القانون  
   القانون   
   ( 15 من 70 )  
  السابق   الفهرس   التالي  
  
 

 الفصل السادس والعشرون علاج فساد العضو

والقطع إن العضو إذا فسد لمزاج رديء مع مادة أو غير مادة ولم يغن فيه الشرط والطلاء بما يصلح مما هو مذكور في الكتب الجزئية فلا بد من أخذ اللحم الفاسد الذي عليه والأولى أن يكون بغير الحديد إن أمكن فإن الحديد ربما أصاب شظايا العضل والعصب والعروق النابضة إصابة مجحفة فإن لم يغن ذلك وكان الفساد قد تعدى إلى الدم فلا بد من قطعه وكي قطعه بالدهن المغلي فإنه يأمن بذلك شر غائلته وينقطع النزف وينبت على قطعه دم وجلد غريب غير مناسب أشبه شيء بالدم لصلابته‏.‏وإذا أريد أن يقطع فيجب أن يدخل المجس فيه ويدور حول العظم فحيث يجد التصاقاً صحيحاً فهنالك يشتد الوجع بإدخال المجس فهو حدّ السلامة وحيث يجد رهلاً وضعف التصاق فهو في جملة ما يجب أن يقطع فتارة بثقب ما يحيط بالعظم الذي يراد قطعه حتى تحيط به المثاقب فينكسر به وينقطع وتارة ينشر‏.‏

وإذا أريد أن يفعل به ذلك حيل بين المقطع والمنقب وبين اللحم لئلا يوجع فإن كان العظم الذي يحتاج إلى قطعه شظية ناتئة ليد يتهندم ولا يرجى صلاحه ويخاف أن يفسد فيفسد ما يليه نحينا اللحم عنه إما بالشق ثم بالربط والمد إلى خلاف الجهة وإما بحيل أخرى تهدي إليها المشاهدة وحلنا بينه وبين عضو شريف إذا كان هناك بحجب من الخرق ونبعده بها عنه ثم قطعنا وإن كان العظم مثل عظم الفخذ وكان كبيراً قريباً من أعصاب وشرايين وأوردة وكان فساده كثيراً فعلى الطبيب عند ذلك الهرب‏.‏

 الفصل السابع والعشرون معالجات تفرق الاتصال

وأصناف القروح والوثي والضربة والسقطة تفرق الإتصال في الأعضاء العظيمة يعالج بالتسوية والرباط الملائم المفعول في صناعة الجبر وسيأتيك في موضعه ثم بالسكون واستعمال الغذاء المغري الذي يرجى أن يتولد منه غذاء غضروفي ليشد شفتي الكسر ويلائمها كالكفشير فإنه من المستحيل أن يجبر العظم وخصوصاً في الأبدان البالغة إلا على هذه الصفة فإنه لا يعود إلى الاتصال البتة‏.‏

وسنتكلم في الجبر كلاماً مستقصى في الكتب الجزئية‏.‏

وأما تفرق الإتصال الواقع في الأعضاء اللينة فالغرض في علاجها مراعاة أصول ثلاثة إن كان السبب ثابتاً فأول ما يجب هو قطع ما يسيل وقطع مادته إن كان لمجاوره مادة‏.‏

والثاني‏:‏ إلحام الشق بالأدوية والأغذية الموافقة‏.‏

والثالث‏:‏ منع العفونة ما أمكن‏.‏

وإذا كفى من الثلاثة واحد صرفت العناية إلى الباقين‏.‏

أما قطع ما يسيل فقد عرفت الوجه في ذلك ونحن قد فرغنا عن بيانه‏.‏

وأما الإلحام‏.‏

فتجمع الشفاه إن اجتمعت وبالتجفيف فيتناول المغريات وينبغي أن تعلم أن الغرض في مداواة القروح هو التجفيف فما كان منها نقياً جفف فقط وما كان منها عفناً استعملت فيه الأدوية الحادة الأكالة مثل القلقطار والزاج والزرنيخ والنورة فإن لم ينجع فلا بد من النار‏.‏

والدواء المركّب من الزنجار والشمع والدهن ينقى بزنجاره ويمنع إفراط اللذع بدهنه وشمعه فهو دواء معتدل في هذا الشأن المذكور في أقراباذين وتقول‏:‏ إن كل قرحة لا يخلو إما أن تكون مفردة وإما أن تكون مركبة‏.‏

والمفردة إن كانت صغيرة ولم يتأكل من وسطها شيء فيجب أن يجمع شفتاها وتعصب بعد توق من وقوع شيء فيما بينها من دهن أو غبار فإنه يلتحم وكذلك الكبيرة التي لم يذهب من جوهرها شيء ويمكن إطباق جزء منها على الآخر‏.‏

وأما الكبيرة التي لا يمكن ضمها شقاً كان أو فضاء مملوءاً صديداً أو قد ذهب منها شيء من جوهر العضو فعلاجها التجفيف‏.‏

فإن كان الذاهب جلداً فقط احتيج إلى ما يختم وهو إما بالذات فالقوابض وإما بالعرض فالحادة إذا استعمل منها قليل معلوم مثل الزاج والقلقطار فإنها أعون على التجفيف وإحداث الخشكريشة فإن أكثر أكل وزاد في القروح وأما إن كان الذاهب لحماً كالقروح الغائرة فلا يجب أن نبادر إلى الختم بل يجب أن يعتني أولاً ب بإنبات اللحم وإنما ينبت اللحم ما لا يتعدّى تجفيفه الدرجة الأولى كثيراً بل ههنا شرائط ينبغي أن تراعى من ذلك اعتبار حال مزاج العضو الأصلي ومزاج القرحة فإن كان العضو في مزاجه شديد الرطوبه والقرحة ليست بشديدة الرطوبة كفى تجفيف يسير في الدرجة الأولى لأن المرض لم يتعد عن طبيعة العضو كثيراً‏.‏

وأما إذا كان العضو يابساً والقرحة شديدة الرطوبة احتيج إلى ما يجفف في الدرجة الثانية والثالثة ليرده إلى مزاجه ويجب أن يعدل الحال في المعتدلين ومن ذلك اعتبار مزاج البدن كله لأن البدن إذا كان شديد اليبوسة كان العضو الزائد في رطوبته معتدلاً في الرطوبة بحسب البدن المعتدل فيجب أن يجفف بالمعتدل وكذلك إن كان البدن زائد الرطوبة والعضو إلىٍ اليبوسة وإن خرجا جميعاً إلى الزيادة فحينئذ إن كان الخروج إلى الرطوبة جفف تجفيفاً أكثر أو إلى اليبوسة جفّف تجفيفاً أقل ومن ذلك اعتبار قوة المجقفات فإن المجففات المنبتة - وإن لم يطلب منها تجفيف شديد مثله - يمنع المادة المنصبة إلى العضو التي منها يتهيأ إنبات اللحم كما يطلب في مجففات لا تستعمل لإنبات اللحم بل للختم فإذاه يطلب منها أن تكون أكثر جلاءَ وغسلاً للصديد من المجففات الخاتمة التي لا يراد منها إلا الختم والإلحام والإهمال وجميع الأدوية التي تجفف بلا لذع فهي ذات نفع في إنبات اللحم‏.‏

وكل قرحة في موضع غير لحيم فهي غير مجيبة لسرعة الإندمال‏.‏

وكذلك المستديرة‏.‏

وأما القروح الباطنة فيجب أن يخلط بالأدوية المجففة والقوابض المستعملة فيها أدوية منفذة كالعسل وأدوية خاصة بالموضع كالمدرات في أدوية علاج قروح آلات البول وإذا أردنا فيها الإدمال جعلنا الأدوية مع قبضها لزجة كالطين المختوم‏.‏

واعلم أن لبرء القرحة موانع رداءة العضو أي مزاج العضو فيجب ان تعتني بإصلاحه حسب ما تعلم وراءة مزاج الدم المتوجه إليه فيربطه فيجب أن تتداركه بما يولد الكيموس المحمود وكثرة الدم الذي يسيل إليه ويرطبه فيجب أن تتداركه بالاستفراخ وتلطيف الغذاء واستعمال الرياضة إن أمكن‏.‏

وفساد العظم الذي نخبه وأساله الصديد وهذا لا دواء له إلا إصلاح ذلك العظم وحكه إن كان الحك يأتي على فساده أو أخذه وقطعه وكثيراً ما يحتاج أن يكون مع معالجي القرحة مراهم جذابة لهشيم العظام وسلاءة ليخرجها وإلا منعت صلاح القرحة‏.‏

القروح تحتاج إلى الغذاء للتقوية وإلى تقليل الغذاء لقطع مادة المدة وبين المقتضيين خلاف فإن المدة تضعف فتحتاج إلى تقوية وتكثر فتحتاج إلى منع الغذاء فيجب أن يكون الطبيب متدبراً في ذلك وإذا كانت القروح في الابتداء والتزيد فلا ينبغي أن يدخل الحمام أو يصاب بماء حار فينجذب إليها ما يزيد في الورم‏.‏

وإذا سكنت القرحة وقاحت فلعله يرخص فيها وكل قرحة تنتكث بسرعة كلما اندملت فهي في طريق البنصر‏.‏

ويجب أن يتأمل دائماً لون المدة ولون شفة الجرح وإذا كثرت المدة من غير استكثار من الغذاء فذلك للنضج‏.‏

ولنتكلم الأن في علاج الفسخ‏.‏

فنقول‏:‏ إنه لما كان الفسخ تفرق اتصال غائر وراء الجلد فمن البين أن أدويته يجب أن تكون أقوى من أدوية المكشوفة ولما كان الدم يكثر انصبابه إليه احتاج ضرورة إلى ما يحلل‏.‏

ويجب أن يكون ما يحلله ليس بكثير التجفيف لئلا يحلّل اللطيف ويحجر الكثيف فإذا قضى الوطر من المحلل فيجب أن يستعمل الملحم المجفف لئلا يرتبك فيما بين الاتصال وسخ يتحجّر ثم يعفن بأدنى سبب أو ينقلع فيعود تفرق الاتصال إذا كان الفسخ أغور شرط الموضع ليكون الدواء أغوص‏.‏

وأما الفسخ والرض الخفيف فربما كفى في علاجه الفصد فإن كان الفسخ مع الشدخ عولج الشدخ أولاً بأدوية الشدخ حتى يمكن علاج الفسخ‏.‏

والشدخ إن كان كثيراً عولج بالمجفّفات وإن كان قليلاً كنخس الإبرة أسند أمره إلى الطبيعة نفسها إلا أن يكون سمياً ملتفاً أو يكون شديد الانخلاع أو يكون نال عصباً فيخاف منه تولّد الورم والضربان‏.‏

وأما الوثي فيكفي فيه شدّ رقيق غير موجع وأن يوضع عليه الأدوية الوثبية‏.‏

وأما السقطة والضربة فيحتاج في مثلها إلى فصد من الخلاف وتلطيف الغذاء وهجر للحم ونحوه واستعمال الأطلية والمشروبات المكتوبة لذلك في الكتب الجزئية‏.‏

وأما تفرّق الاتصال في الأعضاء العصبية وفي العظام فلنؤخر القول فيها‏.‏

 الفصل الثامن والعشرون الكي

الكي علاج نافع لمنع انتشار الفساد ولتقوية العضو الذي يرد مزاجه ولتحليل المواد الفاسدة المتشبثة بالعضو ولحبس النزف‏.‏

وأفضل ما يكوى به الذهب ولا يخلو موقع الكي إما أن يكون ظاهراً ويوقع عليه الكيّ بالمشاهدة أو يكون غائراً في داخل عضو كالأنف أو الفم أو المقعدة ومثل هذا يحتاج إلى قالب يغلي عليه مثل الطلق والمغرة مبلولة بالخلّ ثم يلف عليه خرق ويبرد جداً بماء ورد أو ببعض العصارات فيدخل القالب في ذلك المنفذ حتى يلتقم موقع الكي ثم يدس فيه المكوى ليصل إلى موقعه ولا يؤذي ما حواليه وخصوصاً إذا كان المكوى أرق من حيطان القالب فلا يلقي حيطان القالب وليتوق الكاوي أن تتأدى قوة كيته إلى الأعصاب والأوتار والرباطات وإذا كان كيه لنزف دم فيجب أن يجعله قوياً ليكون لخشكريشته عمق وثخن فلا يسقط بسرعة فإن سقوط خشكريشة كي النزف يجلب آفة أعظم مما كان وإذا كويت لإسقاط لحم فاسد وأردت أن تعرف حد الصحيح فهو حيث يوجع وربما احتجت أن تكوي مع اللحم العظم الذي تحته وتمكنه عليه حتى يبطل جميع فساده وإذا كان مثل القحف تلطفه حتى لا يغلي الدماغ ولا تتشنج الحجب وفي غيره لا تبالي بالاستقصاء‏.‏

 الفصل التاسع والعشرون تسكين الأوجاع

قد علمت أسباب الأوجاع وأنها تنحصر في قسمين‏:‏ تغير المزاج دفعة وتفرق الاتصال ثم علمت أن آخر تفصيلها ينتهي إلى سوء مزاج حار أو بارد أو يابس بلا مادة أو مع مادة كيموسية أو ريح أو ورم‏.‏

فتسكين الوجع يكون بمضادة الأسباب‏.‏

وقد علمت مضادة كل واحد منها كيف يكون وعلمت أن سوء المزاج والورم والريح كيف يكون وكيف يعالج وكل وجع يشتد فإنه يقتل ويعرض منه أولاً برد البدن وارتعاد ثم يصغر النبض ثم يبطل ثم يموت‏.‏

وجملة ما يسكن الوجع إما مبدل المزاج وإما محلل المادة وإما مخدر‏.‏

والتخدير يزيل الوجع لأنه يذهب بحس ذلك العضو وإنما يذهب بحسّه لأحد سببين‏:‏ إما بفرط التبريد وإما بسمّية فيه مضادة لقوة ذلك العضو‏.‏

والمرخيات من جملة ما يحلل برفق مثل بزر الكتان والشبت وإكليل الملك والبابونج وبزر الكرفس واللوز المر وكل حار في الأولى وخصوصاً إذا كان هناك تغرية ما مثل صمغ الإجاص والنشا والاسفيذاجات والزعفران واللاذن والخطمي والحماما والكرنب والسلجم وطبيخها والشحوم والزوفا الرطب وأذهان مما ذكر والمسهلات والمستفركات كيف كانت من هذا القبيل‏.‏

ويجب أن تستعمل المرخيات بعد الاستفراغ إن احتيج إلى استفْراغ حتى تنقطع المادة المنصبة إلى ذلك العضو وأيضاً جميع ما ينضج الأورام أو يفجرها‏.‏

والمخدرات أقواها الأفيون ومن جملتها اللفاح وبزره وقشور أصله والخشخاشات والبنج والشوكران وعنب الثعلب وبزر الخس‏.‏

ومن هذه الجملة الثلج والماء البارد وكثير ما يقع الغلط في الأوجاع فتكون أسبابها أموراٌ من خارج مثل حر أو برد أو سوء وساد وفساد مضطجع أو صرعة في السكر وغيره فيطلب لها سبب من البدن فيغلط‏.‏

ولهذا يجب أن تتعرف ذلك وتتعرف هل هناك امتلاء أم ليس وتتعرف هل هناك أسباب الامتلات المعلومة وربما كان السبب أيضاً قد ورد من خارج فتمكن داخلاً مثل من يشرب ماءً بارداً فيحدث به وجع شديد في نواحي معدته وكبده وكثيراً ما لا يحتاج إلى أمر عظيم من الاستفراغ ونحوه فإنه كثيراً ما يكفيه الاستحمام والنوم البالغ فيه ومثل من يتناول شيئاً حاراً فيصدعه صداعاً عظيماً ويكفيه شرب ماء مبرد‏.‏

وربما كان الشيء الذي من قبله يرجى زوال الوجع إما بطيء التأثير ولا يحتمل الوجع إلى ذلك الوقت مثل استفراغ المادة الفاعلة لوجع القولنج المحتبسة في ليف الأمعاء وإما سريع التأثير لكنه عظيم الغائلة مثل تخدير العضو الوجع في القولنج بالأدوية التي من شأنها أن تفعل ذلك فيتحير المعالج فى ذلك فيجب أن يكون عنده حدس قوي ليعلم أى المدتين أطول مدة ثبات القوة أو مدد الوجع وأيضاً الحالين أضر فيه الوجع أو الغائلة المتوقعة في التخدير فيؤثر تقديم ما هو أصوب‏.‏

فربما كان الوجع - إن بقي - قتل بشدته وبعظمه والتخدير ربما لم يقتل وإن أضر من وجه اخر وربما أمكنك أن تتلافى مضرّته وتعاود وتعالج بالعلاج الصواب ومع ذلك فيجب أن تنظر في تركيب المخدر وكيفيته وتستعمل أسهله وتستعمل مركبه مع ترياقاته إلا أن يكون الأمر عظيماً جداً فتخاف وتحتاج إلى تخدير قوي وربما كان بعض الأعضاء غير ميال باستعمال المخدر عليه فإنه لا يؤدي إلى غائلة عظيمة مثل الأسنان إذا وضع عليها مخدّر‏.‏

وربما كان الشرب أيضاً سليماً في مثله مثل شرب المخدر لأجل وجع العين فإن ذلك أقل ضرراً بالعين من أن يكتحل به وربما سهك تلاقي ضرر شربها بالأعضاء الآخرى‏.‏

وأما في مثل القولنج فتعظم الغائلة لأن المادة تزداد برداً وجموداً واستغلافاً والمخدرات قد تسكن الوجع بما تنوم فإن النوم أحد أسباب سكون الوجع وخصوصاً إذا استعمل الجوع معه في وجع مادي‏.‏

والمخدّرات المركبة التي تكسر قواها أدوية هي كالترياق لها أسلم مثل الفلونيا ومثل الأقراص المعروفة بالمثلثة لكنها أضعف تخديراً‏.‏

والطري منها أقوى تخديراً والعتيق يكاد لا يخدر والمتوسط متوسط‏.‏

ومن الأوجاع ما هو شديد الشدة سهل العلاج أحياناً مثل الأوجاع الريحية فربما سكنها وكفاها صب الماء الحار عليها ولكن في ذلك خطر واحد وذلك أنه ربما كان السبب ورماً فيظن أنه ريح فإن استعمل عليه وخصوصاً في ابتداء تبطيل ماء حار عظم الضرر‏.‏

وهذا مع ذلك ربما أضر بالريحي وذلك إذا ضعف عن تحليل الريح وزاد في انبساط حجمه‏.‏

والتكميد أيضاً من معالجات الرياح وأفضله بما خص مثل الجاورس إلا في عضو لا يحتمله مثل العين فتكمد بالخرق ومن الكمادات ما يكون بالدهن المسخّن‏.‏

ومن التكميدات القوية أن يطبخ دقيق الكرسنة بالخل ويجفّف ثم يتخذ منه كماد ودونه أن تطبخ النخالة كذلك والملح لذاع البخار والجاورس أصلح منه وأضعف وقد يكمد بالماء في مثانة‏.‏

وهو سليم لين ولكن قد يفعل الفعل المذكور إذا لم يراع والمحاجم بالنار من قبيل هذا وهو قوي على إسكَان الوجع الريحي وإذا كرر أبطل الوجع أصلاً لكنه قد يعرض منه ما يعرض من المرخيات‏.‏

ومن مسكنات الأوجاع المشي الرقيق الطويل الزمان لما فيه من الارخاء وكذلك الشحوم اللطيفة المعروفة والأدهان التي ذكرنا والغناء الطيب خصوصاً إذا نوم به والتشاغل بما يفرح مسكن قوي للوجع‏.‏ الفصل الثلاثون وصية

في أنا بأي المعالجات نبتدىء إذا اجتمعت أمراض فإن الواجب أن نبتدىء بما يخصه إحدى الحواص الثلاث‏:‏ إحداها بالتي لا تبرىء الثانية دون برئه مثل الورم والقرحة إذا اجتمعا فإنا نعالج الورم أولاً حتى يزول سوء المزاج الذي يصحبه ولا يمكن أن تبرأ معه القرحة ثم نعالج القرحة‏.‏

الثانية منها أن يكون أحدهما هو السبب في الثاني مثل أنه إذا عرضت سدّة وحمى عالجنا السدة أولاً ثم الحمى ولم نبال من الحمى إن احتجنا أن نفتح السددة بما فيه شيء من التسخين ونعالج بالمجففات ولا نبالي بالحمى لأن الحمى يستحيل أن تزول وسببها باق وعلاج سببها التجفيف وهو يضر الحمى‏.‏

والثالثة أن يكون أحداهما أشد اهتماماً كما إذا اجتمع حمى مطبقة سوناخس‏.‏

والفالج فإنا نعالج سوناخس بالتطفية والفصد ولا نلتفت إلى الفالج وأما إذا اجتمع المرض والعرض فإنا نبدأ بعلاج المرض إلا أن يغلبه العرض فحينئذ نقصد فصد العرض ولا نلتفت إلى المرض كما نسقي المخدرات في القولنج الشديد الوجع إذا صعب وإن كان يضر نفس القولنج وكذلك ربما أخرنا الواجب من الفصد لضعف المعدة أو لإسهال متقدم أو غثيان في الحال وربما لم نؤخر ولكن فصدنا ولم نستوف قطع السبب كله كما أنا في علة التشنُج لا نتحرى نفض الخلط كله بل نترك منه شيئاً تحلله الركة التشنجية لئلا تحلل من الرطوبة الغريزية‏.‏

فليكن هذا القدر من كلامنا في الأصول الكلية لصناعة الطب كافياً ولنأخذ في تصنيف كتابنا في الأدوية المفردة إن شاء الله تعالى‏.‏

تم الكتاب الأول من كتب القانون وهم الكليات وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله‏.‏

 الكتاب الثاني الأدوية المفردة

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد حمد الله والثناء عليه والصلاة على أنبيائه فإذا هذا الكتاب هو ثاني الكتب التي صنفناها في الطب التي الأول منها هو في الأحكام الكليّة من الطب والثاني منها هو هذا الكتاب المجموع في الأدوية المفردة‏.‏

وقسمنا هذا الكتاب جملتين‏:‏ الأولى منهما‏:‏ في القوانين الطبيعية التي يجب أن تعرف من أمر الأدوية المستعملة في علم الطب‏.‏

والثانية منهما‏:‏ في معرفة قوى الأدوية الجزئية‏.‏أما الجملة الأولى فقسمناها إلى ستة مقالات‏:‏

المقالة الأولى‏:‏ في تعريف أمزجة الأدوية المفردة‏.‏

المقالة الثانية‏:‏ في تعرف أمزجة الأدوية المفردة بالتجربة‏.‏

المقالة الثالثة‏:‏ في تعرف أمزجة الأدوية المفردة بالقياس‏.‏

المقالة الخامسة‏:‏ في أحكام تعرض للأدوية من خارج‏.‏المقالة السادسة‏:‏ في التقاط الأدوية وادخارها‏.‏وأما الجملة الثانية فقسمناها إلى عدة ألواح وإلى قاعدة‏.‏

فاللوح الأول من هذه الجملة لوح الأفعال والخواص‏.‏

والثاني‏:‏ في الزينة‏.‏

والثالث‏:‏ في الأورام والبثور‏.‏

والرابع‏:‏ في الجراحة والقروح‏.‏

والخامس‏:‏ في آلات المفاصل‏.‏

والسادس‏:‏ في أعضاء الرأس‏.‏

والسابع‏:‏ في أعضاء العين‏.‏

والثامن‏:‏ في أعضاء النفس والصدر‏.‏

والتاسع‏:‏ في أعضاء الغذاء‏.‏

والعاشر‏:‏ في أعضاء النفض‏.‏

والحادي عشر‏:‏ في الحميّات‏.‏وأما القاعدة فقسمناها قسمين‏.‏

القسم الأول في المقدمة أني قد جعلت للأدوية المفردد فيها ألواحاً وجعلت لكل واحد منها كتابة بصبغ حتى يسهل التقاطه‏.‏

والقسم الثاني‏:‏ يشتمل على ثمانية وعشرين فصلاً‏.‏

 الجملة الأولى القوانين الطبيعية

القوانين الطبيعية التي يجب أن تُعرف من أمر الأدوية المستعملة في علم الطب

 المقالة الأولى أمزجة الأدوية المفردة

قد بينا في الكتاب الأول معنى قولنا‏:‏ هذا الدواء حار وهذا الدواء بارد وهذا الدواء رطب وهذا الدواء يابس وبيّنا أن ذلك بالقياس إلى أبداننا‏.‏

وصادرنا على أن جميع المركبات المعدنية والنباتية والحيوانية أركانها هي العناصر الأربعة وإنما تمتزج فيفعل بعضها في بعض حتى تستقر على تعادل أو على تغالب فيما بينها وإذا استقرت على شيء فذلك هو المزاج الحقيقي‏.‏

وأن المزاج إذا حصل في المركّب هيأه لقبول القوى والكيفيات التي من شأنها أن تكون له بعد المزاج وبينا أن المزاج بالجملة على كم قسم هو وأن المزاج المعتدل في الناس ماذا يراد به وأن المزاج المعتدل في الأدوية ماذا يراد به وبينا أنه إنما يراد به أن البدن الإنساني إذا لاقاه وفعل فيه بحرارته الغريزية لم يبعد هو أن يؤثر في بدن الإنسان تبريداً أو تسخيناً أو ترطيباً أو تيبيساً فوق الذي في الإنسان لسنا نعني به أن مزاجه مثل مزاج الإنسان فإن مزاج الإنسان لا يكون إلا للإنسان‏.‏

واعلم أن المزاج على نوعين‏:‏ مزاج أوّل‏:‏ هو أول مزاج يحدث عن العناصر‏.‏

والمزاج الثاني هو المزاج الذي يحدث عن أشياء لها في أنفسها مزاج‏:‏ كمثل مزاج الأدوية المركبة ومزاج الترياق فإن لكل دواء مفرد من أدوية الترياق مزاجاً يخصه ثم إذا اختلطت وتركبت حتى تتحد ويحصل لها مزاج حصل مزاج ثان وهذا المزاج الثاني ليس إنما يكون كله عن الصناعة بل قد يكون عن الطبيعة أيضاً فإن اللبنَ يمتزج بالحقيقة عن مائية وجبنية وسمنية وكل واحد من هذه الثلاثة غير بسيط في الطبع بل هو أيضاً ممتزج وله مزاج يخصه‏.‏

وهذا المزاج الثاني هو من فعل الطبيعة لا من فعل الصناعة‏.‏

والمزاج الثاني قد يكون على وجهين‏:‏ إما مزاج قوي واما مزاج رخو‏.‏

والمزاج القوي‏:‏ مثل أن يكون كل واحد من البسيطين اتحد بالآخر اتحاداً يعسر تفريقه على حرارتنا الغريزية بل قد يكون منه ما يعسر تفريقه على حرارة النار مثل جرم الذهب فإن المزاج من رطبه ويابسه قد بلغ بلغاً تعجز النارية عن التفريق بينهما وإذا سيّلت النارية المائية لتصعدها تشبث بجميع أجزائها أجزاء الأرضية فلم تقدر على تصعيدها وإرساب الأرضية كما تقدم على مثله في الخشب بل في الرصاص والآنك‏.‏فإذا كان من المزاج ما استحكامه هذا الاستحكام فلا يبعد أن يكون من المزاج ما تعجز الحرارة الغريزية التي فينا عن تفريق بسائطه وما كان هكذا فهو المزاج الموثق فإن كان معتدلاً بقي في جميع البدن إلى أن يحيل صورته ويعيده معتدلاً وما كان مائلاً إلى غلبة بقي في البدن على غَلَبَتِهِ إلى أن تفسد صورته‏.‏

وبالجملة إنما يصدر عنه فعل واحد‏.‏

وأما إذا لم يكن المزاج موثقاً بل رخواً سلساً إلى الإنفصال فقد يجوز أن تفترق بسائطه عند فعل طبيعتنا فيه ويتزايل بعضها عن بعض وتكون مختلفة القوى فيفعل بعضها فعلاً ويفعل الآخر ضده فإذا قال الأطباء إن دواء كذا قوته مركَبة من قوى متضادة فلا يجب أن يفهموا هم أنفسهم وأنت عنهم أن جزءاً واحداً يحمل حرارة وبرودة بفعل كل واحد منهما بانفراده كالمتميزين فإن ذلك لا يمكن بل هما في جزأين منه مختلفين هو مركب منهما‏.‏

وأيضاً لا يجب أن نظن أن غير ذلك الجنس من الأدوية ليس مركباً من قوى متضادة فإذا جميع الأدوية مركّبة من قوى متضادة بل يجب أن تفهم من ذلك أنهم يعنون أنه بالفعل ذو قوى متضادة أو بقوة قريبة من الفعل لأن فيه أجزاء مختلفة لم يفعل بعضها في بعض فعلاً تام يجعل الكل متشابه القوة تشابهاً تاماً ولا تلازمت واتحدت حتى إذا حصل بعضها في جزء عضو لزم أن يحصل الآخر معه لأنه إن كانت متشابهة القوّة لم يختلف فعلها في البدن البتّة وإن كانت متلازمة الأجزاء ومختلفة القوى جاز أن لا يختلف أيضاً تأثيرها في البدن بل كان إذا حصل جزء من بسيط في عضو وافقه ما يلازمه من البسيط الآخر فحصل منهما الفعل والأثر الذي يؤدي إليه فعلاهما في جميع أجزاء ذلك العضو على السواء إذ كل واحد من أجزائه معه عائق عن تمام فعله متمكن منه اللهم إلا أن يكون جزء وعضو قابلاً عن أحد البسطين دون الآخر‏.‏والطبيعة تستعمل أحدهما وترفض الآخر فقد يكون هذا كثيراً وليس كلامنا في هذا بل هو في الصنف الذي هو مختلف التأثير لأمر في نفسه لا لأمر في غيره وذلك الأمر هو أن بسائطه امتزاجها واهٍ بحيث يقبل التمييز بتأثّر حرارتها فالأدوية المفردة التي نذكر أن لها قوى متضادة من هذه التي ليس فيها ذلك الامتزاج الكلي‏.‏

فمن هذه ما هو أقوى امتزاجاً فلا يقدر الطبخ والغسل على التفريق بين قواها مثل البابونج الذي فيه قوة محللة وقوة قابضة وإذا طبخ في الضمادات لم تفارقه القوتان‏.‏

ومنها ما يقدر الطبخ على التفريق بينهما مثل الكرنب فإن جوهره ممتزج من مادة أرضية قابضة ومن مادة لطيفة جلآءة بورقية فإذا طبخ في الماء تحلل الجوهر البورقي الجالي منه في الماء وبقي الجوهر الأرضي القابض فصار ماؤه مسهلاً وجرمه قابضاً‏.‏

وكذلك العدس وكذلك الدجاج وكذلك الثوم فإن فيه قوة جلاءة محرقة ورطوبة ثقيلة والطبخ يفرق بينهما‏.‏

وكذلك البصل والفجل وغير ذلك ولذلك قيل‏:‏ إن الفجل يهضم ولا ينهضم لا بجميع أجزائه بل بالجوهر اللطيف الأرق الذي فيه فإذا تحلل ذلك عنه بقي الجوهر الكثيف الذي فيه عاصياً على القوة الهاضمة لزجاً وذلك الجوهر الآخر يقطع اللزوجة‏.‏

ومن هذا الباب ما يقدر الغسل على التفريق بين بسائطه مثل الهندبا وكثير من البقول فإن جوهرها مركب من مادة أرضية مائية باردة كثيرة ومن مادة لطيفة قليلة فيكون تبريدها بالمادة الأولى وتفتيحها للسدد وتنفيذها أكثر بالمادة الآخرى ويكون خل هذه المادة اللطيفة منبسطة على سطحها وقد تصعَدت إليه وانفرشت عليه فإذا غسلت تحللت في الماء ولم يبق منها شيء يعتد به‏.‏

فلهذا نهى عن غسلها شرعاً وطباً وبهذا السبب كثير من الأدوية إذا تناولها الإنسان برد تبرداً شديداً فإذا ضمًد بها حللت مثلاً كالكزبرة فإنها إذا تنوولت اشتد تبريدها فإذا ضمَد بها فربما حلَلت مثل الخنازير وخصوصاً مخلوطة بالسويق وذلك لأنها مركَبة من جوهر أرضي مائي شديد التبريد ومن جوهر لطيف محلل فإذا تنوولت أقبلت الحرارة الغريزية فحللت عنها الجوهر اللطيف ولم تكن كثيرة المقدار فتؤثر في المزاج أثراً بل بعدت ونفذت وبقي الجوهر المبرد منه غاية في التبريد‏.‏

وأما إذا ضفد بها فيشبه أن يكون الجوهر الأرضي لا ينفذ في المسام ولا يفعل فيها أثراً البتة‏.‏

والجوهر اللطيف الناري ينفذ فيها وينضج فإن استصحبت شيئاً من الجوهر البارد نفع في الردع وقهر الحرارة الغريزية‏.‏

وهذا قريب مما بينّاه في الكتاب الأول من إحراق البصل ضمَاداً والسلامة عنه مطعوماً إذا جعلنا إحدى العلل فيه قريبة من هذا فيجب أن يكون المعنى محكماً معلوماً‏.‏

ومن الأدوية ما يشبه أن يكون فيه جوهران مختلفإن في الطبع من غير امتزاج البتّة فمن ذلك ما هو ظاهر للحس كأجزاء الأترج ومنه ما هو أخفى فإن بزر قطونا يشبه أن يكون قشره وما على قشره قوي التبريد‏.‏

والدقيق الذي فيه قوي التسخين حتى يكاد أن يكون دواء محمراً أو مقرّحاً وقشره كالحجاب الحاجز بينهما فإن شرب غير مدقوق لم تمكن صلابة جلده من أن تنفذ قوة دقيقة وباطنة إلى خارج بل فعل بظاهره ولعابيته وان دق فعسى أن الذي يقال من أنه سم هو بسبب ظهور دقيقه وحشوه فيشبه أن يكون تفجير المدقوق منه للجراحات وتفحّج الصحيح منه إياها وردعه لها بهذا السبب وهذا المقدار كاف في إعطائنا هذا الأصل‏.‏

 المقالة الثانية الأدوية

تتعرّف قواها من طريقين‏:‏ أحدهما‏:‏ طريق القياس والآخر‏:‏ طريق التجربة‏.‏ولنقدم الكلام في التجربة فنقول‏:‏ إن التجربة إنما تهدي إلى معرفة قوة الدواء بالثقة بعد مراعاة شرائط‏:‏ إحداها‏:‏ أن يكون الدواء خالياً عن كيفية مكتسبةِ إما حرارة عارضة أو برودة عارضة أو كيفية عرضت لها باستحالة في جوهرها أو مقارنة لغيرها فإن الماء وان كان بارداً بالطبع فإذا سُخن سَخَّن ما دام سَخِيناً والفربيون وأن كان حاراً بالطبع فإنه إذا بَرَدَ برَدَ ما دام بارداً واللوز وأن كان إلى الاعتدال لطيفاً فإذا زنخ سخن بقوة ولحم السمك وإن كان بارداً فإذا ملحَ سخن بقوة‏.‏

والثاني‏:‏ أن يكون المجرب عليه علَة مفردة فإنها إن كانت علة مركبة وفيها أمران يقتضيان علاجين متضادين فجرب عليهما الدواء فنفع لم يدر السبب في ذلك بالحقيقة مثاله إذا كان بالإنسان حمى بلغمية فسقيناه الغاريقون فزالت حماه لم يجب أن يحكم أن الغاريقون بارد لأنه نفع من علة حارة وهي الحمى بل عسى إنما نفع لتحليله المادة البلغمية أو استفراغه إياه فلما نفدت المادة زالت الحمى وهذا بالحقيقة نفع بالذات مخلوط بالعرض‏.‏

أما بالذات فبالقياس إلى المادق وأما بالعرض فبالقياس إلى الحمى‏.‏

والثالث‏:‏ أن يكون الدواء قد جرب على المضادة حتى إن كان ينفع منهما جميعاً لم يحكم أنه مضاد المزاج لمزاج أحدهما وربما كان نفعه من أحدهما بالذات ومن الآخر بالعرض كالسقمونيا لو جزبناه على مرض بارد لم يبعد أن ينفع ويسخن وإذا جربناه على مرض حار كحمى الغب لم يبعد أن ينفع باستفراغ الصفراء فإذا كان كذلك لم تفدنا التجربة ثقة بحرارته أو برودته إلا بعد أن يعلم أنه فعل أحد الأمرين بالذات وفعل الآخر بالعرض‏.‏

والرابع‏:‏ أن تكون القوة في الدواء مقابلاً بها ما يساويها من قوة العلّة فإن بعض الأدوية تقصر حرارتها عن برودة علة ما فلا يؤثر فيها البتة وربما كانت عند استعمالها في برودة أخفّ منها فعالة للتسخين فيجب أن يجرب أولاً على الأضعف ويتدرج يسيرا يسيراً حتى تعلم قوة الدواء ولا يشكل‏.‏

والخامس‏:‏ أن يراعى الزمان الذي يظهر فيه أثره وفعله فإن كان مع أول استعماله أقنع أنه يفعل ذلك بالذات وإن كان أول ما يظهر منه فعل مضاد لما يظهر أخيراً أو يكون في أول الأمر لا يظهر منه فعل ثم في اًخر الأمر يظهر منه فعل فهو موضع اشتباه وإشكال عسى اْن يكون قد فعل ما فعل بالعرض كأنه فعل أولاً فعلاً خفياً تبعه بالعرض هذا الفعل الأخير الظاهر‏.‏

وهذا الإشكال والاشتباه في قوة الدواء‏.‏

والحدس أن فِعْلَهُ إنما كان بالعرض قد يقوَى إذا كان الفعل إنما ظهر منه بعد مفارقته ملاقاة العضو فإنه لو كان يفعل بذاته لفعل وهو ملاق للعضو ولاستحال أن يقصر وهو ملاق ويفعل وهو مفارق وهذا هو حكم أكثري مقنع‏.‏

وربما اتفق أن يكون بعض الأجسام يفعل فعله الذي بالذات بعد فعله الذي بالعرض وذلك إذا كان اكتسب قوة غريبة تغلب الطبيعية مثل الماء الحار فإنه في الحال يسخن‏.‏

وأما من اليوم الثاني أو الوقت الثاني الذي يزول فيه تأثيره العرضي فإنه يحدث في البدن برداً لا محالة لاستحالة الأجزاء المستعقبة منه إلىالحالة الطبيعية من البرد الذي فيه‏.‏

والسادس‏:‏ أن يراعى استمرار فعله على الدوام أو على الأكثر فإن لم يكن كذلك فصدور الفعل عنه بالعرض‏.‏

لأن الأمور الطبيعية تصدر عن مباديها إما دائمة وإما على الأكثر‏.‏

والسابع‏:‏ أن تكون التجربة على بدن الإنسان فإنه إن جرب على غير بدن الإنسان جاز أن يتخلّف من وجهين‏:‏ أحدهما‏:‏ أنه قد يجوز أن يكون الدواء بالقياس إلى بدن الإنسان حاراً وبالقياس إلى بدن الأسد والفرس بارداً إذا كان الدواء أسخن من الإنسان وأبرد من الأسد والفرس ويشبه فيما أظن أن يكون الراوند شديد البرد بالقياس إلى الفرس وهو بالقياس إلى الإنسان حار‏.‏

والثاني أنه قد يجوز أن يكون له بالقياس إلى أحد البدنين خاصية ليست بالقياس إلى البدن الثاني مثل البيش فإن له بالقياس إلى بدن الإنسان خاصية السمية وليست له بالقياس إلى بدن الزرازير‏.‏

فهذه القوانين التي يجب أن تراعى في استخراج قوى الأدوية من طريق التجربة فاعلم ذلك‏.‏

 المقالة الثالثة أمزجة الأدوية المفردة

بالقياس وأما تعرّف قوى الأدرية من طريق القياس فالقوانين فيه بعضها مأخوذ من سرعة استحالتها إلى النار والتسخن ومن بطء استحالتها ومن سرعة جمودها وبطء جمودها وبعضها مأخوذ من الروائح وبعضها مأخوذ من الطعوم وقد تؤخذ من الألوان وقد تؤخذ من أفعال وقوى معلومة فيكتسب منها دلائل واضحة على قوى مجهولة‏.‏

وأما الطريق الأول فإن الأشياء المتساوية في قوام الجوهر أعني في التخلخل والتكاثف أيها قَبِلَ السخونة أسرع فهو أسخن وأيها قَبِل البرودة أسرع فهو أبرد‏.‏

ومن أحد الأسباب في ذلك أن الشيء قد يَسْخُنُ أسرع من الآخر والفاعل واحد لأنه في نفسه أسخن من الآخر وإنما كان البرد العارض برَدَهُ فلما وافاه الحار من خارج ووطاه القوة الحارة الطبيعية فيه ساوى الآخر في السبب الخارج وفضل عليه بالقوة التي فيه فْصار أسخن‏.‏

وعلى هذا فاعرف حال الذي يبرد وأما إذا كان أحدهما أشد تخلخلاً والآخر أشدّ تكاثفاً فإن الذي هو أشد تخلخلاً وإن كان في مثل برد الآخر وحره فإنه ينفعل أسرع لضعف جرمه وأما الأشياء التي من شأنها أن تجمد والأشياء التي من شأنها أن تشتعل ناراً فيجوز أن يتقايس بعضها ببعض‏.‏

وما كان أسرع جموداً وقوامه كقوام الآخر فهو أبرد وما كان أسرع اشتعالاً وقوامه كقوام الآخر فهو أسخن لمثل ما قلنا ولأنا إنما نقول للشيء إنه أبرد وأسخن بالقياس إلى تأثير الحرارة الغريزية التي فينا فيه فإذا كان هذا أبعد من الجمود وأسرع إلى الاشتعال قضينا أنه في التأثر عن حرارتنا الغريزية بتلك الصفة وهذه الأصول يُبرهن عليها كما ينبغي في العلم الطبيعي‏.‏

وأما إذا اختلف شيئان في التخلخل والتكاثف ثم وجد المتكاثف منهما أشد اشتعالاً وأبطأ جموداً فاحكم أنه لا محالة أسخن جوهراً‏.‏

وكذلك إن وجدت المتخلخل منها أسرع اشتعالاً فليس لك أن تجزم القضية فتجعله بهذا السبب أشد حرَّا فربما كان التخلخل هو السبب في سرعة اشتعاله كما أنك إن وجدت المتخلخل منهما أسرع جموداً فليس لك أن تجزم القضية فتجعله بهذا السبب أشد برداً فربما كان التخلخل هو السبب في سرعة جموده لضعف جرمه وسرعة انفعاله مثل الخمر فإنه وان كان أسخن من دهن القرع فإنه يجمد أسرع من جمود ذلك الدهن بل ذلك الدهن قد يخثر ولا يجمد‏.‏

والشراب يجمد فإن من الأشياء ما يجمد من غير خثورة ومن وأما الأشياء القابلة للخثورة إذا تساوت في قوام الجوهر فأقبلها للخثورة من البرد هو أبردها وكثير من الأشياء إنما تجمد في الحر والأشياء التي من شأنها أن تجمد بالحر كلها تنحل بالبرد كما أن الأشياء التي تجمد بالبرد كلها تنحل بالحر والحر يجمد بالتخفيف والبرد ينحلّ بالترطيب على رأي جالينوس‏.‏

ورأي الفيلسوف الأول قد يخالفه في شيء يسير واستقصاء ذلك في علم آخر‏.‏

وإذا كانت الأدوية بعضها أسخن لكنه أغلظ أمكن أن يكون قبوله للجمود كقبول الذي هو أبرد منه لغلظه وإذا كان بعضها أبرد لكنه أرقّ أمكن أن يكون قبوله للاشتغال مثل قبول الذي هو أسخن منه لرقّته‏.‏

والخثورة والانعقاد لا تدل على زيادة في الحرارة ولا زيادة في البرودة فإنها قى تخثر الأشياء الأرضية التي فيها وأشياء لكثرة المائية والهوائية فيها إذا تخلخلا وكثيراً ما يعرض للهوائية أن تبرد فتستحيل مائية ويتخلخل المركّب ويكون بارداً وكثيراً ما تخلخل المائية الباردة لنارية تغلي فيها وتحيلها هوائية وتخثّرها كما يعرض للمني من الخثورة‏.‏

فإذا انفصل عنه البخار الناري رق ولا تمنع الأرضية أن يكون معها نارية مفرطة فيجوز أن يكون القسم الأول شديد الحرارة ولا يمنع المائية أن يداخلها هوائية لا تقهر قوتها فيكون القسم الثاني شديد البرودة أو نارية تقهره فيكون شديد الحرارة‏.‏

هذا وأما القوانين الآخرى فيجب أن يعلم الأطباء منها شيئاً واحداً أنه لا يمكن أن يكون الطعوم الحلوة والمرة والحريفة إلا بجوهر حار ولا القابضة والحامضة والعفصة إلا بجوهر بارد‏.‏

وكذلك الروائح الذكية الحادة لا تكون إلا بجوهر حار والألوان البيض في الأجسام المنعقدة التي فيها رطوبة لا تكون إلا بجوهر بارد وفي الأجسام التي فيها يبوسة وانفراك لا تكون إلا بجوهر حار والأسود في الأمرين بالضد فإن البرد يبيض الرطب ويسوِّد اليابس والحر يسود الرطب ويبض اليابس وأن هذا حقّ واجب‏.‏

ولكن ههنا سبب اخر لأجل ذلك قد تختلف هذه الاستدلالات وخصوصا في الرائحة واللون وذلك أنا قد بينا أن الأجسام الدوائية قد تمتزج من عناصر متضادة تارة امتزاجاً أولياً وتارة امتزاجاً ليس أولياً بل الأحرى أن يسقى مزاجاً ثانياً فيجوز في هذا الامتزاج الثاني أن يكون أحد العنصرين قد حصل له مزاج استحقّ به لوناً أو رائحة أو طعماً وحصل له ذلك الذي استحقّه‏.‏

وكما أن العنصر الآخر قد حصل له مزاج مضاد مخالف لذلك المزاج يجوز أن يكون يستحق به لوناً مضاداً لذلك اللون أو رائحة أو طعماً مضادين للأول ويجوز أن لا يستحقّ به ذلك فإن هذا غير مضبوط وغير معلوم لها الحدود التي منها يستحقّ المزاج الألوان والروائح والطعوم بل إن قال الإنسان في هذا شيئاً فإنما يقوله على التخمين فإن كان قد استحقّ لوناً مقابلاً له ثم كانا متساويي الكمية حصل في الممتزج الثاني لون مركّب من اللونين‏.‏

وأن كانا مختلفين حصل في الممتزج الثاني لون أميل إلى اْحد اللونين فإن لم يستحقّ الثاني لوناً البتة وكذلك رائحة أو طعماً وكانا متساويين كان الموجود فيهما هو اللون الأول والرائحة الأولى‏.‏

وإن كانا قد انكسر المخالطة أجزاء عادمة اللون ولأجزاء متضادة ولم يكن للون الثاني أثر فإن هذا أيضاً يكسر كسر الشفاف المخالط للملوّن وكان ذلك الجسم يرى مثلاً أبيض‏.‏

ويجوز أن تكون قوّته ليست قوة الأبيض بما هو أبيض بل هي قوة أخرى مقابلة للأولى فإنه إذا كان الجرم المخالط العديم اللون كما اْنه مساوٍ في الكمية مساوٍ في القوّة كانت القوّة الحاصلة قوّة بين القوتين معتدلة‏.‏

وإن كان أقوى كثيراً من المتلوّن كان التأْثير للقوة المضادة لقوة الجرم المصاحب للبياض وكان البياض مثلاً يوجب أن يكون هو بارداً وهو حار بمرّة‏.‏

هذا إذا كان متساويي الكمية وأما إذا كان مثلاً هذا الذي لا لون له أو له لون مضاد قليل الكمية بالقياس إلى الآخر كثير الكيفية والقوة لم يؤثر البتّة أثراً في لون ذلك الآخر وقهره بالقوة قهراً شديداً حتى كان كأنه ليس له قوة وجودة البتّة‏.‏

تأمل الحال في رطل من اللبن لو خلطته بمثقالين من الفربيون خلطا كشيء واحد أليس كان المجتمع منهما مسخناً في الغاية والحس لا يدرك الفربيون منهما لا لونه ولا عدمه اللون لو كان عادماً للون إنما يرى بياضاً صرفاً فيكون قد صدقنا أن هذا البياض هو بجوهر بارد مثلاً إن فرضنا اللبن بارداً وكذبنا إن قلنا إن هذا الجوهر المشروب بارد وذلك لأن هذا البياض ليس هو لوناً لهذا المشروب المجتمع من جهة ما هو مشروب مجتمع بل هو لون لأحد بسيطيه الغالب بالمقدار المغلوب بالقوة الذي هو محسوس منهما فهكذا يجب أن يتصورالحال في الأبيض الطبيعي الامتزاج الذي هو في غاية الحر ونتوقعه أن يكون بارداً مثل الفلفل الأبيض فإنه كما أن هذا هو الذي يمتزج بالصناعة فكذلك قد يمتزج بالطبيعة فتكون الصورة هي هذه الصورة إلا أن من هذد الكيفيات المحسوسة ما الأولى أن يكون ما يخالطها من الضد يؤثر فيها أثراً بيناً وأنها ما دامت كيفياتها صادقة محسوسة لا تحس أضدادها فيها فهي غالبة للقوى‏.‏

وهذا هو في الطعوم لا على أنه واجب بل على أنه أكثري وبعد الطعوم في الروائح وبعدهما في الألوان وهو في الألوان كغير الموثوق به‏.‏

ومن الأسباب التي فاقت فيها الطعوم الروائح في هذا الباب وصولها إلى الحس بملاقاة فهي أولى ما يوصل من جميع أجزاء الدواء قوة‏.‏

والروائح والألوان تؤثر بلا ملاقاة من أجزائها فيجوز أن يصل إلى الحس من أجزاء في الرائحة بخار من لطيف أجزائه ويستعصي البخار من كثيف أجزائه فلا يتبخر‏.‏

ويجوز أن يصل إليه لون الظاهر الغالب دون المغلوب الخفي ولأن الروائح قد تدل على الطعوم مثل الرائحة الحلوة والحامضة والحريفة والمرة كانت الروائح تالية للطعوم‏.‏

فالطعوم أكثر صِحَّةِ دلالة ثم الروائح ثم الألوان ثم لو كانت الطعوم أيضاً لا يقع فيها هذا التركيب المذكور لما كان الأفيون في مرارته مع برده المفرط‏.‏

وهذا الغلط الذي يقع في الطعوم يقع في جانب البرد أكثر منه في جانب الحر أعني أن يكون الدواء له طعم يدل على الحرارة وهو بارد فإن هذا أكثر من أن يكون الدواء له طعم يدلُ على البرد وهو حار لأن الحار في أكثر الأحوال أقوى اًثاراً وأظهر أفعالاً وأفذ فلو كان قد خالط البارد في المزاج الطبيعي حار‏.‏

تبلغ قوّته مبلغاً يكسر برد ما يقابله لقد كان بالحري أن يظهر له طعم يكسر طعمه إذالحار في جميع الأحوال أنفذ وأبلغ وأغلب وأولى بأن يَجْمُلَ الطعومٍ والروائح‏.‏

ولهذا السبب كأنك لا تجد حامضاً أو عفصاً لا مزاج فيه في الحس ويكون حاراً بأغلب مزاجه كما تجد مرًّا ولذاعاً ويكون بارداً في أغلب مزاجه على أن هذا أيضاً أكثري وأكثر أكثرية من الآخر وليس بواجب‏.‏

فإذا عرفت هذا القانون فيجب الآن أن نقتص عليك ما يقوله الأطباء في الطعوم والروائح والألوان فإنهم يجعلون الطعوم البسيطة كلها تسعة وهي وإن كان لا بدّ ثمانية طعوم وواحد هو عدم الطعم وهو التفه المسيخ الذي لا يكون له طعم ولا يدرك منه طعم البتّة كالماء‏.‏

وإنهم يسمون بالطعم كل ما يحكم عليه بالذوق حكماً وهو بالفعل أو حكماً وهو بالقوة ولم ينفعل البتة وهو الذي لا طعم له وهو على وجهين‏:‏ إما تفه عادم للطعم بالحقيقة وإما تفه عادم له عند الحس‏.‏

والتفه في القيقة هو الذي لا طعم له بالحقيقة والتفه عند الحس هو الذي له في نفسه طعم الا أنه لشد تكاثفه لا يتحلل منه شيء يخالط اللسات فيدركه ثم إذا احتيل في تحليل أجزائه وتلطيفها أحس طعمه مثل النحاس والحديد فإن اللسان لا يدرك منهما طعماً لأنه لا يتحلّل من جرمهما شيء يصير إلى الرطوبة المبثوثة في أعلى اللسان التي هي واسطة في حس الذوق ولو احتيل في تهيئته أجزاء صغار ظهر له طعم قوي ومثل هذا أشياء كثيرة‏.‏

وأما الطعوم الثمانية التي يذكرونها التي هي بالحقيقة طعوم بعد التفه فهي الحلاوة والمرارة والحرافة والملوحة والحموضة و العفوصة و القبض والدسومة‏.‏

ويقولون‏:‏ إن الجوهرالحامل للطعم إما أن يكون كثيفاً أرضياً وإما أن يكون لطيفاً وإما أن يكون معتدلاً‏.‏

وقوته إما أن تكون حارة وإما أن تكون باردة وإما أن تكون متوسّطة‏.‏

والكثيف الأرضي إن كان حاراً فهو مر وإن كان بارداً فهو عفص وإن كان معتدلاً فهو حلو‏.‏

واللطيف إن كان حاراً فهو حريف ران كان بارداً فهو حامض وإن كان معتدلاً فهو دسم‏.‏

والمتوسّط في الكثافة واللطف إن كان حاراً فهو مالح وإن كان بارداً فهو قابض وان كان معتدلاً فقد قالوا إنه تفه وفي التفه كلام‏.‏

والحريف أسخن ثم المر ثم المالح لأن الريف أقوى على التحليل والتقطيع والجلاء من المر ثم المالح كأنه مر مكسور برطوبة باردة يدل عليه ما ذكرناه من نحو تكونه وكذلك إذا سخن المالح بشمس أو نار أو بمفارقة المائية الكاسرة من قوة الحرارة صار مرًا وكذلك البورق‏.‏

والمحلل المر أسخن من الملح المأكول والعفص هو الأبرد ثم القابض ثم الحامض ولذلك تكون الفواكه التي تحلو تكون أولاً فيها عفوصة شديدة التبريد فإذا جرت فيها هوائية ومائية حتى تعتدل قليلاً بالهوائية وبإسخان الشمس المنضج مالت إلى الحموضة مثل الحصرم وفيما بين ذلك تكون إلى قبض يسير ليس بعفوصة ثم تنتقل إلى الحلاوة إذا عملت فيها الحرارة المنضجة وربما انتقل من العفوصة إلى الحلاوة من غير تحمض مثل الزيتون‏.‏

لكن الحمض وإن كان أقل برداً من العفص فهو في الأكثر أكثر تبريداً منه للطافته ونفوذه‏.‏

والعفص والقابض يتقاربان في الطعم لكن القابض إنما يقبض ظاهر اللسان والعفص يقبض ويخشن الظاهر والباطن ومما يعنيه على تخشينة أنه لا ينقسم لكثافته إلى أجزاء صغار بسرعة ولا يلتحم بعضه ببعض بسرعة‏.‏

و لهاتين حالتين تفترق مواقعه من اللسان افتراقاً محسوساً فيختلف قبضه في أجزائه فيختلف وضعها فيخشن ويعين على ذلك اختلاف أجزاء العضو في مسامتته ومضاهاته‏.‏

والعفص ألطف وأدخل‏.‏

والحريف والمر يجردان اللسان جرداً‏.‏

لكن المر إنما يجرد ظاهر اللسان والحريف يغوص جرده وتفريقه لأنه لطيف الجوهر غواص‏.‏

وأما المرّ فثقيل الجوهر يابسه ولذلك لا يقبل الصرف منه عفونة يتولد منها فيه حيوان ولا يغدو الصرف منه حيواناً‏.‏

وليبوسة المر ما يجرد مع تخشين ما ومما يقوي حرارة الحريف على حرارة المر نفوذه فيقطع شديداً ويحلل شديداً حتى يأكل ويعفن ويبلغ أن يهلك‏.‏

والحلو والدسم كلاهما يبسطان اللسان ويلينانه بتسييل ما أداه البرد وعقده من غير تحليل ويزيلان خشونته لكن الدسم يفعل ذلك من غير تسخين بين‏.‏

والحلو يفعل مع تسخين فلذلك ينضج الحلو أكثر‏.‏

قالت الأطباء‏:‏ وإنما صار الحلو لذيذاً لأنه يجلو الغليظ جلاء يصلحه ويسيله ويلينه ويزيل أذى جموده من غير تقطيعه وتفريق اتصال وملاقاة بعنف ولا يسنخن سخونة مؤذية بل لذيذة مثل لذة الماء المعتدل الحر إذا صب على الخصر‏.‏

وأما القول الفصل في هذا فعندهم من أعلى درجة وليس يجب أن يكون ما هو أحلى أغذى ولا ما هو ألذ أغذى وإن كان لا بد من أن يكون في كل غاذ عند الأطباء حلاوة ما لأن الغذاء يحتاج إلى شرائط أخرى غير الحلاوة‏.‏

هذا والدسم مناسب لحلو لكن الكثيف المستحيل إليهما بفعل الحرارة المناسبة يستحيل إلى الحلاوة إذا كان عماد تلطفه بالمائية وقليل هوائية ويستحيل إلى الدسومة إذا كان عماد تلطّفه بالمائية العذبة ويخالطها هوائية كثيرة اشتدّت مداخلتها للمائية‏.‏

والمر والمالح يَجردان اللسان جرداً لكن المالج يجرد خفيفاً ويغسل ولا يخشن ويعينه عليه تأدي ملاقاته للعضو إلى جميع أجزائه بالسوية للطافته ولكنه يؤذي فم المعدة‏.‏

والمر يجرد شديداً حتى يخشن ويعينه عليه اختلاف مواضعه على ما قلنا‏.‏

والحريف والحامض يلذعان اللسان لكن الحريف يلذعه لذعاً شديداً مع تسخين والحامض يلذعه لذعاً وسطاً بلا تسخين‏.‏

والمالح يحدث من انحلال المرّ في التفه المائي فإذا انعقد كماء الرماد صار ملحاً‏.‏

والحامض يحدث من استحالة الحلاوة بنقصان الحرارة ونضج العفوصة بزيادة الرطوبة والحرارة‏.‏

وجوهره في جملة الأمر جوهر رطب وكذلك الحلو فإن جوهره إلى الرطوبة وجوهر المر والعفص إلى اليبوسة‏.‏

وأفعال الحلو‏:‏ الإنضاج والتليين وتكثير الغذاء والطبيعة تحبه والقوى الجاذبة تجذبه‏.‏

وأفعال المرارة‏:‏ الجلاء والتخشين‏.‏

وأفعال العفوصة‏:‏ القبض إن ضعف والعصر إن اشتدّ‏.‏

وأفعال القبض‏:‏ التكثيف والتصليب والحبس‏.‏

وأفعال الدسومة‏:‏ التليين والإزلاق وإنضاج قليل‏.‏

وأفعال الحرافة‏:‏ التحليل والتقطيع والتعفين‏.‏

وأفعال الملوحة‏:‏ الجلاء والغسل والتجفيف ومنع العفونة‏.‏

وأفعال الحموضة‏:‏ التبريد والتقطيع‏.‏

وقد يجتمع طعمان في جرم واحد مثل اجتماع المرارة والقبض في الحضُض وتسمى البشاعة‏.‏

ومثل اجتماع المرارة والملوحة في السليخة وتسمى الزعوقة‏.‏

ومثل اجتماع الرافة والحلاوة في العسل المطبوخ‏.‏

ومثل اجتماع المرارة والحرافة والقبض في الباذنجان‏.‏

ومثل اجتماع المرارة والتفه في الهندبا وربما يعاون مقتضى طعمين على تقوية مقتضى طعم فإن الحدة والحرافة الثابتة في الخل من الخمر يجعلانه أشدّ تبريداً لأن الحدة والحرافة يفتحان المنافذ فيعينان على التنفيذ وإن لم يبلغا في الخل أن يسخنا تسخيناً يعتد به فيصير تبريد الخل أغوص وربما تعاوق مقتضى طعمين منها مثل الحموضة والعفوصة في الحصرم فإن عفوصة الحصرم تمنع حموضته عن التبريد البالغ النافذ وربما كان القوام معيناً للكيفية وربما كان مضاداً‏.‏

أما المعين فمثل اللطافة التي تقارن الحموضة فتجعل تبريدها أغوص‏.‏

وأما المضاد فمثل الكثافة التي تقارن المصل فتجعل تبريده أقل مسافة‏.‏

وقد يعرض أن يكون بعض الطعوم غير صرف ثم يصرف على الزمان مثل ماء الحصرم فإنه إذا طالت عليه المدة خلصت عليه حموضته لكثرة ما يرسب من العفص وغيره‏.‏

وقد يعرض أن يكون بعض الطعام صرفاً فيخلطه الزمان بغيره مثل العسل فإنه يمرره ويحرِّفه الزمان زيادة تمرير وتحريف‏.‏

وكما يقوي تمرير الزمان أو تحريفه عصير العنب يمرره الزمان أولاً مرارة ممزوجة ثم يأخذ فيها إلى الحرافة وإذا اختلط العفص والمر كان جلاء مع قبض ويصلح لإدمال القروح التي فيها رهل قليل ويصد لكل إطلاق سببه سدد‏.‏

وينفع الطحال نفعاً شديداً إن كانت المرارة ليست فيه بضعيفة وجميع ما بهذه الصفة فإنه نافع للمعدة والكبد فإن المر المطلق والحريف المطلق يضران بالأحشاء فإن وافقها القبض نفعت فإنها بمرارتها تجلو وبما فيها من القبض تحفظ قوة الأحشاء‏.‏

وقد يكون في القابض المر بل في القابض الذي لا يظهر فيه كثير مرارة قوة تسهيل الصفراء والمائية بالعصر ولا يكون فيه قوة مسهلة للبلغم اللزج خصوصاً إن كان القبض أقوى عن المرارة‏.‏

وهذا كالأفسنتين‏.‏

وكل حلو مع قبض فهو حبيب إلى الأحشاء أيضاً لأنه لذيذ ومقوّ وينفع خشونة المريء لأنه يشابه المعتدل‏.‏

وكل مجفف بعفوصته أو قبضه إذا كانت فيه دسومة أو تفه أو حلاوة‏.‏

وبالجملة ما يمنع اللذع فهو منبت للحم‏.‏

فإن كان قبض مع حرافة أو مرارة وهو المركب من جوهر ناريّ وأرضي فهو يصلح للقروح التي فيها رطوبة رديئة ويصلح جداً للإدمال وقد تتركّب قوى هذه بحسب تركب قوى موادها وطعومها على القياس الذي اشترطناه قبل‏.‏

فهذا ما نقوله في الطعوم وما يلزم على أصولهم‏.‏

وأما الكلام المحقق في هذه الأمور فللعلم الطبيعي والطبيب يكفيه هذا القدر مأخوذاً منهم‏.‏

وأما الروائح فإنها تحدث عن حرارة وتحدث عن برودة ولكن مشمَها ومسعطها هي الحرارة في أكثر الأمر لأن العلة الأكثرية في تقريب الروائح إلى القوة الشامة هو جوهر لطيف بخاري وإن كان قد يجوز أن يكون على سبيل استحالة الهواء من غير تحلل شيء من ذي الرائحة إلا أن الأول هو الأكثري فجميع الروائح التي يحدق منها لذع أو تميل إلى جنبة الحلاوة فكلها حارة والتي تحسق حامضة وكرجية ندوية فكلها باردة‏.‏

والطيب أكثره حار إلا ما يصحبه تندية وتسكين من الروح والنفس كالكافور والنيلوفر فإن أجسامها لا تخلو عن جوهر مبرد يصحب الرائحة إلى الدماغ وكل طيب حار وكلذلك جميع الأفاوية وهي لذلك مصدعة‏.‏

وأما الألوان فقد قلنا فيها وعرفنا أنها تختلف في أكثر الأمر وليست كالروْائح لكنها تهدي في معنى واحد هداية أكثرية وهو أن النوع الواحد إذا اختلفت أصنافه وكان بعضه إلى البياض وبعضه إلى الصبغ الأحمر والأسود فإن الضارب إلى البياض إن كان الطبع في النوع بارداً هو أبرد والضارب إلى الآخرين أقل برداً وإن كان الطبع إلى الحرّ فالأمر بالعكس وقد يختلف هذا في أشياء لكن الأكثري هو الذي قلته فلنقل الآن في أفعال قوى الأدوية المفردة‏.‏

 المقالة الرابعة للأدوية أفعالاً كلية وأفعالاً جزئية

نقول‏:‏ إن للأدوية أفعالاً كلية وأفعالاً جزئية وأفعالاً تشبه الكلية‏.‏

والأفعال الكلية هي مثل التسخين والتبريد والجذب والدفع والادمال والتقريح وما أشبه هذه‏.‏

والأفعال الجزئية مثل المنفعة في السرطان والمنفعة في البواسير والمنفعة في اليرقان وما أشبه ذلك‏.‏

والأفعال التي تشبه الكلية فمثل الإسهال والإدرار وما أشبه ذلك‏.‏

فهذه وإن كانت جزئية لأنها أفعال في أعضاء مخصوصة وآلات مخصوصة فإنها تشبه الكلية لأنها أفعال في أمور يعمّ نفعها وضررها مع أنه ينفعل عنها البدن كله لا بالعرض‏.‏

ونحن إنما نذكر ههنا أفعالها الكلية والشبيهة بالكلية‏.‏

فأما الأفعال الكلية فمنها ما هي أوائل ومنها ما هي ثوان‏.‏

والأوائل‏:‏ هي الأفعال الأربعة التي هي التبريد والتسخين والترطيب والتجفيف وأما الثواني‏:‏ فمنها ما هي هذه الأفعال بعينها لكنها مقدرة أو مقايسة بحدّ زيادة أو نقصان مثل الإحراق ومثل العفونة ومثل الإجماد والبهوة فإنها بعينها تسخينات وتبريدات لكنها مقدرة أو مقايسة ومنها ما هي أفعال أخرى ولكنها صادرة عن هذه مثل التخدير والختم والخدر والإلزاق والتفتيح والتغرية وما أشبه ذلك‏.‏

وأما الشبيهة بالكليات فمثل الإسهال والإدرار والتعريق وقبل أن نتكلم في أفعالها فنتكلم في صفات لها في أنفسها فنقول‏:‏ إن الصفات التي للأدوية في أنفسها بعضها هي الكيفيات الأربع المعلومة وبعضها الروائح والألوان وبعضها صفات أخرى المشهور منها هي هذه اللطافة والكثافة واللزوجة والهشاشة والجمود والسيلان واللعابية والدهنية والنشف والخفة والثقل‏.‏

فالدواء اللطيف هو الذي من شأنه إذا انفعل من القوة الطبيعية التي فينا أن يتقسم في أبداننا إلى أجزاء صغيرة جداً مثل الزعفران والدارصيني وهذا الدواء أنفع في جميع تأثيراته حتى إن تجفيفه - وإن لم يكن فيه لذع - يبلغ تجفيف الشيء القوي اللاذع ونعني الكثيف ما ليس ذلك من شأنه مثل القرع والجبسين ونعني باللزج كل دواء من شأنه - الفعل أو بالقوة التي فعلها عند تأثير الحار الغريزي فيه - أن يقبل الامتداد معلقاً فلا ينقطع ما يمدّ وهو الذي لزم طرفاه جسمين يتحركان إلى المباعدة أمكن أن يتحركا معه من غير أن ينفصل ما بينهما مثل العسل‏.‏

والهشّ هو الدواء الذي يتجزأ أجزاء صغاراً بضغط يسير مع يبوسة وجمودة مثل الصبر الجيد‏.‏

والجامد هو الدواء الذي من شأنه أن يصير حيث تتحرك أجزاؤه إلى الإنبساط عن أي وضع فرض إلا أنه بالفعل ثابت عل شكله وضعه بسبب بارد جداً مثل الشمع‏.‏

وبالجملة هو الذي من شأنه أن يسيل إلا أنه غير سائل بالفعل‏.‏

والدواء السائل هو الذي لا يثبت على حالة شكله ووضعه إذا أقرّ على جرم صلب بل تتحرك أجزاؤه العليا إلى السفلى في الجهات الممكن له سلوكها مثل المائعات كلها‏.‏

والدواء اللعابي هو الذي من شأنه إذا نقّع في الماء وفي جسم مائي تميّزت منه أجزاء تخالط تلك الرطوبة ويحصل جوهر المجموع منهما إلى اللزوجة مثل بزر القطونا والخطمي‏.‏

والبزور اللعابية تسهّل بالإزلاق إلا أن تشوى فتصير لعابيتها مغرية فتحبس‏.‏

والدهني هو الدواء الذَي في جوهره شيء من الدهن مثل الحبوب‏.‏

والنشف هو الدواء اليابس بالفعل الأرضي الذي من شأنه إذا لاقاه الماء والرطوبات السيالة أن يغوص الماء وينفذ في منافذ منه خفية حتى لا يرى مثل النورة الغير المطفأة‏.‏

وأما الخفيف ثقيل فالأمر فيهما ظاهر‏.‏

وأما أفعال الأدوية فيجب أن نعدّ المشهورات على الشرائط المذكورة منها عدًا ثم لها بالرسوم والشروح لأسمائها طبقة واحدة فيقال دواء مسخّن ملطّف محلل حادّ مخشن مفتح مرخ منضج جاذب مقطع هاضم كاسر الرياح محضر محكّك مقرح أكال محرق لاذع مفتت معفن كاوٍ مقشر وطبقة أخرى مبرّد مقو رادع مغلظ مفجع مخدر وطبقة أخرى مرطب منفتح غسال موسّخ للقروح مزلق مملس وطبقة أخرى مجفف عاصر قابض مسدد مدمل منبت للحم خاتم‏.‏

وجنس آخر من صفات الأدوية بحسب أفعالها قاتل سم ترياق بادزهر وأيضاً مسهل مدر معرق‏.‏

ونحن نصف كل واحد من هذه الأفعال برسمه‏.‏

فالملطف‏:‏ هو الدواء الذي من شأنه أن يجعل قوام الخلط أرق بحرارة معتدلة مثل الزوفا والمحلل‏:‏ هو الدواء الذي من شأنه أن يفرق الخلط بتبخيره إياه وإخراجه عن موضعه الذي اشتبك فيه جزءاً بعد جزء حتى إنه بدوام فعله يفني ما يفني منه بقوة حرارته فمثل الجندبيدستر‏.‏

والجالي‏:‏ هو الدواء الذي من شأنه أن يحرّك الرطوبات اللزجة والجامدة عن فوهات المسام في مسطح العضو حتى يبعدها عنه مثل ماء العسل‏.‏

وكل دواء جالٍ فإنه بجلائه ويليّن الطبيعة وإن لم يكن فيه قوة إسهالية وكل مر جالٍ‏.‏

والمخشن‏:‏ هو الدواء الذي يجعل سطح العضو مختلف الأجزاء في الارتفاع والانخفاض إما لشدة تقبيضه مع كثافة جوهره على ما سلف وإما لشدّة حرافته مع لطافة جوهره فيقطع ويبطل الاستواء وإما لجلائه عن سطح خشن في الأصل أملس بالعرض فإذاه إذا جلا عن عضو متين القوام سطحه خشن مختلف وضع الأجزاء رطوبة لزجة سالت عليه وأحدثت سطحاً غريباً أملس خرجت الخشونة الأصلية وبرزت وهذا الدواء مثل أكاليل الملك وأكثر ظهور فعلها في التخشين إنما هو في العظام والغضاريف وأقله في الجلد‏.‏

والمفتّح‏:‏ هو الدواء الذي من شأنه أن يحرك المادة الواقعة في داخل تجويف المنافذ إلى خارج لتبقى المجاري مفتوحة وهذا أقوى من الجالي مثل فطراساليون وإنما يفعل هذا لأنه لطيف ومحلّل أو لأنه لطيف ومقطّع‏.‏

وستعلم معنى المقطع بعد أو لأنه لطيف وغسّال وستعلم معنى الغسّال بعد وكل حريف مفتّح وكل مرّ لطيف مفتح وكل لطيف سيال مفتح إذا كان إلى الحرارة أو معتدلاً وكل لطيف حامض مفتح‏.‏

والمرخَي‏:‏ هو الدواء الذي من شأنه أن يجعل قوام الأعضاء الكثيفة المسام ألين بحرارته ورطوبته فيعرض من ذلك أن تصير المسام أوسع واندفاع ما فيها من الفضول أسهل مثل ضمّاد الشبث وبزر الكتان‏.‏

والمنضج‏:‏ هو الدواء الذي من شأنه أن يفيد الخلط نضجاً لأنه مسخّن باعتدال وفيه قوة قابضة تحبس الخلط إلى أن ينضج ولا يتحلّل بعنف فيفترق رطبه من يابسه وهو الاحتراق‏.‏

والهاضم‏:‏ هو الدواء الذي من شأنه أن يفيد الغذاء هضماً وقد عرفته فيما سلف‏.‏

وكاسر الرياح‏:‏ هو الدواء الذي من شأنه أن يجعل قوام الريح رقيقاً هوائياً بحرارته وتجفيفه فيستحيل وينتفض عما يحتقن فيه مثل بزر السذاب‏.‏

والمقطع‏:‏ هو الدواء الذي من شأنه أن ينفذ بلطافته فيما بين سطح العضو والخلط اللزج الذي التزق به فيبريه عنه ولذلك يحدث لأجزائه سطوحاً متباينة بالفعل بتقسيمه إياها فيسهل اندفاعها من الموضع المتشتث به مثل الخردل والسكنجبين والمقطّع بإزاء اللزج الملتزق كما أن المحلل بإزاء الغليظ والملطّف لإزاء المكثّف وبعد كل منها الذي قرن به في الذكر وليس من شرط المقطع أن يفعل في قوام الخلط شيئاً بل في اتصاله فربما فرقه أجزاء وكل واحد منها على مثل القوام الأوّل‏.‏

والجاذب‏:‏ هو الدواء الذي من شأنه أن يحرك الرطوبات إلى الموضع الذي يلاقيه وذلك للطافته وحرارته مثل الجندبيدستر‏.‏

والدواء الشديد الجذب هو الذي يجنب من العمق نافع جداً لعرق النسا وأوجاع المفاصل الغائرة ضماداً بعد التنقية وبها ينزع الشوك والسلاء من محابسها‏.‏

واللاذع‏:‏ هو الدواء الذي له كيفية نفّاذة جداً لطيفة تحدث في الاتصال تفرّقاً كثير العدد متقارب الوضع صغيراً متغير المقدار فلا يحسّ كل واحد بانفراده وتحسّ الجملة كالموضع الواحد مثل ضماد الخردل بالخلّ أو الخلّ نفسه‏.‏

والمحمر‏:‏ هو الدواء الذي من شأنه أن يسخّن العضو الذي يلاقيه تسخيناً قوياً حتى يجذب قوى الدم إليه جذباً قوياً يبلغ ظاهره فيحمرّ وهذا الدواء مثل الخردل والتين والفودنج والقردمانا والأدوية المحمرة تفعل فعلاً مقارباً للكي‏.‏

والمحك‏:‏ هو الدواء الذي من شأنه - بجذبه وتسخينه - أن يجذب إلى المسام أخلاطاً لذاعة حاكّة ولا يبلغ أن يقرح وربما أعانه شوك زغبية صلاب الأجرام غير محسوسة كالكبيكج‏.‏

والمقرح‏:‏ هو الدواء الذي من شأنه أن يفني ويحلّل الرطوبات الواصلة بين أجزاء الجلد ويجذب المادة الرديئة إليه حتى يصير قرحة مثل البلاذر‏.‏

والمحرق‏:‏ هو الدواء الذي من شأنه أن يحلل لطيف الأخلاط وتبقى رماديتها مثل الفربيون‏.‏

والأكال‏:‏ هو الدواء الذي يبلغ من تحليله وتقريحه أن ينقص من جوهر الدم مثل الزنجار‏.‏

والمفتت‏:‏ هو الدواء الذي إذا صادف خلطاً متحجراً صغر أجزاءه ورضه مثل مفتّت الحصاة من حجر اليهودي وغيره‏.‏

والمعفن‏:‏ هو الدواء الذي من شأنه أن يفسد مزاج العضو أو مزاج الروح الصائر إلى العضو ومزاج رطوبته بالتحليل حتى لا يصد أن يكون جزءاً لذلك العضو ولا يبلغ أن يحرقه أو يأكله ويحفل رطوبته بل يبقى فيه رطوبة فاسدة يعمل فيها غير الحرارة الغريزية فيعفن وهذا مثل الزرنيج والثافسيا وغيره‏.‏

والكاوي‏:‏ هو الدواء الذي يأكل اللحم ويحرق الجلد إحراقاً مجففاً ويصلبه ويجعله كالحممة فيصير جوهر ذلك الجلد سدا لمجرى خلط سائل لو قام في وجهه ويسمى خشكريشة ويستعمل في حبس الدم من الشرايين ونحوها مثل الزاج والقلقطار‏.‏

والقاشر‏:‏ هو الدواء الذي من شأنه لفرط جلائه أن يجلو أجزاء الجلد الفاسدة مثل القسط والمبرٌد‏:‏ معروف‏.‏

والمقوي‏:‏ هو الدواء الذي من شأنه أن يعدل قوام العضو ومزاجه حتى يمتنع من قبول الفضول المنصبة إليه والآفات إما لخاصية فيه مثل الطين المختوم والترياق وإما لاعتدال مزاجه فيبرد ما هو أسخن ويسخن ما هو أبرد على ما يراه ‏"‏ جالينوس ‏"‏ في دهن الورد‏.‏

والرادع‏:‏ هو مضاد الجاذب وهو الدواء الذي من شأنه لبرده أن يحدث في العضو برداً فيكثفه به ويضيق مسامه ويكسر حرارته الجاذبة ويجمد السائل إليه أو يخثره فيمنعه عن السيلان إلى العضو ويمنع العضو عن قبوله مثل عنب الثعلب في الأورام‏.‏

والمغلظ‏:‏ هو مضاد الملطف وهو الدواء الذي من شأنه أن يصير قوام الرطوبة اغلظ إما بإجماده وإما بإخثاره وإما لمخالطته‏.‏

والمفحج‏:‏ هو مضاد الهاضم والمنضج وهو الدواء الذي من شأنه أن يبطل لبرده فعل الحار الغريزي والغريب أيضاً في الغذاء والخلط حتى يبقى غير منهضم ولا نضيج‏.‏

والمخدر‏:‏ هو الدواء البارد الذي يبلغ من تبريده للعضو إلى أن يحيل جوهر الروح الحاملة إليه قوة الحركة والحس بارداً في مزاجه غليظاً في جوهره فلا تستعمله القوى النفسانية ويحيل مزاج العضو كذلك فلا يقبل تأثير القوى النفسانية مثل الأفيون والبنج‏.‏

والمنفخ‏:‏ هو الدواء الذي في جوهره رطوبة غريبة غليظة إذا فعل فيها الحار الغريزي لم يتحلل بسرعة بل استحال ريحاً مثل اللوبيا‏.‏

وجميع ما فيه نفخ فهو مصدع ضار للعين ولكن من الأدوية والأغذية ما يحيل الهضم الأول رطوبته إلى الريح فيكون نفخه في المعدة وانحلال نفخه فيها وفي الأمعاء ومنه ما تكون الرطوبة الفضلية التي فيه - وهي مادة النفخ - لا تنفعل في المعدة شيئاً إلى أن ترد العروق أو لا تنفعل بكليتها في المعدة بل بعضها ويبقى منها ما إنما ينفعل في العروق ومنها ما ينفعل بكليته في المعدة ويستحيل ريحاً ولكن لا يتحلل برمته في المعدة بل ينفذ إلى العروق وريحيته باقية فيها‏.‏

وبالجملة كل دواء فيه رطوبة فضلية غريبة عما يخالطه فمعه نفخ مثل الزنجبيل ومثل بزر الجرجير وكل دواء له نفخ في العروق فإنه مُنْعِظ‏.‏

والغسال‏:‏ هو كل دواء من شأنه أن يجلو لا بقوة فاعلة فيه بل بقوة منفعلة تعينها الحركة أعني بالقوة المنفعلة‏:‏ الرطوبة وأعني بالحركة‏:‏ السيلان فإن السائل اللطيف إذا جرى على فوهات العروق ألان برطوبته الفضول وأزالها بسيلانه مثل ماء الشعير والماء القراح وغير ذلك‏.‏

والموسخ للقروح‏:‏ هو الدواء الرطب الذي يخالط رطوبات القروح فيصيرها أكثر ويمنع التجفيف والإدمال‏.‏

والمزلق‏:‏ هو الدواء الذي يبل سطح جسم ملاق لمجرى محتبس فيه حتى يبرئه عنه ويصير أجزاءه أقبل للسيلان للينها المستفاد منه بمخالطته ثم يتحرك عن موضعها بثقلها الطبيعي أو بالقوة الدافعة كالإجاص في إسهاله‏.‏

والمملس‏:‏ هو الدواء اللزج الذي من شأنه أن ينبسط على سطح عضو جشن انبساطاً أملس السطح فيصير ظاهر ذلك الجسم به أملس مستور الخشونة أو تسيل إليه رطوبة تنبسط هذا الانبساط‏.‏

والمجفف‏:‏ هو الدواء الذي يفني الرطوبات بتحليله ولطفه‏.‏

والقابض‏:‏ هو الدواء الذي يحدث في العضو فرط حركة أجزاء إلى الاجتماع لتتكاثف في موضعها وتنسد المجاري‏.‏

والعاصر‏:‏ هو الدواء الذي يبلغ من تقبيضه وجمعه الأجزاء إلى أن تضطر الرطوبات الرقيقة المقيمة في خللها إلى الإنضغاط والإنفصال‏.‏

والمسدد‏:‏ هو الدواء اليابس الذي يحتبس لكثافته ويبوسته أو لتغريته في المنافذ فيحدث فيها السدد‏.‏

والمغري‏:‏ هو الدواء اليابس الذي فيه رطوبة يسيرة لزجة يلتصق بها على الفوهات فيسدها فيحبس السائل فكل لزج سيال ملزق - إذا فعل فيه النار - صار مغرياً ساداً حابساً‏.‏

والمدمل‏:‏ هو الدواء الذي يجفف ويكثف الرطوبة الواقعة بين سطحي الجراحة المتجاورين حتى يصير إلى التغرية واللزوجة فيلصق أحدهما بالآخر مثل دم الأخوين والصبر‏.‏

والمنبت للحم‏:‏ هو الدواء الذي من شأنه أن يحيل الدم الوارد على الجراحة لحماً لتعديله مزاجه وعقده إياه بالتجفيف‏.‏

والخاتم‏:‏ هو الدواء المجفف الذي يجقف سطح الجراحة حتى يصير خشكريشة عليه تكنه من الآفات إلى أن ينبت الجلد الطبيعي وهو كل دواء معتدل في الفاعلين مجفّف بلالذع‏.‏

والدواء القاتل‏:‏ هو الذي يحيل المزاج إلى إفراط مفسد كالفربيون والأفيون‏.‏

والسمّ‏:‏ هو الذي يفسد المزاج لا بالمضادة فقط بل بخاصية فيه كالبيش‏.‏

والترياق والبادزهر‏:‏ فهما كل دوْاء من شأنه أن يحفظ على الروح قوته وصحته ليدفع بها ضرر السمّ عن نفسه وكان اسم الترياق بالمصنوعات أولى واسم البادزهر بالمفردات الواقعة عن الطبيعة ويشبه أن تكون النباتات من المصنوعات أحق باسم الترياق والمعدنيات باسم البادزهر ويشبه أيضاً أن لا يكون بينهما كثير فرق‏.‏

وأما المسهّل والمدر والمعرّق‏:‏ فإنها معروفة وكل لواء يجتمع فيه الإسهال مع القبض كما في السورنجان فإنه نافع في أوجاع المفاصل لأن القوّة المسهلة تبادر فتجذب المادة والقوة القابضة تبادر فتضيّق مجرى المادة فلا ترجع إليها المادّة ولا تخلفها أخرى وكل دواء محلل وفيه قبض فإنه معتدل ينمع استرخاء المفاصل وتشنجها - والأورام البلغمية والقبض والتحليل كل واحد منهما يعين في التجفيف وإذا اجتمع القبض والتحليل اشتد اليبس‏.‏

والأدوية المسهلة والمدرة في أكثر الأمر متمانعة الأفعال فإن المدرّ في أكثر الأمر يجفف الثفل والمسهل يقفل البول‏.‏

والأدوية التي يجتمع فيها قوة مسخّنة وقوّة مبرّدة فإنها نافعة للأورام الحارة في تصعدها إلي انتهائها لأنها بما تقبض تردع وبما تسخّن تحلل‏.‏

والأدوية التي تجتمع فيها الترياقية مع البرد تنفع من الدقّ منفعة جيدة والتي تجتمع فيها الترياقية مع الحرارة تنفع من برودة القلب أكثر من غيرها‏.‏

وأما القوة التي تقسم فتضع كل مزاج بإزاء مستحقه حتى لا تضع القوة المحللة في جانب المادّة لتي تنصب إلى العضو ولا المبردة في جانب المادة المنصبة عنه فهي الطبيعة الملهمة بتسخير الباري تعالى‏.‏

 المقالة الخامسة أحكام تعرض للأدوية من خارج الأدوية

قد يعرض لها أحكام بسبب الأحوال التي تعرض لها بالصناعة وذلك مثل الطبخ والسحق والإحراق بالنار والغسل والإجماد في البرد والوضع في جوار أدوية أخرى‏.‏

فإن من الأدوية ما يتغير أحكامها بما يعرض لها من هذه الأحوال وقد تتغير أحكامها بممازجتها بأدوية أخرى‏.‏

وإن كان الكلام في ذلك أشبه بالكلام في تركيب الأدوية فنقول‏:‏ إن من الأدوية أدوية كثيفة الأجرام فلا ترسل قواها في الطبخ إلا بفضل تعنيف عليها بالطبخ مثل أصل الكبر والزراوند والزرنباد وما أشبه ذلك‏.‏

ومنها أدوية معتدلة يكفيها الطبخ المعتدل فإن عنف بها تحللت قواها وتصعَدت مثل الأدوية المدرة للبول ومثل أسطو خودوس وما أشبهه‏.‏

ومنها أدوية لا تبلغ بطبخها الطبخ المعتدل بل أدنى الطبخ يكفيها فإذا زيد على إغلاءة واحدة تحلّلت قوتها وفارقت بالطبخ ولم يبق لها أثر مثل الأفتيمون فإنه إذا أجيد طبخه بطلت قوّته‏.‏

ومن الأدوية ما يبطل السحق قوته أصلاً مثل السقمونيا فيجب أن يسحق بغاية الرفق لئلا ينالها من السحق حرارة مفسدة لقوتها‏.‏

والصموغ أكثرها بهذه الصفة وتحليلها في الرطوبة أوفق من سحقها وجميع الأدوية التي يفرط في سحقها فإن أفعالها تبطل فإنه ليس كلما صغر الجرم حفظ قوته بقدره وعلى نسبة صغره بل يجوز أن يبلغ النقصان بالجسم إلى حد لا يفعل الجسم بعده من فعله الذي يخصّه شيئاً فإنه ليس إذا كان قوّة جسم تحرك حركة ماء يجب أن يكون نصف ذلك الجسم يحرّك ذلك المتحرّك عنه شيئاً أصلاً مثل عشرة أنفس ينقلون حملاً في يوم واحد فرسخاً فليس يجب أن يكون الخمسة ينقلونه شيئاً فضلاً عن أن ينقلونه نصف فرسخ ولا أيضاً أن يكون نصف ذلك الحل قد أفرد حتى تناله الخمسة مفردة فيقدرون على نقلها بل يمكن أن يكون القابل للنقل لا ينفعل عن نصف القوة أصلاً إذ هو الجملة والنصف منها غير قابل من نصفها ما يقبله في حالة الإنفراد لأنه متّصل بالنصف الآخر غير معدّ لتحريكه فيه مفرداً ولذلك ليس كلما صغر جرم الدواء وقلت قوته تجده منفعلاً في الصغر مثله ولا أيضاً يجب أن يكون هو بقدر نسبة صغره يفعل في المنفعل عن الأكبر فعلاً البتة‏.‏

على أن قوماً يرون أن التصغير يبطل الصورة والقوة وقولهم في المركّبات أقرب إلى أن لا يشتدّ استكثاره‏.‏

والأدوية إذا كان لها فعل مّا أفرط في سحقها أمكن أن تنتقل إلى نوع آخر من الفعل فإن كانت مثلاً تقوى على استفراغ خلط أو ثفل يعجز عن ذلك فيصير مستفرغاً للمائية لسقوط قوّتها لصغرها تصير أنفذ فيحصل بسرعة في عضو غير الذي يقف فيه إذا كان كثيراً فيصدر فعله عنه فيه كما حكى جالينوس‏:‏ أنه اتفق أن أفرط في سحق أخلاط الكموني فإنقلب مدراً للبول بعد ما هو في طبيعته مطلق للطبيعة فيجب أن لا يبالغ في سحق الأدوية اللطيفة الجواهر بل إنما يجب أن يبالغ في سحق الأدوية الكثيفة الجواهر وخصوصاً إذا أريد تنفيذها إلى غاية بعيدة وكانت كثيفة ثقيلة الحركة مثل أدوية الرئة إذا كانت معمولة من البُسْد واللؤلؤ المرجان والشاذنج وما أشبهها‏.‏

وأما أحكام الإحراق‏:‏ فإن من الأدوية ما يحرق لينقص من قوّته ومنها ما يحرق ليزاد في قوته‏.‏

وجميع الأدوية الحادة اللطيفة الجواهر أو معتدلتها فإنها إذا أحرقت انتقص من حرها وحدّتها بما يتحلّل من الجوهر الناري المستكن فيها مثل الزاجات والقلقطار‏.‏

وأما الأدوية التي جواهرها كثيفة وقوتها غير حارة ولا حادّة فإن الإحراق يفيدها قوة حادة مثل النورة فإنها كانت حجراً لا حدّة فيه فلما أحرق استحال حاداً‏.‏

فالدواء يُحْرَق لأحد أغراض خمسة‏:‏ إما لأن يكسر من حدته وإما لأن يفاد حدّة وإما لتلطيف جوهره الكثيف وإما لأن يهيأ للسحق وإما لأن تبطل رداءة في جوهره‏:‏ مثال الأول‏:‏ الزاج والقلقطار ومثال الثاني‏:‏ النورة ومثال الثالث‏:‏ السرطان وقرن الإيل الذي يحرق ومثال الرابع‏:‏ الإبريسم فإنه يستعمل في تقوية القلب وإن يستعمل مقرضاً أولى من أن يستعمل محرقاً لكنه لا يبلغ التقريض من تصغير أجزائه مبلغاً كافياً إلا بصعوبة فيحرق ومثال الخامس‏:‏ إحراق العقرب في غرض استعماله للحصاة‏.‏

فأما الغسل فإنه يسلب كل دواء ما يخالطه من الجوهرالحاد اللطيف ويسكن منه ويعدله‏.‏

فمنه ما يبرد به بعد الحرارة المفرطة وهذا كل دواء أرضي استفاد من الإحراق نارية فإن الغسل يبرئه عنها مثل النورة المغسولة فإنها تبقى معتدلة ويزول إحراقها‏.‏

ومنه ما ليس الغرض تبريده فقط بل الغرض منه التمكن من تصغير أجزائه وتصقيلها حتى يبلغ الغاية مثل سحق التوتيا في الماء‏.‏

ومنه ما يغسل لتفارقه قوة لا تراد مثل الاستقصاء في غسل الحجر الأرمني واللازورد حتى تفارقها القوة المغثية‏.‏

وأما الجمود‏:‏ فإن كل دواء جمد فالقوة اللطيفة فيه تبطل وتزداد برداً اٍ ن كان بارد الجوهر‏.‏

وأما المجاورة فإن الأدوية قد تكتسب بالمجاورة كيفيات غريبة حتى تستحيل أفعالها فإن كثيراً من الأدوية الباردة تصير حارة التأثير لاستفادتها من مجاورة الحلتيت والإفربيون والجندبيدستر والمسك كيفية حارة‏.‏

وكثير من الأدويةالحارة تصير باردة التأثير لاستفادتها من مجاورة الكافور والصندل كيفية بارعة‏.‏

فيجب أن يعلم هذا من أمر الأدوية ويجتنب الأجناس المختلفة بعضها من مجاورة بعض‏.‏

وأما أحكام الممازجة‏:‏ فإن الأدوية تقوّي أفعالها بالممازجة وتارة تبطل أفعالها بالممازجة وتارة تصلح وتزول غوائلها‏.‏

مثال الأول‏:‏ أن بعض الأدوية يكون فيه قوة مسهلة إلا أنها تحتاج إلى معين إذ ليس لها في طبعها معين قوي فإذا قارنها المعين فعلت بقوة مثل التربد فإذا له قوة مسهلة لكنه ضعيف الحدة فلا يقوى على تحليل شديد فيستفرغ ما حضر من رقيق البلغم فإذا قرن به الزنجبيل أسهل بمعونة حدثه خلطاً كثيراً لزجاً بارداً زجاجياً وأسرع إسهاله‏.‏

وكذلك الأفتيمون بطيء الإسهال فإذا قارنه الفلفل والأدوية اللطيفة أسهل بسرعة لأنها تعينه في التحليل وكذلك الزراوند فيه قوة قابضة قوية إلا أن معها قوة مفتحة تنقص من فعلها فإن خلط بالطين الأرمني أو بالأقاقيا قبض قبضاً شديداً وقد يخلط للتنفيذ والبذرقة كالزعفران يخلط مع الورد والكافور والبسد لينفذها إلى القلب وقد يخلط لضد ذلك مثل بزر الفجل يخلط بالملطفات النفاذة ليحبسها في الكبد مدة يتم فيها الفعل المقصود الذي إذا نفذ في الكبد بلطافتها استعجلت قبل تمام الفعل فبزر الفجل يحرك إلى القيء فيثبط ما يتحرك إلى العروق بالمضادة‏.‏

وأما التي تبطل بالممازجة‏:‏ فمثل أن يكون دواءان يفعلان فعلاً واحداً ولكن بقوتين متضادتين فإذا اجتمعا فإن اتفق أن يكون أحدهما أسبق إلى الفعل فعل فعلاً وإن لم يسبق أحدهما الآخر تمانعا مثل البنفسج والهليلج فإن البنفسج مسهّل بالتليين والهليلج مسقل بالعصر والتكثيف فإذا ورد على المادة فعلاهما معاً تباطلا فإن سبق الهليلج ثم ورد عليه البنفسج وأما الثالث‏:‏ فمثاله الصبر والكثيراء والمقل فإن الصبر يسهّل وينقي المعيّ إلا أنه يسحج ويفتح أفواه العروق‏.‏

والكثيراء مغر والمقل قابض فإذا صحبه الكثيراء والمقل غرّى الكثيراء ما جرده الصبر وقوَّى المقل أفواه العروق فكانت سلامة فهذه قوانين وأمثلة نافعة في معرفة طبائع الأدوية واستعمالها‏.‏

 المقالة السادسة في التقاط الأدوية وادّخارها

فنقول‏:‏ إن الأدوية بعضها معدنية وبعضها نباتية وبعضْها حيوانية‏.‏

والمعدنية أفضلها ما كان من المعادن المعروفة بها مثل القلقند القبرصي والزاج الكرماني ثم أن تكون نقية عن الخلط الغريب بل يجب أن يكون الملتقط هو الجوهر الصرف من بابه غير منكسر في لونه وطعمه الذي يخصّه‏.‏

وأما النباتية فمنها أوراق ومنها بزور ومنها أصول وقضبان ومنها زهر ومنها ثمار ومنها جملة النبات كما هو‏.‏

والأوراق يجب أن تجتنى بعد تمام أخذها من الحجم الذي لها وبقائها على هيئتها قبل أن يتغير لونها وينكسر فضلاً عن أن تسقط وتنتثر‏.‏

وأما البزور فيجب أن تلتقط بعد أن يستحكم جرمها وتنفش عنها الفجاجة والمائية‏.‏

وأما الأصول فيجب أن تؤخذ كما تريد أن تسقط الأوراق‏.‏وأما القضبان فيجب أن تجتنى وقد أدركت ولم تأخذ في الذبول والتشنج‏.‏

وأما الزهر فيجب أن يجتنى بعد التفتيح التام وقبل التذبل والسقوط‏.‏

وأما الثمار فيجب أن تجتنى بعد تمام إدراكها وقبل استعدادها للسقوط‏.‏

وأما المأخوذ بجملته فيجب أن يؤخذ على غضاضته عند إدراك بزره‏.‏

وكلما كانت الأصول أقلّ تشنجاً والقضبان أقلّ تذبلاً والبزور أسمن وأكثر امتلاء والفواكه أشد اكتنازاً وأرزن فهو أجود‏.‏

والعظم لا يغني مع الذبول والانقصاف بل إن كان مع رزانة فهو فاضل جداً‏.‏

والمجتنى في صفاء الهواء أفضل من المجتنى في حال رطوبة الهواء وقرب العهد بالمطر‏.‏والبرية كلها أقوى من البستانية وأصغر حجماً في الأكثر والجبلية أقوى من البرية والتي مجانبها مروج ومشرفات أقوى من غيرها والتي أصيب وقت جناها أقوى من التي أخطىء زمانه وكل هذا في الأغلب الأكثر‏.‏

وكلما كان لونه أشبع وطعمه أظهر ورائحته أذكى فهو أقوى في بابه‏.‏

والحشيش يضعف بعد سنين ثلاث إلا ما يستنثى من أدوية معدودة مثل الخربقين فإنهما أطول مدة بقاء‏.‏

وأما الصموغ فيجب أن تجتنى بعد الانعقاد قبل الجفاف المعمد للإفراك وقوة أكثرها لا تبقى بعد ثلاث سنين خصوصاً الإفربيون ولكن الأقوى من كل طبقة يطول مدة بقائه على جودته فإذا أعوز الطري القوي وأما الحيوانيات فيجب أن تؤخذ من الحيوانات الشابة في زمان الربيع ويختار أصحها أجساماً وأتمها أعضاء وأن ينزع منها ما ينزع بعد ذكاة ولا تلتفت إلى المأخوذ من الحيوانات الميّتة بأمراض تحدث لها‏.‏

فهذه هي القوانين الكلية التي تجب أن تكون عتيدة عند الطبيب في أمر الأدوية المفردة‏.‏

والآن فإنا نأخذ في الجملة الثانية ونريد أن نتكلم على طبائع الأدوية المفردة المعروفة عندنا والتي هي قريبة من أن يمكننا معرفتها إذا تتبع أثرها تقدّماً للعلاماث الصحيحة لها ونهمل ذكر أدوية لسنا نقف منها إلا على الأسامي فقط ونرتب الألواح المذكورة بأصباغها‏.‏

  السابق   الفهرس   التالي