقسم إلى وترين لقبض الوسطى والبنصر‏.‏

وأخرى أصغر من هذه ومنشؤها هو من خلف الساق فإذا أرسلت الوتر انقسم وترها إلى وترين يقبضان الخنصر والسبابة ثم يتعّب من كل واحد من القسمين وتر يتصل بالمتشعب من الآخر ويصير وتراً واحداً يمتد إلى الإبهام فيقبضه‏.‏

وعضلة ثالثة قد ذكرناها تنشأ من وحشيّ طرفي القصبة الإنسية وتنحدر بين القصبتين وترسل جزءاً منها لقبض القدم وجزءاً إلى المفصل الأول من الإبهام‏.‏

فهذه هي العضل المحركة للاصابع التي وضعها على الساق ومن خلفه‏.‏

وأما اللواتي وضعها في كف الرجل فمنها عضل عشر قد فاتت المشرّحين وأوّل من عرفها ‏"‏ جالينوس وهي تتصل بالأصابع الخمس لكل أصبع عضلتان يمنة ويسرة وتحرّك إلى القبض إما على الإستقامة إن حركتا معاً أو الميل إن حرّكت واحدة ومنها أربع على الرسغ لكل إصبع واحدة وعضلتان خاصتان بالإبهام والخنصر للقبض وهذه العضل متمازجة جداً حتى إذا أصاب بعضها آفة حدث من ذلك ضعف فعل البواقي فيما يخصها وفي أن تنوب عن هذه بعض النيابة فيما يخصّ هذه‏.‏

ولهذا السبب ما يعسر قبضْ بعض أصابع القدم خاصة دون بعض‏.‏

ومن عضل الأصابع خمس عضل موضوعة فوق القدم من شأنها أن تميل إلى الوحشيّ وخمس موضوعة تحتها يصل كل واحدة منها إصبعاً بالذي يليه من الشق الإنسي فتميله بالحركة إلى الجانب الإنسيّ وهذه الخمس مع اللتين يخصّان الإبهام والخنصر هي على قياس السبع التي  الجملة الثالثة العضل

وهي ستّة فصول

 الفصل الأول كلام في العصب

خاص منفعة العصب‏:‏ منها ما هو خاص بالذات ومنها ما هو بالعرض والذي بالذات إفادة الدماغ بتوسطها لسائر الأعضاء حبسًّا وحركة‏.‏

والدي بالعرض فمن ذلك تشديد اللحم وتقوية البدن ومن ذلك الإشعار بما يعرض من الآفات للأعضاء العديمة الحسّ مثل الكبد والطحال والرئة فإنّ هذه الأعضاء وإن فقدت الحس فقد أجرى عليها لفافة عصبيّة وغشيت بغشاء عصبيّ فإذا ورمت أو تمدّدت بريحَ بادي ثقل الورم أو تفريق الريح إلى اللفافة والى أصلها فعرض لها من الثقل انجذاب ومن الريح تمدد فأحس به‏.‏

والأعصاب مبداها على الوجه المعلوم هو الدماغ‏.‏

ومنتهى تفرّقها هو الجلد فإن الجلد يخالطه ليف رقيق منبث فيه أعصاب من الأعضاء المجاورة له والدماغ مبدأ العصب على وجهين فانه مبدأ لبعض العصب بذاته ومبدأ لبعضه بوساطة النخاع السائل منه‏.‏

والأعصاب المنبعثة من الدماغ نفسه لا يستفيد منها الحس والحركة إلاّ أعضاء الرأس والوجه والأحشاء الباطنة وأما سائر الأعضاء فإنما تستفيدهما من أعصاب النخاع وقد دل ‏"‏ جالينوس ‏"‏ على عناية عظيمة تختص بما ينزل من الدماغ إلى الأحشاء من العصب فإن الصانع جل ذكره احتاط في وقايتها احتياطاً لم يوجبه في سائر العصب وذلك لأنها لما بعدت من المبدأ وجب أن ترفد بفضل توثيق فغشاها بجرم متوسط بين العصب والغضروف في قوامه مشاكل لما يحدث في جرم العصب عند الالتواء وذلك من مواضع ثلاثة‏:‏ أحدها عند الحنجرة والثاني إذا صار إلى أصول الأضلاع والثالث إذا جاوز موضع الصدر والأعصاب الدماغية الأخرى فما كان المنفعة فيه إفادة الحسّ أنفذ من مبعثه على الاستقامة إلى العضو المقصود إذ كانت الاستقامة مؤدية إلى المقصود من أقرب الطرق وهناك يكون التأثير الفائض من المبدأ أقوى إذ كانت الأعصاب الحسية لا يراد فيها من التصليب المحوح إلى التبعيد عن جوهر الدماغ بالتعريج ليبعد عن مشابهته في اللين بالتدريج ما يراد في أعصاب الحركة بل كلما كانت ألين كانت لقوة الحس أشدّ تأدية‏.‏

وأما الحركية فقد وجهت إلى المقصد بعد تعاريج تسلكها لتبعد عن المبدأ وتندرج في التصليب‏.‏

وقد أعان كل واحد من الصنفين على الواجب منه من التصلّب والتليين جوهر منبته إذ كان جل ما يفيد الحس منبعثاً من مقدم الدماغ‏.‏

والجزء الذي هو مقدم الدماغ ألين قواماً وجلّ ما يفيد الحركة منبعثاً من مؤخر الدماغ والجزء الذي هو مؤخر الدماغ أثخن قواماً‏.‏

 الفصل الثاني تشريح العصب الدماغي ومسالكه

قد تنبت من الدماغ أزواج من العصب سبعة‏:‏ فالزوج الأوّل مبدؤه من غور البطنين المقدمين من الدماغ عند جواز الزائدتين الشبيهتين بحلمتي الثدي اللتين بهما الشمّ وهو عظيم مجوف يتيامن النابت منهما يساراً ويتياسر النابت منهما يميناً ثم يلتقيان على تقاطع صليبي ثم ينفذ النابت يميناً إلى الحدقة اليمنى والنابت يساراً إلى الحدقة اليسرى وتتسع فوهاتهما حتى تشتمل على الرطوبة التي تسمّى زجاجية‏.‏

وقد ذكر غير ‏"‏ جالينوس ‏"‏ أنهما ينفذان على التقاطع الصليبي من غير انعطاف وقد ذكر لوقوع هذا التقاطع منافع ثلاث‏:‏ إحداها‏:‏ ليكون الروح السائلة إلى إحدى الحدقتين غير محجوبة عن السيلان إلى الأخرى إذا عرضت لها آفة ولذلك تصير كل واحدة من الحدقتين أقوى أبصاراً إذا غمضت الأخرى وأصفى منها لو لحظت والأخرى لا تلحظ ولهذا ما تزيد النقبة العنبية والثانية‏:‏ أن يكون للعينين مؤدّى واحد يؤديان إليه شبح المبصر فيتحد هناك ويكون الإبصار بالعينين إبصاراً واحداً ليمثل الشبح في الحد المشترك ولذلك يعرض للحول أن يروا الشيء الواحد شيئين عندما تزول إحدى الحدقتين إلى فوق أو إلى أسفل فيبطل به استقامة نفوذ المجرى إلى التقاطع ويعرض قبل الحد المشترك حد لإنكار العصبة‏.‏

والثالثة‏:‏ لكي تستدعم كل عصبة بالأخرى وتستند إليها وتصير كأنها تنبت من قرب الحدقة‏.‏

والزوج الثاني من أزواج العصب الدماغي منشؤه خلف منشأ الزوج الأول ومائلا ‏"‏ عنه إلى الوحشيّ ويخرج من الثقبة التي في النقرة المشتملة على المقلة فينقسم في عضل المقلة‏.‏

وهذا الزوج غليظ جداً ليقاوم غلظه لينه الواجب لقربه من المبدأ فيقوى على التحريك وخصوصاً إذ لا معين له إذ الثالث مصروف إلى تحريك عضو كبير هو الفك الأسفل فلا يفضل عنه فضلة بل يحتاج إلى معين غيره كما نذكره‏.‏

وأما الزوج الثالث‏:‏ فمنشؤه الحدّ المشترك بين مقدم الدماغ ومؤخره من لدن قاعدة الدماغ وهو يخالط أولاً الزوج الرابع قليلا ‏"‏ يفارقه ويتشعب أربع شعب‏:‏ شعبة تخرج من مدخل العرق السباتي الذي نذكره بعد وتأخذ منحدرة عن الرقبة حتى تجاوز الحجاب فتتوزعّ في الأحشاء التي دون الحجاب‏.‏

والجزء الثاني مخرجه من ثقب في عظم الصدغ وإذا انفصل اتصل بالعصب المنفصل من الزوج الخامس الذي سنذكر حاله وشعبة تطلع من الثقب الذي يخرج منه الزوج الثاني إذ كان مقصده الأعضاء الموضوعة قدام الوجه ولم يحسن أن ينفذ في منفذ الزوج الأول المجوف فيزاحم أشرف العصب ويضغطه فينطبق التجويف‏.‏

وهذا الجزء إّذا انفصل انقسم ثلاثة أقسام‏.‏

قسم يميل إلى ناحية الماَق ويتخلص إلى عضل الصدغين والماضغين والحاجب والجبهة والجفن‏.‏

والقسم الثاني ينفذ في الثقب المخلوق عند اللحاظ حتى يخلص إلى باطن الأنف فيتفرق في الطبقة المستبطنة للأنف‏.‏

والقسم الثالث‏:‏ وهو قسم غير صغير ينحدر في التجويف البريخي المهيأ في عظم الوجنة فيتفرعّ إلى فرعين‏:‏ فرع منه يأخذ إلى داخل تجويف الفم فيتوزع في الأسنان‏.‏

أما حصة الأضراس منها فظاهرة وأما حصة سائرها فكل يخفى عن البصر ويتوزع أيضاً في اللثة العليا‏.‏

والفرع الآخر ينبت في ظاهر الأعضاء هناك مثل جلدة الوجنة وطرف الأنف والشفة العليا‏.‏

فهذه أقسام الجزء الثالث من الزوج الثالث‏.‏

وأما الشعبة الرابعة من الزوج الثالث فتتخلص نافذة في ثقبة في الفك الأعلى إلى اللسان فتتفرّق في طبقته الظاهرة وتفيده الحسّ الخاص به وهو الذوق وما يفضل من ذلك يتفرق في غمور الأسنان السفلى ولثاتها وفي الشفة السفلى والجزء الذي يأتي اللسان أدق من عصب العين لأن وأما الزوج الرابع‏:‏ فمنشؤه خلف الثالث وأميل إلى قاعدة الدماغ ويخالط الثالث كما قلنا ثم يفارقه ويخلص إلى الحنك فيؤتيه الحس وهو زوج صغير إلا أنه أصلب من الثالث لأنّ الحنك وصفاق الحنك أصلب من صفاق اللسان‏.‏

وأما الزوج الخامس‏:‏ فكل فرد منه ينشقّ بنصفين على هيئة المضاعف بل عند أكثرهم كل فرد منه زوج ومنبته من جانبي الدماغ‏.‏

والقسم الأول من كل زوج منه يعمد إلى الغشاء المتبطن للصماخ فيتفرّق فيه كلّه‏.‏

وهذا القسم منبته بالحقيقة من الجزء المؤخر من الدماغ وبه حس السمع‏.‏

وأما القسم الثاني وهو أصغر من الأول فإنه يخرج من الثقب المثقوب في العظم الحجري وهو الذي يسمى الأعور والأعمى لشدة التوائه وتعريج مسلكه إرادة لتطويل المسافة وتبعيد اَخرها عن المبدأ ليستفيد العصب قبل خروجه منه بعد أمن المبدأ لتتبعه صلابة فإذا برز اختلط بعصب الزوج الثالث فصار أكثرهما إلى ناحية الخدّ والعضلة العريضة وصار الباقي منهما إلى عضل الصدغين وإنما خلق الذوق في العصبة الرابعة والسمع في الخامسة لأن آلة السمع احتاجت إلى أن تكون مكشوفة غير مسدود إليها سبيل الهواء وآلة الذوق وجب أن تكون محرزة فوجب من ذلك أن يكون عصب السمع أصلب فكان منبته من مؤخر الدماغ أقرب وإنما اقتصر في عضل العين على عصب واحد وكثر أعصاب عضل الصدغين لأن ثقبة العين احتاجت إلى فضل سعة لاحتياج العصبة المؤدية لقوة البصر إلى فضل غلظ لإحتياجها إلى التجويف فلم يحتمل العظم المستقر لضبط المقلة ثقوباً كثيرة وأما عصب الصدغين فاحتاجت إلى فضل صلابة فلم تحتج إلى فضل غلظ بل كان الغلظ مما يثقل عليها الحركة وأيضاً المخرج الذي لها في عظم حجري صلب يحتمل ثقوباً عديدة‏.‏

وأما الزوج السادس فإنه ينبت من مؤخر الدماغ متصلاً بالخامس مشدودا ‏"‏ معه بأغشية وأربطة كأنهما عصبة واحدة ثم يفارقها ويخرج من الثقب الذي في منتهى الدرز اللامي وقد انقسم قبل الخروج ثلاثة أجزاء ثلاثتها تخرج من ذلك الثقب معاً فقسم منه يأخذ طريقه إلى عضل الحلق وأصل اللسان ليعاضد الزوج السابع على تحريكها‏.‏

والقسم الثاني ينحدر إلى عضل الكتف وما يقاربها ويتفرّق أكثره في العضلة العريضة التي على الكتف وهذا القسم صالح المقدار وينفذ معلقاً إلى أن يصل مقصده‏.‏

وأما القسم الثالث وهو أعظم الأقسام الثلاثة فإنه ينحدر إلى الأحشاء في مصعد العرق السباتي ويكون مشدوداً إليه مربوطاً به فإذا حاذى الحنجرة تفرعت منه شعب وأتت العضل الحنجرية التي رؤوسها إلى فوق التي تشيل الحنجرة وغضاريفها فإذا جاوزت الحنجرة صعد منها شعب تأتي العضل المتنكسة التي رؤوسها إلى أسفل وهي التي لا بد منها في إطباق الطرجهاري وفتحه إذ لا بد من جذب إلى أسفل ولهذا يسمى العصب الراجع‏.‏

وإنما أنزل هذا من الدماغ لأن النخاعية لو أصعدت لصعدت موربة غير مستقيمة من مبدئها فلم يتهيأ الجذب بها إلى أسفل على الإحكام وإنما خلقت من السادس لأن ما فيه من الأعصاب اللينة والمائلة إلى اللين ما كان منها قبل السادس فقد توزع في عضل الوجه والرأس وما فيهما والسابع لا ينزل على الاستقامة نزول السادس بل يلزمه تورب لامحالة‏.‏

ولما كان قد يحتاج الصاعد الراجع إلى مستند محكم شبيه بالبكرة ليدور عليه الصاعد متأيداً به وأن يكون مستقيماً وضعه صلباً قوياً أملس موضوعاً بالقرب فلم يكن كالشريان العظيم الصاعد من هذه الشعب ذات اليسار يصادف هذا الشريان وهو مستقيم غليظ فينعطف عليه من غير حاجة إلى توثيق كثير‏.‏

وأما الصاعد ذات اليمين فليس يجاوره هذا الشريان على صفته الأولى بل يِجاوره وقد عرضت له دقة لتشعب ما تشعب منه وفاتته الإستقامة في الوضع إذا تورب مائلاً إلى الإبط فلم يكن بد من توثيقه بما يستند عليه بأربطة تشد الشعب به ليتدارك بذلك ما فات من الغلظ والاستقامة في الوضع‏.‏

والحكمة في تبعيد هذه الشعب الراجعة هي أن تقارب مثل هذا المتعلق وأن تستفيد بالتباعد عن المبدأ قوة وصلابة وأقوى العصب الراجع هو الذي يتفرق في الطبقتين من عضل الحنجرة مع شعب عصب معينة ثم سائر هذا العصب ينحدر فيتشعب منه شعب تفرق في أغشية الحجاب والصدر وعضلاتها وفي القلب والرئة والأوردة والشرايين التي هناك وباقيه ينفذ في الحجاب فيشارك المنحدر من الجزء الثالث ويتفرقان في أغشية الاحشاء وتنتهي إلى العظم العريض‏.‏

وأما الزوج السابع فمنشؤه من الحدّ المشترك بين الدماغ والنخاع ويذهب أكثره متفرقاً في العضل المحركة للسان والعضل المشتركة بين الدرقي والعظم اللامي وسائره قد يتفق أن يتفرق في عضل أخرى مجاورة لهذه العضل ولكن ليس ذلك بدائم ولما كانت الأعصاب الأخرى منصرفة إلى واجبات أخرى ولم يكن يحسن أن تكثر الثقب فيما يتقدم ولا من تحت كان الأولى أن تأتي حركة اللسان عصب من هذا الموضع إذ قد أتى حسّه من موضع آخر‏.‏

 الفصل الثالث تشريح عصب نخاع العنق ومسالكه

العصب النابت من النخاع السالك من فقار الرقبة ثمانية أزواج‏:‏ زوج مخرجه من ثقبتي الفقرة الأولى ويتفرق في عضل الرأس وحدها وهو صغير دقيق إذ كان الأحوط في مخرجه أن يكون ضيقاً على ما قلنا في باب العظام‏.‏

والزوج الثاني‏:‏ مخرجه ما بين الثقبة الأولى والثانية أعني الثقبة المذكورة في باب العظام ويوصل أكثره إلى الرأس حسّ اللمس بأن يصعد مورباَ إلى أعلى الفقار وينعطف إلى قدام وينبت على الطبقة الخارجة من الأذنيين فيتدارك تقصير الزوج الأوّل لصغره‏.‏

وقصوره عن الانبثاث والانبساط في النواحي التي تليه بالتمام وباقي هذا الزوج يأتي العضل التي خلف العنق والعضلة العريضة فيؤتيها الحركة‏.‏

والزوج الثالث‏:‏ منشؤه ومخرجه من الثقبة التي بين الثانية والثالثة ويتفرع كل واحد فرعين فرع يتفرق في عمق العضل التي هناك منه شعب وخصوصاً المقلبة للرأس مع العنق ثم يصعد إلى شوك الفقار فإذا حاذاها تشبث بأصولها ثم ارتفع إلى رؤوسها وخالطه أربطة غشائية تنبت من تلك السناسن ثم ينفذان منعطفين إلى جهة الأذنين وفي غير الإنسان ينتهي إلى الأذنين فيحرّك عضل الأذنين والفرع الثاني يأخذ إلى قدام حتى يأتي العضلة العريضة وأوّل ما يصعد يلتف به عروق وعضل تكتنفه ليكون أقوى في نفسه وقد يخالط أيضاً عضل الصدغين وعضل الأذنين في البهائم وأكثر تفرقه إنما هو في عضل الخدين‏.‏

وأما الزوج الرابع‏:‏ فمخرجه من الثقبة التي بين الثالثة والرابعة وينقسم كالذي قبله إلى جزء مقدم وجزء مؤخر‏.‏

والجزء المقدّم منه صغير ولذلك يخالط الخامس وقيل أنه قد ينفذ منه شعبة كنسج العنكبوت ممتدّة على العرق السباتي إلى أن يأتي الحجاب الحاجز ماراً على شقي الحجاب المنصف للصدر‏.‏

والجزء الأكبر مه ينعطف إلى خلف فيغور في عمق العضل حتى يخلص إلى السناسن ويرسل شعبان إلى العضل المشترك بين الرأس والرقبة يأخذ طريقه منعطفاً إلى قدام فيتصل بعضل الخد والأذنين في البهائم وقد قيل إنه ينحدر منه إلى الصلب‏.‏

وأما الزوج الخامس‏:‏ فمخرجه من الثقبة التي بين الرابع والخامس ويتفرعّ أيضاً فرعين‏:‏ وأحد الفرعين وهو المقدم هو أصغرهما يأتي عضل الخدين وعضل تنكيس الرأس وسائر العضل المشتركة للرأس والرقبة‏.‏

و الفرع الثاني ينقسم إلى شعبتين‏:‏ شعبة هي المتوسّطة بين الفرع الأول وبين الشعبة الثانية يأتي أعالي الكتف ويخالطه شيء من السادس والسابع والشعبة الثانية تخالط شعباً من الخامس والسادس والسابع وتنفذ إلى وسط الحجاب‏.‏

وأما الزوج السادس والسابع والثامن‏:‏ فإنها تخرج من سائر الثقب على الولاء والثامن مخرجه في الثقبة المشتركة بين آخر فقار الرقبة وأوّل فقار الصلب وتختلط شعبها اختلاطاً شديداً لكن أكثر السادس يأتي السطح من الكتف وبعض منه أكثر البعض الذي من الرابع وأقل من البعض الذي للخامس يأتي الحجاب والسابع أكثره يأتي العضد وإن كان من شعبه ما تأتي عضل الرأس والعنق والصلب مصاحبة لشعبة الخامس وتأتي الحجاب وأما الثامن فبعد الإختلاط والمصاحبة يأتي جلد الساعد والذراع وليس منه ما يأتي الحجاب لكن الصائر من السادس إلى ناحية اليد لا يجاوز الكتف ومن السابع لا يجاوز العضد وأما الذي يجيء للساعد من الكتف فهو من الثامن مخلوطاً بأول النوابت من فقار الصدر وإنما قسم للحجاب من هذه الأعصاب دون أعصاب النخاع التي تحت هذه ليكون الوارد عليه منحدراً من مشرف فيحسن انقسامه فيه وخصوصاً إن كان أول مقصده هو الغشاء المنصف للصدر ولم يمكن أن يأتيه عصب النخاع على استقامة من غير انكسار بزاوية ولو كان جميع العصب المنحدر إلى الحجاب نازلاً من الدماغ لكان يطول مسلكه وإنما جعل متّصل هذه الأعصاب من الحجاب وسطه لأنه لم يكن يحسن انبثاثها وانتشارها فيه على عدل وسوية لوا اتصلت بطرف دون الوسط أو كانت تتّصل بجميع المحيط وكان ذلك ناكساً لمجرى الواجب إذ كانت العضل إنما تفعل التحريك بأطرافها ثم المحيط هو المتحرّك من الحجاب فوجب أن يكون انتهاء العصب إليه لا ابتداؤه‏.‏

ولما وجب أن تأتي الوسط وجب تعلقها ضرورة فوجب أن تحمى وتغشى وقاية فغشيت وقاية حامية بصحبة من الغشاء المنصف للصدر وترك متكئاً عليه‏.‏

ولما كان فعل هذا

 الفصل الرابع تشريح عصب فقار الصدر

الأوّل من أزواجه مخرجه بين الأولى والثانية من فقار الصدر وينقسم إلى جزأين أعظمهما يتفرق في عضل الأضلاع وعضل الصلب وثانيهما يأتي ممتدًا على الأضلاع الأول فيرافق ثامن عصب العنق ويمتدان معاً إلى اليدين حتى يوافيا الساعد والكف‏.‏

والزوج الثاني يخرج من الثقبة التي تلي الثقبة المذكورة فيتوجه جزء منه إلى ظاهر العضد ويفيده الحس وباقيه مع سائر الأزواج الباقية يجتمع فينحو نحو عضل الكتف الموضوعة عليه المحرّكة لمفصله وعضل الصلب فما كان من هذا العصب نابتاً من فقار الصدر فالشعب التي لا تأتي الكتف منه تأتي عضل الصلب والعضل التي فيما بين الأضلاع الخلص والموضوعة خارج الصدر وما كان منبته من فقار أضلاع الزور فإنما يأتي العضل التي فيما بين الأضلاع وعضل البطن ويجري مع شعب هذه الأعصاب عروق ضارِبة وساكنة وتدخل في مخارجها إلى النخاع‏.‏

 الفصل الخامس تشريح عصب القطن

عصب القطن تشترك في أنها جزء منها يأتي عضل الصلب وجزء عضل البطن والعضل المستبطنة للصلب لكن الثلاثة العلا تخالط العصب النازلة من الدماغ دون باقيها والزوجان السافلان يرسلان شعباً كباراً إلى ناحية الساقين ويخالطهما شعبة من الزوج الثالث وشعبة من أول أعصاب العجز إلا أن هاتين الشعبتين لا تجاوزان مفصل الورك بل يتفرقان في عضله وتلك تجاوزها إلى الساقين وتفارق عصب الفخذين والرجلين عصب اليدين في أنها لا تجتمع كلها فتميل غائرة إلى الباطن إذ ليست هيئة اتصال العضد بالكتف كهيئة اتصال الفخذ بالورك ولا اتصاله بمنبت أعصابه كاتصال ذلك بمنبت أعصابه فهذه العصب تتوجه إلى ناحية الساق توجهاً مختامًا منه ما يستبطن ومنه ما يستظهر ومنه ما يغوص مستتراً تحت العضل‏.‏

ولما لم يكن للعضل التي تنبت من ناحية عظم العانة‏.‏

طريق إلى الرجلين من خلف البدن ومن باطن الفخذين لكثرة ما هناك من العضل والعروق أجري جزء من العصب الخاص بالعضل التي في الرجلين فأنفذ في المجرى المنحدر إلى الخصيتين حتى يتوجّه إلى عضل العانة ثم ينحدر إلى عضل الركبة‏.‏

 الفصل السادس تشريح عصب العجز

الزوج الأول من العجزي‏:‏ يخالط القطَنية على ما قيل وباقي الأزواج والفرد النابت من طرف العصعص يتفرّق في عضل المقعدة والقضيب نفسه وعضلة المثانة والرحم وفي غشاء البطن وفي الأجزاء الانسية الداخلة من عظم العانة والعضل المنبعثة من عظم العجز‏.‏

 الجملة الرابعة الشرايين

وهي خمسة فصول

 الفصل الأول صفة الشرايين

العروق الضوارب وهي الشرايين خلقت إلا واحدة منها ذات صفاقين وأصلبهما المستبطن إذ هو الملاقي للضربان‏.‏

وحركة جوهر الروح القوية المقصود صيانة جوهره وإحرازه وتقوية وعائه ومنبت الشرايين هو من التجويف الأيسر من تجويفي القلب لأن الأيمن منه أقرب من الكبد فوجب أن يجعل مشغولاً بجذب الغذاء واستعماله‏.‏

 الفصل الثاني وأوّل ما ينبت من التجويف الأيسر شريانان

أحدهما يأتي الرئة وينقسم فيها لاستنشاق النسيم وإيصال الدم الذي يغذو الرئة إلى الرئة من القلب فإن ممر غذاء الرئة هو القلب ومن القلب يصل إلى الرئة ومنبت هذا القسم هو من أرق أجزاء القلب وحيث تنفذ فيه الأوردة إليه وهو ذو طبقة واحدة بخلاف سائر الشرايين ولهذا يسمى الشريان الوريدي وإنما خلق من طبقة واحدة ليكون ألين وأسلس وأطوع للانبساط والانقباض وليكون أطوع لترشح ما يترشح منه إلى الرئة من الدم اللطيف البخاري الملائم لجوهر الرئة الذي قد قارب كمال النضج في القلب‏.‏

وليس يحتاج إلى فضل نضج كحاجة الدم الجاري في الوريد الأجوف الذي نورده وخصوصاً إذ مكانه من القلب قريب فتتأدى إليه قوته الحارة المنضجة بسهولة وأيضاً فإن العضو الذي ينبض فيه عضو سخيف لا يخشى مصادمته لذلك السخيف عند النبض أن تؤثر فيه صلابته فاستغنى لذلك عن تثخين لجرمه ما لا يستغنى عنه في كل ما يجاور من الشرايين سائر الأعضاء الصلبة‏.‏

وأما الوريد الشرياني الذي نذكره فإنه وإن كان مجاوراً للرئة فإنما يجاور منه مؤخره مما يلي الصلب وهذا الشريان الوريدي إنما يتفرق في مقدم الرئة ويغوص فيها وقد صار أجزاء وشعباً بل إذا قيس بين حاجتي هذا الشريان إلى الوثاقة وإلى السلاسة المسهلة عليه الإنبساط والإنقباض ورشح ما يرشح منه وجدت الحاجة إلى التسليس أمس منها إلى التوثيق والتثخين‏.‏

وأما الشريان الآخر وهو الأكبر ويسميه ‏"‏ ارسطوطالس ‏"‏ أورطي فأول ما ينبت من القلب يرسل شعبتين أكبرهما تستدير حول القلب وتتفرق في أجزائه والأصغر يستدير ويتفرق في التجويف الأيمن وما يبقى بعد الشعبتين فإنه إذا انفصل انقسم قسمين‏:‏ قسم أعظم مرشح للإنحدار وقسم أصغر مرشح للإصعاد‏.‏

وإنما خلق المرشح للإنحدار زائداً في مقداره على الآخر لأنه يؤم أعضاء هي أكثر عدداً وأعظم مقادير وهي الأعضاء الموضوعة دون القلب‏.‏

وعلى مخرج أورطي أغشية ثلاثة صلبة هي من داخل إلى خارج‏.‏

فلو كانت واحدة أو اثنتين لما كانت تبلغ المنفعة المقصودة فيها إلا بتعظيم مقداره أو مقدارها فكانت الحركة تثقل بهما ولو كانت أربعة لصغرت جداً وبطلت منفعيتها وإن عظمت في مقاديرها ضيقت المسلك‏.‏

وأما الشريان الوريدي فله غشاءان موليان إلى داخل وإنما اقتصر على اثنين إذ ليس هناك من الحاجة إلى إحكام السكن ما ههنا بل الحاجة هناك إلى السلاسة أكثر ليسهل اندفاع البخار الدخاني والدم الصائر إلى الرئة‏.‏

 الفصل الثالث تشريح الشريان الصاعد

أما الجزء الصاعد من جزأي أورطي فإنه ينقسم إلى قسمين أكبرهما يأخذ مصعداً نحو اللثة ثم يتورب إلى الجانب الأيمن حتى إذا بلغ اللحم الرخو التوثي الذي هناك انقسم ثلاثة أقسام‏:‏ اثنان منها هما الشريانان المسميان بالسباتيين ويصعدان يمنة ويسرة مع الوداجين الغائرين اللذين نذكرهما بعد ويرافقانهما في الانقسام على ما نذكره بعد‏.‏

وأمّا القسم الثالث فيتفرق في القص وفي الأضلاع الأول الخلص والفقارات الستّ العلا من الرقبة وفي نواحي الترقوة حتى يبلغ رأس الكتف ثم يجاوزه إلى أعضاء اليدين‏.‏

وأما القسم الأصغر من قسمي أورطي الصاعد فانه يأخذ إلى ناحية الإبط وينقسم انقسام الثالث من القسم الأكبر‏.‏

 الفصل الرابع تشريح الشريانين السباتيين

وكل واحد من الشريانين السباتيين ينقسم عند انتهائه إلى الرقبة إلى قسمين‏:‏ قسم مقدم وواحد مؤخر والمقدم ينقسم قسمين‏:‏ قسم يستبطن فيأخذ إلى اللسان والعضل الباطنة من عضل الفك الأسفل وقسم يستظهر ويرتقي إلى ما يلي قدام الأذنين إلى عضل الصدغين ويجاوزها بعد أن يخلف فيها شعباً كثيرة إلى قلَة الرأس وتتلاقى أطراف اليمنى مع أطراف اليسرى منها‏.‏

وأما الجزء الآخر فيتجزأ جزأين والأصغر منهما يرتقي كثره إلى خلف ويتفرَق في العضل المحيطة بمفصل الرأس وبعضه يتوجه إلى قاعدة مؤخر الدماغ داخلاً في ثقب عظيم عند الدرز اللامي‏.‏

وأما الأكبر فيدخل قدام هذا الثقب في الثقب الذي في العظم الحجري إلى الشبكة بل وتنتسج عنه الشبكة عروقاً في عروق وطبقات على طبقات من غضون على غضون من غير أن يمكن أخذ كل واحد منها بانفراده إلا ملتصقاً باَخر مربوطاً به كالشبكة ويتفرق قداماً وخلفاً ويمنةً ويسرةً وينتشر في الشبكة ثم يجتمع منها زوج كما كان أولاً وينثقب له الغشاء ويرتقي إلى الدماغ ويتفرّق منه فيه الغشاء الرقيق ثم في جرم الدماغ إلى بطونه وصفاق بطونه ويلاقي فوهات شعبها التي قد صعدت ثم فوهات شعب العروق الوريدية النازلة وإنما أصعدت هذه وأنزلت تلك لأن تلك ساقية صابة للدم الذي أحسن أوضاع أوعيته الساقية أن تكون منتكسة الأطراف‏.‏

وأما هذه فإنها تنفذ الروح والروح لطيف متحرّك صاعد لا يحتاج إلى تنكيس وعائه حتى ينصب بل إن فعل ذلك أدى إلى إفراط إستفراغ الدم الذي يصحبه وإلى عسر حركة الروح فيه لأن حركته إلى فوق أسهل‏.‏

وبما في الروح من الحركة واللطافة كفاية في أن ينبث منه في الدماغ ما يحتاج إليه ويسخنه ولهذا فرشت الشبكة تحت الدماغ فيتردّد الدم الشرياني والروح فيها ويتشبه بمزاج الدماغ بعد النضج ثم يتخلّص إلى الدماغ على تدريج والشبكة موضوعة بين

 الفصل الخامس تشريح الشريان النازل

وأما القسم النازل فإنه يمضي أولاً على الاستقامة إلى أن يتدلَى على الفقرة الخامسة إذ وضعها بحذاء وضع رأس على القلب وهناك التوثة كالمسند والدعامة له ليحول بينه وبين عظام الصلب والمري إذا بلغ ذلك الموضع تنحّى عنه يمنة ولم يجاوزه ثم استقل متعلقاً بأغشية عند موافاته الحجاب لئلا يضايقه‏.‏

وهذا الشريان النازل إذا بلغ الفقرة الخامسة انحرف وانحدر إلى أسفل ممتداً على الصلب إلى أن يبلغ عظم العجز ولما يحاذي الصدر ويمر به يخلف شعباً منها شعبة صغيرة دقيقة تتفرق في وعاء الرئة من الصدر وتأتي أطرافه قصبة الرئة ولا يزال يخلف عند كل فقرة يمر بها شعبة حتى يصير إلى ما بين الأضلاع والنخاع فإذا تجاوز الصدر تفرع منه شريانان يأتيان الحجاب ويتفرقان فيه يمنة ويسرة‏.‏

وبعد ذلك يخلف شرياناً تتفرق شعبه في المعدة والكبد والطحال ويتخلَّص من الكبد شعبة إلى المثانة وينبت بعد ذلك شريان يأتي الجداول التي حول الأمعاء الدقاق وقولون ثم من بعد ذلك ينفصل منه ثلاثة شرايين‏:‏ الأصغر منها يخص الكلية اليسرى ويتفرق في لفاتها وما يحيط بها من الأجسام ويفيدها الحياة والآخران يصيران إلى الكليتين لتجتذب الكلية منهما مائية الدم فإنهما كثيراً ما يجتذبان من المعدة والأمعاء دماً غير نقي ثم ينفصل شريانان يأتيان الأنثيين فالآتي إلى اليسرى منهما يستصحب دائماً قطعة من الآتي إلى الكلية اليسرى بل ربما كان منشأ ما يأتي الخصية اليسرى هو من الكلية اليسرى فقط والذي يأتي اليمنى يكون منشؤه دائماً من الشريان الأعظم وفي الندرة ربما استصحب شيئاً مما يأتي الكلية اليمنى ثم ينفصل من هذا الشريان الكبير شرايين تتفرق في جداول العروق التي حول المعي المستقيم وشعب تتفرق في النخاع وتدخل في ثقب الفقار وعروق تصير إلى الخاصرتين وأخرى تأتي الأنثيين‏.‏

ومن جملة هذا زوج صغير ينتهي إلى القُبُلِ غير الذي نذكره بعد ذلك في الرجال والنساء ويخالط الأوردة ثم إن هذا الشريان الكبير إذا بلغ آخر الفقار انقسم مع الوريد الذي يصحبه كما نذكره قسمين على هيئة اللام في كتابة اليونايين هكذا قسم يتيامن وقسم يتياسر وكل واحد منهما يمتطي عظم العجز آخذاً إلى الفخذين وقبل موافاتهما الفخذ يخلف كل واحد منهما عرقاً يأخذ إلى المثانة والى السرّة ويلتقيان عند السرة ويظهران في الأجنة ظهوراً بيناً‏.‏

وأما في المستكملين فيكون قد جفّت أطرافهما وبقي أصلاهما فيتفرغّ منهما فروع تتفرّق في العضل الموضوعة على عظم العجز‏.‏

والتي تأتي منها المثانة تنقسم فيه وتأتي أطرافه القضيب وباقيه يأتي الرحم من النساء وهو زوج صغير‏.‏

وأما النازلان إلى الرجلين فإنهما يتشعبان في الفخذين شعبتين عظيمتين وحشياَ وإنسياً‏.‏

والوحشي فيه أيضا ميل إلى الأنسيّ ويخلف شعباً في العضل الموضوعة هناك ثم ينحدر ويميل منها إلى قدَام شعبة كبيرة بين الإبهام والسبابة وتستبطن باقيه وهي في أكبر أجزاء الرجل تنفذ ممتدّة تحت الشعب الوريدية التي نذكرها بعد‏.‏

فمن هذه الضوارب ما يوافق الأوردة كالإتيان من الكبد إلى السرة في أبدان الأجنة وشعب الضارب الوريدي والضارب النافذ إلى الفقرة الخامسة والصاعد إلى اللبة والمائل إلى الإبط والسباتيين حيث يتفرقان في الشبكة والمشيمة والتي تأتي الحجاب والنافذ إلى الكتف مع شعبة والتي تأتي المعدة والكبد والطحال والأمعاء والذي ينحدر من مراق البطن والعروق التي في عظم العجز وحده‏.‏

وإذا رافق الشريان العضل الموضوعة على الوريد على الصلب امتطى الشريان الوريد ليكون أخسهما حاملاً للأشرف‏.‏

وأما في الأعضاء الظاهرة فإن الشريان يغور تحت الوريد ليكون أستر وأكنّ له ويكون الوريد له كالجنة وإنما استصحب الشرايين الأوردة لشيئين‏:‏ أحدهما لترتبط الأوردة بالأغشية المجللة للشرايين وتستقي مما بينهما من الأعضاء والآخر ليستقي كل واحد منهما من الآخر فاعلم ذلك  الجملة الخامسة الأوردة

وهي خمسة فصول

 الفصل الأول صفة الأوردة

أما العروق الساكنة فإن منبت جميعها من الكبد وأول ما ينبت من الكبد عرقان‏:‏ أحدهما من الجانب المقعر وأكثر منفعته في جذب الغذاء إلى الكبد ويسمى الباب والآخر من الجانب المحدب ومنفعته إيصال الغذاء من الكبد إلى الأعضاء ويسمى الأجوف‏.‏

 الفصل الثاني تشريح الوريد

المسمى بالباب ولنبدأ بتشريح العرق المسمى بالباب فنقول‏:‏ إن الباب أوّلاَ ينقسم طرفه الغائر في تجويف الكبد خمسة أقسام ويتشعب حتى يأتي أطراف الكبد المحدبة ويذهب منها وريد إلى المرارة‏.‏

وهذه الشعب هي مثل أصول الشجرة النابتة تأخذ إلى غور منبتها‏.‏

وأما الطرف الذي يلي تقعيره فإنه فأحد القسمين الصغيرين يتصل بنفس المعي المسمى اثني عشري ليجذب منه الغذاء وقد يتشعّب منه شعب تتفرق في الجرم المسمى بانقراس‏.‏

والقسم الثاني‏:‏ يتفرق في أسافل المعدة وعند البواب الذي هو فم المعدة السافل ليأخذ الغذاء‏.‏

وأما الستة الباقية فواحدة منها تصير إلى الجانب المسطح من المعدة لتغذو ظاهرها إذ باطن المعدة يلاقي الغذاء الأول الذي فيه فيغتذي منه بالملاقاة‏.‏

والقسم الثاني يأتي ناحية الطحال ليغذو الطحال ويتشعب منه قبل وصوله إلى الطحال شعب تغذو الجرم المسمى بانقراس من أصفى ما ينفذ فيه إلى الطحال ثم يتصل بالطحال ومع اتصاله به ترجع منه شعبة صالحة تنقسم في الجانب الأيسر من المعدة لتغذوه‏.‏

وإذا نفذ النافذ منه في الطحال وتوسطه صعد منه جزء ونزل جزء فالصاعد يتفرق منه شعبة في النصف الفوقاني من الطحال ليغذوه والجزء الآخر يبرز حتى يوافي حدبة المعدة ثم يتجزأ جزأين‏:‏ جزء يتفرّق منه في ظاهر يسار المعدة ليغذوه وجزء يغوص إلى فم المعدة لتدفع إليه الفضل العفص الحامض من السوداء ليخرج في الفضول ويدغدغ فم المعدة لدغدغة المنبهة للشهوة‏.‏

وقد ذكرناها قبل‏.‏

وأما الجزء النازل منه فإنه يتجزأ أيضاً جزأين‏:‏ جزء منه يتفرق شعبة في النصف الأسفل من الطحال ليغذو ويبرز الجزء الثاني إلى الثرب فيتفرق فيه ليغذوه والجزء الثالث من الستة الأول يأخذ إلى الجانب الأيسر ويتفرق في جداول العروق التي حول المعي المستقيم ليمتصّ ما في الثقل من حاصل الغذاء والجزء الرابع عن الستة يتفرق كالشعر فبعضه يتوزع في ظاهر يمين حدبة المعدة مقابلاً للجزء الوارد على اليسار منه من جهة الطحال وبعضها يتوجه إلى يمين الثرب ويتفرق فيه مقابلاً للجزء الوارد عليه من جهة اليسار من شعب العرق الطحالي‏.‏

وأما الخامس من الستة فيتفرّق في الجداول التي حول معي قولون ليأخذ الغذاء‏.‏

والسادس كذلك أكثره يتفرق حول الصائم وباقية حول اللفائف الدقيقة المتصلة بالأعور فيجذب الغذاء فاعلم ذلك‏.‏

 الفصل الثالث تشريح الأجوف وما يصعد منه

وأما الأجوف فإن أصله أوّلاً يتفرق في الكبد نفسه إلى أجزاء كالشعر ليجذب الغذاء من شعب الباب المتشعِّبة أيضاً كالشعر أما شُعَب الأجوف فواردة من حدبة الكبد إلى جوفه وأما شعب الباب فواردة من تقعير الكبد إلى جوفه ثم يطلع ساقه عند الحدبة فينقسم إلى قسمين‏:‏ قسم صاعد وقسم هابط فأما الصاعد منه فيخرق الحجاب وينفذ فيه ويخلف في الحجاب عرقين يتفرقان فيه ويؤتيانه الغذاء ثم يحاذي غلاف القلب فيرسل إليه شعباً كبيرة تتفرع قسم منه عظيم يأتي القلب فينفذ فيه عند أذن القلب الأيمن وهذا العرق أعظم عروق القلب‏.‏

وإنما كان هذا العرق أعظم من سائر العروق لأن سائر العروق هي لاستنشاق النسيم‏.‏

وهذا هو للغذاء والغذاء أغلظ من النسيم فيحتاج أن يكون منفذه أوسع ووعاؤه أعظم وهذا كما يدخل القلب يتخلف له أغشية ثلاثة مسقفها من داخل إلى خارج ومن خارج إلى داخل ليجتذب القلب عند تمدده منها الغذاء ثم لا يعود عند الإنبساط وأغشيته أصلب الأغشية‏.‏

وهذا الوريد يخلف عند محاذاة القلب عروقاً ثلاثة تصير منه إلى الرئة ناتئاً عند منيت الشرايين بقرب الأيسر منعطفاً في التجويف الأيمن إلى الرئة‏.‏

وقد خلق ذا غشاءين كالشريانات‏.‏

فلهذا يسمى الوريد الشرياني‏.‏

والمنفعة الأولى في ذلك أن يكون ما يرشح منه دماً في غاية الرقة مشاكلاً لجوهر الرئة إذ هذا الدم قريب العهد بالقلب لم ينضج فيه نضج المنصبّ في الشريان الوريدي‏.‏

والمنفعة الثانية أن ينضج فيه المم فضل نضج‏.‏

وأما القسم الثاني من هذه الأقسام الثلاثة فيستدير حول القلب ثم ينبثُّ في داخله ليغذو وذلك عندما يكاد الوريد الأجوف أن يغوص في الأذن الأيمن داخلاً في القلب‏.‏

وأما القسم الثالث فإنه يميل من الناس خاصة إلى الجانب الأيسر ثم ينحو نحو الفقرة الخامسة من فقار الصدر ويتوكأ عليها ويتفرق في الأضلاع الثمانية السفلى وما يليها من العضل وسائر الأجرام وأما النافذ من الأجوف بعد الأجزاء الثلاثة إذا جاوزنا حبة القلب صعوداً تفرّق منه في أعالي الأغشية المنصفة للصدر وأعالي الغلاف وفي اللحم الرخو المسمّى بتوثة شعب شعرية ثم عند القرب من الترقوة يتشعب منه شعبتان يتوجّهان إلى ناحية الترقوة متوربتين كلما أمعنتا تباعدتا فتصير كل شعبة منهما شعبتين واحدة منهما من كل جانب تنحدر على طرف القص يمنة ويسرة حتى تنتهي إلى الحنجري ويخلف في ممرّها شعباً تتفرّق في العضل التي بين الأضلاع وتلاقي أفواهها أفواه العروق المنبثة فيها ويبرز منها طائفة إلى العضل الخارجة من الصدر فإذا وافت الحنجري برزت طائفة منها إلى المتراكمة المحرَّكة للكتف وتتفرَق فيها وطائفة تنزل تحت العضل المستقيم وتتفرق فيها منها شعب وأواخرها تتَصِل بالأجزاء الصاعدة من الوريد العجزي الذي سنذكره‏.‏

وأما الباقي من كل واحد منهما وهو زوج فإن كل واحد من فرديه يخلف خمس شعب‏:‏ شعبة تتفرق في الصدر وتغذو الأضلاع الأربعة العليا وشعبة تغدو موضع الكتفين وشعبة تأخذ نحو العضل الغائرة في العنق لتغذوها وشعبة تنفذ في ثقب الفقرات الستّ العليا في الرقبة وتجاوزها إلى الرأس وشعبة عظيمة هي أعظمها تصير إلى الإبط من كل جانب وتتفرع فروعاً أربعة‏:‏ أوّلها‏:‏ يتفرّق في العضل التي على القصّ وهي من التي تحرّك مفصل الكتف وثانيها في اللحم الرخو والصفاقات التي في الإبط وثالثها يهبط ماراً على جانب الصدر إلى المراق ورابعها أعظمها وينقسم ثلاثة أجزاء‏:‏ جزء يتفرق في العضل التي في تقعير الكتف وجزء في العضلة الكبيرة التي في الإبط والثالث أعظمها يمرّ على العضد إلى اليد وهو المسمّى بالإبطي والذي يبقى من الانشعاب الأول الذي انشعب أحد فرعيه هذه الأقسام الكثيرة فإنّه يصعد نحو العنق وقبل أن يمعن في ذلك ينقسم قسمين‏:‏ أحدهما‏:‏ الوداج الظاهر والثاني الوداج الغائر‏.‏

والوداج الظاهر ينقسم كما يصعد من الترقوة قسمين‏:‏ أحدهما كما ينفصل يأخذ إلى قدام وإلى جانب والثاني يأخذ أولاً إلى قدّام ويتسافل ثم يصعد ويعلو مستظهراً ثانياً من الترقوة ويستدير على الترقوة ثم يصعد ويعلو مستظهر الرقبة حتى يلحق بالقسم الأول فيختلط به فيكون منهما الوداج الظاهر المعروف‏.‏

وقبل أن يختلط به ينفصل عنه جزآن‏:‏ أحدهما يأخذ عرضاً ثم يلتقيان عند ملتقى الترقوتين في الموضع الغائر والثاني يتورب مستظهراً العنق ولا يتلاقى فرداه بعد ذلك ويتفرع من هذين الزوجين شعب عنكبوتية تفوت الحسّ ولكنه قد يتفرع من هذا الزوج الثاني خاصة في جملة فروعه أوردة ثلاثة محسوسة لها قدر‏.‏

وسائرها غير محسوسة‏.‏

وأحد هذه الأوردة يمتد على الكتف وهو المسمى الكتفي ومنه القيفال واثنان عن جنبتي هذا يلزمانه إلى رأس الكتف معاً لكن أحدهما يحتبس هناك ولا يجاوزه بل يتفرّق فيه‏.‏

وأما المتقدّم منهما فيجاوزه إلى رأس العضد ويتفرق هناك‏.‏

وأما الكتفي فيجاوزهما جميعاً إلى آخر اليد هذا‏.‏

وأما الوداج الظاهر بعد اختلاف طرديه فقد ينقسم باثنين فيستبطن جزء منه ويفرّع شعباً صغاراً تتفرق في الفكّ الأعلى وشعباَ أعظم منها بكثير تتفرق في الفكّ الأسفل وأجزاء من كلا صنفي الشعب تتفرق حول اللسان وفي الظاهر من أجزاء العضل الموضوعة هناك‏.‏

والجزء الآخر يستظهر فيتفرق في المواضع التي تلي الرأس والأذنين‏.‏

وأما الوداج الغائر فإنه يلزم المريء ويصعد معه مستقيماً ويخلف في مسلكه شعباً تخالط الشعب الآتية من الوداج الظاهر وتنقسم جميعها في المريء والحنجرة وجميع أجزاء العضل الغائرة وينفذ آخره إلى منتهى الدرز اللامي ويتفرع هناك منه فروع تتفرّق في الأعضاء التي بين الفقارة الأولى والثانية ويأخذ منه عرق شعري إلى عند مفصل الرأس والرقبة ويتفرع منه فروع تأتي الغشاء المجلّل للقحف وتأتي ملتقى جمجمتي القحف وتغوص هناك في القحف‏.‏

والباقي بعد إرسال هذه الفروع ينفذ إلى جوف القحف في منتهى الدرز اللامي ويتفرق منه شعب في غشائي الدماغ ليغذوهما وليربط الغشاء الصلب بما حوله وفوقه ثم يبرز فيغذو الحجاب المجلل للقحف‏.‏

ثم ينزل من الغشاء الرقيق إلى الدماغ ويتفرق فيه تفرق الضوارب ويشملها كلها طي الصفاق الثخين ويؤدّيها إلى الوضع الواسع وهو الفضاء الذي ينصت إليه الدم ويجتمع فيه‏.‏

ثم يتفرق عنه فيما بين الطاقين ويسمى معصرة فإذا قاربت هذه الشعب البطن الأوسط من الدماغ احتاجت إلى أن تصير عروقاً كباراً تمتص من المعصرة ومجاريها التي تتشعب منها ثم تمتد من البطن الأوسط إلى البطنين المقدمين وتلاقي الضوارب الصاعدة هناك وتنسج الغشاء المعروف بالشبكة المشيمية‏.‏

 الفصل الرابع تشريح أوردة اليدين

أما الكتِفِيّ وهو القيفال فأول ما يتفرع منه إذا حاذى العضد شعب تتفرق في الجلد وفي الأجزاء الظاهرة من العضد ثم بالقرب من مفصل المرفق ينقسم ثلاثة أقسام‏:‏ أحدها‏:‏ حبل الذراع وهو يمتد على ظاهر الزند الأعلى ثم يمتدّ إلى الوحشي مائلاً إلى حدبة الزند الأسفل ويتفرق في أسافل الأجزاء الوحشية من الرسغ‏.‏

والثاني‏:‏ يتوجّه إلى معطف المرفق في ظاهر الساعد ويخالط شعبة من الإبطي فيكون منهما والثالث‏:‏ يتعمق ويخالط في العمق شعبة أيضاً من الإبطي‏.‏

وأما الإبطي فإنه أول ما يفرعّ يفرع شعباً تتعمّق في العضل وتتفرّق في العضل التي هناك وتفنى فيه إلاّ شعبة منها تبلغ الساعد وإذا بلغ الإبطي قرب مفصل المرفق انقسم اثنين‏:‏ أحدهما‏:‏ يتعمق ويتصل بالشعبة المتعمقة من القيفال وتجاوره يسيراً ثم ينفصلان فينخفض أحدهما إلى الإنسي حتى يبلغ الخنصر والبنصر ونصف الوسطى ويرتفع جزء ينقسم في أجزاء اليد الخارجة التي تماس العظم‏.‏

والقسم الثاني من قسمي الإبطي فإنه يتفرعّ عند الساعد فروعاً أربعةً‏:‏ واحد منها ينقسم في أسافل الساعد إلى الرسغ والثاني ينقسم فوق انقسام الأوّل مثل انقسامه والثالث ينقسم كذلك في وسط الساعد والرابع أعظمها وهو الذي يظهر ويعلو فيرسل فروعاً تضام شعبة من القيفال فيصير منها الأكحل وباقيه هو الباسليق وهو أيضاً يغور ويعمق مرة أخرى‏.‏

والأكحل يبتدي من الانسيّ ويعلو الزند الأعلى ثم يقبل على الوحشي ويتفرعّ فرعين على صورة حرف اللام اليونانية فيصير أعلى جزئه إلى طرف الزند الأعلى ويأخذ نحو الرسغ ويتفرغ خلف الإبهام وفيما بينه وبين السبابة وفي السبابة والجزء الأسفل منه يصير إلى طرف الزند الأسفل ويتفرع إلى فروع ثلاثة‏:‏ فرع منه يتوجه إلى الموضع الذي بين الوسطى والسبابة ويتّصل بشعبة من العرق الذي يأتي السبابة من الجزء الأعلى ويتحد به عرقاً واحداً ويذهب فرع ثان منه وهو الأسليم فيتفرق فيما بين الوسطى والبنصر ويمتد الثالث إلى البنصر والخنصر وجميع هذه تنقسم في الأصابع‏.‏

 الفصل الخامس تشريح الأجوف النازل

قد ختمنا الكلام في الجزء الصاعد من الأجوف وهو أصغر جزأيه فلنبدأ في ذكر الأجوف النازل فنقول‏:‏ الجزء النازل أول ما يتفرعّ منه كما يطلع من الكبد وقبل أن يتوكأ على الصلب هو شعب شعرية تصير إلى لفائف الكلية اليمنى ويتفرّق فيها وفيما يقاربها من الأجسام ليغوذها ثم من بعد ذلك ينفصل منه عرق عظيم في الكلية اليسرى ويتفرعّ أيضاً إلى عروق كالشعر يتفرق في لفافة الكلية اليسرى وفي الأجسام القريبة منها لتغذوها ثم يتفرق منه عرقان عظيمان يسمّيان الطالعين يتوجهان إلى الكليتين لتصفية مائية الدم إذ الكلية إنما تجتذب منهما غذاءها وهو مائية الدم وقد يتشعب من أيسر الطالعين عرق يأتي البيضة اليسرى من الذكران والإناث‏.‏

وعلى النحو الذي بيناه في الشرايين لا يغادره في هذا وفي أنه يتفرع بعد هذين عرقان يتوجهان إلى الأنثيين فالذي يأتي اليسرى يأخذ دائماً شعبة من أيسر هذين الطالعين وربما كان في بعضهم كلاّ منشئه منه والذي يأتي اليمنى فقد يتفق له أن يأخذ في الندرة شعبة من أيمن هذين الطالعين ولكن أكثر أحواله أن لا يخالطه وما يأتي الأنثيين من الكلية وفيه المجرى الذي ينضج فيه المني فيبيض بعد احمراره لكثرة معاطف عروقه واستدارتها وما يأتيها أيضاً من الصلب وأكثر هذا العرق يغيب في القضيب وعنق الرحم وعلى ما بيناه من أمر الضوارب وبعد نبات الطالعين‏.‏

وشعبة تتوكأ الأجوف عن قريب على الصلب وتأخذ في الانحدار ويتفرع منه عند كل فقرة شعب ويدخلها ويتفرق في العضل الموضوعة عندما فتتفرع عروق تأتي الخاصرتين وتنتهي إلى عضل البطن ثم عروق تدخل ثقب الفقار إلى النخاع‏.‏

فإذا انتهى إلى آخر الفقار انقسم قسمين‏:‏ يتنحى أحدهما عن الآخر يمنة ويسرة كل واحد منهما يأخذ تلقاء فخذ ويتشعب من كل واحد منهما قبل موافاة الكبد طبقات عشر‏:‏ واحدة منها تقصد المتنين‏.‏

والثانية دقيقة الشعب شعريتها تقصد بعض أسافل أجزاء الصفاق‏.‏

والثالثة تتفرق في العضل التي على عظم العجز‏.‏

والرابعة تتفرق في عضل المقعدة وظاهر العجز‏.‏

والخامسة تتوجه إلى عنق الرحم من النساء فيتفرق فيه وفيما يتصل به وإلى المثانة ثم ينقسم القاصد إلى المثانة قسمين‏:‏ قسم يتفرق في المثانة وقسم يقصد عنقها وهذا القسم في الرجال كثير جداً لمكان القضيب وللنساء قليل‏.‏

والعروق التي تأتي الرحم من الجوانب تتفرع منها عروق صاعدة إلى الثدي ليشاكل بها الرحم الثدي‏.‏

والسادسة تتوجه إلى العضل الموضوع على عظم العانة‏.‏

والسابعة تصعد إلى العضل الذاهب في استقامة البدن على البطن وهذه العروق تتصل بأطراف العروق التي قلنا إنها تنحدر في الصدر إلى مراق البطن ويخرج من أصل هذه العروق في الإناث عروق تأتي الرحم‏.‏

والعرَوق التي تأتي الرحم من الجوانب يتفرع منها عروق صاعدة إلى الثدي ليشارك بها الرحم الثدي‏.‏

والثامنة تأتي القبل من الرجال والنساء جميعاً‏.‏

والتاسعة تأتي عضل باطن الفخذ فيتفرق فيها‏.‏

والعاشرة تأخذ من ناحية الحالب مستظهرة إلى الخاصرتين وتتصل بأطراف عروق منحدرة لا سيما المنحدرة من ناحية الثديين ويصير من جملتها جزء عظيم إلى عضل الأنثيين‏.‏

وما يبقى من هذه يأتي الفخذ فيتفرع فيه فروع وشعب‏:‏ واحد منها ينقسم في العضل التي على مقدم الفخذ وآخر في عضل أسفل الفخذ وإنسيه متعمقاً‏.‏

وشعب أخرى كثيرة تتفرق في عمق الفخذ وما يبقى بعد ذلك كله ينقسم كما يتحلل مفصل الركبة قليلاً إلى شعب ثلاث‏:‏ فالوحشي منها يمتد على القصبة الصغرى إلى مفصل الكعب والأوسط يمتد في منثنى الركبة منحدراً ويترك شعباً في عضل باطن الساق ويتشعب شعبتين تغيب إحداهما فيما دخل من أجزاء الساق‏.‏

والثانية تأتي إلى ما بين القصبتين ممتدة إلى مقدّم الرجل وتختلط بشعبة من الوحشي المذكور‏.‏

والثالث وهو الإنسي فيميل إلى الموضع المعرق من الساق ثم يمتد إلى الكعب وإلى الطرف المحدب من القصبة العظمى وينزل إلى الإنسي المقدم وهو الصافن وقد صارت هذه الثلاثة أربعة‏:‏ إثنان وحشيان يأخذان إلى القدم من ناحية القصبة الصغرى وإثنان إنسيان‏:‏ أحدهما يعلو القدم ويتفرق في أعالي ناحية الخنصر والثاني هو الذي يخالط الشعبة الوحشية من القسم الإنسي المذكور ويتفرقان في الأجزاء السفلية‏.‏

فهذه هي عدد الأوردة وقد أتينا على تشريح الأعضاء المتشابهة الأجزاء‏.‏

فأما الإلية فسنذكر تشريح كل واحد منها في المقالة المشتملة على أحواله ومعالجاته‏.‏

ونحن الآن نبتدىء بعون الله ونتكلم في أمر القوى‏.‏

 التعليم السادس القوى والأفعال

وهو جملة وفصل

 الجملة القوى

وهي ستة فصول

 الفصل الأول أجناس القوى

بقول كلي فاعلم أن القوى والأفعال يعرف بعضها من بعض إذ كان كل قوة مبدأ فعل ما وكل فعل إنما يصدر عن قوة فلذلك جمعناهما في تعليم واحد‏.‏

فأجناس القوى وأجناس الأفعال الصادرة عنها عند الأطباء ثلاثة‏:‏ جنس القوى النفسانية وجنس القوى الطبيعية وجنس القوى الحيوانية‏.‏

وكثير من الحكماء وعامة الأطباء وخصوصاً ‏"‏ جالينوس ‏"‏ يرى أن لكل واحدة من القوى عضواً رئيساً هو معدنها وعنه يصدر أفعالها ويرون أن القوة النفسانية مسكنها ومصدر أفعالها الدماغ وأن القوة الطبيعية لها نوعان‏:‏ نوع غايته حفظ الشخص وتدبيره وهو المتصرف في أمر الغذاء ليغذو البدن مدة بقائه وينميه إلى نهاية نشوه ومسكن هذا النوع ومصدر فعله هو الكبد ونوع غايته حفظ النوع والمتصرّف في أمر التناسل ليفصل من أمشاج البدن جوهر المني ثم يصور بإذن خالقه ومسكن هذا النوع ومصدر أفعاله هو الأنثيان والقوة الحيوانية وهي التي تدبر أمر الروح الذي هو مركّب الحس والحركة وتهيئة لقبوله إياهما إذا حصل في الدماغ وتجعله بحيث يعطي ما يفشو فيه الحياة ومسكن هذه القوى ومصدر فعلها هو القلب‏.‏

وأما الحكيم الفاضل ‏"‏ أرسطوطاليس ‏"‏ فيرى أن مبدأ جميع هذه القوى هو القلب إلا أن لظهور أفعالها الأوَلية هذه المبادىء المذكورة كما أن مبدأ الحس عند الأطباء هو الدماغ ثم لكل حاسة عضو مفرَد منه يظهر فعله ثم إذا فتش عن الواجب وحقق وجد الأمر على ما رآه ‏"‏ أرسطوطالس ‏"‏ دونهم‏.‏

وتوجد أقاويلهم منتزعة من مقدمات مقنعة غير ضرورية إنما يتبعون فيها ظاهر الأمور‏.‏

لكنّ الطبيب ليس عليه من حيث هو طبيب أن يتعرّف الحق من هذين الأمرين بل ذلك على الفيلسوف أو على الطبيعي‏.‏

والطبيب إذا سلم له أن هذه الأعضاء المذكورة مبادٍ ما لهذه القوى فلا عليه فيما يحاوله من أمر الطب كانت هذه مستفادة عن مبدأ قبلها أو لم تكن لكن جهل ذلك مما لا يرخص فيه للفيلسوف‏.‏

 الفصل الثاني القوى الطبيعية المخدومة

وأما القوى الطبيعية فمنها خادمة ومنها مخدومة‏.‏

والمخدومة جنسان‏:‏ جنس يتصرّف في الغذاء لبقاء الشخص وينقسم إلى نوعين‏:‏ إلى الغاذية والنامية‏.‏

وجنس يتصرف في‏:‏ الغذاء لبقاء النوع وينقسم إلى نوعين‏:‏ إلى المولدة والمصوَرة فأما القوة الغاذية فهي التي تحيل الغذاء إلى مشابهة المغتذي ليخلف بدل ما يتحلل‏.‏

وأما النامية فهي الزائلة في أقطار الجسم على التناسب الطبيعي ليبلغ تمام النشء بما يدخل فيه من الغذاء والغاذية تخدم النامية والغاذية تورد الغذاء تارة مساوياً لما يتحلل وتارةً أنقص وتارةً أزيد والنمو أزيد والنمو لا يكون إلا بأن يكون الوارد أزيد من المتحلل إلا أنه ليس كل ما كان كذلك كان نموًا فإن السمن بعد الهزال في سن الوقوف هو من هذا القبيل وليس هو بنمو وإنما النموّ ما كان على تناسب طبيعي في جميع الأقطار ليبلغ به تمام النشء ثم بعد ذلك لا نمو البتة‏.‏

وإن كان سمن كما أنه لا يكون قبل الوقوف ذيول وإن كان هزال على أن ذلك أبعد وعن الواجب أخرج‏.‏

والغادية يتم فعلها بأفعال جزئية ثلاثة‏:‏ أحدها‏:‏ تحصيل جوهر البدن وهو الدم والخلط الذي هو بالقوة القريبة من الفعل شبيه بالعضو وقد تحل به كما يقع في علة تسمى ‏"‏ أطروفيا ‏"‏‏.‏

وهو عدم الغذاء‏.‏

والثاني الإلزاق وهو أن يجعل هذا الحاصل غذاء بالفعل التام أي صائراً جزء عضو وقد يخل به كما في الإستسقاء اللحمي‏.‏

والثالث التشبيه وهو أن يجعل هذا الحاصل عندما صار جزءاَ من العضو شبيهاً به من كل جهة حتى في قوامه ولونه وقد يخل به كما في البرص والبهق فإن البدل والإلزاق موجودان فيهما والتشبيه غير موجود وهذا الفعل للقوة المغيرة من القوى الغاذية وهي واحدة في الإنسان بالجنس أو المبدأ الأول وتختلف بالنوع في الأعضاء المتشابهة إذ في كل عضو منها بحسب مزاجه قوة تغير الغذاء إلى تشبيه مخالف لتشبيه القوة الأخرى لكن المغيرة التي في الكبد تفعل فعلاً مشتركاً بجميع البدن‏.‏

وأما القوة المولدة فهي نوعان‏:‏ نوع يولد المني في الذكور والإناث ونوع يفصل القوهَ التي في المني فيمزجها تمزيجات بحسب عضو عضو فيخص للعصب مزاجاً خاصاً وللعظم مزاجاً خاصاً وللشريانات مزاجاً خاصاً وذلك من مني متشابهة الأجزاء أو متشابهة الإمتزاج وهذه القوة تسميها الأطباء القوة المغيرة‏.‏

وأما المصورة الطابعة فهي التي يصدر عنها بإذن خالقها تخطيط الأعضاء وتشكيلاتها وتجويفاتها وثقبها وملاستها وخشونتها وأوضاعها ومشاركاتها‏.‏

وبالجملة الأفعال المتعلقة بنهايات مقاديرها‏.‏

والخادم لهذه القوة المتصرفة في الغذاء بسبب حفظ النوع هي القوة الغاذية والنامية‏.‏

 الفصل الثالث القوة الطبيعية الخادمة

وأما الخادمة الصرفة في القوى الطبيعية فهي خوادم القوة الغاذية وهي قوى أربع‏:‏ الجاذبة والماسكة والهاضمة والدافعة‏.‏

والجاذبة‏:‏ خلقت لتجذب النافع وتفعل ذلك بليف العضو الذي هي فيه الذاهب على الإستطالة‏.‏

والماسكة‏:‏ خلقت لتمسك النافع ريثما تتصرّف فيه القوة المغيّرة له الممتازة منه ويفعل ذلك وأما الهاضمة فهي التي تحيل ما جذبته القوة الجاذبة وأمسكته الماسكة إلى قوام مهيأ لفعل القوة المغيرة فيه وإلى مزاج صالح للإستحالة إلى الغذائية بالفعل‏.‏

هذا فعلها في النافع ويسمى هضماً‏.‏

وأما فعلها في الفضول فإن تحيلها إن أمكن إلى هذه الهيئة ويسمى أيضاً هضماً أو يسهل سبيلها إلى الاندفاع من العضو المحتبس فيه بدفع من الدافعة بترقيق قوامها إن كان المانع الغلظ أو تغليظه إن كان المانع الرقة أو تقطيعه إن كان المانع اللزوجة‏.‏

وهذا الفعل يسمى الإنضاج وقد يقال الهضم والإنضاج على سبيل الترادف‏.‏

وأما الدافعة‏:‏ فإنها تدفع الفضل الباقي من الغذاء الذي لا يصلح للإغتذاء أو يفضل عن المقدار الكافي في الإغتذاء أو يستغني عنه أو يستفرغ عن إستعماله في الجهة المرادة مثل البول‏.‏

وهذه القوة تدفع هذه الفضول من جهات ومنافذ معدة لها‏.‏

وأما إن لم تكن هناك منافذ معدة فإنها تدفع من العضو الأشرف إلى العضو الأخس ومن الأصلب إلى الأرخى‏.‏

وإذا كانت جهة الدفع هي جهة ميل مادة الفضل لم تصرفها القوة الدافعة عن تلك الجهة ما أمكن‏.‏

وهذه القوى الطبيعية الأربع تخدمها الكيفيات الأربع الأولى أعني الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة‏.‏

أما الحرارة فخدمتها بالحقيقة مشتركة للأربع وأما البرودة فقد يخدم بعضها خدمة بالعرض لا بالذات فإن الأمر الذي بالذات للبرودة أن يكون مضاداً لجميع القوى لأن أفعال جميع القوى هي بالحركات‏.‏

أما في الجذب والدفع فذلك ظاهر‏.‏

وأما في الهضم فلأن الهضم يستكمل بتفريق أجزاء ما غلظ وكثف وجمعها مع مارق ولطف‏.‏

وهذه بحركات تفريقية وتمزيجية‏.‏

وأما الماسكة فهي تفعل بتحريك الليف المورب إلى هيئة من الإشتمال متقنه‏.‏

والبرودة مميتة محدرة مالعة عن جميع هذه الأفعال إلا أنها تنفع في الإمساك بالعرض بأن يحبس الليف على هيئة الإشتمال الصالح فتكون غير داخلة في فعل القوى الدافعة بل مهيئة للآلة تهيئة تحفظ بها فعلها‏.‏

وأما الدافعة فتنتفع بالبرودة بما يمنع من تحليل الريح المعينة للدفع وبما يعين في تغليظه وبما يجمع الليف العريض العاصر ويكنفه‏.‏

وهذا أيضاً تهيئة للآلة لا معونة في نفس الفعل‏.‏

فالبرد إنما يدخل في خدمة هذه القوى بالعرض ولو دخل في نفس فعلها لأضر ولأخمد الحركة‏.‏

وأما اليوبسة فالحاجة إليها في أفعال قوى ثلاث‏:‏ الناقلتان والماسكة‏.‏

أما الناقلتان وهما الجاذبة والدافعة فلِما في اليبس من فضل تمكين من الإعتماد الذي لا بد منه في الحركة أعني حركة الروح الحاملة لهذه القوى نحو فعلها باندفاع قوي تمنع عن مثله الإسترخاء الرطوبي إذا كان في جوهر الروح أو في جوهر الآلة‏.‏

وأما الماسكة فللقبض‏.‏

وأما الهاضمة فحاجتها إلى الرطوبة أمس ثم إذا قايست بين الكيفيات الفاعلة والمنفعلة في حاجة هذه القوى إليها صادفت الماسكة حاجتها إلى اليبس أكثر من حاجتها إلى الحرارة لأن مدة تسكين الماسكة أكثر من مدة تحريكها الليف المستعرض إلى القبض لأن مدة تحريكها وهي المحتاج فيها إلى الحرارة قصيرة وسائر زمان فعلها مصروف إلى الإمساك والتسكين‏.‏

ولما كان مزاج الصبيان أميل كثيراً إلى الرطوبة ضعفت فيهم هذه القوة‏.‏

وأما الجاذبة فإن حاجتها إلى الحرارة أشد من حاجتها إلى اليبس لأن الحرارة قد تعين في الجذب بل لأن أكثر مدة فعلها هو التحريك‏.‏

وحاجتها إلى التحريك أمس من حاجتها إلى تسكين أجزاء اَلتها وتقبيضها باليبوسة ولأن هذه القوة ليست تحتاج إلى حركة كثيرة فقط بل قد تحتاج إلى حركة قوية‏.‏

والإجتذاب يتم إما بفعل القوة الجاذبة كما في المغناطيس التي بها يجذب الحديد وأما باضطرار الخلاء كانجذاب الماء في الزراقات‏.‏

وأما الحرارة كاجتذاب لهب السراج الدهن وإن كان هذا القسم الثالث عند المحققين يرجع إلى اضطرار الخلاء بل هو هو بعينه فإذاً متى كان مع القوة الجاذبة معاونة حرارة كان الجذب أقوى‏.‏

وأما الدافعة فإن حاجتها إلى اليبس أقل من حاجتهما أعني الجاذبة والماسكة لأنها لا تحتاج إلى قبض الماسكة ولا لزم الجاذبة وقبضها واحتوائها على المجذوب بإمساك جزء من الآلة ليلحق به جذب الجزء الآخر‏.‏

وبالجملة لا حاجة بالدافعة إلى التسكين البتة بل إلى التحريك وإلى قليل تكثيف يعين العصر والدفع لا مقدار ما تبقى به الآلة حافظة لهيئة شكل العضو أو القبض كما في الماسكة زماناً طويلاً وفي الجاذبة زماناَ يسيراً ريث تلاحق جذب الأجزاء‏.‏

فلهذا حاجتها إلى اليبس قليلة وأحوجها كلها إلى الحرارة هي الهاضمة ولا حاجة بها إلى اليبوسة بل إنما يحتاج إلى الرطوبة لتسهيل الغذاء وتهيئته للنفوذ في المجاري والقبول للأشكال‏.‏

وليس لقائل أن يقول‏:‏ إن الرطوبة لو كانت معينة للهضم لكان الصبيان لا يعجز قواهم عن هضم الأشياء الصلبة فإن الصبيان ليسوا يعجزون عن هضم ذلك والشبان يقدرن عليه لهذا السبب بل لسبب المجانسة‏.‏

والبعد عن المجانسة فما كان من الأشياء صلباً لم يجانس مزاج الصبيان فلم تقبل عليها قواهم الهاضمة ولم تقبلها قواهم الماسكة ودفعها بسرعة قواهم الدافعة‏.‏

وأما الشبّان فذلك موافق لمزاجهم صالح لتغذيتهم فيجتمع من هذه أن الماسكة تحتاج إلى قبض وإلى إثبات هيئة قبضٍ زماناَ طويلاً وإلى معونة يسيرة في الحركة‏.‏

والجاذبة إلى قبض وثبات قبض زماناً يسيراَ جداً ومعونةً كثيرةً في الحركة‏.‏

والدافعة إلى قبض فقط من غير ثبات يعتد به وإلى معونة على الحركة‏.‏

والهاضمة إلى إذابة وتمزيج فلذلك تتفاوت هذه القوى في استعمالها للكيفيات الأربع واحتياجها إليها‏.‏

 الفصل الرابع القوى الحيوانية

وأما القوة الحيوانية فيعنون بها القوة التي إذا حصلت في الأعضاء هيأتها لقبول قوة الحس والحركة وأفعال الحياة‏.‏

ويضيفون إليها حركات الخوف والغضب لما يجدون في ذلك من الإنبساط والإنقباض العارض للروح المنسوب إلى هذه القوة‏.‏

ولنفضل هذه الجملة فنقول‏:‏ إنه كما قد يتولد عن كثافة الأخلط بحسب مزاج ما جوهر كثيف هو العضو أو جزء من العضو فقد يتولّد من بخارية الأخلاط‏.‏

ولطافتها بحسب مزاج ما هو جوهر لطيف هو الروح وكما أن الكبد عند الأطباء معدن التولد الأول كذلك القلب معدن التولد الثاني‏.‏

وهذا الروح إذا حدث على مزاجه الذي ينبغي أن يكون له إستعد لقوة تلك القوة بعد الأعضاء كلها لقبول القوى الأخرى النفسانية وغيرها‏.‏

والقوى النفسانية لا تحدث في الروح والأعضاء إلا بعد حدوث هذه القوة وإن تعطّل عضو من القوى النفسانية ولم يتعطل بعد من هذه القوة فهو حي ألا ترى أن العضو الخدر والعضو المفلوج فاقد في الحال لقوة الحسّ والحركة لمزاج يمنعه عن قبوله أو سدة عارضة بين الدماغ وبينه وفي الأعصاب المنبثة إليه وهو مع ذلك حي والعضو الذي يعرض له الموت فاقد الحسّ والحركة ويعرض له أن يعفن ويفسد‏.‏

فإذن في العضو المفلوج قوة تحفظ حياته حتى إذا زال العائق فاض إليه قوة الحس والحركة وكان مستعدًّا لقبولها بسبب صحة القوة الحيوانية فيه وإنما المانع هو الذي يمنع عن قبوله بالفعل‏.‏

ولا كذلك العضو الميت وليس هذا المعد هو قوة التغذية وغيره حتى إذا كانت قوة التغذية باقية كان حياً وإذا بطلت كان ميتاً‏.‏

فإن هذا الكلام بعينه قد يتناول قوة التغذية فربما بطل فعلها في بعض الأعضاء وبقي حياً وربما بقي فعلها والعضو إلى الموت‏.‏

ولو كانت القوة المغذية بما هي قوة مغذية تعد للحسّ والحركة لكان النبات قد يستعد لقبول الحس والحركة فيبقى أن يكون المعد أمراً آخر يتبع مزاجاً خاصاَ ويسمى قوة حيوانية وهو أول قوة تحدث في الروح إذا حدث الروح من لطافة الأمشاج‏.‏

ثم إن الروح تقبل بها - عند الحكيم ‏"‏ ارسطوطاليس ‏"‏ - المبدأ الأول والنفس الأولى التي ينبعث عنها سائر القوى إلا أن أفعال تلك القوى لا تصدر عن الروح في أول الأمر كما أن أيضاً لا يصدر الإحساس عند الأطباء عن الروح النفساني الذي في الدماغ ما لم ينفذ إلى الجليدية أو إلى اللسان أو غير ذلك فإذا حصل قسم من الروح في تجويف الدماغ قبل مزاجاً وصلح لأن يصدر به عند أفعال القوة الموجودة فيه بدناَ‏.‏

وكذلك في الكبد وفي الأنثيين‏.‏

وعند الأطباء ما لم يستحل الروح عند الدماغ إلى مزاج آخر لم يستعد لقبول النفس التي هي مبدأ الحركة والحس‏.‏

وكذلك في الكبد وإن كان الامتزاج الأول قد أفاد قبول القوة الأولى الحيوانية وكذلك في كل عضو كان لكل جنس عن الأفعال عندهم نفس أخرى‏.‏

وليست النفس واحدة يفيض عنها القوى أو كانت النفس مجموع هذه الجملة فإنه وإن كان الإمتزاج الأول فقد أفاد قبول القوة الأولى الحيوانية حيث حدث روح وقوة هي كماله لكن هذه القوة وحدها لا تكفي عندهم لقبول الروح بها سائر القوى الأخر ما لم يحدث فيها مزاج خاص‏.‏

قالوا‏:‏ وهذه القوة مع أنها مهيئة للحياة فهي أيضاً مبدأ حركة الجوهر الروحي اللطيف إلى الأعضاء ومبدأ قبضه وبسطه للتنسم والتنقي على ما قيل كأنها بالقياس إلى الحياة تقبل انفعالاً وبالقياس إلى أفعال النفس والنبض تفيد فعلاً‏.‏

وهذه القوة تشبه القوى الطبيعية لعدمها الإرادة فيما يصدر عنها وتشبه القوى النفسانية لتعين أفعالها لأنها تقبض وتبسط معاً وتحرك حركتين متضادتين‏.‏

إلا أن القدماء إذا قالوا نفس للنفس الأرضية عنوا كمال جسم طبيعي آلي وأرادوا مبدأ كل قوة تصدر عنها بعينها حركات وأفاعيل متخالفة فتكون هذه القوة على مذهب القدماء قوة نفسانية‏.‏

كما أن القوى الطبيعية التي ذكرناها تسمى عندهم قوة نفسانية‏.‏

وأما إذا لم يرد بالنفس هذا المعنى بل عنى به قوة هي مبدأ إدراك وتحريك تصدر عن إدراك ما بإرادة ما وأريد بالطبيعة كلّ قوّة يصدر عنها فعل في جسمها على خلاف هذه الصورة لم تكن هذه القوة نفسانية بل كانت طبيعية‏.‏

وأعلى درجة من القوة التي يسميها الأطباء طبيعية‏.‏

وأما إن سمي بالطبيعية ما يتصرف في أمر الغذاء وحالته سواء كان لبقاء شخص أو بقاء نوع لم تكن هذه طبيعية وكانت جنساً ثالثاً‏.‏

ولأن الغضب والخوف وما أشبههما إنفعال لهذه القوة‏.‏

وإن كان مبدؤها الحس والوهم والقوى الدَاركة كانت منسوبة إلى هذه القوى‏.‏

وتحقيق بيان هذه القوى وإنها واحدة أو فوق واحدة هو إلى العلم الطبيعي الذي هو جزء من الحكمة‏.‏

  السابق   الفهرس   التالي